موقع أميركي: حفتر المتضرر الأكبر من تقارب الأطراف المدنية في ليبيا
سلط موقع أميركي الضوء على المفاوضات الجارية بين الأطراف الليبية المتنافسة حول القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات، وتأثير ذلك على أطماع الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، للسيطرة على البلاد.
وأشار موقع "يوراسيا ريفيو" إلى الاجتماع الذي حضره عبدالله باتيلي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها إلى ليبيا، مع أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5 + 5) بمدينة سرت، في 16 يناير/كانون الثاني 2023.
وتضم اللجنة العسكرية المشتركة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية بالعاصمة طرابلس، و5 آخرين من قوات حفتر المتمركزة في الشرق الليبي، يجرون حوارا منذ عامين لتوحيد الجيش تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة بالبلاد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، توصلت اللجنة إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف الليبية المتنازعة، في اجتماع بمدينة جنيف السويسرية، ما أنهى المعارك التي أشعل فتيلها حفتر، بمحاولته السيطرة على العاصمة طرابلس، عامي 2019، و2020.
استمرار الخلافات
ووفق التقرير، فإن هدف الاجتماع تمثّل في استكمال طريق التوافق نحو وجود مؤسسة عسكرية موحدة، وتقديم كل التسهيلات والدعم للجنة العسكرية للوصول إلى تفعيل جميع مخرجات عملها، ودعم العملية الأمنية والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال اللواء خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي في قوات حفتر، إن المجتمعين أكدوا "مطالبهم بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية".
وأشار إلى أن الجانبين بحثا "الموقف الدولي ومطالبة الأطراف ذات العلاقة بدعم تنفيذ اتفاقية جنيف بكل بنودها كونها تشكل مطالب الليبيين".
وحول المباحثات الأخيرة، صرح رئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، بأنه "لا يحق لمجلس الدولة إصدار قاعدة دستورية، لأنه مجرد مجلس استشاري"، مبينا أن التقارب مع المجلس الأعلى للدولة "لفظي فقط".
ونفى عقيلة أن يكون اتفاقه مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، قد "نتج عنه شيء حتى الآن".
ومنذ مارس/ آذار 2021 تتصارع حكومة برئاسة فتحي باشاغا كلفها مجلس النواب بطرق (شرق) على السلطة مع حكومة أخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
ولمعالجة هذه الأزمة، طرحت الأمم المتحدة مبادرة قادت إلى تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة (نيابي استشاري) للتوافق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، لكن هذا المسار متعثر.
وسبق أن أمهل "صالح" المجلس الأعلى للدولة 15 يوما للرد على مجلس النواب بخصوص ملف القاعدة الدستورية للانتخابات، التي كان من المقرر عقدها في ديسمبر/كانون الأول 2021، غير أنها تأجلت بسبب "قوة قاهرة"، وفق وصف اللجنة العليا للانتخابات.
وفي معرض خلافه مع المجلس الأعلى للدولة، قال صالح إن "مجلس النواب أرسل لمجلس الدولة 13 ملفا خاصا بقوائم المناصب السيادية منذ عام ونصف العام، لكنه لم يرد علينا سلبا أو إيجابا".
وأضاف: "يبدو أن مجلس الدولة يستخدم الفيتو (حق النقض والاعتراض) ضد قرارات مجلس النواب".
وبناء على ذلك، دعا "صالح" إلى تشكيل ثلاث لجان برلمانية، هي لجنة سياسية، ولجنة تصور لوضع القاعدة الدستورية، ولجنة للعمل الاقتصادي، مهمتها "التصدي للانسداد السياسي" الحاصل في البلاد.
ترشح حفتر للرئاسة
وتعد مسألة ترشح مزدوجي الجنسية لمنصب رئيس الجمهورية أحد أبرز الخلافات بين مجلس الدولة ومجلس النواب، إذ يريد الأخير أن يُفسح الطريق لحفتر للترشح للرئاسة، رغم أن لديه جنسية أميركية، بجانب الليبية.
لكن ذكر الموقع الأميركي أن الخلاف بين مجلسي النواب والدولة -الذي يسيطر عليه مقربون من جماعة الإخوان المسلمين- حول شروط الترشح لرئاسة البلاد، جرى حله بالفعل من خلال اجتماع ثنائي بين الأخير وصالح، وفق المصدر.
وفي هذا الصدد، صرح صالح بأنه "ربما لو كنا في بلاد مستقرة قد نضع قاعدة لا تعطي الحق في الترشح إلا لاثنين أو ثلاثة، أما نحن في حالة من الانشقاق، ويجب أن ننظر في الظروف المحيطة".
