رغم اقتصاده القائم على الديون.. لماذا يلهث الأردن وراء سراب مدينة الصحراء؟
"دولة مثقلة بالديون، وعلاقاتها واهية مع صندوق النقد الدولي، وتعتمد على جيرانها الخليجيين، وتبني مدينة جديدة وسط الصحراء. لا، هذه ليست مصر التي نتحدث عنها، بل الأردن".
هكذا افتتح موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا يستعرض عزم الحكومة الأردنية بناء مدينة جديدة وسط الصحراء، على غرار تلك التي يبنيها رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.
نسخة كربونية
ففي 10 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلنت الحكومة الأردنية عن خطة كبرى للسير على خطى مصر، والبدء في بناء مدينة جديدة على بعد 40 كيلومترا شرق العاصمة عمّان.
ووفق المعلومات المعلنة، فإن المدينة المرتقبة ستقام على مساحة 266 ألف دونم، وستقع على مفترق طرق يربط الأردن بكل من العراق والسعودية.
ويقول المسؤولون الأردنيون إنهم يتوقعون أن ينتقل مليون شخص في نهاية المطاف إلى هذه المدينة الصحراوية، مع انتقال 157 ألف ساكن بحلول نهاية المرحلة الأولى خلال عام 2033.
كما أعلنت الحكومة الأردنية أن المشروع ككل سيكتمل بحلول عام 2050، وأنه سيخفف الضغط الناجم عن تزايد عدد السكان في المدن الكبيرة مثل، عمّان والزرقاء.
وقال وزير الاتصال الحكومي، الناطق باسم الحكومة الأردنية، فيصل الشبول، إن المدينة الجديدة ستُبنى على أراضي الدولة وستحيط بها أراض مملوكة للدولة كذلك.
كما ستوفر المدينة حوالي 83 ألف فرصة عمل جديدة في المراحل الأولى بحلول عام 2033، ومن 90 ألف إلى 100 ألف وظيفة جديدة أخرى، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بحلول المرحلة النهائية لبنائها.
ورأى الموقع البريطاني أن بناء المدينة الأردنية الجديدة خطة مكلفة للغاية، وهذا مثار قلق بالنسبة للعديد من المواطنين الأردنيين، الذين يكافحون لتوفير احتياجاتهم في ظل اقتصاد المملكة المتعثر.
فوفق بيانات أصدرتها وزارة المالية الأردنية، في سبتمبر/ أيلول 2022، فإن الدين العام للبلاد ارتفع إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 107.6 بالمئة في النصف الأول من عام 2022، ليصل إلى نحو 36.5 مليار دينار (51.5 مليار دولار).
ولدى استعراضه لموازنة عام 2023، ذكر وزير المالية الأردني محمد العسعس، أن الدين العام لهذا العام يبلغ 45 مليار دولار، تشكل نحو 87 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ 52 مليار دولار.
قلق كبير
وتفاعل الأردنيون على وسائل التواصل الاجتماعي مع قرار الحكومة، معربين عن قلقهم من أن الطريقة الوحيدة لإكمال مثل هذا المشروع الضخم هي تحمل المزيد من الديون، مثلما فعلت مصر.
فبطريقة مماثلة، يبني السيسي عاصمة إدارية جديدة على بعد 45 كيلومترا شرق القاهرة، بتكلفة 58 مليار دولار، أثقلت ميزانية البلاد.
ومع ذلك، فقد اقترضت بلاده من صندوق النقد الدولي ثلاث مرات في السنوات الست الماضية، بلغ مجموعها 20 مليار دولار.
وفي غضون ذلك، انخفضت قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، مسجلا أدنى انخفاض له في تاريخه، مع تخطي الدولار حاجز الـ 32 جنيها، يوم الأربعاء الموافق 11 يناير/ كانون الثاني 2023.
وعبر كثير من المواطنين الأردنيين عن خوفهم من مغبات بناء المدينة الجديدة على الاقتصاد الوطني، إذ غردت إحدى المواطنات على موقع "تويتر" قائلة: "مصر بكل مواردها فلست بعد العاصمة الادارية الجديدة، فكيف احنا؟! #المدينة_الجديدة".
الشعور ذاته عبر عنه النائب الأردني عن كتلة "الإصلاح" النيابية الإسلامية، موسى حنتش، الذي أخبر "ميدل إيست آي" أن المملكة يجب أن تتجه لتطوير بنيتها التحتية، بدلا من بناء مدينة جديدة كاملة من الصفر.
