موريتانيا تعلن عن "بيت مال الزكاة".. هل يجد طريقه إلى التفعيل؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بفرحة واستبشار وتوجس وتخوف أيضا، استقبل الشارع الموريتاني خبر الإعلان عن تأسيس صندوق يعنى بجمع الزكاة في البلاد.

ووقع الوزير الأول (رئيس الوزراء)، محمد ولد بلال، في 27 يناير/ كانون الثاني 2023، مرسوما أنشأ بموجبه حسابا خاصا باسم "بيت مال الزكاة الموريتاني"، هدفه جمع وصرف أموال الزكاة.

ووفق ما ورد بصحيفة "الأخبار" المحلية في 30 يناير 2023، فقد أخضع المرسوم "بيت مال الزكاة" لوصاية وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي.

فيما كلف ولد بلال وزيري الشؤون الإسلامية والمالية كلا فيما يعنيه بتنفيذ مضامين المرسوم.

مضامين المرسوم

وبحسب المصدر ذاته، عدَّد المرسوم مهام بيت مال الزكاة، ومنها الإسهام في تنظيم الزكاة وترشيدها وتوجيهها لخدمة السياسات الاجتماعية والبرامج التنموية.

وأيضا "تشجيع الأغنياء وميسوري الحال على الإسهام في سياسات التكافل الاجتماعي من خلال دفع الزكاة، وتعميق البحث العلمي في أحكام الزكاة ونوازلها المعاصرة، والتوعية المستمرة بأهمية إخراجها، وإشاعة أحكامها بين الناس".

وحدد المرسوم مداخيل "بيت مال الزكاة" في "الزكاة المدفوعة على المستوى الوطني، والزكاة المقدمة من طرف الموريتانيين في الخارج والمسلمين أيا كانت جنسياتهم".

وانفتح على المصادر الخارجية، حيث تحدث عن "الزكاة المحوّلة من طرف مؤسسات الزكاة في العالم، والدعم المقدم من طرف الدولة، وعائدات استثمارات الزكاة، والهبات والوصايا".

ويأتي المرسوم الوزاري، بعد أن صادق مجلس الوزراء والذي ترأس أشغاله رئيس الجمهورية، محمد ولد الغزواني في 26 ديسمبر/ كانون أول 2022، على تأسيس بيت مال الزكاة.

ووفق "صحراء ميديا" المحلي في 26 ديسمبر 2022، فإن مشروع مرسوم بيت مال الزكاة يأتي في إطار تنفيذ برنامج ولد الغزواني الانتخابي، وفق بيان لمجلس الوزراء.

وتعهد ولد الغزواني في برنامجه الانتخابي لعام 2019 بالعمل على إنشاء هيئة وطنية تعنى بجباية الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية.

وبخصوص باقي مضامين المرسوم، فقد ذكر موقع "الفكر" الموريتاني، في 30 يناير 2023، أن المرسوم حدد في مواده طرق جباية وصرف الزكاة والمسيرين وجهة الوصاية، فضلا عن المقاصد العامة لهذا المرفق.

وحددت المادة الثالثة مهام بيت مال الزكاة في "تيسير أداء فريضة الزكاة جمعا وصرفا، من خلال جباية أموال الزكاة وصرفها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وبما يحقق مقاصد الشرع منها".

وأسندت المادة السادسة من المرسوم مهمة المصادقة على نفقات بيت الزكاة، إلى لجنة مكونة من أشخاص منتدبين معروفين بالعلم والخبرة والاستقامة، بينما نصت المادة الخامسة على صرف أمواله للفئات المحددة في الشريعة الإسلامية.

ونصت المادة الثامنة من المرسوم على أنه "يخضع بيت مال الزكاة الموريتاني للرقابة والتدقيق بشكل دوري.

تفاعل مجتمعي

تفاعل كبير على المستوى المجتمعي رافق الإعلان عن صدور المرسوم، لاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أشادت في عمومها بالخطوة المتخذة، معبرين عن أملهم في بلوغها للمقاصد المعلنة خلف تأسيس الصندوق.

وفي هذا الصدد، أكد المدير العام للمؤسسة الوطنية للأوقاف، أحمد ولد علال، أن الخطوة المتخذة تستحق الإشادة والتنويه، موضحا أن "الزكاة تعود بالفائدة على المجتمع، ومن ذلك تحسين الوضع الاجتماعي والمعيشي للمحتاجين… والعمل على المساواة الاقتصادية بين أفراد المجتمع".

