صفقة بين لبنان وقطر للتنقيب عن الغاز قبالة "إسرائيل".. ما أهداف الدوحة؟
سلطت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية الضوء على الصفقة التي عقدتها قطر مع حكومة بيروت، لاستكشاف وإنتاج الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، مدعية أن "لقطر أهدافا سياسية خلف هذه الصفقة".
وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، دخول "شركة قطر للطاقة" كشريك مع "توتال إنيرجيز" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، ضمن اتفاقية استكشاف وإنتاج الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية.
وقال ميقاتي إن "دخول شركة قطر للطاقة واستحواذها على نسبة 30 بالمئة من اتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج في الرقعتين البحريتين 4 و 9، حدث مهم واستثنائي في استكشاف وإنتاج الطاقة في المياه البحرية اللبنانية".
قواعد اللعبة
وأشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أن "هذا الاتفاق يعني أن قطر ستشارك على الأرجح في تطوير البنية التحتية واستخراج موارد الطاقة قرب الحدود الإسرائيلية".
وأشاد الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، آموس هوكستين، بالتطورات، قائلا: "تهانينا لبنان على انضمام (قطر للطاقة) كمستثمر مع (إيني) و(توتال إنيرجيز)".
وأضاف: "نرحب بالاستثمارات الإضافية الجديدة في قطاع الطاقة في لبنان ومثال آخر على التقدم المحرز في اتفاق ترسيم الحدود البحرية".
كما غرد رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "توتال إنيرجيز"، قائلا: "هذا يوم رائع في بيروت... إذ نحتفل بالاستكشاف الجديد الذي أتاحه الترسيم التاريخي للحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل (في أكتوبر/ تشرين الأول 2022)".
وأكدت الصحيفة أن "السياق مهم لفهم أبعاد الصفقة، فقبل أيام من موافقة إسرائيل على الاتفاق البحري عام 2022، كان حزب الله يهدد بشن حرب إذا لم تحضر إسرائيل إلى طاولة المفاوضات".
وبالعودة إلى أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2022، اضطرت إسرائيل إلى الاستعداد للتصعيد العسكري في الشمال، على الحدود مع لبنان، إذا لم توقع على صفقة ترسيم الحدود البحرية.
وزعمت "جيروزاليم بوست" أن "لبنان أخذ ما طلبه في هذه الصفقة، إذ إن حزب الله كان يراقب الوضع، ويهدد إسرائيل بالحرب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق".
وفي يوليو/ تموز 2022، أطلق حزب الله طائرات مسيّرة باتجاه منصة غاز قبالة سواحل إسرائيل، وهو ما يمثل تهديدا واضحا لها بخصوص التنقيب عن الطاقة.
وأضافت الصحيفة أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورغم أنه انتقد الصفقة، التي وقعتها حكومة يائير لابيد في ذلك الوقت، إلا أنه لم يتخذ خطوات بشأنها منذ وصوله للسلطة في ديسمبر/ كانون الأول "2022.
لكن اتفاق ترسيم الحدود بين الطرفين يُعطي إسرائيل الحق في الحصول على 17 بالمئة من عائدات الاكتشافات في قانا، حال اكتشفت لبنان موارد طاقة في المنطقة، حسب الصحيفة.
بدورها، ذكرت وكالة "فرانس برس" أن الاتفاق القطري-اللبناني الأخير سيُمكّن الدوحة من استكشاف جزء من حقل قانا قبالة ساحل صيدا، وترى أن "دخول قطر سيغير قواعد اللعبة بالنسبة للبنان".
ونقلت الوكالة الفرنسية عن مستشار في مجال الطاقة قوله إن "لبنان سيحتاج الآن إلى البنية التحتية لتصدير الغاز، وهذا يعني أنه سيحتاج إلى إنشاء خط أنابيب".
وأشارت "جيروزاليم بوست" إلى أن "هذا التطور أبعد من مجرد صفقة اقتصادية، فالاتفاق الأخير يتجاوز الأرباح المادية الناتجة عن الاستثمار في الطاقة في شرق البحر المتوسط، بصفته أداة للسياسة الخارجية لقطر".
مصالحات إقليمية
فعلى سبيل المثال، دخلت تركيا في اتفاقية بحرية مع حكومة الوفاق الليبية عام 2019، وفي الوقت نفسه، كانت مصر في طليعة دول أخرى تدعم قوات شرق ليبيا التابعة للانقلابي خليفة حفتر.
وكان هدف التحرك التركي بالأساس – وفق الصحيفة- هو فتح مسارات أخرى في سياق الخلاف مع اليونان حول حقوق البلدين شرق المتوسط.