وأضاف النائب الأردني أن بلاده "بحاجة إلى إعطاء الأولوية لقطاعات مهمة مثل الصناعة"، ويرى أن الهدف من المدينة الجديدة هو صرف الانتباه عن عجز الحكومة، وعدم قدرتها على تحسين الوضع الاقتصادي.
واستشهد "حنتش" بالتدهور الاقتصادي في مصر، مشيرا إلى أنه بعد سنوات من تطوير العاصمة الجديدة وغيرها من المشاريع العملاقة، يبلغ الدين القومي لمصر حوالي 150 مليار دولار.
"وفي الأردن، يبلغ الدين الوطني 45 مليار دولار، ولا يمكننا تحمله، فماذا سيحدث إذا اقترضنا المزيد!"، يتساءل النائب.
كما أعرب المسؤول الأردني عن قلقه من "زيادة الفساد والسرقات، التي غالبا ما تتعاظم مع وجود مثل هذه المشاريع"، وفق وصفه.
المشكلة السكانية
وفكرة إنشاء المدينة الجديدة أُعلنت للمرة الأولى في عام 2017 من قبل حكومة هاني الملقي، لكن خلفه في المنصب، عمر الرزاز، غير المسار، ووعد بدلا من ذلك بتحسين النقل العام وخفض الازدحام المروري.
غير أن هذه الوعود التي أطلقها الرزاز لم يتم الوفاء بها، وفي المقابل، استمر عدد سكان العاصمة في ازدياد مضطرد، حسب الموقع البريطاني.
سميح المعايطة، وهو وزير الإعلام الأسبق في الأردن، أعلن تأييده لإنشاء المدينة الجديدة، ويرى أنه "قرار إيجابي ومهم، لأن المدينة ستتيح الفرصة لتطوير أراضي الدولة، ولكونها أيضا خارج العاصمة (المزدحمة)".
ويرى المعايطة أن "نمو عدد السكان أمر واقع، سواء أحب الناس ذلك أم كرهوا، وأن لدينا طريقتين لمواجهته، إما بطريقة عشوائية أو بخطة مدروسة جيدا، مثل إنشاء هذه المدينة الجديدة".
وحاول وزير الاتصال الحكومي "شبول" تهدئة مخاوف الشعب بشأن الديون، بالقول إنه سيتم تقاسم الأموال مع القطاع الخاص المحلي والممولين الدوليين.
ومع ذلك، أقر بأن "الحكومة ستسهم في بناء المدينة الجديدة، وقد تستمر الحكومة في الاقتراض محليا ودوليا لإكمال هذا المشروع الوطني".
بدوره، حذر المهندس المدني الأردني، مراد قلادة، من أن البدء في هذا المشروع ليس سهلا على الإطلاق، مؤكدا أن المشروع "يتطلب مبلغا ضخما من المال لضمان إنجازه".
ووفق البيانات الرسمية، ففي المرحلة الأولى، تخطط الحكومة لإنفاق 70 مليون دولار سنويا اعتبارا من عام 2025، وهي أموال يذهب معظمها إلى أعمال الحفر والبناء.
لكن "ما دفعته الحكومة الأردنية لهذا المشروع – وهو مبلغ 70 مليون دولار- ضئيل جدا مقارنة بالمبالغ اللازمة لإنشاء البنية التحتية للمدينة"، يضيف قلادة.
وبحسب قلادة، فإن المدينة الجديدة لن تحل المشكلة السكانية، إذ أن احتمالية زيادة عدد سكان العاصمة عمّان بنسبة 30 بالمئة ستظل قائمة.
ويعتقد المهندس الأردني أن المدينة الجديدة - المقرر أن تكون وسط الصحراء- لن تكون جاذبة للمواطنين، وبالأخص بالنسبة لسكان عمان، "ما لم توفر الحكومة الأرض بأسعار منخفضة، وتنشئ نظام نقل قوي إلى المدينة، يكون متاحا بسهولة".
بدوره، رفض نائب رئيس الوزراء السابق، جواد العناني، المخاوف من أن بناء مدينة جديدة كاملة في الصحراء سيشكل تحديا كبيرا ، قائلا إن المشروع يمكن "تنفيذه بسهولة".
ويعتقد العناني أن "الفكرة ستنجح إذا منحت الحكومة الأرض بالمجان، مقابل قيام المطورين بالبناء عليها".
وختم العناني بالقول إن "هناك حاجة للنظر إلى الأعوام المائة القادمة، فالعديد من عواصم العالم تجري تغييرات مماثلة، كما هو الحال في مصر والبرازيل؛ وذلك يرجع إلى الكثافة السكانية العالية".