رغم قمع الإيغور.. هل تقدم طالبان مصالحها الاقتصادية في علاقتها مع بكين؟
استعرضت صحيفة "آي نيوز" البريطانية علاقات الصين بحركة طالبان الأفغانية، بعد إعلان الأخيرة عن توقيعها صفقة مع شركة صينية، هي الأولى من نوعها، للتنقيب عن النفط.
ورأت الصحيفة أن قضية اضطهاد السلطات الصينية مسلمي تركستان الشرقية يجعل جزءا من الحركة – التي تسيطر على أفغانستان، معاديا للحكومة الصينية.
وفي 5 يناير/كانون الثاني 2023، أعلن وزير التعدين الأفغاني بالإنابة، شهاب الدين ديلاوار، أن الإدارة التي تقودها حركة طالبان ستوقع عقدا مع شركة صينية للتنقيب عن النفط من حوض آمو داريا شمالي البلاد.
وستكون هذه أول صفقة كبيرة للتنقيب عن سلع أولية توقعها طالبان مع شركة دولية منذ سيطرتها على السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب 2021.
وقال الموقع: إن "أفغانسان لم يُطلق عليها "مقبرة الإمبراطوريات" من فراغ، فبريطانيا وروسيا، وأخيرا، الولايات المتحدة الأميركية، باتوا يعضون أصابع الندم على تورطهم هناك".
"أما الآن، فقد أصبح اهتمام الصين بهذه الدولة الواقعة في وسط آسيا واضحا، لكن الفرق هو أن بكين لا تسعى إلى الغزو أو تغيير النظام، بل عينها على النفط"، حسب التقرير.
فمنذ 2022، بدأت الصين محادثات مع سلطات طالبان لبدء العمل باحتياطيات النفط والغاز شمالي البلاد، وكشف حينها السفير الصيني بأفغانستان، وانغ يو، أن المحادثات جارية بشأن مشروع آمو داريا للنفط والغاز في الشمال.
وأضاف وانغ: "نحتاج إلى شروط أفضل لجعل الاستثمار مجديا بالنسبة إلى الصينيين، فمن المهم جدا أن يحصل كلا الطرفين على عائدات معقولة".
وأوردت الصحيفة البريطانية ما كتبه المتحدث باسم إدارة طالبان، ذبيح الله مجاهد، على تويتر، من أن الشركة الصينية ستستثمر 150 مليون دولار سنويا في أفغانستان بموجب هذا العقد، مضيفا أن بلاده ستحقق اكتفاءها من النفط والمنتجات البترولية.
وتابع مجاهد أن "استثمارات الشركة الصينية ستزيد إلى 540 مليون دولار في ثلاث سنوات، بموجب العقد الذي تبلغ مدته 25 عاما"، مشيرا إلى أن إدارة طالبان ستشارك في المشروع بنسبة 20 بالمئة، ويمكن زيادتها إلى 75 بالمئة.
موارد ضخمة
وعلقت "آي نيوز" البريطانية على التفاصيل التي كشفها المسؤول الأفغاني عن الاتفاق، بأن "الصين تأخذ مصالحها الاقتصادية في أفغانستان على محمل الجد".
ووفق التقرير، هناك اعتقاد بأن الموارد المعدنية والطاقة غير المستغلة في أفغانستان تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار، لكن عقودا من الصراع منعت المستثمرين الأجانب الراغبين في استغلال هذه الثروات من نيل بُغيتهم.
أما الآن، وبعد انتهاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فإن بكين تضع موارد أفغانستان نصب أعينها، وهي تعلم أن نظام طالبان المُعدَم في حاجة إلى المال، وفق الصحيفة.
وقالت إن مستويات العنف قد انحسرت منذ استيلاء من وصفهم بـ "المتشددين الإسلاميين" على البلاد قبل 16 شهرا، بعد انهيار حكومة كابول المدعومة دوليا.
وأشارت إلى أن المجتمع الدولي يرفض الاعتراف بحكومة طالبان بسبب مخاوف بشأن حقوق الإنسان، ولا سيما اضطهاد المرأة.
وأردفت: "قد لا تكون الصين قد اعترفت رسميا بالنظام، ولكن كما هو الحال دائما مع بكين، فإن حقوق الإنسان غير مهمة عندما تكون هناك أرباح يمكن جنيها".
