فقدت مليون نسمة.. ما أسباب انخفاض النمو السكاني في دول الخليج العربي؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

كشفت دراسات عربية وغربية حديثة عن تراجع عدد سكان دول الخليج العربي، ما أثار تساؤلات عن الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة في تلك الدول النفطية خلال عام 2021 مقارنة عام 2020.

وبينما وصل عدد سكان العالم إلى نحو 8 مليارات في عام 2022، مسجلا زيادة تقدر بثمانية أضعاف على مدى الأعوام الـ200 الماضية، يبقى الأمر مختلفا بالنسبة لدول الخليج التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي مقارنة بعديد من جيرانها.

انخفاض بالنمو

وأظهرت دراسة صادرة عن المركز الإحصائي لمجلس التعاون الخليجي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2022، انخفاضا كبيرا في عدد سكان الدول الخليجية الست (السعودية، الإمارات، عمان، الكويت، قطر، البحرين) بواقع مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ2020.

وبلغ إجمالي عدد سكان دول الخليج بنهاية 2021، نحو 56.4 مليون نسمة، متراجعا بمليون نسمة عن نهاية 2020، التي بلغ عدد السكان فيها 57.4 مليونا.

وشكل سكان السعودية النسبة الأعلى بـ60.5 بالمئة من إجمالي عدد سكان الخليج، فيما شكلت البحرين النسبة الأدنى بـ2.7 بالمائة.

وفيما يخص الانخفاض في عدد السكان في عام 2021 مقارنة بعام 2020، بيّنت الدراسة أن قطر سجلت المعدل الأكبر من حيث الانخفاض بنسبة 3 بالمئة، تلتها الكويت بنسبة 2.7 بالمئة، ثم السعودية بنسبة 2.6 بالمئة.

وبخلاف الدول الثلاث، سجلت كل من سلطنة عمان والبحرين ارتفاعا في أعداد السكان، بنسبة 1 بالمئة و2.2 بالمئة على التوالي.

وأكدت الدراسة أن "إجمالي الانخفاض في عدد سكان السعودية بلغ 902.6 ألف نسمة، غالبيتهم من الذكور من غير مواطني البلاد".

وفي قطر انخفض عدد السكان بواقع 85.5 ألف نسمة، بينما في الكويت بلغ إجمالي انخفاض عدد السكان في الفترة ذاتها 119.1 ألف نسمة غالبيتهم من الذكور من غير مواطني البلاد.

وعزت الدراسة أسباب ذلك الانخفاض إلى التداعيات الاقتصادية التي تسبب فيها انتشار فيروس كورونا وتعطل الأعمال بسبب الإغلاق العام في تلك الفترة.

وفي 16 يناير/ كانون الثاني 2023، أصدر "المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية" تقريرا قدّم صورة شاملة عن الوضع السكاني في جميع أنحاء العالم عام 2050.

وتوقع المعهد أن يصل سكان السعودية إلى 48 مليونا، والإمارات إلى 11 مليونا، وسلطنة عمان إلى 6.3 ملايين، والكويت 5.2 ملايين، وقطر 3.4 ملايين، البحرين 1.8 مليونا.

أسباب جوهرية

وعن أسباب تراجع النمو السكاني في دول الخليج، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت محمد الرمحي، أن "الدول في الخليج بشكل عام تحاول أن تنتهج سياسة الإحلال الذي جعل من المرأة تدخل في سوق العمل بشكل واسع وخاصة بعد تعليم المرأة وإتاحة الفرص لها".

وأضاف لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 16 يناير، أن هذه "السياسة تسببت في أن يصبح سن الزواج متأخرا، وبالتالي أصبح الإنجاب أقل، يضاف إلى ذلك ارتفاع حالات الطلاق في البلدان الخليجية".

وأشار الباحث الكويتي إلى أن "الوعي أيضا أصبح مختلفا جزئيا عما كانت عليه في السابق، فقد كانت الأسرة تعتمد اعتمادا كليا على عدد الأبناء والبنات، أما الآن فلم يعد هذا ضرورة في إطار ما يمكن أن يسمى دولة الرفاهية".

وأعرب الرمحي عن اعتقاده أيضا أن "انخفاض النمو السكني في الخليج، له علاقة بمستوى الدخل، وهذا ما يحصل في أميركا التي تشهد ارتفاعا في مستوى المعيشة، لكن هناك نقصا في نمو السكان".

وعن انخفاض السكان الأجانب في دول الخليج، قال الرمحي إن "انخفاض اليد العاملة كان أمرا طبيعيا بسبب ما مر في العالم من تفشي فيروس كورونا والإغلاق الذي تبعه، وبالتالي من الطبيعي أن يقل العدد جزئيا من العمالة الوافدة".

وتوقع أن "يعود النمو المتعلق بالعمالة الوافدة إلى وضعه، لأن هناك مشاريع ضخمة تستقطب العمالة من مهندسين وغيرهم"، مستدركا بالقول: "أما على المستوى المحلي فلا أعتقد أن نشهد زيادة كبيرة بسبب العوامل الثقافية والاقتصادية التي تمر بها دول الخليج".

من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي السعودي صلاح الشلهوب، لصحيفة "إندبندنت عربية" في 11 يناير، أن "هناك عددا من العوامل أسهمت في تغير بيئات العمل في دول الخليج العربي بوجه الخصوص ودول العالم".

