"بدر".. مجمع سجون جديد شيده النظام المصري ليكون مقبرة لمعارضيه
كشفت رسائل معتقلين سياسيين مصريين داخل مجمع سجون "بدر" الجديد، عن وجه مختلف من الانتهاكات والألم يتعرضون له تحت حكم نظام عبد الفتاح السيسي.
وفي 20 يناير/كانون الثاني 2023، نشرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، ومقرها لندن، مجموعة رسائل مكتوبة بخط اليد، قالت إنها مسربة من معتقلين داخل سجون بدر.
المعتقلون وصفوا السجن بأنه "الأقسى على الإطلاق بين السجون المصرية" المعروفة بسمعتها السيئة وشدتها على نزلائها.
وكان عبد الفتاح السيسي قد قدر في ديسمبر/كانون الأول 2022 عدد المعتقلين في مصر بنحو 55 ألف سجين.
لكن منظمات حقوقية منها العفو الدولية والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قدرت المعتقلين السياسيين في مصر بقرابة 65 ألفا.
"نحن نموت"
افتتح سجن "بدر" رسميا في 30 ديسمبر 2021، تحت مسمى "مجمع السجون المركزية الجديدة".
يقبع السجن في منطقة "بدر" بالصحراء الشرقية قرب العاصمة الإدارية الجديدة، وعلى بعد أقل من 60 كلم غرب القاهرة، وأسس على مساحة 85 فدانا، وضم 3 مراكز إصلاح وتأهيل.
وكان الدافع الرئيس للنظام لبناء السجن الجديد، هو استغلال موقع منطقة سجون "طرة" المطل على النيل في القاهرة في مشاريع استثمارية، لذلك نقل السجناء السياسيين إلى المجمعات الجديدة ومنها "بدر".
وذلك بعد أن جرى الإعلان عن إخلاء عدد من السجون الرئيسة كـ "العقرب" و"طرة" سيئة الصيت بالتزامن مع بدء تشغيل منشاَت بدر المماثلة، التي كان يرجى لها أن تكون أفضل حقوقيا وإنسانيا تجاه المعتقلين.
خاصة وأن الدعاية المصاحبة لافتتاح السجون جاءت ضمن حملة الجمهورية الجديدة، وأن السجون ستحتوي على نظم رعاية متطورة، خاصة في الجانب الغذائي والصحي.
حتى إن وزارة الداخلية المصرية أطلقت فيلما دعائيا بعنوان "بداية جديدة"، بمناسبة افتتاح السجن لتعلن عما وصفته بالصرح المتكامل وفقا للمعايير الدولية.
لكن الواقع جاء مخالفا لادعاءات النظام وأجهزته الأمنية، فمعظم سجناء "بدر" من قادة جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة المصرية، ومنهم كبار السن، وكثير منهم كانوا من نزلاء سجن العقرب.
بحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فهؤلاء السجناء "يعتبرون الآن في عداد الموتى".
وتحت عنوان "احنا (نحن) بنموت"، وصلت للمنظمة رسائل يدوية من داخل "سجن بدر 3"، تؤكد استمرار الانتهاكات الحقوقية المروعة داخل السجن.
وذكرت الرسالة الصادمة المبعوثة في 18 يناير/كانون الثاني 2023، مدى تردي الأوضاع الإنسانية، وسوء المعاملة، والرعاية الصحية، والتغذية.
وأشارت إلى أنه مع قدوم فصل الشتاء، ورفض سلطات السجون دخول الملابس الشتوية، تنتشر الأمراض المزمنة بين المعتقلين، ومنهم من مات بالفعل نتيجة تلك الحالة غير الآدمية.
وأوردت أنه من أبرز الضحايا المعتقل حسن دياب، الذي توفي نتيجة الإهمال الطبي في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وألمحت إلى وجود اضطرابات واعتراضات من المعتقلين ضد انتهاكات الأمن الوطني، وإدارة السجن، ومصلحة السجون.
ولفتت إلى تجريد المعتقلين المعترضين على الانتهاكات من الملابس والبطاطين في ظل البرد القارس، وإيداعهم زنازين التأديب بلا طعام إلا رغيفا واحدا يوميا، مع منع الدواء عنهم.
