محاكمة إمام أوغلو.. هكذا كشفت عن عمق الصراع داخل المعارضة التركية

رامي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم تدني درجات الحرارة ودخول فصل الشتاء في تركيا، تتصاعد سخونة المشهد السياسي في البلاد بصورة لافتة، تزامنا مع أحداث دراماتيكية يرى كثيرون أنها ستؤثر بشكل كبير على الانتخابات الرئاسية المصيرية صيف 2023.

وسُلطت الأضواء هذه المرة على تحالف المعارضة المعروف بـ"الطاولة السداسية"، مع وقوع ما وُصف في الصحافة التركية بـ"انقلاب" ضد رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، الذي يصر على أحقيته بالترشح للرئاسيات.

وهو ما ترفضه زعيمة حزب "الجيد" ميرال أكشنار، وتدافع عن عجز كليتشدار أوغلو عن منافسة الرئيس رجب طيب أردوغان، مدعية أن الأنسب لهذه المواجهة هو رئيس بلدية إسطنبول المثير للجدل أكرم إمام أوغلو.

و"الطاولة السداسية" إطار يضم 6 من أحزاب المعارضة، هي الشعب الجمهوري برئاسة كليتشدار أوغلو، والجيد برئاسة أكشنار، والديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، والمستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، والسعادة برئاسة تمل كارمولا أوغلو، والديمقراطي برئاسة جولتكين أويصال.

انقلاب سياسي

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، أصدرت محكمة الجنايات الابتدائية السابعة بإسطنبول حكما غير نهائي بسجن أكرم إمام أوغلو، سنتين و7 أشهر و15 يوما، إثر إدانته بتهمة "إهانة" أعضاء اللجنة العليا للانتخابات.

وقضت المحكمة في الجلسة التي حضرها محامي إمام أوغلو وأعضاء بحزب الشعب الجمهوري، بتطبيق المادة 53 من القانون الجنائي التركي، التي تنص على "الحرمان من ممارسة حقوق معينة"، ما يعني استبعاد رئيس بلدية إسطنبول من العمل السياسي طوال مدة العقوبة حال التصديق عليها نهائيا.

وحوكم إمام أوغلو بسبب خطاب ألقاه عام 2019 قال فيه إن من ألغوا انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول في ذلك الوقت "حمقى"، في إشارة إلى اللجنة العليا للانتخابات.

وألغت السلطات الانتخابية حينها الانتخابات التي جرت في مارس/آذار 2019 وفاز بها إمام أوغلو بسبب "مخالفات إدارية"، قبل أن يعود ويفوز بانتخابات الإعادة بعد ثلاثة أشهر.

وعقب الجلسة، أكد محامي إمام أوغلو أنه سيستأنف الحكم الصادر بحق موكله، مشيرا إلى أنه سيبقى في منصب رئيس البلدية حتى البت في الاستئناف.

ورغم أنه معروف منذ شهور أن المحكمة ستتخذ هذا الإجراء التقليدي في ذلك التاريخ، لدرجة أن كليتشدار أوغلو نفسه كان يجري زيارة حينها إلى ألمانيا، فاجأ إمام أوغلو الجميع بدعوة أنصاره إلى التظاهر أمام مقر بلدية إسطنبول.

وكتب إمام أوغلو عبر تويتر: "أدعو سكان إسطنبول الـ16 مليونا إلى القدوم إلى ميدان سراج هانه (أمام البلدية) في الساعة الرابعة عصرا (بالتوقيت المحلي) لإظهار وحماية وجودنا وإرادتنا".

لتعيد أكشنار نشر تغريدته على الفور، قائلة: "أنا خرجت من أنقرة، نلتقي في سراج هانه".

كليتشدار أوغلو اضطر بدوره إلى إعلان العودة من ألمانيا، حتى لا يترك الميدان لإمام أوغلو وأكشنار.

لكن أكشنار كشفت مخططها على منصة الوقفة بالإشارة إلى إمام أوغلو وهو واقف جانبها قائلة: "هذه التطورات تثبت أنك لم تعد مدعوما فقط من قبل 16 مليونا في إسطنبول فقط، بل من الآن صار يقف خلفك كل مواطني الجمهورية التركية الـ85 مليونا".

كشف المسرحية

ونظرا للتصريحات العريضة التي صدرت في غياب كليتشدار أوغلو ومحاولات إظهار إمام أوغلو على أنه بطل يواجه المظالم، لم يستسغ كثير من الساسة والإعلاميين على اختلاف توجهاتهم هذا المشهد، وبدأوا يصفون الأمر بـ"المسرحية" و"الانقلاب".