ووفق "يوراسيا ريفيو"، فإن غضب "صالح" الذي بدا أخيرا داخل البرلمان نابع من خوفه من عرقلة مجلس الدولة لأطروحاته، وبالتالي عدم اكتمال ملف المسار الدستوري.
وبدورها، عملت الأمم المتحدة على تشكيل لجنة مشتركة مكونة من مجلسي النواب والدولة للتفاوض بشأن دستورية الانتخابات في جنيف وأنقرة والقاهرة.
ووفق التقرير، هناك عدة عوامل أسهمت في عودة المسألة الليبية إلى صدارة الأجندة الدولية، منها زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، إلى ليبيا، في 12 يناير/كانون الثاني 2023.
إذ أجرى المسؤول الأميركي لقاءين منفصلين، الأول كان مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، عبدالحميد الدبيبة، في العاصمة طرابلس، أما الثاني فكان مع "حفتر" في مكتبه بالرجمة، بضواحي بنغازي شرق البلاد.
ويرى الموقع أن أولوية الولايات المتحدة فيما يخص اهتمامها بالشأن الليبي هي اقتلاع جذور مرتزقة فاغنر الروسية من شرق ليبيا، ووقف توسع محاربي الكرملين في إفريقيا.
وفي ضوء ذلك، لفت التقرير إلى أن "اللعبة السياسية في ليبيا تغيرت"، فواشنطن تسعى الآن لتحييد دور روسيا الداعم لحفتر، وذلك بعد استضافت وكالة المخابرات المركزية الأميركية اللواء المتقاعد لسنوات.
وأضاف التقرير أن هدف الولايات المتحدة من استضافة حفتر منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وتقديم الدعم له، كان إعداده كبديل يحل محل رئيس النظام السابق معمر القذافي، إذا احتاجوا إليه.
علاوة على ذلك، فإن مناخ التقارب الذي ساد أجواء العلاقات في المنطقة، خلال عام 2022، كان أحد العوامل الدافعة تجاه التطورات الأخيرة على الساحة الليبية، وفق يوراسيا ريفيو.
إذ لم تعد مصر عدوا لقطر، وكذلك خفف رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، من حدة التوترات مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
ونتيجة لذلك، أجبرت الضغوط المصرية حفتر على "تقديم تنازلات"، وبالتالي الجلوس مع خصومه من الغرب الليبي، حسب التقرير.
ومن ناحية أخرى، تصالحت الإمارات مع تركيا، الأمر الذي وفر البيئة الملائمة، التي دفعت طرابلس وطبرق للجلوس والتفاوض، وفق الموقع.
اجتماع ثلاثي
وفي 15 يناير 2023، التقى ثلاثة من أبرز اللاعبين على الساحة الليبية في القاهرة، لإيجاد حل للأزمة الليبية، وفق التقرير، وهم: رئيس المجلس الرئاسي "محمد المنفي"، و"حفتر"، و"صالح".
وناقش الاجتماع آلية إجراء الانتخابات، مع وضع خريطة طريق ترضي جميع الأطراف السياسية الفاعلة في الشأن الليبي، للمضي قدما وتسليم السلطة لجهات منتخبة.
ورغم أن الناطق باسم مجلس نواب طبرق، عبدالله بليحق، اكتفى فقط بالتأكيد على مشاركة "صالح" في الاجتماع.
إلا أن مصادر برلمانية أخرى قالت في المقابل إن وجود صالح في القاهرة جرى حسمه في اللحظات الأخيرة، ولم يكن مدرجا على جدول مواعيده.
كما ألمحت إلى أن العقدة الرئيسية الخاصة بالتوافق حول القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية، تتعلق بمسألة ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، في إشارة إلى حفتر.
وبهذا الصدد، ذكر الموقع أنه "لا مكان لحفتر في ليبيا"، في إشارة إلى أن تقارب المكونات المدنية في البلاد من شأنه أن يهمش دور اللواء المتقاعد.
وختم الموقع الأميركي بالقول إن هناك آمالا في أن يُشكّل عام 2023 نقطة تحول في الساحة الليبية، وأن يتضمن بناء خريطة طريق.
وأمل أيضا أن تُجرى الانتخابات خلال عام 2023، وتستقر الدولة، بعد أن شهدت البلاد انقساما كبيرا في الشرق والغرب بين طرفين متنافسين مدعومين عسكريا.
وتعثرت جهود ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق توافق ليبي حول قاعدة دستورية تُجرى وفقا لها انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تقود إلى نقل السلطة وإنهاء نزاع مسلح يعاني منه منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.