وضع مميت
الأوضاع الصعبة داخل سجن "بدر" تشمل التعذيب النفسي المستمر، ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت إكرام يوسف، والدة البرلماني السابق والناشط السياسي زياد العليمي، عن شكوى ابنها من ممارسات لم تكن موجودة في السجون القديمة، وهي وجود كاميرات داخل زنازين السجن تصور المحبوسين على مدار اليوم.
وذكرت أن "المعتقلين في (بدر) يتعرضون لإضاءة قوية 24 ساعة فلا يستطيعون النوم أو الراحة، ما يعرضهم في كثير من الأحيان لنوبات انهيار عصبي".
وفي 13 نوفمبر 2022، أصدر مركز "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" تقريرا تحت عنوان "أرشيف القهر" وأورد أنه جرى تسجيل حالتي وفاة داخل سجن "بدر"، بالإضافة إلى 17 حالة إهمال طبي متعمد.
وقال: "منع من العلاج في سجن بدر 3 السيد عبد الحميد الصيفي (61 عاما) المصاب بسرطان المعدة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، بعد أن تفاقمت حالته الصحية".
وأضاف: "بعدها سجلت ثاني حالة وفاة في السجن نفسه لعلاء السلمي (47 عاما) خلال خوضه إضرابا مفتوحا عن الطعام، ولم يتلق متابعة طبية طوال فترة إضرابه من قبل إدارة السجن التي تجاهلت تدهور صحته".
ونوهت أنه منذ عام 2017، لم تستطع أسرة السلمي زيارته حيث كان محتجزا في سجن "العقرب" قبل أن ينقل إلى "بدر" الذي اتضح أنه أسوأ بمراحل.
وكان عبد المنعم أبو الفتوح المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ورئيس حزب "مصر القوية" قد وصف ظروف احتجازه داخل سجن بدر، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قائلا: "الوضع قاتل".
ويحرم أبو الفتوح (71 عاما) من الرعاية الصحية له داخل محبسه، حيث تعرض لعدة نوبات قلبية أثناء فترة احتجازه، وكان على مشارف الموت بحسب شهادة نجله أحمد.
وتاريخيا، تعرف مصر بسجونها المروعة تحديدا منذ زمن رئس النظام الأسبق جمال عبد الناصر خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وبرز خلالها بقوة السجن الحربي سيئ السمعة، حتى إن الشيخ الراحل يوسف القرضاوي، ذكره في "نونيته" المشهورة عن سنوات اعتقاله عام 1955، عندما قال: "في ساحة الحربي حسبك باسمه.. من باعث للرعب قد طرحوني".
وبعد سنوات تغيرت المسميات وظلت مدارس التعذيب تتطور، فمن السجن الحربي إلى العقرب، وحاليا في زمن السيسي يتصدر سجن "بدر" قائمة الأقبية المميتة سيئة السمعة.
وفي 5 نوفمبر 2022، أعلنت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية تعرض سجناء "بدر" لحملة ممنهجة من التعذيب النفسي والبدني، بعد مطالبات السجناء بزيادة كمية الطعام وأغطية الشتاء.
واستخدم حراس السجن والضباط في التعذيب الصعق بالكهرباء مع الماء، والغاز المسيل للدموع، والأصوات المرتفعة، والحرمان من النوم.
حتى إن منظمة "الشهاب" لحقوق الإنسان قد ذكرت في تقرير لها في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2022، أن الذي ينجو من سجن "بدر" يحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي وبدني خاص، حتى يستطيع تجاوز محنته.
إستراتيجية ممنهجة
وأكد محمود جابر، المحامي المصري ومدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، أن سجن بدر الجديد، يختلف كثيرا عن أي سجن آخر داخل مصر بصفة عامة، رغم الانتهاكات الكبيرة الموجودة في جميع السجون.