والفضيحة الكبرى، جاءت من المخططين أنفسهم، إذ شارك المتحدث الإعلامي باسم بلدية إسطنبول مراد أونغون، مقطعا مصورا تظهر فيها أكشنار مع إمام أوغلو في مكتبه، عندما يصلهما نبأ صدور الحكم.

إذ ارتسمت على وجهيهما فرحة مفاجأة وتبادلا الأحضان، لتقول أكشنار له: "الأمر يبدأ الآن"، ليصفق جميع الحضور في الغرفة، ويرد إمام أوغلو مبتسما: "شكرا لكم، نضالنا يبدأ الآن".

ولم يقف كليتشدار أوغلو ساكتا عما يحدث، فجاء أول رد منه في تصريحات صحفية موجها كلامه إلى إمام أوغلو: "لن يستطيع أحد منعك من مواصلة خدمة سكان إسطنبول الـ16 مليونا"، في إشارة إلى أن فكرة الاستقالة من رئاسة البلدية للترشح للرئاسيات أمر مرفوض.

كما أن الجبهة الداعمة لكليتشدار أوغلو في حزب الشعب الجمهوري تحركت أيضا، فقال المتحدث باسم الحزب فائق أوزتراق، إن "أصول اختيار مرشح الرئاسيات واضحة، فزعماء أحزاب الطاولة السداسية هم من سيختارونه".

واستدرك في تصريح صحفي قائلا: "ليس عبر السيناريوهات مجهولة المصدر التي يعدها مهندسو السياسة".

بولنت تازجان نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أيضا قطع الطريق على إمام أوغلو وأكشنار، إذ أعرب عن إيمانه بأن "كليتشدار أوغلو هو المرشح الأنسب لاحتياجات تركيا في الوقت الراهن".

وعدد في مقابلة مع قناة 100 تي في المحلية، الخصال التي يجب أن يتحلى بها الرئيس القادم، فقال: "ينبغي ألا يكون طامعا، وأن يكون متسامحا ومتوازنا، وهو ما ينطبق على كليتشدار أوغلو أكثر من غيره"، على حد تعبيره.

وهذه الخصال بعيدة كل البعد عن شخصية إمام أوغلو الصدامية وذات الأنا العالية، وهذا ما ظهر بوضوح خلال مواقفه وردوده المثيرة للجدل على حوادث شهدتها بلديته خلال الثلاث سنوات الماضية.

التفاف مفضوح

على الجهة المقابلة، فضح رموز حزب العدالة والتنمية الحاكم هذه المؤامرة، وصدرت أولى ردود الفعل من وزير الداخلية سليمان صويلو.

فقال صويلو مخاطبا إمام أوغلو: "أنت أصلا أفشل رئيس بلدية في تاريخ تركيا، ومن الخطأ أن تستخدمنا كدرج سُلَّم من أجل منافسة داخلية".

وأضاف صويلو: "يحاولون التأثير على القضاء، أما لو فعلنا نحن ذلك لكانوا صلبونا"، على حد قوله.

من جهته، أكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر تشليك، أن تلفيق المعارضة للمؤامرات ضد رئيسنا وحزبنا فيما يتعلق بقرار محكمة غير نهائي هو استغلال سياسي"، في إشارة إلى تشبيه بعض الأصوات ما يحدث مع إمام أوغلو بعزل أردوغان عندما كان رئيسا لبلدية إسطنبول نهاية التسعينيات، إثر إلقائه شعرا يتضمن دلالات دينية.

وهذه النقطة بالتحديد علق عليها دولت بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية في إطار تحالف الشعب، الداعم لأردوغان لخوض الانتخابات الرئاسية.

وقال بهتشلي في سلسلة تغريدات عبر تويتر، إن "محاولة الربط بين وضع إمام أوغلو والظلم الذي تعرض له رئيسنا (أردوغان) في الماضي ومحاولة خلق تشابه بينهما، مستوى متقدم من الوهم والغرابة".

وأوضح أن "الهدف الأساسي لعملية الخداع هذه، هو رئيس حزب الشعب الجمهوري (كليتشدار أوغلو)، ويقف وراءها رئيسة حزب الجيد وإمام أوغلو اللذان تبادلا الأحضان على خشبة مسرح سراج هانه".

ومضى يقول إن "استغلال وجود كليتشدار أوغلو في ألمانيا وتنفيذ حملات غير قانونية لإزاحته عن المشهد، مكر ومؤامرة لا شك فيها، وهكذا انتقلت الاعتراضات من على الطاولة السداسية إلى الضغط الشعبي في سراج هانه".

وأخيرا، علق الرئيس أردوغان نفسه على الأمر في 16 ديسمبر، فنفى بشكل قطعي أن يكون له أو لحكومته أي علاقة بالقرار الصادر بحق إمام أوغلو.

