مساعٍ حثيثة.. كيف تحاول الإمارات إيجاد موطئ قدم في أفغانستان طالبان؟

أفغانستان الواقعة في قلب منطقة إستراتيجية في آسيا الوسطى، وعلى تخوم الصين وباكسان وإيران، كانت محط أنظار قوى متعددة، منها الإمارات والسعودية وقطر وتركيا.

ولأبوظبي وضعها الخاص تاريخيا في أفغانستان، قسم على مرحلتين، الأولى قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 (تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك)، خلال حكم طالبان الأول.

قبل هذا الحدث، لم تكن الإمارات ترى أن طالبان تشكل تهديدا. وطوال الفترة من 1996 إلى 2001، رأت الحكومة الإماراتية أن الحركة هي الممثل الشرعي لأفغانستان.

والمرحلة الثانية في أعقاب الهجمات، فتحت الإمارات منشآتها العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها لاستخدامها في العمليات ضد أفغانستان.

ووصل الأمر أن الإمارات كانت هي القوة العربية الوحيدة المحاربة في أفغانستان، وعقب سقوط طالبان، استمرت أبوظبي في التعاون مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" هناك. 

حتى إن قوة إماراتية مكونة من 250 جنديا، رابطت بقرار من ولي عهد أبو ظبي آنذاك والرئيس الحالي محمد بن زايد، في القرى والضواحي الفقيرة بولاية أوروزغان بأفغانستان منذ 2003 وحتى الانسحاب الأميركي.

وفي الآونة الأخيرة جهزت الإمارات دبلوماسيتها وأدواتها لبدء مرحلة ثالثة في العلاقات مع أفغانستان وحركة طالبان. 

شركة Terminals

من أبرز الأدوات التي بدأت الإمارات استخدامها  لتعزيز نفوذها في أفغانستان، هي شركة Terminals الإماراتية.

وفي 10 يناير/كانون الثاني 2023، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات تقريرا عن دور الشركة في أفغانستان.

وقالت: "إنه في إطار مساعيها للتمدد في كابول، وتعزيز دبلوماسيتها الأمنية، تعمل أبوظبي على تطوير شركة Terminals للطيران، المقربة من طحنون بن زايد (مستشار الأمن القومي الإماراتي) والتي تدير العديد من المطارات في الخارج". 

وذكرت أنه "في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، التقى وزير دفاع طالبان محمد يعقوب بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد وتركز النقاش فيما بينهما حول ترميم المطارات في أفغانستان". 

وأضافت: بين سبتمبر 2021 وذات الشهر من عام 2022، فازت شركة GAAC القابضة في أفغانستان بثلاثة عقود امتياز لمدة 10 سنوات لإدارة مطارات كابول وقندهار ومزار شريف وهيرات. 

وأوضحت: "تعمل شركة GAAC لتتوافق أحوال مطارات أفغانستان مع معايير الأمن الدولية، لكن حضورها تستغله الشركة الأم Terminals لتعزيز سيطرتها على الأصول الإستراتيجية لحلفائها". 

وقد تأسست Terminals عام 2022 برعاية من مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان.

استغلال الإمارات

التغول الإماراتي الحادث، جاء أيضا نتيجة مساعي طالبان الحثيثة لتأمين المطارات، إذ استغلت أبوظبي تلك النقطة، وشددت شركة GAAC من إجراءات الأمان المتعلقة بالأمتعة والأفراد في مطار كابول.

وذلك بعد مغادرة التكتل التركي القطري الذي أنشئ على عجل بعد وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021، ولم تكن تدابيرهما الأمنية صارمة بما فيه الكفاية. 

وسعت حكومة طالبان لتجديد البنية التحتية للمطارات في البلاد لجذب شركات الطيران الدولية للعودة إلى أفغانستان في أقرب وقت ممكن. 

لذا قد تستخدم GAAC الإماراتية رادارات تاليس المحمولة جوا التي تسلمتها الحكومة الأفغانية السابقة في يوليو/تموز 2021، أي قبل شهر واحد فقط من سقوط النظام السابق، في إطار عقد وقعته مع مجموعة الدفاع الفرنسية عام 2019. 

