بعد اتفاق سلام إثيوبيا.. معهد إيطالي يتساءل عن مصير سلاح جبهة تيغراي

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وقعت الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، في العاصمة الكينية نيروبي وثيقة ترتيبات أمنية بوساطة إفريقية، تثبيتا لاتفاق سلام توصلا إليه في جنوب إفريقيا، لإنهاء حرب أهلية استمرت سنتين وأودت بحياة الآلاف وتشريد الملايين.

واستنكر معهد إيطالي عدم اهتمام العالم بالوضع في إثيوبيا، بينما يسلط الأضواء كافة على الحرب في أوكرانيا، مؤكدا أن اتفاق السلام الإثيوبي لا يكتب نهاية هذا الصراع المُهمش.

صراع مهمش

وذكر "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن نزاعا دمويا دار في صمت على مدار سنتين في إثيوبيا منذ نوفمبر 2020، أبطاله هما الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالتزامن مع اهتمام دولي مركز أكثر على تطورات الحرب في أوكرانيا.

وأضاف أن اتفاق السلام الذي جرى التوصل إليه أخيرا يرمي إلى وضع حد لحرب بعيدة عن الأضواء الدولية تخوضها الأطراف لإعادة تحديد ميزان القوى بين الجماعات العرقية في البلاد.

وتعود جذور النزاع المسلح، الذي أدى إلى كارثة إنسانية في إقليم تيغراي، إلى صعود تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية إلى السلطة عام 1991، ما أدى إلى الإطاحة بالحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية الحاكمة منذ عام 1974.

ولعبت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي دورا حاسما في الإطاحة بالمجلس العسكري وتولت مناصب قيادية في الحياة السياسية في البلاد إلى غاية 2018 على الرغم من أنها تمثل مصالح أقلية صغيرة (6 بالمئة من السكان) تقع في شمال البلاد على الحدود مع إريتريا.

وأدى تعيين رئيس حزب "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، رئيسا لتحالف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي في مارس/ آذار 2018 وانتخابه بعد ذلك رئيسا للوزراء إلى تحول في التوازن داخل المؤسسة الإثيوبية.

تلاه تدهور العلاقات بين المجموعات العرقية داخل الدولة، ليصل آبي أحمد إلى السلطة، إثر استقالة سلفه هايلي مريم ديسالين بسبب احتجاجات جماعة أورومو العرقية بين عامي 2014-2016.

وخلافا للبرنامج الرئيس للحكومة، انتهج آبي أحمد مسارا اتسم بعدم الاستمرارية في سياسات ومواقف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.

وبدأ ذلك من الالتزام بالتوصل إلى اتفاق وتطبيع العلاقات مع إريتريا المجاورة لإنهاء نزاع مسلح استمر عشرين عاما حول ترسيم الحدود بين البلدين، في يوليو/ تموز 2018.

وهذا الاتفاق، الذي حاز  بفضله لاحقا رئيس الوزراء الإثيوبي على جائزة نوبل للسلام في عام 2019، أثار إحباطًا لدى جبهة تيغراي.

ولا سيما أنه عُدّ تنكٌرا لذكرى ضحايا الحرب  التي اندلعت بين البلدين في عام 1998 واستمرت سنتين بسبب خلافات حدودية. 

حرب كارثية

علاوة على ذلك، في نهاية عام 2019، قوبل قرار آبي أحمد بتأسيس حزب الازدهار الجديد خلفا للجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بضم العديد من أحزاب المعارضة، بمعارضة واضحة من جبهة تيغراي.

واستمرت الخلافات في 2020، خاصة تلك المتعلقة بتأجيل الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها مبدئيا في أغسطس/ آب 2020 إلى موعد لاحق بسبب وباء كوفيد.

ما دفع الجبهة لإجراء انتخابات إقليمية داخل الإقليم في سبتمبر/ أيلول 2020، ثم اندلعت الأعمال العدائية في نوفمبر من نفس العام. 

