انتصرت للتوراة وسمحت بحرق القرآن.. معالم مهمة تفضح سياسات السويد المنافقة
لم يهدأ الغضب العارم في العالم الإسلامي على وقع سماح السلطات السويدية للمتطرف الدنماركي راسموس بالودان بحرق نسخة من المصحف الشريف أمام مبنى السفارة التركية في ستوكهولم، يوم 21 يناير/ كانون الثاني 2023.
وتوهج هذا الغضب مجددا تزامنا مع تبعات أخرى مثلت حلقة في سلسلة الاستفزازات المتتابعة للمسلمين من قبل الحكومة السويدية.
كانت آخر الوقائع عندما رفضت السويد في 7 يناير 2023، إعطاء الإذن لرجل يبلغ من العمر 36 عاما بحرق نسخة من التوراة أمام السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم.
الرجل ذو الأصول العربية أعلن حينها أنه لم يكن ينوي حرق التوراة فعليا، وقال: "إن حرق الكتب المقدسة أمر مثير للاشمئزاز، لكنني غاضب وأقوم بذلك لإثارة نقاش حول الأمر".
وهو ما يثير مجموعة من الجدليات حول حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير داخل الدولة الإسكندنافية، وأن هناك كيلا بمكيالين تجاه المسلمين والديانة الإسلامية، بينما بقية الحقوق والأديان مصانة لديهم.
فالسويد التي تجرم إنكار محرقة "الهولوكوست" ضد اليهود (على يد الزعيم النازي أدولف هتلر)، وتمنع رفض الشذوذ الجنسي، وترفض حرق التوراة، تسمح لأحزاب يمينية متطرفة مثل "الخط المتشدد" بحرق القرآن، والنيل من الشعائر والمقدسات الإسلامية.
كولمان يفضحهم
وكان السفير الإسرائيلي في ستوكهولم "زيف نيفو كولمان" هو من فضح اختلال معايير السلطات السويدية، إذ كشف أن الكيان والمجتمع اليهودي المحلي في السويد منعوا حرق التوراة أمام مبنى سفارة تل أبيب بالتنسيق مع مسؤولين سويديين.
وأضاف "كولمان" في تغريدة عبر حسابه بـ "تويتر"، أن "حرق التوراة كان مخططا له أمام السفارة الإسرائيلية في العاصمة ستوكهولم، ولكنه منع بمساعدة السلطات السويدية".
وبحسب موقع "الكومبس" السويدي، أكدت الشرطة تلقيها طلبا للتجمع بغرض حرق كتاب مقدس "التوراة" في يوم السبت 28 يناير 2023، مشيرة إلى أن الطلب جرى رفضه.
وأضاف الموقع أن شخصا حاول مرات عديدة الحصول على تصريح لحرق التوراة في ستوكهولم خلال الذكرى السنوية للمحرقة أو "الهولوكوست"، لكنه لم يحصل على أي جواب من الشرطة.
وذلك الأمر تناقض كليا مع تصريحات وزير خارجية السويد "توبياس بليستورم" في 27 يناير 2023، عندما تذرع بـ"حرية التعبير" في بلاده بخصوص السماح بحرق نسخة من القرآن الكريم أمام السفارة التركية في ستوكهولم.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللاتفي إدغار رينكيفيكس، قال ردا على سؤال بشأن تأثير حرق المصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم على مسار انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو":"لا أريد أن أتكهن بهذا الموضوع".
وأتبع: "بالطبع توجد حرية تعبير في السويد وهذا شيء يمكن للجميع استخدامه".
שגרירות ישראל בשטוקהולם מזועזעת מכוונת גורם מוסלמי קיצוני לשרוף ספר תורה במהלך הפגנה מול השגרירות. עסוקים מאוד בימים האחרונים בניסיונות למנוע אירוע שנאה זה, ופועלים מול הדרגים הבכירים ביותר במשרד החוץ ובמשטרה המקומית. נמשיך לפעול למנוע אירוע מביש שכזה.
