بعد زيارة السوداني.. هل تخترق فرنسا الهيمنة الأميركية الإيرانية على العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أبرم العراق وفرنسا اتفاقية شراكة إستراتيجية هي الأولى والأشمل منذ عام 1986، تتكون من أربعة فصول، وستة أبواب و50 مادة و64 فقرة ونقطة، وتتضمن استثمارات وتعاون في مختلف المجالات، ولا سيما الدفاعية والطاقية منها.

ووقع الاتفاقية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون داخل قصر الإليزيه، خلال زيارة أجراها الأول إلى باريس استمرت يوما واحدا في 27 يناير/ كانون الثاني 2023، هي الأولى له منذ توليه رئاسة الحكومة قبل ثلاثة أشهر.

شراكة إستراتيجية

الاتفاقية التي أبرمها الطرفان، كانت ضخمة ومتشعبة في قطاعات مختلفة، لكن أبرز ما تضمنته، وفق وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع"، هو "تشجيع استثمارات الشركات الفرنسيّة وتشجيع الحوكمة الرشيدة في إدارة الثروات الطبيعية، ولا سيما الماء، وتنمية الطاقات المُتجدِّدة ورفع القدرات التوليدية لمحطات الطاقة الكهربائية".

وشملت هذه التفصيلة المتعلقة بقطاع الكهرباء "تحسين إدارة شبكة النقل والتوزيع وصيانتها للحد من الخسائر وتطوير مشاريع التوليد وبناء محطات توليد كهرباء جديدة، والعمل على تنفيذ مشاريع استثمار الغاز المصاحب لإنتاج الكهرباء".

وذكرت الوكالة الرسمية في 27 يناير، أن الاتفاقية تضمنت أيضا "تحسين برامج المواصلات العامَّة في المدن للمساهمة في التخفيف من الانبعاثات الضارة بوساطة تنفيذ المشاريع المناسبة من خلال تنفيذ مشروع مترو بغداد المعلق".

من جانبه، قال قصر الإليزيه في بيان إن "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية تأتي من أجل تعزيز العلاقات الثنائية وإرساء إطار رسمي ودائم للعلاقة المتنوعة والشاملة في مختلف مجالات التعاون".

ورأى البيان أن زيارة السوداني فرصة لإعادة التأكيد على عمق روابط الصداقة التي توحد فرنسا والعراق وطبيعتها الإستراتيجية، لافتا إلى أن ماكرون أكد إلى السوداني رغبة فرنسا في الوقوف إلى جانب الحكومة العراقية طالما رغبت في محاربة تنظيم الدولة.

وفي السياق ذاته، أصدر مكتب رئيس الحكومة العراقية، بيانا في 27 يناير، أكد السوداني فيه أن "اتفاق الشراكة الإستراتيجية يمثل إطار تعاون في كل المجالات".

وأضاف أن "دخول الشركات الفرنسية إلى العراق للاستثمار سيكون قرارا صائبا. وزيارتنا لفرنسا ولدول العالم ليست بروتوكولية، إنما زيارات مدروسة تستهدف تحقيق شراكات اقتصادية جادة".

 في مجال الطاقة، أكد السوداني أن "الحكومة تضع استثمار الغاز المصاحب والطاقة المتجددة في الأولوية، فضلا عن فرص استثمارية أخرى في قطاع البتروكيمياويات وقطاعي النقل والحديد والصلب".

وتابع: "الحكومة العراقية تعمل منذ اليوم الأول على تحسين بيئة الأعمال في العراق، واجراء إصلاح هيكلي في الاقتصاد وقطاع المال، فضلا عن جديتها في مكافحة الفساد. تأمين عمل الشركات الأجنبية في العراق هو التزام مبدئي وثابت لدى الحكومة".

وعلى صعيد آخر، أشار حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء خلال تصريح صحفي في 28 يناير إلى أن "العراق بصدد شراء مقاتلات رافال الفرنسية لتطوير الأسطول الجوي الحربي العراقي".

وقال علاوي إن السوداني يتجه الى "تطوير الأسطول الجوي العراقي عبر جلب طائرات رافال المتقدمة نظرا للتحول في قدرات العراق المالية والحاجة العسكرية لهذه الطائرات من أجل ملاحقة مسلحي تنظيم الدولة في المناطق المفتوحة والزراعية".

إيران وأميركا

وعن إمكانية تطبيق هذه الاتفاقية على أرض الواقع، قال الباحث في الشأن العراقي حامد العبيدي إن "السوداني يحاول من خلال خطواته هذه إيصال رسالة إلى الغرب أنه بعيد عن إيران، وذلك من خلال إبرام اتفاقيات معها سواء مع فرنسا أو ألمانيا قبلها بأيام".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الاتفاقيات توقع عليها الحكومات العراقية منذ عام 2003 وحتى اليوم، ولم نر شيئا على أرض الواقع منذ ذلك الحين على صعيد الملفات التي تعاقدوا عليها، فمثلا إنشاء مترو بغداد سمعنا به منذ عشرين عاما أن شركة فرنسية ستقوم بتنفيذه، لكن هذا لم يحصل لليوم".