الاتفاق التركي-الليبي ألقى بظلاله أيضا على خطط إسرائيل في مجال الطاقة، إذ من المحتمل أن يعترض أي نوع من خطوط أنابيب شرق البحر المتوسط التي كانت إسرائيل واليونان وقبرص مهتمة بإنشائها، لتصدير الطاقة لأوروبا.
علاوة على ذلك، تجري تركيا محادثات مع روسيا لتكون مركزا للغاز، كما أنها تصالحت مع إسرائيل، على أمل إعادة توجيه التجارة الإسرائيلية عبر تركيا، وفق "جيروزاليم بوست".
وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن أنقرة هي أيضا حليف وثيق للدوحة، وأن تركيا – على الأرجح- تراقب التطورات قبالة سواحل لبنان عن كثب.
وألمح التقرير إلى أن هناك عدة مصالحات واتفاقات إقليمية أتى الاتفاق القطري-اللبناني الأخير في سياقها.
فمن جهة، تدرس تركيا المصالحة مع النظام السوري، وتنشط قنوات التواصل مع موسكو وطهران، ومن جهة أخرى، هناك صفقات في مجال الطاقة قيد الدراسة بين دمشق والقاهرة، تمر عبر الأردن.
وفي 2022، تم توقيع صفقات من المفترض أن تزود مصر فيها سوريا بالكهرباء عبر الأردن، وأن يذهب الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.
وعلى هذا، يمكن أن يُنظر إلى التحركات الأخيرة على أنها مجموعة الإجراءات تتحرك جميعها في الاتجاه الصحيح نحو التكامل الإقليمي والاستقرار، وفق التقرير.
فهناك تعاون بين مصر والأردن وسوريا مع لبنان، وتركيا من جهتها تُجرى محادثات مع روسيا وإيران وسوريا، كما أن قطر تستثمر في لبنان، التي عقدت صفقة بحرية مع إسرائيل قبل شهور.
وترى الصحيفة الإسرائيلية أن "هذه الخطوات مرتبطة ببعضها البعض"، مشيرة إلى أن "إحدى نظريات العلوم السياسية تقرر أنه عندما ترتبط الاقتصادات، تقل فرصة اندلاع الحرب والتصعيد".
مزالق محتملة
وأكدت الصحيفة أن "دور قطر في لبنان مهم أيضا، ذلك أن إيران تدعم حزب الله الذي يسيطر على جنوب لبنان".
ففي ديسمبر/ كانون الأول 2022، قتل أعضاء "حزب الله" جنديا إيرلنديا من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان عندما ضل طريقه، مبتعدا عن الطريق الرئيس.
وتعتقد "جيروزاليم بوست" أن أي شركات طاقة تعمل في جنوب لبنان سيراقبها حزب الله، وأنه من المتوقع أن مصير جندي الأمم المتحدة سيلوح في الأفق.
وأشارت الصحيفة إلى أن "وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، التقى نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أواخر يناير/ كانون الثاني 2023، حيث ذكرت أن إيران وحزب الله ينظران إلى دخول قطر إلى المنطقة نظرة إيجابية".
غير أن هناك مزالق محتملة للصفقة الأخيرة، وخصوصا أن لإسرائيل شركاء في الخليج، مثل الإمارات والبحرين، ومصر.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تستثمر دول مثل الإمارات والبحرين والسعودية في لبنان هذه الأيام بسبب حزب الله.
وزعمت "جيروزاليم بوست" أن قطر لعبت دورا رئيسا في استضافة حركة "طالبان" وإعادتها إلى السلطة، كما أنها استضافت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأرسلت دعما ماليا إلى غزة.
ويُنظر إلى دعم غزة أيضا على أنه يهدف لاستقرار الوضع، لكن هدف قطر بعيد المدى قد لا يكون فقط الاستقرار في قطاع غزة، ولكن دعم عودة حماس إلى السلطة، وفق الصحيفة الإسرائيلية.
وادعت الصحيفة أن تركيا قد تكون مهتمة بهذا أيضا، وهذا يعني أن قطر ربما تشهد عائدا أكبر من الاستثمار في لبنان، إذ أن الاتفاق الأخير أكبر من كونه صفقة تجارية.
وأوضح التقرير أن الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل يجبر الأخيرة على احترام صفقات التنقيب عن الطاقة.
لكنه تساءل إذا ما حاول حزب الله -المدعوم من إيران- الاستفادة من هذا الجانب في تهديد إسرائيل، واحتمالية أن يستخدم الحزب شركات التنقيب العاملة قبالة الساحل كدرع محتمل له.
وختمت الصحيفة بالتأكيد على مشروعية طرح هذا السؤال، بسبب الوضع المضطرب الذي يعيشه لبنان.