تزعم حفظ الهوية.. ما الهدف الحقيقي لمنع "الحوثي" سفر اليمنيات دون محرم؟

12

طباعة

مشاركة

تواصل مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، نهجها القمعي وسلوكها المتشدد للتضييق على الحريات العامة في اليمن، وتكبيل المجتمع بالمزيد من القيود في كافة مجالات الحياة.

آخر تلك التضييقات، منع النساء من السفر بدون "محرم" عبر مطار صنعاء الدولي، بعد إعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر المنفذ الخاضع لسيطرة المليشيا مطلع يونيو/حزيران 2022.

وأعيد تشغيل تلك الرحلات بموجب اتفاق الهدنة الأممية بين الحكومة اليمنية والحوثيين بعد ست سنوات من الإغلاق جراء الحرب.

وعلى الرغم من انتهاء الهدنة في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022، وعدم التوصل إلى اتفاق لتجديدها، فإن الرحلات الجوية ما زالت مستمرة من وإلى مطار صنعاء.

وتسبب قرار الحوثيين بمنع سفر النساء عبر المطار، بمعاناة كبيرة لعشرات النساء المبتعثات للدراسة في الخارج.

بالإضافة إلى عدم تمكن بعض النساء من السفر إلى أسرهن التي شردها الحوثيون بسبب اختلافهم مع أفكار المليشيا.

ومنذ انقلابها على الدولة بقوة السلاح في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، شرعت مليشيات الحوثي بعدة إجراءات تحت مسمى الحفاظ على "الهوية الإيمانية" ومواجهة "الحرب الناعمة"، في إشارة للحريات العامة، وسعيا منها لتعطيل الحياة المدنية في البلاد.

انتهاكات وشروط

وكانت المرأة اليمنية عرضة لانتهاكات متلاحقة من قبل الحوثيين، إذ منعت النساء على سبيل المثال من الحصول على خدمات الصحة الإنجابية. 

وجاء في مذكرة المنع الحوثية في يناير/كانون الثاني 2021، “يمنع استخدام قلاب المشورة (اللولب) في تنظيم الأسرة، بسبب مخالفته الهوية الإيمانية”.

واستخدم الحوثيون منابر المساجد وخطب الجمعة في صنعاء ومناطق سيطرتهم شمال ووسط اليمن، لحث المجتمع على الفصل بين الرجال والنساء وتحريضه ضد ملابس المرأة وأصواتها، بحسب مفهوم المليشيا للحشمة.

وشددت مليشيا الحوثي قيودها على حرية اليمنيات، وأصدرت توجيهات في أبريل/نيسان 2022، إلى شركات النقل البري تشترط موافقة ولي الأمر على سفرهن من صنعاء والمناطق الخاضعة لها شمالي اليمن، وحصول المسافرات على موافقة مكتوبة من ولي أمرها ومعتمدة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لها.

ثم صعدت المليشيا إجراءاتها لتمنع النساء من السفر إلى الخارج نهائيا إلا بوجود مرافق من أسرتها.

ولا يوجد قانون في اليمن يشترط وجود محرم في أثناء تنقل النساء، لكن خلال السنوات القليلة الماضية، كان هناك تشديد على وجوده.

وكثيرا ما سئلت النساء عن الأمر في وسائل المواصلات في أثناء التنقل بين المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون.

ومع استمرار الحرب للعام الثامن بين مليشيا الحوثي المدعومة من طهران من جهة والحكومة اليمنية المدعومة بتحالف سعودي إماراتي من جهة أخرى، اتخذ الصراع أبعادا ذات امتدادات اجتماعية.

واتخذت المليشيا من القمع والاعتداء الجنسي والابتزاز وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، فضلا عن عمليات الخطف وتلفيق التهم الأخلاقية.

ووثق تقرير فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن الدولي، عددا واسعا من انتهاكات الحوثيين بحق النساء في اليمن، من بينها أعمال اختطاف وإخفاء الناشطات، واغتصاب، وتلفيق اتهامات كيدية ومحاكمات صورية.

