"مهم للكل".. ماذا قدمت النسخة الأولى من مؤتمر بغداد حتى تعقد الثانية؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في نسخته الثانية، عُقد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة هذه المرة بالعاصمة الأردنية عمّان بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعراق وكل من الأردن وتركيا ومصر والكويت والسعودية والإمارات وقطر وسلطنة عُمان والبحرين وإيران.

وبدأ المؤتمر في 20 ديسمبر/كانون الأول 2022، بمركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت، بعد دورة أولى أقيمت في العاصمة العراقية في أغسطس/آب 2021، والتي أكدت على دور العراق المحوري بالمنطقة وضرورة دعم أمنه واستقراره.

"مسار آخر"

وفي كلمته أثناء المؤتمر، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن "العراق متمسك ببناء علاقات تعاون وثيقة ومتوازنة مع كل الشركاء الإقليميين والدوليين وينأى بنفسه عن اصطفاف المحاور وأجواء التصعيد وينفذ سياسة التهدئة وخفض التوترات".

وأضاف أن العراق "يرفض التدخل في شؤونه الداخلية ومس سيادته أو الاعتداء على أراضيه"، لافتا إلى أنه "لا يمكن اعتماد مبدأ القوة في مساعي حل الخلاف أو الاختلاف ولا نسمح باستخدام هذا المبدأ ضد العراق. في الوقت نفسه لا نقبل أن ينطلق أي تهديد من بلدنا ضد أي دولة من دول الجوار أو المنطقة".

من جهته، قال العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، إن "التحديات التي تواجهنا كثيرة وتزداد تعقيدا، لكننا نؤمن أيضا أن هذا المؤتمر ينعقد من أجل خدمة مصالحنا المشتركة، لضمان أمن العراق وازدهاره واستقراره ركنا أساسيا في منطقتنا".

وأشار ملك الأردن إلى "دور العراق المحوري والرئيسي في المنطقة وفي تقريب وجهات النظر لتعزيز التعاون الإقليمي".

ولفت إلى أن "المؤتمر ينعقد في وقت تواجه فيه المنطقة أزمات أمنية وسياسية، وتحديات الأمن الغذائي والمائي والصحي، إضافة إلى الحاجة لتأمين إمدادات الطاقة وسلاسل التوريد والتعامل مع تداعيات التغير المناخي".

وبين أن "انعقاد المؤتمر يؤكد تصميم الجميع على العمل مع العراق حكومة وشعبا من أجل مزيد من الازدهار والتكامل"، مشددا على إيمان المملكة "بحاجة المنطقة للاستقرار والسلام العادل والشامل والتعاون الإقليمي، خاصة في المجالات الاقتصادية والتنموية ومعالجة قضايا الفقر والبطالة".

بدوره، دعا الرئيس الفرنسي، في كلمته، خلال افتتاح المؤتمر، العراق إلى اتباع مسار آخر بعيد "عن نموذج يملى من الخارج"، في إشارة إلى إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في هذا البلد.

وقال: "أريد أن أؤكد لكم تمسك فرنسا عبر تاريخها وعملها الدبلوماسي، باستقرار المنطقة"، داعيا إلى اتباع "مسار بعيد عن أشكال الهيمنة والإمبريالية".

وأضاف ماكرون أن "العراق اليوم مسرح لتأثيرات وتوغلات وزعزعة ترتبط بالمنطقة بأسرها" دون أن يذكر إيران صراحة.

في حين دعا وزير خارجية إيران، حسين أمير عبداللهيان، في كلمته، دول المنطقة إلى الحوار، مؤكدا "على أن الحوار بين دول الإقليم ليس خيارا، بل ضرورة ملحة".

وشدد في كلمته التي ألقى أجزاء منها باللغة العربية لتوجيه رسالة مباشرة إلى دول المنطقة الناطقة بالعربية على ضرورة "تحقيق فهم مشترك يؤدي في النهاية إلى السلام، وإرساء منطقة مزدهرة ومستقرة تنعم بالتنمية".

وبين أن استقرار إيران يرتبط باستقرار وأمن المنطقة بأسرها، مضيفا أن سياسة طهران "تقوم على تجنب الحرب وضمان الأمن والاستقرار"، وهي بمثابة مبدأ "ثابت".

كما أشار إلى تمتع بلاده حاليا بحكومة جديدة "تعمل على تطوير علاقاتها مع جيرانها"، داعيا جميع دول المنطقة إلى التخلي عن "السياسات الإقصائية" بالتأكيد على أهمية تحقيق الأمن الجماعي لضمان الاستقرار الإقليمي.

"قمة مصالح"

وعن الجديد في انعقاد القمة وفائدتها على العراق والمنطقة، قال الأكاديمي والباحث في الشأن العراقي وائل عباس إن "المؤتمر لا يتعلق في العراق فقط بل بدول المنطقة أيضا، لذلك نعتقد أن دولا مثل مصر والأردن وحتى فرنسا من مصلحتها إنجاحه لأنها تسعى إلى النفط العراقي الذي هي في أمس الحاجة إليه".

وأضاف عباس لـ"الاستقلال" أن "العراق يأمل بالفعل في مساندته للحفاظ على استقراره سواء أمنيا أم عسكريا وحتى سياسيا، لأن أي رئيس حكومة يأتي يبحث عن الدعم السياسي من دول المنطقة وحتى الغرب".

وتابع: "لذلك هو مؤتمر (بغداد 2) لتبادل المصالح بين الدول فالكل بحاجة للكل، وحتى فيما يخص إيران والسعودية فهو يمثل فرصة للقاء على هامش المؤتمر، وأن البلدين بحاجة إلى إنهاء الخلافات وإعادة العلاقة بينهما".

