بعدما ساعدته على وأد الثورة.. هل انقلب قيس سعيد على الدولة العميقة بتونس؟

12

طباعة

مشاركة

شنت سلطات الانقلاب التونسية بداية من 11 فبراير/ شباط 2023 حملة اعتقالات نالت عددا من قيادات المعارضة السياسية في تونس، بالإضافة إلى مدير أحد الإذاعات المحلية.

ومنذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، تشهد تونس العديد من الاعتقالات والإحالة على المحاكمات المدنية والعسكرية والوضع تحت الإقامة الجبرية لسياسيين وإعلاميين ونقابيين من مختلف المشارب والمكونات السياسية.

لكن اللافت في حملة الاعتقالات الأخيرة، أنها شملت رجل الأعمال المثير للجدل كمال لطيف الذي تدور حوله روايات عديدة حول تأثيره في السلطة وصناعة القرار السياسي في تونس.

وذلك منذ وصول الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى الحكم عام 1987، ليستمرّ هذا الدور بعد الثورة بأشكال مختلفة حتى أطلق عليه لقب "رجل الظل" و"الحاضر الغائب" في المشهد السياسي.

وحمل هذا الاعتقال تأويلات متعددة حول حجم الصراع الذي يخوضه قيس سعيد مع الدولة العميقة التي اتهمت بدعمه في تنفيذ انقلابه في 25 يوليو/ تموز 2021، ومدى قدرة الرئيس قيس سعيد على خوض مجموعة من المعارك المتداخلة في آن واحد. 

خطوة مفاجئة

بدأت سلسلة الاعتقالات الجديدة بمداهمة منزل الناشط السياسي والقيادي في حزب التكتل من أجل العمل والحريات  خيام التركي مساء يوم 11 فبراير، على خلفية مأدبة غذاء كان قد دعا لها عددا من قيادات المعارضة السياسية في تونس بحسب ما أكّده فريق دفاعه.

نفذت بعدها قوات الأمن سلسلة من الاعتقالات في صفوف عدد من المعارضين سبق لهم الالتقاء بخيام التركي خلال الفترة الماضية، ووجهت لجميعهم تهم التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي.

حيث تم مداهمة منزل القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي قبل أن يتم ملاحقة وإيقاف المحامي والناشط السياسي لزهر العكرمي والوزير السابق نور الدين البحري.

وفي نفس اليوم، أكّدت وسائل إعلام محلية نقلا عن محامين أنّه تمت مداهمة منزل رجل الأعمال كمال اللطيف وإحالته على القطب القضائي للإرهاب دون الكشف عن الاتهامات الموجهة له.

وما يزيد من غرابة إيقاف لطيف، أن الرجل لم يكشف عن موقف معارض لقيس سعيّد بعد انقلاب 25 يوليو 2021.

كما أن المعروف عنه توتر علاقته بحركة النهضة والقوى المحسوبة على ثورة العام 2011، إذ اتهم لطيف مرارا بأنه يقود الثورة المضادة في تونس.

وبرز اسم كمال اللطيف على سطح الأحداث في تونس بعد عام 2011، من خلال تصريحات لوزير الداخلية في الحكومة الانتقالية حينها فرحات الراجحي.

كشف فيها وجود حكومة ظل تسيّر البلاد يقودها لطيف وتمكّنت من تجاوز آثار رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ونجحت في تعيين الباجي قائد السبسي رئيسا للحكومة حينها.

رجل الظل 

ويعود اقتحام كمال لطيف الحياة السياسية مقترنا بصعود الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إلى المناصب السامية في الدولة عبر بوابة وزارة الداخلية.

وهو ما أكّده في مقابلة مع جريدة الحياة اللندنية في 6 مايو/ أيار 2011.

حيث قال آنذاك "بعد أحداث انتفاضة الخبز الدامية عام 1985، أقنعتُ رئيس الوزراء آنذاك محمد مزالي باستدعاء بن علي الذي كان تولى منصب مدير عام الأمن الوطني في أعقاب الإضراب العام الذي شنّه الاتحاد العام التونسي للشغل، في 1978. 

وأضاف: "ووافق مزالي فعدتُ إلى مكتبي وهاتفتُ بن علي الذي كان سفيراً في وارسو لأزفّ له القرار".

وتابع: "منذ تلك اللحظة تسلّق الرجل سريعا درجات السلّم من وزير مكلف بالأمن لدى وزير الداخلية إلى وزير داخلية، فرئيس وزراء في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 1987 حتى تربّع على سدة الرئاسة بعد 35 يوما فقط من تسلّمه رئاسة الوزراء".

وربطت كمال لطيف قبل وصول بن علي للحكم وبعده علاقات جيدة بالسفراء والبعثات الدبلوماسية في تونس، كما كانت له شبكة علاقات واسعة بالصحفيين والناشطين السياسيين من مختلف الانتماءات.

إلا أن موقفه السلبي من ليلى الطرابلسي أدى إلى إفساد علاقته ببن علي بعد زواجه بها، وتزايد نفوذ عائلتها في دوائر الحكم في تونس، ما أدى إلى تحجيم دوره والتضييق عليه.