— Ziv Nevo Kulman ���� (@zivnk) January 26, 2023
العصور الوسطى
تلك الحالة فتحت باب جدل في السويد تجاوز حتى الأوساط الإسلامية إلى صحفيين وكتاب، طرحوا أسئلة وانتقدوا حرية الرأي والتعبير المزعومة في بلادهم، بين المسموح والممنوع.
وهو ما أكده الصحفي السويدي "إيفيد لارسون" في مقاله لصحيفة "se24" المحلية، حيث رأى أن حرية التعبير في السويد بمثابة الكتاب المقدس.
وأردف: "لكنه كتاب مقدس لا يمكن حرقه، وهذا يجعلنا نتذكر تاريخ العصور الوسطى عندما منحت سلطة حرية التعبير للكنيسة، فبدأت تقرر ما هو المسموح وما هو غير المسموح للمجتمع ويجرى التنفيذ باسم الرب".
ويشدد لارسون: "مع تكرار حوادث حرق نسخة من القرآن في السويد، هناك تساؤلات حول هل يمكن حرق علم المثلية (الشذوذ)؟ وهو رمز مهم للحرية في السويد وأوروبا، وأيضا هل يمكن حرق كتاب التوراة؟ الكتاب المقدس لليهود؟".
وعلق الصحفي السويدي مستنكرا: "السياسيون السويديون أعلنوا رسميا أنه في السويد يمكن حرق الكتب المقدسة للإسلام والمسيحية والسخرية من هذه الأديان، وآخرهم وزيرة الطاقة (إيبا بوش) التي صرحت بذلك، لكن لم يتحدث أي سياسي عن إمكانية حرق الكتاب المقدس لليهود؟".
وأوضح أن هذا ينطبق بشدة على علم المثلية (الشذوذ)، فالقوانين في السويد ترى أن حرق العلم بمثابة جريمة كراهية واضطهاد فئة اجتماعية عانت من الاضطهاد لعقود طويلة، ولا يستطيعون السماح لحرق ذلك الرمز باعتبار الأمر حض على فئة معينة، وفق معتقداتهم.
واختتم بأن حرية التعبير في السويد بحسب المفهوم العلماني تحمل تناقضات، فـ"معاداة السامية" جريمة وحرق التوراة وعلم المثلية جريمة، لكن ما دون ذلك مباح، وهي ثغرات واضحة في القيم، وفق قوله.
ضد القانون
رغم أن رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، قال في منشور على صفحته الرسمية بموقع تويتر: "إنه يتضامن مع كل المسلمين الذين شعروا بالإساءة إزاء ما حدث في ستوكهولم"، لكنه أردف أن "حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية، لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أمر ملائم".
ومع ذلك فإن القانون السويدي يستند إلى المادة 10 من اتفاقية حقوق الإنسان، التي تكفل حرية التعبير عن الرأي ونشر الأفكار بغض النظر عن فحواها.
هذه المادة تحديدا يستند إليها الوزراء والأحزاب في تبرير تلك الانتهاكات، لأنها تعني أنه يسمح للجميع بتنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية في الأماكن العامة.
لكن ذلك الحق يتنافى قانونيا أيضا عندما تستخدم حرية التعبير بطريقة من شأنها أن تهدد الأمن القومي أو تسيء لسمعة وحقوق الآخرين أو التحريض ضد الجماعات العرقية وغير ذلك.
وهو ما تنص عليه المادة 17 من اتفاقية حقوق الإنسان، التي يتبناها القانون السويدي، على أنه "لا يجوز لأحد أن يستخدم أيا من الحقوق التي تكفلها الاتفاقية لإلغاء أو تقييد حقوق الآخرين".
وضمن هذا السياق، ربط البعض بين سماح السلطات السويدية لـ "راسموس بالودان" بحرق المصحف، وبين الخلاف السياسي مع تركيا على خلفية رفض الأخيرة انضمام السويد إلى حلف الناتو، ما خلق حالة شبه عدائية.
لكن التاريخ القريب لحوادث حرق المصحف في السويد ينسف زيف هذا الادعاء، إذ أعطت الحكومة السويدية الضوء الأخضر لمثل هذا السلوك المتكرر في بلد يقطنه أكثر من 600 ألف مسلم.
