انزعاج النظام الإيراني من التقارب بين الصين والسعودية.. كيف واجه الأمر؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تسببت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية، وما أسفر عنها، في ردود فعل متعددة على صعيد الدول ذات الصلة وأبرزها إيران.

وأثارت مخرجات الزيارة غضب بعض الأوساط الإيرانية، وهو ما سلطت صحيفة "عصر إيران" الضوء عليه في تقرير لها.

وحسب الصحيفة، المختصة في التحليلات السياسية، فإن "حالة غضب شديدة" لدى إيران تسببت بها الزيارة التي أجراها رئيس الصين في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022.

صدمة إيرانية

وتعزو "عصر إيران" حالة الغضب إلى بيان الرياض، الذي أكد على دعم القادة المجتمعين للجهود السلمية كافة، بما فيها مبادرة دولة الإمارات ومساعيها، للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية وفقا لقواعد القانون الدولي.

وتجدر الإشارة إلى أن إيران أقدمت، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1971، على احتلال 3 جزر إماراتية؛ طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، وذلك قبل أيام من استقلال دولة الإمارات. وحتى الآن لم يحل هذا النزاع بين البلدين.

وحسب الصحيفة، شكل هذا البيان "صدمة سياسية للسلطات الإيرانية، التي كانت تروج للعلاقات بين إيران والصين على أنها إستراتيجية، ما دفع بعض المحللين السياسيين في طهران للمطالبة بإعادة النظر في هذه العلاقة، والبحث في أسباب التحول الصيني".

وقد تطرق التقرير إلى الأسباب التي دفعت الصين إلى البحث عن مصالحها الوطنية في دول الخليج.

أكد التقرير أن حضور الرئيس الصيني هذه القمة ليس هو المشكلة في حد ذاتها بالنسبة لإيران، وإنما المشكلة تكمن في أن الصين دعمت بشكل ضمني مواقف الدول العربية تجاه الجمهورية الإسلامية.

وبحسب الصحيفة، فإن رحلة الرئيس الصيني لمنطقة الخليج "أظهرت أن العلاقات الإيرانية الصينية ليست إستراتيجية، على الرغم من مزاعم السياسيين الإيرانيين في السنوات الأخيرة، ومناوراتهم المكثفة بشأن ذلك".

وبين أن السياسيين الإيرانيين أرادوا الخروج من الطريق المسدود في السياسة الخارجية عبر معاهدة التعاون طويلة الأمد، التي عقدتها إيران مع الصين، بغية إيجاد علاقات إستراتيجية معها. 

وفي 27 مارس/آذار 2021، وقعت إيران والصين، اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي مدتها 25 عاما، في إطار مشروع "الحزام والطريق" الصيني.

وذهبت الصحيفة إلى أن "هذه المسألة -أي العلاقات الإستراتيجية- لم تكن مهمة، ليس فقط بالنسبة لحكومة بكين، وإنما أيضا للشركات والمؤسسات الاقتصادية الصينية، والتي لم تنفتح عمليًّا على إيران".

وأيضا لم تنقل العلاقات الإستراتيجية مع طهران إلى القطاعات المختلفة، ومنها النفط، بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة.   

مراجعة المواقف

وتشير الصحيفة أن زيارة الرئيس الصيني للسعودية ومواقف الصين العلنية والخفية المؤيدة للعرب في موقفهم من إيران، أدت إلى تفجير فقاعة كبيرة أوجدتها السلطات الإيرانية بشأن العلاقات.

وأثيرت التساؤلات حول السياسة الخارجية الإيرانية، وكشفت سلبيتها، بعد أن ظهر حجم التهميش الذي تعرضت له إيران وضعف قدرتها على المناورة. 

وقد أشار التقرير إلى أنه ربما يرى بعض السياسيين الإيرانيين مواقف الصين الأخيرة إعلامية وعابرة. لكن الحقيقة هي "أن هذه المواقف أظهرت هشاشة إيران ووحدتها على الساحة الدولية". 