في تلك الفترة تحول  مكتبه في شارع بيروت، وسط العاصمة  تونس، محجا لساسة وصحفيين موالين للنظام القائم ومعارضين له، وهو ما برّر الدور الذي لعبه في آخر أيام نظام بن علي وبعده.

وكشفت التسريبات الصوتية التي نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في الذكرى الـ11 للثورة التونسية إجراء بن علي اتصالا بكمال لطيف يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 من طائرته المتوجهة حينها للسعودية أخبره فيها بأن وزير الدفاع طمأنه بأن الأحداث تحت السيطرة.

لكن لطيف  أجابه "لا، لا، لا، الوضع يتغير بسرعة والجيش لا يكفي"، ليسأله بن علي مرة أخرى "هل تنصحني بالعودة الآن أم لا؟" فكان رده: "الأمور ليست جيدة".

خطوة استعراضية

يوم 19 يناير 2013، توجهت فرقة أمنية لمنزل كمال لطيف لمحاولة اعتقاله قبل أن تتراجع في نفس اليوم وتتخلى وزارة الداخلية في تونس التي كان يديرها حينها القيادي في حركة النهضة علي العريض عن الفكرة لأسباب مجهولة.

في وقت كان يروج حينها أن كمال لطيف مسؤول على عدة توترات سياسية واجتماعية في البلاد بعد انتخابات عام 2011، بالإضافة إلى حملات إعلامية لتشويه حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة آنذاك.

كما أصبحت القوى السياسية المحسوبة على التيار الثوري حينها تعتقد أن الرجل يقف وراء تأسيس حزب نداء تونس ووصول الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي للرئاسة في انتخابات عام 2014.

لذلك ظهر اعتقال كمال لطيف خلال هذه الفترة التي تشهد مواجهة مفتوحة بين قيس سعيد والمعارضة السياسية أمرا غريبا.

وزاده غرابة عدم تطرق أي من الأبواق الإعلامية للرئيس التونسي له تمهيدا لاعتقاله مثلما جرى مع عدد من الشخصيات السياسية أو النقابية أو القضاة.

وأوضح المحامي سمير ديلو لـ"الاستقلال"، أن " إيقاف لطيف يعود بحسب المعلومات المتوفرة من محاميه إلى استقباله لبعض الدبلوماسيين في منزله، وأنه من الأمور الطريفة والغريبة أنه بعد التفتيش تمّ العثور على 140 بطاقة زيارة  بمنزل الرجل وهو ما تم تضمينه في ملف القضية التي تم إيقافه بموجبها" .

وأضاف ديلو وهو عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين بتونس: "يبدو أن هناك أنواعا للاعتقالات في تونس الآن، ومنها ايقافات استعراضية لإثارة الرأي العام والإيهام بوجود حملة لمكافحة الفساد والتصدّي للمحتكرين والمتآمرين ".

وكان قد أكد ديلو في تصريحات على هامش ندوة سياسية عقدتها جبهة الخلاص الوطني أخيرا، أنه "تم التدرّج في تونس من الانتهاكات والخروقات إلى العبث القانوني فالجنون القانوني ثم إلى المسخرة القانونية".

وأضاف في الندوة التي جاءت تحت عنوان "حملة الاعتقالات السياسية وتصاعد الأزمة السياسيّة في البلاد"، "يوجد اليوم بدعة الاحتفاظ بمواطن  بحثا عن قضية له، وهذا اختراع جديد لم تعرفه تونس قبل اليوم، إذ يقع الاحتفاظ بالشخص ثم البحث له عن قضيّة، لا إيقافه بناء على معطيات معيّنة". 

ورأى القيادي في جبهة الخلاص أن هذه الإيقافات "ليست لتخويف المعارضين وترويعهم، فهم لا يخافون، بل هي لبث الخوف في صفوف بقية المواطنين".

ولكن يرى كثير من المتابعين أن الاعتقالات الأخيرة ومن بينها إيقاف رجل الأعمال كمال لطيف تزيد المشهد التونسي غموضا وتفتح الأبواب أمام سيناريوهات عديدة.

حيث يعد إقدام الرئيس التونسي على هذه الحملة أقرب للمغامرة غير المحسوبة في وقت يتجه فيه للتصعيد مع الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة بعد تظاهرات يوم 18 فبراير/شباط 2023  المنددة بإيقاف عدد من النقابيين والتي رد عليها قيس سعيد بطرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات، الإيرلندية إيستر لينش من البلاد، بسبب حضورها في تونس دعما لاتحاد الشغل.

إلا أن جزءا آخر من التونسيين يرون أن قيس سعيد يخوض في هذه المرحلة معركة إسكات الجميع متسلّحا بانقسام المعارضة ومواصلتها في النبش في خلافات الماضي.

إضافة إلى التناقضات الموجودة بينها وبين المنظمة النقابية في وقت يتضاعف فيه عزوف المواطنين عن الاهتمام بالشأن العام نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية وانشغالهم بالأزمات اليومية لفقدان المواد الأساسية والغلاء وتدهور خدمات التعليم والصحة.