معركة سياسية قانونية.. ما مصير ولاية بايدن الثانية بعد فضيحة الوثائق السرية؟

بالتزامن مع كشف صحف أميركية في 10 يناير/ كانون الثاني 2023، أن الرئيس جو بايدن يستعد لإعلان الترشح لولاية ثانية في فبراير/شباط من نفس العام، ظهرت فضيحة قد تعصف بآماله أو تمثل حرجا سياسيا وقانونيا له.

الفضيحة تمثلت في العثور على وثائق حكومية حساسة في أحد مكاتبه بـ"مركز بايدن للدبلوماسية والمشاركة العالمية"، وهو مركز أبحاث تابع لجامعة بنسلفانيا أقام به الرئيس الأميركي فترة، وسُمّي على اسمه، وينظم فعاليات يحضرها خبراء السياسة والقانون.

الوثائق عبارة عن مذكرات استخباراتية أميركية وخلاصات إعلامية لبايدن عندما كان في منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما، وبعضها يرتبط بأوكرانيا وإيران والمملكة المتحدة، بحسب ما قالت مصادر مُطلعة لشبكة "سي إن إن" في 10 يناير 2023.

الأزمة ترجع إلى أن العثور على وثائق حكومية سرية (ممنوع الاحتفاظ بها) في مكتب خاص ببايدن، تخص فترة عمله حين كان نائبا للرئيس، يمثل إشكالية قانونية قد تترتب عليها تداعيات سياسية.

ويأتي هذا في ظل التحقيق بقضية مشابهة تتعلق بالرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، ما فتح بابا جديدا للجدل والمعارك السياسية في واشنطن.

وينص القانون، وفق موقع إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية (NARA)، على أنه يطلب من "أصحاب المناصب الفيدرالية بموجب القانون التخلي عن الوثائق الرسمية والسجلات السرية عند انتهاء خدمتهم الحكومية".

ويوضح أن "السجلات الرسمية للرئيس وموظفيه مملوكة للولايات المتحدة وليس للأشخاص"، وينص أيضا على أن "أي سجلات أنشئت أو جرى تسلمها من قبل الرئيس في إطار واجباته، هي ملك لحكومة الولايات المتحدة وتديرها NARA بعد انتهاء ولاية الإدارة".

وثائق سرية

كانت شبكة "سي بي إس نيوز" أول من كشف قصة إخفاء بايدن وثائق سرية في 10 يناير 2022.

أكدت أن المدعي العام ميريك جارلاند أمر بمراجعة وثائق تحمل علامة سرية عُثر عليها في مركز بن بايدن للدبلوماسية والمشاركة العالمية، ثم تولت شبكة "سي إن إن" نشر تفاصيلها في اليوم التالي.

"سي بي إس نيوز" نقلت عن مصدرين مطلعين على التحقيق، أن الوثائق عثر عليها المحامون الشخصيون لبايدن في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما كانوا "يحزمون الملفات الموجودة في خزانة مقفلة للتحضير لإخلاء مكتب بايدن القديم". 

وأوضحت أن الوثائق لا تحتوي على أسرار نووية، وجرى استرداد 10 ملفات حساسة منها تحمل علامة "سرية للغاية".

وعقب الكشف عن وجود الوثائق، أكدت شبكة "سي إن إن" في 11 يناير أن ما عُثر عليه في مكتب بايدن "تضمن بعض الملفات السرية للغاية عليها عبارة (SCI folders).

وهي عبارة تشير إلى "المعلومات الحساسة للغاية التي جرى الحصول عليها من مصادر استخباراتية".

قالت إن الدفعة الأولى المكونة من 10 وثائق سرية من أصل 12، تضمنت مذكرات استخباراتية ومواد أخرى تتعلق بإيران وأوكرانيا والمملكة المتحدة، وكانت الأوراق مؤرخة بين عامي 2013 و2016 في مكتب بايدن الخاص.

وقد نفى الرئيس الأميركي علمه بمحتوى الوثائق الرسمية التي عُثر عليها في مكتبه السابق.

