توقيت حساس.. ما علاقة زيارة رئيس إيران إلى الصين بجزر الإمارات المحتلة؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في غمرة الأحداث المتلاحقة التي تعيشها إيران، أجرى الرئيس إبراهيم رئيسي زيارة إلى الصين استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها بنظيره الصيني شي جين بينغ، ما أثار جملة من التساؤلات عن توقيت الزيارة ودوافعها.

وتأتي زيارة رئيسي إلى بكين في 14 فبراير/ شباط 2023، في وقت تشهد فيه إيران أزمة اقتصادية كبيرة تتزامن مع احتجاجات متواصلة اندلعت إثر مقتل الشابة مهسا أميني في 16 سبتمبر/ أيلول 2022، عل يد "شرطة الأخلاق" بحجة انتهاكها "قواعد اللباس".

تفعيل الاتفاقيات

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الصيني في بيكين، قال رئيسي إن "المحادثات كانت بناءة، وتشمل تعزيز التعاون المشترك على مختلف الأصعدة"، مشيرا إلى أن "إيران تؤكد على التعددية بوصفها نهجا عالميا ومحورا مشتركا لمواقف البلدين دوليا".

من جهته، قال شي، إن الصين تدعم إيران فيما يتعلق بحماية حقوقها المشروعة، وتشجع على التوصل إلى حل سريع ومناسب للقضية النووية الإيرانية، مؤكدا أن "الصين ستواصل المشاركة البناءة في المفاوضات بشأن استئناف الاتفاق النووي الإيراني".

وقبيل زيارته إلى بكين، نشر رئيسي في 12 فبراير، مقالا بصحيفة الشعب التابعة للحزب الحاكم في الصين تحت عنوان "الأصدقاء القدامى أفضل شريك لمستقبل مشرق"، أكد فيه عزم طهران للنهوض بالشراكة الإستراتيجية على الصعيدين السياسي والاقتصادي مع بكين.

وذكر رئيسي خلال مقاله بتاريخ العلاقات بين الشعبين الإيراني والصيني طوال القرون الماضية، متحدثا عن القواسم المشتركة بين البلدين فيما يخصّ التطورات الدولية، ولا سيما معارضتها "الهيمنة والأحادية، وتأكيدهما ضرورة احترام حقوق ومصالح جميع الدول". وفق قوله.

وقالت وسائل إعلام إيرانية رسمية إن بكين وطهران وقعتا خلال السنوات الماضية 20 وثيقة تعاون في مجالات النقل والطاقة والبنى التحتية بقيمة نحو 12 مليار دولار، وزيارة رئيسي ترمي إلى تفعيل تلك الاتفاقات.

ولعل من أبرز الاتفاقات بين البلدين، هي تلك التي وقعت عام 2021 وأطلق عليها "الاتفاقية الإستراتيجية واسعة النطاق" كون مدتها 25 عاما، والتي جاءت في وقت تشدد فيه الولايات المتحدة عقوباتها القاسية على إيران.

من جانبه، وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الصين بأنها الشريك التجاري الأول لبلاده، وزيارة رئيسي إليها ترمي إلى تعزيز علاقاتهما على شتى الأصعدة، مشيرا إلى أن الاتفاقية الشاملة الموقعة بينهما تمثل خارطة طريق للتعاون.

وفي مؤتمره الصحفي الأسبوعي، شدد كنعاني، في 12 فبراير، على أن الزيارة ستوفر أرضية لتنفيذ الاتفاقية بعيدة المدى وهناك وثائق واتفاقيات سوف يتم توقيعها في هذا الإطار، واصفا نتيجة التعاون بين البلدين بأنها كانت إيجابية حتى الآن.

وفي السياق ذاته، أعلن نائب رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية للشؤون السياسية محمد جمشيدي، أن الزيارة ترمي إلى وضع اللمسات النهائية لتنفيذ الاتفاقية الشاملة الأخيرة، وتأتي في إطار سياسة طهران الرامية إلى التقارب الاقتصادي مع التركيز على المنطقة الآسيوية.