وذكر في حديثه لـ "الاستقلال": "بأن سجن بدر له سياسة وإستراتيجية خاصة ممنهجة تتعامل بها الحكومة المصرية، وذراعها الأمني المتمثل في وزارة الداخلية مع السجناء، وبشكل خاص مع السياسيين منهم".
وأضاف: "هناك واقع غير قانوني في مصر، حيث لا يجري احترام القوانين واللوائح المنظمة لعمل السجون، وهناك واقع آخر، هو أن المحتجزين في سجون تضم سياسيين ومعارضين، مثل بدر لا تصلح للأحياء وغير آدمية".
وأوضح: "يبرز هذا من قصة السجن الذي ظهر في نهاية عام 2021 تحت مسمى بدر، ضمن مجموعة من السجون الجديدة، جاءت بديلة عن منطقة سجون طرة، التي بها أشهر وأسوأ سجون مصر على رأسها سجن العقرب".
لذلك فإن بدر بديل مكاني فقط، إذ تبدلت المواقع جغرافيا، لكن لم تتبدل السياسات بل ازدادت قمعا. وحسب رواية السجناء، وأهليهم فإن سجن بدر أشد سوءا من سجن العقرب، وفق قوله.
وأورد الحقوقي المصري أن "هناك داخل سجن بدر يجري تعذيب السجناء وإيذاؤهم بدنيا ومعنويا، حيث لا مجال لتطبيق معايير وقواعد معاملة السجناء الدنيا المعتمدة من الأمم المتحدة".
فأدنى وأقل الحقوق لا وجود لها والتي تتعلق بالخدمات الطبية، والصحية، والنظافة، والطعام والشراب، والزيارة وغيرها من الحقوق التي هي حق أصيل للسجين، يحرمون منها، وكان نتيجة ذلك تعرض عدد من السجناء للإهمال الطبي الذي نتج عنه وفاة عدد كبير منهم، وفق قوله.
وبحسب جابر، فإن مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان التي يرأسها رصدت أن الخدمات الطبية داخل سجن بدر سيئة للغاية، وهي أداة النظام لقتل المحبوسين ببطء، والتنكيل بهم، عن طريق جريمة الامتناع العمدي عن تقديم العلاج.
وأردف: "ينتشر داخل سجون بدر بسبب هذه السياسة، أمراض الدرن، والسكر، والقلب، وحساسية الصدر، والحمى، والروماتيزم، والأمراض الجلدية، والسرطان".
وأتبع: "عدد مرضى السرطان المسجونين في مصر عام 2013، يبلغ 790، انتقل عدد منهم إلى بدر، ولا يتوافر داخل مستشفيات السجون الإمكانات والتجهيزات الفنية اللازمة لذلك".
وواصل القول: "لا يتوفر العلاج المناسب للحالات المرضية، وأغلب الأدوية التي تصرف لهم عبارة عن مسكنات عديمة الجدوى".
وأدى ذلك لوفيات كثيرة بين المعتقلين السياسيين في سجن بدر، وهو قتل عمد، "فالواقع داخل السجن مرصود ومعروف وواضح تماما، لا مجال لإنكار النظام المصري، ولا لتزييف الواقع من خلال تصريحات، وزيارات معد لها مسبقا".
وطالب بزيارة أممية حقوقية رسمية برعاية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للوقوف على أوضاع السجناء في مصر، "ولأجل تحسين أوضاعهم، وحمايتهم من الانتقام المتعمد الذي تعمل عليه الحكومة المصرية، وتبالغ في إساءة معاملة السجناء، خاصة سجناء سجن بدر الجديد".
المصادر
- رسائل مفزعة لمعتقلين مصريين بمجمع سجون بدر الجديد.. "إحنا بنموت"
- سجن "بدر".. النسخة الأسوأ من سجن "العقرب" في مصر
- منظمة حقوقية: تعذيب سجناء "بدر" نفسياً وبدنياً في مصر
- مصر.. افتتاح مجمع سجون متطور
- “ماذا يحدث في سجن بدر؟”.. حرية الفكر: السجناء توقعوا تحسين أوضاعهم ولكن حدث العكس.. والمحامون والأهالي يتكبدون العناء
- مصر: قتل بطيء في سجن "بدر"