وأثناء توقيع الاتفاق في العاصمة الأفغانية، قال السفير الصيني إن بلاده "تحترم خيار الاستقلال الذي اتخذه الشعب الأفغاني، وتحترم المعتقدات الدينية، والعادات الوطنية لأفغانستان".
وأكد "وانغ يو" أن بلاده "لم تتدخل أبدا في الشؤون الداخلية لأفغانستان، ولا تسعى أبدا إلى تحقيق مصالح أحادية فيما يسمى بمناطق النفوذ في أفغانستان".
بدوره، يرى مدير معهد الصين في جامعة لندن، ستيف تسانغ، أن الصين كانت تؤسس نفسها بهدوء منذ فترة من الزمن للاضطلاع بدور رائد في استغلال المعادن والنفط في أفغانستان.
وتقول الصحيفة إن "الحقيقة هي أنه حتى عندما كان الأميركيون متورطين إلى حد بعيد في أفغانستان، كان الصينيون أكبر المستثمرين الأجانب في هذا البلد".
ومع خروج الجيش الأميركي، وزيادة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، ليس من المستغرب أن تستكشف بكين المزيد من الفرص في أفغانستان، وفق الصحيفة البريطانية.
"وباعتبار أن طالبان لم تنل الاعتراف العالمي حتى الآن، وأنها معزولة بسب سياسات الدول الغربية، فإن هناك سببا وجيها لديها لتتعاون مع الصينيين"، تضيف الصحيفة.
علاقات معقدة
واستدركت أن العلاقات بين البلدين معقدة؛ بسبب قضية الإيغور، إذ تخشى بكين من أن يستخدم المقاتلون المسلمون منهم - مثل "الحزب الإسلامي التركستاني"- معسكرات في أفغانستان كقاعدة لشن هجمات ضد الصين.
ومن ناحية أخرى، فإن قمع الصين لأقلية الإيغور المسلمة يعني أن البعض في طالبان سيظل على عدائه لبكين.
ومنذ 1949، تسيطر بكين على إقليم "تركستان الشرقية"، الذي يعد موطن الأتراك "الإيغور" المسلمين، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة"، وتقمع تلك الأقلية بذريعة "التطرف الديني"، وفق زعمها.
لكن تشير الدلائل – حسب "آي نيوز"- إلى أن الصين تأمل في أن تحتاط هي وطالبان لهذا الملف، وأن تسود المصالح الاقتصادية المتبادلة العلاقات بين الطرفين.
ولفتت الصحيفة إلى أن "الاتفاق جاء بعد يوم واحد من تأكيد إدارة طالبان أن قواتها قتلت ثمانية من أعضاء تنظيم الدولة في مداهمات، بعضهم كان وراء هجوم وقع في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022 على فندق يقدم خدماته لرجال الأعمال الصينيين في العاصمة كابول".
وشن عناصر من تنظيم الدولة هجوما بعبوات ناسفة وقنابل يدوية وأسلحة نارية على فندق في كابول يرتاده رجال أعمال صينيون مما أسفر عن سقوط 3 قتلى و21 جريحا على أقل تقدير.
وعلقت الصحيفة البريطانية على هذه العمليات قائلة إن "المخاطر الأمنية لا تزال قائمة في أفغانستان".
بدوره، رأى تسانغ أن الصين تضر نفسها بنفسها، قائلا: "مثلما لم يتعلم الأميركيون الدرس مما حدث للروس وللبريطانيين قبلهم، فإن من الممكن ألا يتعلم الصينيون من الأخطاء الأميركية أيضا".
وأوضح أن "الصين وطالبان نجحتا حاليا في تجاوز قضية الإيغور، وطالما أنهما استطاعا ذلك، فإن لديهما أرضية مشتركة كافية للعمل معا".
"لكن النهج الصيني تجاه السكان المسلمين في إقليم شينجيانغ سيظل قنبلة موقوتة بين البلدين، خاصة إذا تمكنت طالبان من تخفيف التوترات مع الغرب ولم تعد تشعر بالحاجة إلى تقوية علاقاتها مع الصين"، بحسب تسانغ.
وختمت الصحيفة بالإشارة إلى أنه بينما أبقت الصين وباكستان وروسيا وإيران وتركيا والعديد من الدول الإقليمية الأخرى سفاراتها في كابول مفتوحة بعد استيلاء طالبان على السلطة، نقلت واشنطن والدول الغربية بعثاتها الدبلوماسية بسرعة إلى الدوحة.