وأكد جمشيدي، في تصريحات للتلفزيون الإيراني في 12 فبراير، أن بلاده تتطلع إلى تعاون اقتصادي مكثف من الجانب الصيني انطلاقا من الشراكة الإستراتيجية بينهما.

ودلت تركيبة الوفد الإيراني المرافق لرئيسي في زيارته إلى الصين على الأهمية الاقتصادية للزيارة، إذ يرافقه كل من وزير الخارجية، ومساعده للشؤون السياسية، ووزراء الاقتصاد، والنفط، والصناعة والمناجم والتجارة، والزراعة، والطرق والإسكان، ومحافظ البنك المركزي الإيراني.

توقيت حساس

وعن سر توقيت الزيارة، قال الخبير الصيني في الشؤون الدولية بمعهد "شيامن" للدراسات والأبحاث، لي وان تسي، في 14 فبراير، إن "زيارة الرئيس الإيراني إلى بكين تأتي في وقت حساس لكلا البلدين".

وأضاف في تصريح لصحيفة "العربي الجديد": "الصين تواجه تحديات كبيرة مع توتر العلاقات مع أميركا على جميع الأصعدة، التجارية والتكنولوجية والأمنية والعسكرية، وآخرها أزمة المنطايد التي تسببت في إرجاء زيارة مقررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين".

أما بالنسبة لإيران، يتابع الخبير، فهي تعاني تحت وطأة العقوبات والضغوط الغربية، بسبب تعاملها الصارم مع الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد، فضلا عن تعليق المحادثات النووية مع القوى العالمية".

كما لفت إلى أن "العلاقة بين بكين وطهران شهدت توترا خلال الشهرين الأخيرين، بسبب الإعلان المشترك الصادر عن قمة الرئيس الصيني وقادة دول الخليج في ديسمبر/ كانون الأول 2022، والذي نص على أن تستخدم دولة الإمارات، المفاوضات لحل نزاعاتها الإقليمية مع إيران بشأن الجزر المتنازع عليها في مضيق هرمز، ما أثار إحباط طهران".

ولفت إلى أن "إيران استدعت بعد القمة سفير الصين لديها،  كما أعربت في اجتماع لاحق مع نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خو تشون خوا، في طهران، عن استيائها من البيان المشترك".

ورأى الخبير أن "الزيارة التي دعا لها الرئيس الصيني، تأتي لخفض التوتر وتنقية الأجواء، وتأكيد موقف بكين الداعم بقوة للجهود الإيرانية في الدفاع عن سيادة وسلامة أراضيها، إلى جانب تعزيز التعاون الثنائي، وتحصين الجبهة المناهضة لسياسات وإملاءات الولايات المتحدة".

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب علي عاطف أن "المخاوف الإيرانية من تراجع مستوى التعاون الاقتصادي والسياسي مع بكين مستقبلا وتحول المسار لصالح الدول العربية كانت بادية للغاية خلال الشهرين الأخيرين منذ انعقاد القمة العربية الصينية في ديسمبر 2022، ما مثل دافعا لدى طهران لمحاولة الالتفاف على هذا المسار".

وأردف الكاتب خلال مقال نشره موقع المرصد المصري" للفكر والدراسات الإستراتيجية في 14 فبراير: "منذ انعقاد القمة العربية الصينية، شرعت إيران في تعزيز تقاربها مع الصين والتأكيد في الوقت نفسه على العلاقات الوثيقة. لذا تعد زيارة رئيسي محاولة للالتفاف على الاهتمام الصيني المتنامي بالشراكة مع دول شرق أوسطية غير إيران".

وتحتل إيران ثلاث جزر إماراتية بالخليج العربي، هي "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" و"أبو موسى"، وذلك منذ عام 1971 مع انسحاب القوات البريطانية من المنطقة، بينما ترى طهران أن الجزر جزء لا يتجزأ من أراضيها.