وأكد بايدن أنه لا علم له بمحتوى الوثائق السرية التي تعود إلى الفترة التي كان يتولى فيها منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما (2009-2017).

أوضح بايدن أن هذه الوثائق جرى العثور عليها "عندما كان محام ينظف مكتبي في جامعة بنسلفانيا، وفور اكتشاف أن بعضها سري، اتصلوا بهيئة المحفوظات لتسليمها إياها"، وأنه سيتعاون بالكامل مع القضاء في قضية الوثائق.

وقال ريتشارد ساوبر المستشار القانوني للرئيس في بيان إنه عُثر على هذا "العدد الصغير من الوثائق المصنفة سرية في خزانة مُقفلة في مركز بن بايدن بحسب وكالة "أسوشيتدبرس" 11 يناير.

لكن "جوناثان تورلي"، المحامي والأستاذ بكلية الحقوق بجامعة جورج واشنطن كتب في صحيفة "نيويورك بوست"، يسخر من نفي بايدن عدم علمه بهذه الوثائق، مؤكدا أنه "جرى نقل المستندات السرية مرتين على الأقل فكيف لم يعلم؟".

قال في 11 يناير: يتظاهر الرئيس بايدن بالجهل، ويقول ببساطة إنه "فوجئ" بوجود الوثائق هناك، كي يقلل من تعرضه لاتهامات التعطيل أو البيانات الكاذبة.

وانتقد "تورلي" صمت المدعي العام ميريك جارلاند رغم أنه جرى إطلاعه على اكتشاف هذه الوثائق السرية في مكتب جو بايدن القديم منذ الثاني من نوفمبر 2022.

قال إن "جارلاند كان على علم بوثائق بايدن عندما عين مستشارًا خاصًا (هو جاك سميث الذي عُين يوم 18 نوفمبر 2022) للتحقيق في المستندات السرية في بيت ترامب"، فلماذا لم يعلم عنها حينئذ؟

وتقول "سي إن إن" و"فوكس نيوز" إن قانون السجلات الرئاسية ينص على ضرورة تسليم جميع الوثائق من إدارة الرئيس وموظفيه إلى الأرشيف الوطني فور انتهاء المهام الرسمية.

وانتقدت "فوكس نيوز" دفاع ومسارعة وسائل الإعلام الليبرالية، مثل واشنطن بوست وسي بي إس، عن الرئيس بعد العثور على وثائق سرية و"تبرير فضيحة وثيقة بايدن"، متسائلة: "متى يقتحم مكتب التحقيقات الفيدرالي منزله؟" (كما حدث مع ترامب).

قالت إن بايدن انتقد الرئيس السابق ترامب في سبتمبر/أيلول 2022 بسبب تعامله "غير المسؤول" مع الوثائق السرية في برنامج "60 دقيقة"، بينما فعل الرئيس الحالي الشيء نفسه.

وكانت صحيفة واشنطن بوست قالت في 9 يناير إن قضية بايدن "تختلف تماما" عن قضية ترامب، لأن الأخيرة لا تتعلق فقط بسوء التعامل المحتمل مع الوثائق السرية، ولكن أيضا إعاقة العدالة وتدمير السجلات.

هل يعاقب؟

تسببت القضية في إحراج كبير للبيت الأبيض لأنه جرى كشفها في وقت تحقق السلطات في فضيحة أكبر بكثير ترتبط بإساءة استخدام الرئيس السابق دونالد ترامب وثائق سرية، وقد يتعرض الأخير بسببها للمحاكمة.

في حالة بايدن جرى العثور على 12 وثيقة وتسليمها فورا، لكن ترامب تلكأ وأعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه وجد أكثر من 100 وثيقة سرية، بعضها يحتوي على معلومات حول الأسلحة النووية.

أيضا وجهت تهم لترامب تتضمن: انتهاكات محتملة لقانون التجسس، والتعامل غير السليم مع السجلات الفيدرالية، وعرقلة التحقيق الفيدرالي، لكن بايدن قد يوجه له اللوم فقط وفق توقعات أميركية.