وأشار الباحث إلى أنه "لم يحصل شيء ملموس من قمة بغداد الأولى في عهد مصطفى الكاظمي، والذي كان يتهم من أطراف الإطار التنسيقي بأنه واجهة لأميركا، لكن اليوم نرى أن رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني مرشحهم من أشد الحريصين على انعقاد القمة الثانية في الأردن".

وفي السياق ذاته، قال أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية، فاضل البدراني، إن "النسخة الثانية لمؤتمر بغداد تهدف لتخفيف حدة التحديات الخارجية على العراق أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وكذلك تقليل تحديات الأمن الغذائي والدوائي والطاقة".

وأضاف البدراني في تصريح نقله موقع "سياسة" العراقي في 19 ديسمبر أن "أهمية المؤتمر تكمن أيضا في دعم سيادة بغداد من تهديدات إقليمية إيرانية تركية وصلت إلى حد القصف المتكرر ضد منظمات متمردة تستخدم أراضي العراق ملاذا لها، لكن القصف عُدّ تجاوزا على سيادة البلاد"، وفق قوله.

ورأى البدراني أن "الولايات المتحدة وحتى فرنسا بينهما تنسيق مع دول عربية استشعرت وضع العراق الذي لا يتمكن من حماية نفسه من الخروقات الخارجية".

فلجأت لعقد مؤتمر من المفترض أن تكون حضرته كل من إيران وتركيا، لمحاولة إلزامهما بالحلول الدبلوماسية، ووضعهما أمام بيانات من خروقات لسيادة العراق، وفق قوله.

وأردف: "الولايات المتحدة لا تريد أن تترك العراق في يد أطراف إقليمية، وتحاول أن تجعل حكومة محمد شياع السوداني على خط التفاهم والتنسيق والتعاون المشترك".

"طموحات كبيرة"

وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السعودي عبدالله غانم لصحيفة "العالم الجديد" العراقية في 20 ديسمبر إن "علاقات وإستراتيجيات المملكة مع العراق ثابتة بغض النظر عمّن يقود البلاد سواء الكاظمي أو السوداني".

وأوضح أن "ما يهم السعودية إيجاد بيئة إستراتيجية جيدة تسمح بقيام علاقات متنامية وبسط الأمن والاستقرار والتعاون الثنائي في كل المجالات وهذا ما تسعى إليه المملكة مع كل جيرانها والعراق يقع في المقدمة".

ورأى غانم أن "القمة التي تنعقد في الأردن لن تأتي بجديد، ولا أعتقد أن لها مخرجات مؤثرة جدا على الأوضاع بالنسبة للعراق وأي بلد آخر".

وأشار إلى أن "الأوضاع مختلفة والبيئة الدولية في مأزق الحرب الأوكرانية الروسية، فماكرون وفرنسا يعانون في القارة الأوروبية ولن يستطيعوا أن يقدموا الكثير لغيرهم في منطقتنا العربية".

ووضع المحلل السعودي علامات استفهام على "مشاركة إيران في القمة"، بالقول: "ماذا يمكن أن تقدم للعراق بشأن الأمن والاستقرار وما يريده العرب وجيران بغداد الآخرين".

ولفت إلى أن "الاجتماع تنسيقي ربما لتبادل الآراء ومناقشة أوضاع المنطقة بشكل عام والخروج ببيانات شاملة أو عموميات لا تدخل في التفاصيل وليس لها آليات عمل تتبعه".

وأعرب غانم عن أمله في أن "يكون الاجتماع جيدا ومثمرا وأن يعود بالفائدة على العراق"، مستدركا أن "الغرب يعاني مشكلات حاليا".

فالأوروبيون يعانون نقص الطاقة ويواجهون احتجاجات شعبية ضد التضخم مع استنزافهم في الحرب بأوكرانيا وكل هذه المشكلات لا تعطيهم الفرصة والإمكانية لتقديم أي شيء لغيرهم، كما قال.

وقلل الخبير السعودي من إمكانية تقديم فرنسا شيئا بقوله "إنها لم تستطع أن تقدم أي شيء للبنان فالدولة منهارة بلا رئيس جمهورية ولا أمن".

وبالتالي "من لم يستطع مساعدة لبنان البلد الوديع، لن يستطيع مساعدة الدول الأخرى وهي أكبر بكثير ولديها أزمات أكبر وتدخلات خارجية أكثر".

وعقب انتهاء المؤتمر أعلن المشاركون في بيان ختامي، عن توافقهم على دعم العراق في مواجهة جميع التحديات، بما في ذلك الإرهاب.

وتضمن البيان تجديد المشاركين "دعمهم للعراق في جهود ترسيخ دولة الدستور والقانون وتعزيز الحوكمة وبناء مؤسسات قادرة على التقدم وإعادة الإعمار وحماية مقدراته".

وشدد على "دعم العراق في تحقيق التنمية الشاملة والعمل على بناء التكامل الاقتصادي، وأهمية التعاون الثلاثي مع مصر والأردن"، لافتا إلى أن "انعقاد المؤتمر يعكس الحرص على دعم دور العراق بما يسهم في جهود إنهاء التوترات وبناء علاقات إقليمية بنّاءة".

المشاركون في المؤتمر أكدوا، وفق البيان ذاته، أن "تجاوز انعكاسات الأزمات الإقليمية والدولية على العراق يستوجب تعاونا ومقاربات سياسية واقتصادية جادة وفاعلة تدعم العملية التنموية فيه". كما "أكدوا أهمية عقد دورة ثالثة للمؤتمر، وتحديد مكان انعقادها وتاريخها بالتشاور بينهم" حسب البيان.