ورأى أن ذلك هو ما يرحب به أعداء إيران الذين يستغلون هذه الظروف في تكثيف الضغوط عليها، وسيزيدون من تحركاتهم السياسية والاقتصادية التي توسعت ضد طهران في الشهور الماضية تحت تأثير الاضطرابات الداخلية، ما لم يصلح المسؤولون الصينيون هذا النهج باتخاذ مواقف دعم واضحة.

ويعتقد البعض أن مواقف الرئيس الصيني ضد إيران خلال رحلته العربية لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأنها كانت سياسية أو دبلوماسية بحتة، وليست حقيقية.

كما يعتقدون أنها تهدف إلى كسب رضا المملكة العربية السعودية ودول المنطقة، من أجل إبرام اتفاقيات ضخمة مع الصين، وفق الصحيفة. وقد علق التقرير على ذلك بأنه قد يكون صحيحا إلى حد ما. 

واستدرك: "ولكن لا ينبغي أن يدفع هذا التحليل المسؤولين الإيرانيين لارتكاب الخطأ  نفسه الذي ارتكبوه في حساباتهم الماضية، وألا يواصلوا نفس النهج تجاه الصين". 

بمعنى أنه لا يمكن الاعتماد على الصين ومساعدتها لإيران في القضايا والتحديات المستقبلية المحتملة على الساحة الدولية وفي علاقاتها بالغرب وكذلك المنظمات الدولية. 

فقد تعود قضية البرنامج النووي الإيراني إلى مجلس الأمن مرة أخرى في حال فشل المفاوضات مع الغرب، ويمكن أن تشهد إحياء القرارات الخاصة بالعقوبات ضد إيران، أو إصدار قرارات جديدة.

ويحذر التقرير من أنه في ظل النهج الحالي للصين، "لا يستبعد أن يوافق الصينيون على قرارات محتملة ضد إيران في الملف النووي".

أو ربما لا تستخدم الصين حق النقض على أقل تقدير، رعاية لمصالحها الاقتصادية الكبرى مع الحكومات المناوئة لإيران، وفي مقدمتها حكومات الدول الخليجية، بحسب تقديره. 

وأكد التقرير أنه "على أي حال، فإن المهم للصين في الوضع الحالي مصالحها الوطنية، والتي تسعى لتأمينها بسرعة وحساسية، ولا تهتم في سبيل ذلك بدولة أو حكومة بعينها".

وقد سحبت الصحيفة مخاوفها من الصين إلى روسيا كذلك، وقالت إن ما حدث مع بكين قد يتكرر كذلك مع موسكو.

وأوضحت: "ربما تغير روسيا من مواقفها الداعمة لإيران في حالة اتفاقها مع الغرب حول الأزمة في أوكرانيا، ويزداد هذا الاحتمال الذي كانت له شواهد في الماضي نظرا لاحتياجات موسكو الاقتصادية والتجارية بعد انتهاء الأزمة".

دوافع الصين

وحمَّل التقرير الحكومة الإيرانية مسؤولية دفع الصين إلى إظهار مواقفها الحقيقية واتخاذها موقفا مناهضا لإيران.

ترى الصحيفة أن السبب الأول الذي دفع بكين لاتخاذ مثل هذا الموقف هو أن "الحكومة الإيرانية لم تتبن موقفا ثابتا ومحددا تجاه الصين في العقد الماضي على الأقل".

فقد جرى تحديد القرب أو البعد عن الصين في نظر السلطات الإيرانية، اعتمادا على طبيعة العلاقات مع الغرب.

وفسرت: "لم تكن الصين نفسها مركز الأهمية بالنسبة لإيران. وبعبارة أخرى، فإن الحكومة الإيرانية كانت تحدد سياستها الخارجية تجاه بكين -حتى وقت قريب- تحت تأثير علاقاتها السياسية مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة".

لذلك لم يكن هناك أساس واضح ومستقر لسياسة طهران تجاه بكين، وقد أدرك الصينيون هذا الأمر وفهموه، بحسب تقدير الصحيفة.

