عبر تطبيق "ماغنيتسكي".. هل ينتصر القضاء الأميركي لضحايا انقلاب تونس؟
قال موقع بريطاني إن مواطنين تونسيين رفعا دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد مسؤولين تونسيين بتهم الاختطاف وقتل متظاهرين خارج نطاق القانون في يناير/ كانون الثاني 2022، وتعذيب محام.
وسلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على الدعوى المدنية المرفوعة في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أمام المحكمة الجزئية الأميركية لمنطقة كولومبيا.
واستهدفت الدعوى كلا من وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، وعضو الحرس الرئاسي خالد اليحياوي، في نظام الرئيس قيس سعيد.
دوافع سياسية
ورفع الدعوى أمام القضاء الأميركي كل من سيف الدين بوزيان، نجل المتظاهر المقتول، ونور الدين البحيري، المحامي الذي اعتُقل وعُذب على أيدي قوات الأمن التونسية.
واستندت الدعوى القضائية إلى القانون الأميركي، الذي ينص على أن الأجنبي يمكنه رفع دعوى في محكمة محلية مختصة بالمسؤولية المدنية، إذا كانت التهمة هي "انتهاك قانون دولي أو معاهدة للولايات المتحدة".
البحيري – وهو مسؤول كبير في حركة النهضة ووزير العدل السابق- قال في الدعوى القضائية إنه في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2021، وأثناء توجهه إلى مكتبه، اختُطف واحتُجز بشكل غير قانوني.
وأكد أنه وُضع في سجن غير رسمي، وأن ظروف احتجازه كانت يرثى لها، لينتقل بعد ذلك إلى المستشفى إثر تدهور صحته بشكل كبير.
من جانبها، تزعم وزارة الداخلية أن البحيري احتُجز بتهمة صنع وتقديم شهادات جنسية، وبطاقات تعريف، وجوازات سفر بطريقة غير قانونية، وشبهة التورط في عمليات إرهابية.
وهي اتهامات رفضها حزب النهضة ووصفها بأنها "ذات دوافع سياسية".
وشدد الحزب على أن الهدف منها هو "التغطية على جريمة الاختطاف والإخفاء القسري التي ارتكبتها وزارة الداخلية في حق البحيري".
تفاصيل القضية
وجاء في الدعوى القضائية المقدمة للسلطات الأميركية ضد المسؤولين التونسيين أن احتجاز البحيري جاء دون توجيه تهم إليه لمدة 67 يوما، فضلا عن تعرضه "لأضرار جسدية ونفسية جسيمة".
أسرة القيادي بـ"النهضة" صرحت لموقع "ميدل إيست آي"، حين كان البحيري بالمستشفى، بأنه كان "بين الحياة والموت".
كذلك تؤكد الدعوى على أن المسؤولين عن اعتقاله كانوا تحت قيادة شرف الدين واليحياوي، اللذين يسيطران على قوات الأمن التونسية بشكل كامل.
وفي يناير/ كانون الثاني 2022، أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها، وطالبت إما بتوجيه الاتهام إلى البحيري أو الإفراج عنه، مشيرة إلى أن اعتقاله يذكّر بممارسات لم تحدث منذ عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي.
وفيما يخص والد بوزيان، فقد ذكرت الدعوى أنه كان يشارك، في 14 يناير، في مظاهرة لإحياء ذكرى الثورة التونسية 2011، واحتجاجا على حظر نظام سعيّد للتجمعات العامة.
وقال بوزيان إن قوات الأمن استخدمت العنف المفرط ضد المتظاهرين، بما في ذلك "الغاز المسيل للدموع والعصي وخراطيم المياه"، وتوفي والده نتيجة القوة المفرطة التي استخدمتها قوات الأمن.
وأضافت الدعوى أن "المتهمين شرف الدين واليحياوي مسؤولان بشكل شخصي عن قوى الأمن الداخلي، وأفراد الحرس الوطني، والأمن الرئاسي، وموظفي إنفاذ القانون، المتورطين بشكل مباشر في استخدام القوة المميتة ضد المدنيين".
وجدير بالذكر أن الدعوى القضائية رُفعت في اليوم نفسه الذي كان الرئيس سعيّد يجري فيه زيارة للعاصمة واشنطن؛ لعقد اجتماع مع إدارة الرئيس، جو بايدن، في إطار القمة الأميركية الإفريقية.