إذ لا يؤدي الاحتفاظ بالمعلومات السرية بعد ترك الخدمة الحكومية (مثل حالة بايدن بعدما انتهى دوره كنائب لأوباما) بالضرورة إلى توجيه تهم جنائية"، بحسب شبكة "سي بي إس نيوز".

الدليل على ذلك أن مكتب التحقيقات الفيدرالي اكتفى بتوجيه "اللوم" إلى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون حينما وضعت معلومات رسمية على خادم البريد الإلكتروني الخاص بها لعدة سنوات بعد أن تركت الوزارة عام 2013. 

وقد أوضحت صحيفة واشنطن بوست في 9 يناير 2023 أن التفاصيل التي قدمها محامي بايدن تشير إلى اختلافات رئيسة يمكن أن تؤثر بشكل كبير فيما إذا كانت قضيته ستصبح مسألة جنائية.

قالت إن "تحقيق ترامب لا يتعلق فقط باحتمال سوء التعامل مع الوثائق السرية، ولكن أيضا بإمكانية عرقلة سير العدالة أو إتلاف السجلات".

لكن الصحيفة نقلت عن شخص مطلع على قضية بايدن أنه "في كلتا الحالتين، ذهبت معلومات سرية إلى مكان لا ينبغي أن تذهب إليه وهذا يثير التساؤل بشأن طريقة التعامل مع مواد رسمية".

ونقل موقع "بيزنس إنسايدر" 10 يناير 2023 عن برادلي بي موس، محامي الأمن القومي، قوله إنه يعتقد أن هناك فروقا بين القضيتين.

لذلك كان التحقيق حتى الآن "روتينيا"، وربما يكون الدافع منه "رغبة وزارة العدل في إظهار أنها غير متحيزة".

أضاف: "فعل فريق بايدن ما يفترض أن يفعله بالضبط، عندما تجد وثائق سرية مخزنة بشكل غير صحيح، فإنك تخطر الحكومة على الفور".

لكنه أشار إلى إمكانية تغير طبيعة التحقيق، إذا كشف المدعي المسؤول عن مراجعة الوثائق أي دليل على أن بايدن أو موظفيه، قد تعمدوا تضليل الأرشيف الوطني.

أما ترامب، وفق رأيه، فتحيط بقضيته مسائل جنائية، لأن التحقيق أظهر محاولة "عرقلة العدالة" وليس فقط حفظ الوثائق بشكل غير صحيح.

وأضاف أن "هذا هو السبب في أن التحقيق وصل إلى مرحلة البحث في توجيه اتهام جنائي" ضد ترامب.

وتشير "سي إن إن" أيضا إلى أنه في حالة ترامب، اكتشفت إدارة السجلات اختفاء وثائق، وساومها فريق الرئيس السابق لفترة من أجل استعادة الملفات.

وفي نهاية المطاف، أعاد ترامب 15 صندوقا من الوثائق، لكن المحققين الفيدراليين وجدوا لاحقا أنه لا يزال يحتفظ بعشرات الملفات السرية الإضافية، لذلك، حصلوا على إذن بتفتيش مقر إقامته في فلوريدا للعثور على باقي الوثائق.

وتشير إلى أنه ليس من غير المألوف إساءة تعامل الأشخاص الذين لديهم تصاريح أمنية مع المستندات السرية.

لكن عادة يجرى التعامل مع هذه المواقف إداريا وليس جنائيا، ومعايير المحاكمة الجنائية تشمل إثبات أن الشخص قد انتهك عمدا القواعد الخاصة بكيفية تأمين المواد.

ورأى النائب الجمهوري السابق آدم كينزينغر، الذي كان ضمن لجنة التحقيق في أحداث السادس من يناير (اقتحام الكونغرس من قبل أنصار ترامب عام 2021) أن التحقيق مع بايدن ربما سيتوقف على تحديد الشخص، ضمن طاقمه الذي تعامل مع الوثائق وما إذا كان الأمر متعمدا أم مجرد مصادفة".

أيضا قالت مراسلة موقع "ذا هيل" إن هناك اختلافات بالنسبة لحالتي بايدن وترامب، ففي حالة الأول عثر فريقه على الوثائق وأخذوها على الفور إلى الأرشيف الوطني.