وبحسب المعهد الإيطالي، أظهرت جبهة تيغراي  "مرونة وتصميمًا ملحوظين" خلال النزاع الذي بدأ في 3 نوفمبر 2020 بشن هجمات على عدة قواعد للقوات الحكومية الإثيوبية في تيغراي.

وفي نهاية الشهر نفسه، بدا أن تطويق قوات الحكومة الإثيوبية لعاصمة الإقليم ماكالي بمثابة بوادر نهاية سريعة للأعمال العدائية بهزيمة ميدانية للقوات المعارضة لكن ذلك لم يحدث وتمكن مسلحو الإقليم من المقاومة.

من جانبها، لعبت إريتريا دورا لا يستهان به في الحرب، حيث اجتاحت منطقة تيغراي وقدمت مساعدات كبيرة للحكومة الفيدرالية الإثيوبية بقيادة آبي أحمد. 

كما أدى دخول أسمرة في الصراع إلى تطويق الجبهة الشعبية حيث هاجمتها في الجنوب قوات من أديس أبابا ومن الشمال قوات من أسمرة.

وساد التفوق العسكري والدعم الخارجي للحكومة الفيدرالية لإثيوبيا على المدى الطويل، في المقابل، كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تشكو العزلة وعدم الحصول على إمدادات.

نتيجة لذلك الوضع، اضطرت لبدء مفاوضات السلام في جنوب إفريقيا في فجر السنة الثانية من الصراع بوساطة من الاتحاد الإفريقي. 

وأسفرت المفاوضات عن اتفاق لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية في 2 نوفمبر 2022، والتي أعقبها بعد عشرة أيام اتفاق تم توقيعه في نيروبي لوقف إطلاق النار ونزع السلاح في إقليم تيغراي.

تحديات كبيرة

وعلق المعهد الايطالي بأن النجاح الأبرز حتى الآن لـ"اتفاقات شبه السلام"، التي نصت على "استعادة النظام العام والخدمات العامة، والوصول دون عوائق للإمدادات الإنسانية وحماية المدنيين"، يتمثل في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لسكان الإقليم.

ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك، لا تزال هناك عدة نقاط استفهام، بدءا من نزع سلاح وتسريح وإعادة دمج القوات المسلحة التابعة لتيغراي في الجيش الفيدرالي.

 وتساءل عن مدى سهولة تحقيق هذه الخطة الطموحة؟ وهل أن جبهة تيغراي على استعداد بالفعل لتسليم كل أسلحتها أم أنها ستحتفظ بجزء من ترسانتها لاستخدامها في المستقبل؟

وأردف أن هناك مسألة أخرى لم تُحَلّ وهي تلك التي تتعلق بمستقبل الوجود العسكري لأسمرا في تيغراي، خصوصا أن إريتريا لم تكن ممثلة في محادثات السلام.

كما أن الأطراف المتحاربة لم تتطرق بشكل مباشر إلى مسألة انسحاب قواتها في البيان المشترك الصادر عن أطراف النزاع في الثالث من نوفمبر. 

ورأى المعهد أن هذه النقطة مهمة وهو ما يفسره تأكيد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين  خلال لقائه برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على هامش القمة الأميركية الإفريقية الأخيرة، على ضرورة انسحاب جميع القوات الإريترية من إثيوبيا بشكل عاجل.

واستنتج أن السيناريو السائد أخيرا، رغم التناقضات المختلفة وبغض النظر عن الجروح العميقة المفتوحة نتيجة سقوط ما يقرب من خمسمائة ألف ضحية، يبدو أنه يتجه إلى الانفراج بين تيغراي والحكومة الفيدرالية المنهكة والمحاصرة بالانقسامات والصراعات العرقية التي لا يمكن إصلاحها.

في الأثناء، ألمح المعهد الإيطالي إلى أنه بينما يشهد صراع تيغراي تهدئة، ينمو صراع آخر هذه المرة في منطقة أوروميا بين الجماعات العرقية الأورومو والأمهرة على خلفية تبادل الاتهامات بالعنف وعمليات القتل.