وقال أردوغان في خطاب بولاية ماردين جنوبي البلاد: "الحكومة أجندتها تنفيذ المشاريع وهي تستمد قوتها من الشعب وتعمل بصدق، وقد يكون هناك نقص وأخطاء ولكن جرى تلافيها ولم تؤد لأي أضرار للشعب والبلاد".

وأضاف مخاطبا حزب الشعب الجمهوري: "كل ما يقدمه هو الكذب والافتراء، والعاصفة التي تبعت قرارا صدر من محكمة، لا علاقة له بي ولا بالشعب، الموضوع يتعلق بإهانة وجهها شخص بحق القضاة، وهذا غير مرتبط بصراع فكري أو خدمي".

وعن موقفه وحزبه من القرار، قال أردوغان: "من جهة نضحك ومن جهة نحزن، نضحك عندما نرى كلمات وادعاءات كاذبة، ونحزن عندما نرى ألاعيب صراع العرش البيزنطي تجرى على حسابنا"، في إشارة إلى الصراعات داخل حزب الشعب الجمهوري.

ومضى قائلا: "عليهم المنافسة برجولة بدلا من محاولة النهوض على ظهر الآخرين، سابقاً كانوا يحاولون اجتياز الإرادة الشعبية عبر الانقلابيين والأوصياء، واليوم عبر القرار القضائي".

ولكن ليس هناك قرار قضائي نهائي بعد، ستذهب المحاكمة للاستئناف، وبعدها للمحكمة الإدارية العليا، وإن كان هناك خطأ في المحكمة (الأولى) يجري تصحيحه، إلا أنهم يحاولون جعلنا أداة لهذه اللعبة التي لم نكن بها ولن نكون، كما قال أردوغان.

مستقبل الانقلاب

وفي مقال بعنوان "كلمات السر في انقلاب إمام أوغلو وأكشنار"، رسم كورتولوش تايز الكاتب التركي بصحيفة "أكشام" في 19 ديسمبر ملامح مستقبل هذه المؤامرة.

وقال تايز إن "ما يحدث في حزب الشعب الجمهوري ليس أمرا جديدا، بل شهدنا مثله عند الإطاحة برئيس الحزب السابق دنيز بايكال (عام 2010) من قبل كليتشدار أوغلو نفسه، ويبدو أنه جاء الدور على الأخير".

وأضاف: هكذا تدور الأمور في حزب الشعب الجمهوري، يأتي رئيس فيرسخ فريقه بالحزب، وتكون له الكلمة العليا حتى يجرى انقلاب داخلي ضده ومن ثم إزاحته.

وأوضح أن كليتشدار أوغلو يسعى جاهدا بعد عودته سريعا بطائرة خاصة من ألمانيا إلى إعادة السيطرة على الأمور، سواء في الحزب أم بالطاولة السداسية.

الكاتب التركي لفت أيضا إلى أن "الوضع الراهن يقول إن إمام أوغلو بات متقدما بخطوة على كليتشدار أوغلو إثر الانقلاب الذي نفذه مع ميرال أكشنار".

وهذا الوضع يأخذنا إلى دعوة كليتشدار أوغلو الشهيرة قبل شهرين لأعضاء حزبه وقوى المعارضة، للتعبير عن مواقفهم من ترشيحه للرئاسيات.

واضطر حينها إمام أوغلو والمرشح الآخر، رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، لإعلان دعمهما له صراحة عبر تويتر، يضيف تايز.

وأكد أن القول الفصل سيحدده قوة نفوذ كليتشدار أوغلو في الفريق الإداري للحزب، فإذا كان قويا، فسيجرى الإطاحة بانقلاب إمام أوغلو وأكشنار، أما إذا لم يكن كذلك، فستتوحد الطاولة السداسية على ترشيح عمدة إسطنبول للرئاسيات.

لكنه استبعد نجاح الانقلاب، نظرا لما أحدثته هذه المؤامرة من غضب داخل حزب الشعب الجمهوري، والأمر نفسه ينطبق على بقية الأحزاب في الطاولة السداسية التي شعرت أنها خارج اللعبة التي تقودها أكشنار وإمام أوغلو.

وختم بالقول: "سيبقى الأمر محصورا في خيارين، استبعاد إمام أوغلو أو دخول المعارضة الانتخابات بأكثر من مرشح لا مرشح مشترك كما كان يجرى التسويق لذلك طوال شهور، ولن يكون صعبا تخمين نتيجة ذلك"، في إشارة إلى أن الأمر سيصب في مصلحة الرئيس أردوغان.