وأوضح الشلهوب أن "انتشار فيروس كورونا في عام 2020 أسهم في اتباع دول العالم كافة العديد من الإجراءات الاحترازية، والتي تضمنت تحويل بيئات العمل إلى العالم الرقمي من خلال العمل عن بعد".

وأضاف أن ذلك "تزامن مع التوجه لاستخدام الوسائل الإلكترونية في الأعمال مع الاستغناء عن عدد من الوظائف لا سيما تلك التي لا تتطلب مهارات معينة".

ورأى الخبير السعودي أن "ارتفاع معدلات توطين الوظائف في تلك الدول يلعب دورا مهما في الاستغناء عن أعداد من العمالة الأجنبية، إضافة إلى محاربة عملية التستر والتي أسهمت بشكل كبير في خروج عدد كبير من العاملين بهذا النظام من غير المواطنين من البلاد".

وأكد الشلهوب أنه "بخلاف انخفاض عدد السكان من غير مواطني دول الخليج في العام الذي تلا انتشار جائحة كورونا، فهناك ارتفاع في معدلات النمو بين سكان مواطني البلاد، وكذلك هنالك انخفاض في معدلات البطالة بين المواطنين وكلها أمور إيجابية لدول الخليج الست".

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه "من الملاحظ أن اقتصادات دول الخليج وخصوصا السعودية استطاعت تجاوز التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا بشكل كبير ومن المتوقع استمرار نموها في السنوات المقبلة".

تراجع مستمر

وبالعودة إلى الدراسة الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي، فإن الفترة ما بين 2017 و2021 شهدت تباينا في نسب النمو والانخفاض بين مواطني تلك الدول وغير المواطنين.

وفي الوقت الذي شهدت فيه ارتفاعا في عدد المواطنين بمعدل 6.9 بالمئة، سجل انخفاض في عدد غير المواطنين الذين يسكنون تلك الدول بنسبة 1.5 بالمئة.

وزاد عدد الذكور من المواطنين بمعدل 6.7 بالمئة في الفترة ذاتها، في حين انخفض معدل الذكور من غير المواطنين بنسبة 4.5 بالمئة.

أما فيما يخص فئة الإناث فقد شهدت الفترة ارتفاعا في النسبة بين المواطنات والتي بلغت 7.1 بالمئة وزيادة في عدد غير المواطنات بمعدل 5.6 بالمئة.

وفي عام 2021، كان أكبر تراجع في عدد السكان بالخليج من نصيب إمارة دبي، حيث شهدت هجرة مئات الآلاف من العمالة الوافدة سواء العربية أو الأجنبية.

وفي منتصف فبراير/ شباط 2021، قالت "ستاندرد آند بورز غلوبال" للتصنيف الائتماني إن عدد سكان دول مجلس التعاون انخفض نحو أربعة بالمئة خلال 2020.

وأضافت أنه من المستبعد أن يعود العدد الكلي للسكان إلى مستوى 2019 قبل عام 2023، خاصة مع استمرار بعض هذه الدول في تطبيق سياسة طرد العمالة الوافدة لأسباب اقتصادية.

وفي 21 يوليو/ تموز 2021، أظهر تقرير صادر عن "المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء" الإماراتي، أن "عدد سكان الإمارات انخفض إلى 9.28 ملايين نسمة بنهاية 2020، وبتراجع 2.3 بالمئة مقارنة بعام 2019".

وسجلت قطر انخفاضا نسبيا في عدد سكانها خلال فبراير/شباط 2021، مقارنة بالفترة ذاتها من 2020. فقد بلغ عدد السكان نحو 2.6 مليون نسمة.

وفي الكويت، شهد التعداد السكاني خلال 2020 أعلى معدل تراجع سنوي منذ نحو 30 عاما، حيث تراجعت أعداد الوافدين بشدة.

وجاء التراجع على خلفية خفض أعداد الوافدين بسبب جائحة كورونا، واستمرار تطبيق سياسات توطين الوظائف، ما أدى إلى تسريح الشركات والمؤسسات الحكومية لعدد كبير من الموظفين، خاصة في ذروة تفشي كورونا واغلاق الحدود وتوقف الأنشطة الاقتصادية.

وفي سلطنة عُمان، تراجع عدد المغتربين بنحو 12 بالمئة في 2021 مع تطبيق الحكومة سياسة "التعمين" لإحلال العمالة الوافدة، ومن المتوقع استمرار التراجع مع حرص الحكومة على توفير فرص عمل للمواطنين، خاصة مع اندلاع تظاهرات خلال يوليو 2021.

وشهدت السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، انكماش عدد السكان 2.8 بالمئة خلال 2020. ووفق أرقام غير رسمية غادر 2.24 مليون موظف أجنبي من القطاع الخاص السعودي وظائفهم خلال 51 شهرا، منذ مطلع 2017 حتى نهاية الربع الأول من 2021، أو ما يعادل أكثر من ربع العمالة الأجنبية في المملكة.

وهبط عدد الموظفين الأجانب في المملكة إلى 6.25 ملايين فرد، مع نهاية الربع الأول من عام 2021، مقابل 8.49 ملايين نهاية 2016، بنسبة تراجع 26.4 بالمئة.