وشدد ولد علال في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 31 يناير 2023، على أنها "تخفف من الفقر في المجتمع، وتساعد على المساواة الاقتصادية، كما تساهم في تحسين الأوضاع المالية للفقراء والمحتاجين وتساعدهم على تلبية أهم احتياجاتهم المعيشية.

واسترسل: "فضلا أنها تساهم في زيادة مستوى الأمان في المجتمع، فهي تحد من السرقة والتسول، لذلك فهي تزيد مستوى الأمان في المجتمع".

وأردف ولد علال: "الزكاة تزيد الثقة بين أفراد المجتمع، وتساعد في الترابط الاجتماعي، كما أنها تقوم بتوطيد العلاقات الاجتماعية وخلق الصداقات والألفة بين أفراد المجتمع".

بدوره، قال الباحث القانوني، الشيخ سيداتي أحمد مولود، في تدوينة بحسابه على فيسبوك، td 30 يناير 2023، "بعد عمل دؤوب وفكر ناضج وتخطيط عميق لما ينفع الناس ويمكث في الأرض ها هو (بيت مال الزكاة الموريتاني) يخرج إلى الوجود".

وأردف: "شكرا لأصحاب الفكر الخلاق وأصحاب المبادرات القيمة، شكرا لكل من أضاف جديدا نافعا في قطاعه هكذا يكون الوزراء.. شكرا لكم معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الدكتور الداه سيدي اعمر طالب".

أما الباحث الاجتماعي محمد محمود سيدي يحيى، فقال في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 31 يناير 2023، إن إنشاء بيت الزكاة هو "حلم قديم طالما راود العلماء والأمراء والمصلحين".

وأردف: هو "تقليد إسلامي أصيل يحفظ الركن الثالث من أركان الشريعة الإسلامية.. وحق ثابت أوجبه الله للفقراء في أموال الأغنياء".

ووصف سيدي يحيى الإعلان عن مرسوم بيت الزكاة بالإنجاز الاجتماعي الكبير، قائلا إنه "إنجاز يؤكد ما يقوله الدستور الموريتاني أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للقوانين في هذا البلد".

وخلص للتأكيد على أنه "إنجاز لصالح الدين والمجتمع والأمة".

إضافة نوعية

يرى الباحث في العلوم الشرعية والاقتصاد الإسلامي، محمد أحمد لعلي جامع، أن "إنشاء بيت مال الزكاة الموريتاني إضافة نوعية ورافد اقتصادي يمكن للدولة من خلاله أن تحدّ من انتشار الفقر".

وشدد لعلي جامع لـ"الاستقلال" على أن "الصندوق سيكون له أثر إيجابي على الصعيد الاجتماعي، إذا ما تم توزيع عوائده بطريقة صحيحة، وصرف في مصاريف الزكاة التي بينها الشرع".

وقال: "مما لا شك فيه أن فيه تفعيلا لجانب اجتماعي مهم وهو تحمل الكثير من الأعباء الاجتماعية التي هي المقصد الشرعي من هذه الشعيرة، فيما يتعلق بإغاثة الملهوف والمضطرّ، والرفع عن كاهل الفقراء والمساكين والمدينين".

وأوضح المتحدث ذاته، أن "صرف الزكاة في هذه الأوجه من شأنه إعانة المجتمع ليتجاوز الكثير من الصعاب التي تسبب -غالبا- الهشاشة الاجتماعية وانعدام القدرة الاقتصادية والرفع من الدخل القومي".

وأكد أن إعلان تأسيس بيت الزكاة "هو مكسب حقيقي إذا ما تحقق المسعى وكلّل بالنجاح".

ونوه الباحث الشرعي إلى أن تأسيس بيت الزكاة يأتي "في ظل أزمة اقتصادية عاتية ضربت العالم بأسره، وارتفاع جنوني للأسعار، عانت منه كلّ الدول بما فيها العظمى اقتصاديا".

وأشار لعلي جامع إلى أن "هذا التأسيس يأتي بعد أيام توعوية نظمتها الوزارة الوصية، أدلى فيها العلماء والخبراء الاقتصاديون والمفكرون بدلائهم، كما رسموا أنجع الخطط التي تمكن بيت مال الزكاة الموريتاني من الاضطلاع بدوره الذي أنشئ من أجله، وسلوكِه أنجع السبل صرفا وجباية".