أما السبب الثاني فهو أن إيران لم تتخذ خطوات عملية لتوسيع علاقاتها مع الصين، يقول التقرير.

وأضاف: "مع افتراض جدية إيران في تقاربها مع الصين في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من توقيع اتفاقية التعاون طويلة الأمد بين البلدين، لم تتخذ طهران خطوات عملية لتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بكين بناءً على قواعد ومتطلبات وآليات واضحة ومحددة".

وأكمل: "السبب المهم في ذلك هو استمرار العقوبات المفروضة على إيران وتصعيدها، الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقات الاقتصادية والتجارية والنفطية بين طهران وبكين من حيث النمو والسير بشكل طبيعي".

لكن من جانب آخر، تعتقد الصحيفة أنه لا يمكن لأي دولة، ومنها الصين، أن تقيم علاقات طبيعية مع إيران ما دامت العقوبات الأميركية قائمة ضدها.

فهذه الظروف قد تكون مقبولة بالنسبة للجانب الإيراني، على أساس العلاقات والمعاملات السرية، وفي إطار التملص من العقوبات بقبول الخسائر وانعدام الفوائد، لكنها غير مقبولة بالنسبة للصين وشركاتها.

وأضافت: "كما أن يأس الصين من إيجاد حل للصراع النووي واستمرار الأزمات السياسية بين إيران والغرب مهدا الساحة لميل الصينيين إلى منافسين مثل المملكة العربية السعودية".

الضغط والرد

وجاء في التقرير أن السعودية تسعى إلى كبح التوجهات الإيرانية تجاه دول الخليج، وعرقلة تحركاتها السياسية والأمنية من خلال استقطاب حلفائها السياسيين.

هذا إضافة إلى أن المملكة ودول الخليج "سيحاولون توسيع الدائرة لتشمل البلدان الأخرى في شرق آسيا، لتأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية على المدى الطويل".

وعليه، خلصت الصحيفة إلى أنه "لا بد من القول إن السعودية ودولا عربية أخرى في الخليج العربي قد اتخذت خطوات في اتجاه توسيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع القوى الصاعدة، مثل الصين والهند، بخطة وهدف".

وتمكنت تلك الأطراف من الهيمنة على جزء كبير من القدرة الاقتصادية والتجارية لهذه الدول في الشرق الأوسط والخليج.

واستدركت: "هذه القدرات يمكن أن تتوفر لدولة مثل إيران أيضا، ولكن الحقيقة هي أنها خارج سيطرتها، على الأقل في المدى المتوسط، وخسرت طهران فرصها في هذا الشأن".

أما عن رد الفعل الإيراني، وكيف يجب أن يكون، فقد أشار التقرير إلى حقيقة لا بد أن يلتفت إليها الإيرانيون، وهي ضرورة عدم نسيان أنه من المهم بالنسبة للجمهورية أن تكون لها علاقات استراتيجية مع الدول الصاعدة فيما يتعلق بالتنمية والاقتصاد.

وبينت الصحيفة أن السبيل لتطوير إيران هو إزالة التحديات السياسية مع الغرب، وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع القوى الصاعدة.

ويوصي التقرير بأنه ينبغي ألا تؤثر مثل هذه القضايا سلبا على رغبة إيران في توسيع علاقاتها مع الصين. 

وبين أن هذه الحادثة يجب أن تكون إنذارا جادا لإيران بضرورة اتخاذ خطوات في اتجاه تطوير العلاقات مع دول مثل الصين، وفق خطة وعلى أساس إجراءات عملية، وعدم الاكتفاء بالوعود والشعارات.

وختمت الصحيفة تقريرها بالتحذير من أن الصين وغيرها من الدول لن ينتظروا إلى الأبد حتى توفر إيران أدوات ومنصات حقيقية لتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية، لأنهم يقدرون وقتهم ومصالحهم، ولا يتبعون شعارات سياسية فارغة، وفق وصفها.