كما أن المحققين عثروا على عدد ضخم من الوثائق في منزل ترامب، في حين جرى اكتشاف عدد قليل من الوثائق في مكتب بايدن.

أضافت: "المواقف مختلفة للغاية لذلك من الناحية القانونية، هناك فرق كبير بين الحالتين".

معركة سياسية

تسببت الوثائق السرية التي كشف وجودها في مكتب بايدن السابق، في حرج سياسي للرئيس وحزبه، وشكلت فرصة لترامب والحزب الجمهوري لبدء حملة مضادة لتشويه صورة الأول ومنعه من الترشح مجددا لانتخابات 2024.

كما أن القضية بدأت تثير سجالا سياسيا في واشنطن، مع تولي مجلس النواب بغالبيته الجمهورية أعماله رسميا.

أدت لإشكالية سياسية، لأن الكشف عن الوثائق جاء بعدما انتقد بايدن سلفه ترامب إثر مصادرة ​​مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" في أغسطس/آب 2022 وثائق سرية من منزله الخاص في فلوريدا.

حينئذ قال بايدن: "كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ كيف يمكن لأي شخص أن يكون غير مسؤول إلى هذا الحد؟".

لذا كان العثور على هذه الوثائق السرية فرصة لترامب كي يهاجم هو وحزبه بايدن ونائبه العام لتحقيقهم مع الرئيس السابق وأعوانه لإخفاء وثائق سرية، بدعوى أن الأمر مشابه لما جرى معه.

فقد علق ترامب على تطبيقه تروث سوشيال Truth Social، "متى سيداهم مكتب التحقيقات الفيدرالي العديد من منازل جو بايدن، وربما حتى البيت الأبيض؟ لم يجر رفع السرية عن هذه الوثائق بالتأكيد".

وكان يلمح إلى تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله في فلوريدا واتهامه مع مساعديه بإخفاء وثائق سرية والاحتفاظ بها وهي جريمة فيدرالية يجري التحقيق فيها.

أيضا وصف رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفين مكارثي استعادة الوثائق ذات العلامات السرية من فترة بايدن كنائب للرئيس بأنها "مقلقة للغاية". 

وأضاف: "كانت بحوزته هذه الوثائق السرية، فلماذا قال عن الرئيس الآخر (ترامب) إنه احتفظ بوثائق سرية؟".

وعندما سئل عما إذا كانت هذه الحالة مختلفة لأن المحامين عثروا عليها وسلموا "على الفور" المواد المذكورة، أجاب مكارثي، "أوه، حقًا؟ لقد عثروا عليها الآن بعد كل تلك السنوات؟".

كما تساءل رئيس لجنة الرقابة بمجلس النواب الجديد النائب جيمس كومر: "ما الفرق فيما فعله ترامب وبايدن؟".

وأردف: "نريد أن نعرف بالضبط ما الوثائق التي أخذها كل من ترامب وبايدن وما إذا كانوا سيعاملون الرئيس الحالي بشكل مختلف عن تعاملهم مع سابقه؟".

وقال السيناتور ليندسي جراهام (جمهوري) لشبكة فوكس نيوز: "إذا كان بايدن عين مستشارا خاصا للتحقيق مع ترامب بسبب المستندات السرية، فيجب عليه تعيين مستشار خاص آخر بشأن إساءة تعامله هو مع المستندات السرية".

وقد استجاب المدعي العام ميريك جارلاند وعين مستشارا خاصا جديدا، هو "روبرت هور"، للتحقيق في تعامل الرئيس بايدن مع وثائق سرية تعود إلى إدارة أوباما، بحسب "فوكس نيوز".

وغرد النائب الجمهوري، روني جاكسون: "أين مكتب التحقيقات الفيدرالي؟ لدينا نظامان للعدالة في هذا البلد: واحد لهم والآخر لنا".

وتشير "سي إن إن" إلى أن قرار توجيه اتهام إلى ترامب بشأن قضية الوثائق السرية، وعدم اتخاذ نفس الإجراء ذاته ضد بايدن، يمكن أن يثير ضجة سياسية بين المحافظين، الذين سيتهمونه بازدواجية المعايير.