وهو ما سيعطي للإمارات دورا يتجاوز التعاون الاقتصادي والأمني في المطارات إلى قدرتها على إحداث سيطرة كاملة لها أبعاد استخباراتية. وتمكن هذه الإجراءات أبوظبي من مراقبة الأحداث الإستراتيجية في أفغانستان.

لا سيما وأن المسؤولين الإماراتيين يسيرون على خطى طحنون بن زايد (رئيس الشركة)  يسافرون بشكل متزايد إلى أفغانستان ودول آسيا الوسطى لتعزيز مصالحهم الدبلوماسية والمالية هناك. 

الانخراط بحذر 

في 24 يناير/ كانون الثاني 2023، تناول مركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، "مقاربة الإمارات تجاه طالبان"، وتناول كيف أن الدولة الخليجية أظهرت قدرا من الانخراط بحذر وبراغماتية مع أفغانستان، ومرونة يمكنها المساهمة بفعالية في تعزيز مصالحها على المدى الطويل.

وقال الباحث "جورجيو كافييرو" إن "الإمارات تعاملت منذ أغسطس 2021، مع حقيقة أن حركة طالبان هي الحكومة الوحيدة بحكم الأمر الواقع في أفغانستان، ورأت في هذا الوضع فرصة سانحة لتعزيز صورتها بوصفها شريكا ذا قيمة للقوى الغربية".

وذكر أن "أهم دوافع أبوظبي في توطيد العلاقات مع طالبان، يأتي مع تخوفها من أن تفرض قطر نفسها، بصورة متزايدة، في موقع الطرف الذي لا يستطيع الغرب الاستغناء عنه في تعامله مع أفغانستان". 

وأضاف: "لا يريد حكام الدولة الخليجية تفويت فرص استغلال الوضع الراهن في أفغانستان لمصالحهم، وفي الوقت نفسه، يسود قلق من قدرة إيران المحتملة على اكتساب نفوذ فيها".

واختتم: "رغم تحديات التعامل مع طالبان، غالب الظن أن أبوظبي ستواصل اتباع إستراتيجية طويلة الأمد حيال كابول قائمة على الانخراط المتأني طوال عام 2023 وما بعده".

وبين أن دولة الإمارات ترى أنه قد يترتب على الامتناع عن فعل ذلك كلفة مرتفعة جدا، وفق تقديره. 

زيارة مهمة 

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ظهرت النقلة النوعية في العلاقات بين الإمارات وأفغانستان، عندما بحث رئيس الإمارات محمد بن زايد مع وزير الدفاع الأفغاني بالإنابة الملا محمد يعقوب، علاقات التعاون والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

ونقلت وكالة "أنباء الصوت الأفغاني" عن وزارة دفاع حركة طالبان، أن الهدف من زيارة يعقوب، وهو نجل زعيم طالبان الراحل الملا عمر، لقاء قادة الإمارات والمواطنين الأفغان المقيمين في هذا البلد وتعزيز علاقات الحكومة مع الدول العربية الخليجية.

ونشرت وكالة أنباء الإمارات صورا، أظهرت حضور أنس حقاني، وهو شخصية بارزة أخرى في طالبان، في المحادثات مع قادة الإمارات.

كما حددت قناة "تولو نيوز" الأفغانية الخطوط العريضة، لزيارة الملا يعقوب إلى الإمارات، موضحة أنها تأتي في إطار تحسين العلاقات بين كابول وأبوظبي والمشاكل التي تواجه المهاجرين الأفغان الذين يعيشون في الدولة الخليجية.

ويعد التلاقي بين النظامين الأفغاني والإماراتي في التوقيت الحالي، نتاج مجموعة من التحديات.

إذ تواجه طالبان التي عادت للحكم بعد 20 عاما من الإطاحة بنظامها السابق، أزمة مالية خانقة، جزء منها بسبب تجميد أميركا أصولا وأموالا أفغانية كانت تحت تصرف الحكومة السابقة التي أطاحت بها الحركة، لذلك تحتاج إلى الدعم الإماراتي

وفي الوقت ذاته، فإن الإمارات راغبة في تكرار التجربة السابقة لها مع النفوذ في أفغانستان.

إذ تعد من الدول التي اعترفت بحكومة طالبان السابقة في تسعينيات القرن العشرين، وتريد أن تجعلها مركزا قويا لترسيخ أقدامها في آسيا الوسطى، ولعب دور محوري في تلك المنطقة الإستراتيجية.