تجميد البرلمان
وخلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، دافع سعيد عن قراره بتجميد البرلمان، مدعيا أنه "أنقذ الشعب التونسي الذي كان على شفا حرب أهلية".
وحول أسباب رفع هذه الدعوى لدى السلطات الأميركية، أفصح رئيس ومؤسس شبكة التونسيين المتحدة، منجي الذوادي، عن أن البحيري حاول رفع القضية في تونس، لكنه لم يتمكن من ذلك.
وأضاف "ميدل إيست آي" سببا آخر مفاده أن بوزيان والبحيري ربما أرادا إظهار أن الرئيس التونسي وحكومته مسؤولان عن سلسلة من الانتهاكات الحقوقية، بالتزامن مع زيارة سعيد إلى واشنطن في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وتابع الذوادي: "من المهم أن نسلط الضوء على هذه القضايا، وتلك الانتهاكات، على أمل أن يُنصَف بعض هؤلاء الضحايا".
وأضاف: "نود أن تأخذ مثل هذه القضايا حيزها في تونس، هذا هو الطبيعي، لكن أمامنا مثال حي يشير إلى عكس ذلك".
وأوضح الذوادي أن "البحيري رفع عدة قضايا حول الانتهاكات التي تعرض لها، لكن السلطات ترفض الاعتراف بهذه القضايا أو حتى التحقيق فيها".
ويسعى بوزيان والبحيري أن تجرى المحاكمة في الولايات المتحدة أمام هيئة محلفين، ويطالب كل منهما بتعويض لا يقل عن 10 ملايين دولار.
انتهاكات حقوقية
يذكر أنه في يوليو/ تموز 2021، علق سعيد البرلمان، ثم ألغى دستور 2014 الذي أقره الشعب بعد ثورة 2011، في خطوة توصف بـ"الانقلاب"، والسعي نحو "حكم الرجل الواحد"، حسب التقرير.
وتعهد سعيد بإعادة هيكلة النظام السياسي التونسي، ومنذ ذلك الحين، فرض العديد من الإجراءات المثيرة للجدل، بما في ذلك إغلاق هيئة مكافحة الفساد المستقلة، وتهميش دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وفي أوائل فبراير/ شباط 2022، حل سعيد المجلس الأعلى للقضاء، ومنح نفسه سلطة اختيار القضاة وترقيتهم.
وفي يوليو/ تموز 2022، طرح الرئيس التونسي دستورا جديدا، مُرر في تصويت لم يشارك فيه سوى 30 بالمئة ممن لهم حق الانتخاب في البلاد.
وإزاء ذلك، طالبت "الشبكة التونسية المتحدة"، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بمحاسبة كبار المسؤولين الحكوميين التونسيين الحاليين والسابقين المسؤولين عن "الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان".
وقالت الشبكة في 13 ديسمبر 2022، إنها قامت بـ"تجميع تقرير شامل يوضح تماما أن وزارات الداخلية والعدل والدفاع الوطني في تونس قد انخرطت في نمط مستمر وممارسة منتظمة لانتهاكات حقوق الإنسان".
وأكد التقرير أن كبار المسؤولين بحكومة سعيد مسؤولون عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، المعترف بها دوليا منذ الانقلاب الرئاسي في يوليو/ تموز 2021.
وأوضحت الشبكة التونسية أن هذه الانتهاكات تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، القيود الصارخة على حرية التعبير، ومقاضاة المعارضة السلمية، والاستخدام الشامل لحظر السفر التعسفي.
هذا فضلا عن تقويض حقوق المحاكمة العادلة، وتهديد حرية تكوين الجمعيات، ووحشية الشرطة، الخصوصية، والتعسف في الاعتقالات والاحتجاز والاختطاف والاحتجاز السري، وزيادة الملاحقات العسكرية للمدنيين.
وأكدت الشبكة أن الانتهاكات ترقى إلى مستوى الانتهاكات الخاضعة للعقوبات وفقا لقانون "ماغنيتسكي" لعام 2016، وهو قانون يسمح للولايات المتحدة بالتحقيق وفرض عقوبات على الانتهاكات الحقوقية.
وختم الذوادي بالقول إن "معاقبة المسؤولين الحكوميين على انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن واشنطن تقر بأن إجراءات سعيد هدامة ومفتقرة للشرعية".