ولفت إلى أن "الاتفاقيات لا قيمة لها من دون تنفيذ، فرئيس الحكومة السابقة مصطفى الكاظمي التقى ماكرون وتحدثا عن مشاريع، لكن الإطار التنسيقي الشيعي، الذي ينتمي إليه السوداني، اتهم فرنسا بالتدخل في الشأن العراقي، أما اليوم فهم يدعمون خطوات السوداني، فهل نشهد تطبيقا للاتفاقيات؟ شخصيا أستبعد ذلك".

وأشار الباحث إلى أن "إيران المستفيد الأكبر من تصدير الغاز والكهرباء إلى العراق، ولن تسمح بتنفيذ اتفاقية استثمار الغاز المصاحب وتطوير قطاع الكهرباء على يد الشركات الفرنسية".

وعلى صعيد شراء الطائرات والتسليح، رأى العبيدي أن "العراق يسعى منذ مدة طويلة بعد عام 2003 إلى تنويع مصادر السلاح لكنه لم يفلح في ذلك لأن أميركا مهيمنة على هذا الملف، لذلك لا أعتقد أن تجرى صفقة طائرات رافال الفرنسية، فسبق أن رغب العراق بشراء منظومة إس 300 الروسية، لكن ذلك لم يحصل، لأن واشنطن تمنع ذلك".

وعلى نحو مماثل، قال المحلل السياسي العراقي، ثائر البياتي عبر "تويتر" في 27 يناير، إن "فرنسا لا مكان لها في العراق، لأن بريطانيا وأميركا تعدان العراق من حصتهما. فرنسا تعلم ذلك جيدا".

وتابع البياتي قائلا: "الأهم، أن الإطار التنسيقي منذ تولي الجعفري (رئيس وزراء العراق عام 2005) وإلى السوداني مرورا بكل الحكومات السابقة لم ينفذ أي اتفاق تم توقيعه مع أي دولة. السؤال: ما الرسائل التي حملها السوداني نيابة عن أيران؟"

إرادة غائبة

وعلى نحو مماثل، قال المحلل السياسي العراقي خلال العبيدي إن "ما يهم في هذه الاتفاقيات مدى قدرة السوداني على تفعيلها، لأن هناك حاجة في العراق إلى تطوير الواقع فيه، كما أنه يمتلك كل المقومات التي تحتاجها فرنسا، فهو لديه الطاقة والبترول والمياه والطاقة الشبابية".

وتساءل خلال مقابلة تلفزيونية في 27 يناير، قائلا: "هل تمتلك حكومة السوداني الإرادة لتنفيذ مثل هذه الاتفاقيات خلافا للحكومات السابقة؟ لأن الأوضاع في العراق وصلت إلى حافة الهاوية، وهناك فساد ضارب منذ عام 2003، لذلك جرى الاتفاق مع فرنسا في مجال مكافحة الفساد أيضا".

ولفت العبيدي إلى أن "الشركات الفرنسية تبحث عن فرص عمل خصوصا في ظل شح الطاقة، لكن هناك دول إقليمية وأخرى كبرى لا تريد لهذه الاتفاقية أن تنفذ لأنها تتعارض مع مصالحها، لذلك الأمر يتوقف على إرادة السوداني".

وتابع: "في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا، تخلخل سوق الطاقة والغذاء في العالم، لذلك قطاع الطاقة مهم بالنسبة لشركة توتال الفرنسية، وعليه يجب خلق البيئة الآمنة لها من خلال الاتفاقات السياسية داخل العراق وعدم الوصول إلى مرحلة المناكفات".

وأعرب العبيدي عن اعتقاده بأن "هذه الاتفاقية إذا طبقت ونُفذت بالشكل الصحيح ستقلب حياة المواطن العراقي، خصوصا أن فرنسا لديها خبرة في العراق وكانت موجدة في السبعينيات، ولديها أيضا مواقف في القضاء على الإرهاب والجماعات المسلحة".

وبخصوص ملف التسليح ومدى تعارضه مع اتفاقيات أمنية للعراق مع الولايات المتحدة، قال العبيدي إن "فرنسا وأميركا لا بد أن يتفقا فيما بينهما وتكون هناك شفافية في الموضوع، خصوصا أن الاثنين حلفاء في الحرب ضد روسيا، لذلك لا أعتقد أنها تتعارض مع المصالح الأميركية".

ولفت إلى أن "الولايات المتحدة لم تقدم خلال عقدين من الزمن إلى العراق شيئا يذكر، خصوصا في ملف الكهرباء، لا سيما خلال فصل الصيف الحار جدا في البلاد، لذلك نتمنى أن تستثمر أموال العراق مع شركات عالمية رصينة".

ويأتي توقيع الاتفاقية بين باريس وبغداد، بعد شهر من مشاركة الرئيس الفرنسي في مؤتمر إقليمي لدعم العراق في الأردن، والذي أكد فيه "استثماره" في هذا البلد الذي يحتل أهمية كبيرة في الشرق الأوسط وقد زاره ماكرون مرتين منذ وصوله إلى الحكم عام 2017.

في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022، دعا ماكرون- خلال هذا المؤتمر الذي حمل عنوان "مؤتمر بغداد 2 للتعاون والشراكة" بمشاركة 12 دولة عربية وإقليمية- بغداد لأن تأخذ مسارا آخر غير "النموذج الذي يمليه عليه الخارج".