وعن النقطة ذاتها، تحدثت صحيفة  "تايمز" البريطانية، قائلة إن "رئيسي يزور العاصمة الصينية في محاولة لإصلاح الخلافات السياسية الأخيرة بين البلدين وبناء أرضية مشتركة بصفتهما الخصمين المهمين للولايات المتحدة".

وأوضحت الصحفية في 13 فبراير، أن بكين التي تستورد معظم نفطها من الشرق الأوسط تحاول المشي على حبل رقيق بين إيران ومنافستها الرئيسة، السعودية، لافتة إلى أن أسباب عدة تجعل رئيسي يشعر أنه يخسر أمام السعودية في التنافس للحصول على صداقة شي".

"الأسد والتنين"

وعن أبعاد الزيارة، قال الكاتب كمال خلف أيضا، إن " الزيارة تتويج لرحلة مباحثات وتنسيق بين البلدين بدأت منذ عام 2016 خلال زيارة الرئيس الصيني لإيران، لتصل إلى مرحلة ولادة وثيقة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، والتي سمتها صحافة إيران بـ(ميثاق الأسد والتنين)".

وأوضح الكاتب في مقال بصحيفة "رأي اليوم" في 14 فبراير، أن "تلك ليست اتفاقية عادية لتعزيز التعاون بين دولتين، بل تعد تحولا مفصليا في تاريخ العلاقات بين البلدين، ليس هذا فحسب إنما تأثيراتها في مستقبل المنطقة يضعها موضع اهتمام إقليمي ودولي وتحديدا من أميركا التي تنظر بقلق بالغ لهذا التعاون الإستراتيجي من اتجاهين".

وبين خلف أن "الاتجاه الأول، أن إيران ستتحول بموجب ذلك من لاعب إقليمي مهم الى قوة إقليمية ولاعب مؤثر في المسرح الدولي إلى جانب الكبار، والاتجاه الثاني الزحف الصيني المستمر والمتصاعد وقدرة بكين على جذب المزيد من الدول الراغبة في التعاون وفق منطق المصالح المتبادلة وليس الفرض والهيمنة والغطرسة".

وأردف: "باختصار، تنظر واشنطن الى الاتفاقية بصفتها تقويضا لنفوذها في منطقة غرب آسيا. وعلى خلفية هذا القلق شنت وسائل الإعلام الأميركية حملة تشويه واسعة ضد الوثيقة الإيرانية الصينية منذ لحظة انطلاق المباحثات حولها قبل سبع سنوات، ونشرت تسريبات عن مضمونها حتى قبل أن تنجز بنودها".

وأشار الكاتب إلى أن "تلك التسريبات تضمنت ادعاءات حول تأجير إيران لجزر في مياهها الإقليمية للصين والسماح لها بإقامة قواعد عسكرية، وكان الهدف من تلك الأخبار إثارة جدل في الداخل الإيراني وجس النبض واستطلاع لما يمكن أن تكون عليه هذه الوثيقة المجهولة المضامين".

وفي مارس/ آذار 2021، وقع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف مع نظيره الصيني آنذاك وانج يي على اتفاقية اقتصادية إستراتيجية شاملة لمدة 25 عاما تنص على قيام الصين بضخ استثمارات هائلة في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والدفاعية الإيرانية تصل إلى 400 مليار دولار، مقابل امتيازات تمنحها طهران لبكين في قطاعات الطاقة.

وطبقا لبنود هذه الاتفاقية، بات من المقرر أن تستثمر الصين حوالي 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، و120 مليار دولار أخرى في قطاع البنى التحتية للتصنيع في إيران.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ هو من طرح الفكرة منذ البداية خلال زيارته إلى إيران عام 2016، واستمر الحديث بشأنها سنوات حتى بدت حاجة طهران القوية إلى مثل هذه الاتفاقية مع تصدع الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، في مايو 2018 مع إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خروج بلاده منها.