ففي 28 أغسطس/آب 2020 أحرق 3 ناشطين في حزب بالودان "الخط المتشدد"، نسخة من القرآن في مدينة "مالمو" السويدية، اندلعت بسببها مواجهات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين مسلمين رافضين للواقعة.
وفي 14 أبريل/نيسان 2022، أحرق بالودان نسخة من القرآن الكريم في مدينة "لينشوبينك" جنوبي السويد تحت حماية الشرطة.
لتندلع مواجهات عنيفة بين متظاهرين رافضين وأفراد من الشرطة أسفرت عن إصابة 26 شرطيا و14 متظاهرا وتحطم 20 سيارة شرطة.
ويقود الحكومة السويدية رئيس الوزراء ذو الاتجاه المحافظ "أولف كريسترسون"، المنتمي لحزب التجمع المعتدل، وبدأ ولايته في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ووصل إلى المنصب عقب تلقيه دعما غير مسبوق من حزب اليمين المتشدد، بعدما أعلن عن اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية تضم ثلاثة أحزاب، وتعهد بحسم ملفات الهجرة واللجوء ضمن أولويات الحكومة الجديدة.
أكذوبة كبرى
الداعية الإسلامي إسلام مجدي، إمام المركز الإسلامي بمدينة "مالمو" السويدية، يرى أن "حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان في السويد كذبة كبرى، لأن المسلمين الآن هم الفئة الأكثر اضطهادا هنا".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن: "معاناة المسلمين في السويد تتجاوز حرق القرآن الكريم، فهناك أحداث عنصرية شبه يومية تحدث بشكل مختلف على عين السلطات، أخطرها الاعتداء على دور العبادة".
وأردف: "كثيرا ما نجد الرسوم والعبارات المسيئة على جدران المساجد، وكذلك تدنيس المقابر، ووضع صلبان أو شعارات النازية فوق قبور المسلمين، وتحطيم الآيات القرآنية والرخام الكائن فوق القبر".
وأورد: "مع ذلك لا يوجد حراك أو قانون يوقف هذه الأعمال، فضلا عن ألا أحد في البلاد يستطيع الاقتراب من ظاهرة الشذوذ الجنسي، وهي تدرس للمسلمين في المدارس".
وبين أنه "لو اعترض أولياء الأمور فمن الممكن بسهولة سحب أبنائهم وإيداعهم مراكز الحماية الاجتماعية تمهيدا لتسليمهم لأسر أخرى ولو لم تكن مسلمة، وهذا لا يحدث إلا مع المسلمين".
واستطرد: "لدينا في السويد قانون يمنع معاداة السامية أو إنكار (الهولوكوست) والتعرض لهذه المقدسات (بحسب الرؤية السويدية) قد يتسبب في الغرامة والخضوع لدورات إعادة تأهيل، وله عواقب وخيمة".
لكن لا يوجد ما يجرم حرق الكتاب المقدس لأكثر من ملياري إنسان على يد شخص عنصري متطرف يتبنى أفكارا إرهابية وتحريضية، وفق مجدي.
واختتم: "مع الأسف في ظل هذا الوضع ستتزايد ظاهرة (الإسلاموفوبيا) وتتكرر حوادث حرق القرآن الكريم والاعتداءات على المسلمين، ويجب على المجتمع الإسلامي في السويد وأوروبا أن يتحد لأن الموجة القادمة مخيفة".
وتابع: "يجب أن يحدث تضامن واسع من العالم الإسلامي لإحداث مزيد من الضغط على تلك الحكومات، وخدمة الأقليات المسلمة التي تترقب مستقبلا مبهما بخوف وحذر".
المصادر
- كاتب سويدي : هل يمكن حرق علم المثلية والكتاب المقدس لليهود “التوراة” في السويد ؟
- السويد.. شاب من أصول عربية يتقدم بطلب للحصول على ترخيص بحرق كتاب مقدس
- بعد رفضها حرق التوراة.. مسؤول إسرائيلي يفضح نفاق السويد بشأن حرية التعبير
- حرق القرآن.. وزير خارجية السويد يتذرع مجددا بـ"حرية التعبير"
- هل يعكس تكرر حرق القرآن تناميا للإسلاموفوبيا في أوروبا؟