وفي وقت سابق، أكد وزير الشؤون الإسلامية، الداه ولد سيدي ولد أعمر طالب، أن مأسسة الزكاة تطرح نفسها بإلحاح.

وأضاف أن "هذه الخطوة الجادة لا شك يعترضها الكثير من مطبات الجدة والحاجة الملحة لبناء الثقة".

ووفق ما نقل موقع "الصحراء" المحلي في 25 أكتوبر/تشرين أول 2022، فقد شدد وزير الشؤون الإسلامية خلال افتتاح الأيام التمهيدية لانطلاق "الهيئة الوطنية للزكاة"، أن "الحكومة تعمل على مأسسة الزكاة بشكل يضمن أعلى استفادة لمحتاجي البلاد".

ووصف وزير الشؤون الإسلامية الزكاة وعوائدها بـ"الثروة الكبيرة التي يمكن أن تقدم الكثير لمصاريفها"، مستدركا أن ذلك مشروط بـ"حسن تسييرها بانضباط لا ارتجال فيه، وبشراكة تسييرية شفافة".

شروط النجاح

ويرى الباحث الأكاديمي الموريتاني، محمد الأمين شريف أحمد، أن "إنشاء بيت مال الزكاة هدف إستراتيجي تأخر تحقيقه طويلا، إذ كان من مطالب المواطنين منذ الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي".

وقال شريف أحمد في مقال نشره موقع "موريتانيا الآن"، مطلع فبراير/شباط 2023، إن "إنجاح بيت الزكاة يتطلب مجموعة من التدابير والإجراءات، وأولها تجنب تجاذب اللوبيات والحسابات القبلية الضيقة". 

وأضاف، وثانيهما أن يكون على رأس جهاز التسيير اقتصادي مالي على دراية عالية بإستراتيجيات خلق الثروة ومكافحة الفقر، وعلى رأس مجلسها الإداري عالم مشهود له بالتبحر في علوم الدين.

وأردف، كما على مجلس الإدارة أن يضم في تشكيلته جميع ولاة الولايات وممثلين لعلماء الدين واقتصاديين وممثلا لاتحاد أرباب العمل الموريتاني، وممثلا عن هيئات المجتمع المدني.

في الاتجاه نفسه، يرى الباحث الأكاديمي زروق النعمة زروق، أن إنجاح الخطوة الموريتانية "يستوجب ثلاثة شروط أساسية".

وقال زروق في مقال رأي بعنوان "صندوق الزكاة الموريتاني: آفاق التجربة"، نُشر في موقع "أقلام" المحلي في ، 31 ديسمبر 2022، إن الأمر يتطلب "خلق جو مالي استثماري ملائم".

وتابع: "سواء تعلق الأمر بالجهاز المالي للدولة، أو بفتح الباب أمام الاستثمار في القطاعات الأخرى، كالزراعة والصناعة والتجارة... بشكل عادل، وتطبيق القوانين المتعلقة بذلك بشكل سلس ومحايد".

وأردف زروق، الشرط الثاني يتمثل في تشكيل لجان تسيير أكفاء، مشيرا إلى أن هذا "لن يتحقق إلا أن يتم اختيار هذه اللجان من العلماء والقضاة والشخصيات العملية المشهود لهم بالورع والنزاهة".

وأضاف "يجب أن يُمنح هؤلاء الصلاحيات الكفيلة بتحقيق عملهم بشكل سليم"، مشددا على أن "وجود مثل هذه الشخصيات قد يكون له بالغ التأثير في الإقناع بالدفع للصندوق".

وتابع: "وأخيرا وهو الأهم، محاصرة الفساد بعيدا عن لجان الصندوق ومحيطه، حتى لا يتم التشويش على عمله".

ونبه إلى أن ذلك "لن يتم إلا إذا كانت كل القرارات المتعلقة بالصندوق تتم بطريقة شفافة وواضحة، بدءا من اختيار الإدارة، والطاقم، وحتى اللجان الفرعية".

وسبق لرئيس حزب الفضيلة الإسلامي، عثمان ولد الشيخ أحمد أبي المعالي، أن دعا خلال مناقشة قانون مالية 2014، إلى تأسيس صندوق الزكاة، وإقرار الجباية الزكوية.

وأكد أبي المعالي في كلمة له بالبرلمان، أن "الإجماع متحقق بين أبناء الدولة والأمة، على وجوب إعطاء الزكاة، ومتحقق أيضا هذا الإجماع على أن الدولة لها أن تشرف على أخذها".