واستشهد التقرير بتسع حالات عمل فيها الحوثيون على اختطاف واحتجاز نساء ناشطات سياسيا أو مهنيا، بسبب معارضتهن آراءهم الأيدلوجية، أو توجههم السياسي.

وأفاد التقرير الذي صدر في 25 يناير 2022، بأن الحوثيين استخدموا مزاعم "الدعارة" ذريعة للحد من تقديم الدعم المجتمعي للمعتقلات السابقات، ومنع مشاركتهن النشطة في المجتمع المحلي، وضمان عدم تهديدهن لنظام الحوثيين.

كما كشف التقرير تصوير الحوثيين فيديوهات للمعتقلات بهدف الضغط عليهن مستقبلا وردع القيادات النسائية الأخرى وتخويفهن من الوقوع بنفس المصير.

قرارات تعسفية

وتعليقا على هذا الأمر، قالت المحامية اليمنية ورئيسة منظمة "دفاع" للحقوق والحريات، هدى الصراري، إن "قرارات منع النساء من السفر في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي سابقة خطيرة لم تعتدها المرأة، وتضرب كل الحقوق المكتسبة خلال السنوات التي مضت".

وأضافت لـ"الاستقلال"، أن "هذه القرارات التعسفية والقرارات السابقة تتعدى كل الخطوط الحمراء وتستهدف المرأة بشكل عام والمكانة التي حظيت بها اجتماعيا وقبليا في المجتمع اليمني".

وشددت على أن "قرارات منع سفر النساء حرمتهن من فرص التعليم والعلاج والتدريب والتأهيل الذي قد تتحصل عليه المرأة من خلال عملها".

ولفتت المحامية الصراري إلى أن "منع السفر ليس عبر المطار فقط، فقد سبقه قرار بمنعهن من التنقل دون محرم بين المحافظات اليمنية، الأمر الذي عاد سلبا على قطاعات عمل واسعة".

ومنها عمل المرأة في المنظمات الإنسانية والتي تقدم خدمات الرعاية الصحية والغذائية للنساء الريفيات والمقيمات في المناطق الوعرة والنائية بواسطة نساء عاملات في المنظمات، وبالتالي حرمت شريحة كبيرة من وصول تلك الخدمات إليها.

وأشارت إلى أن "بعض الفتيات يعملن ويدرسن خارج اليمن، وقد يكن موجودات لقضاء الإجازة أو لزيارة الأهل".

وبالتالي فإن قرار المنع يحرمهن من مواصلة تحصيلهن الجامعي والدراسات العليا أو السفر لحضور الفعاليات والندوات التي تعقدها المراكز والهيئات الإقليمية والدولية خارج اليمن.

وأيضا حرمانها من إيصال شكواها وتسليط الضوء على ما يحدث في اليمن من ممارسات نتجت عن النزاع المسلح، بحسب المحامية.

وختمت الصراري بالقول: "دور المرأة مهم ومحوري في جميع مسارات السلام والرصد والتوثيق والعمل الإنساني ونقل الصورة الواضحة عما يجري من جرائم وانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين".

ولولا ذلك لما جرى إصدار هذه القرارات التعسفية ضد النساء واستهدافهن الممنهج من أجل قطع الطريق وتشويه الصورة والمكانة التي تحلت بها المرأة اليمنية خلال مسيرتها النضالية وثنيها عن دورها الإيجابي خلال سنوات الحرب، وفق تقديرها.

حرب وإذلال

وكشف المركز الأميركي للعدالة في 8 أغسطس/آب 2022، أن النساء في اليمن يتعرضن لصنوف مختلفة من الانتهاكات، ما بين العنف الأسري والازدراء المجتمعي.

وبين أن ملايين النساء تعيش أوضاعا معيشية صعبة، ويقاسين ظروف النزوح والهروب من الحرب، وما يترتب على ذلك من معاناة في المخيمات التي تفتقر لأبسط متطلبات الحياة الكريمة.

وأضاف أن بعض الانتهاكات ضد النساء وصلت حد الاغتصاب والاستغلال والابتزاز الجنسي داخل وخارج مراكز الاحتجاز، وتشويه سمعتهن، ودفع ذويهن إلى التخلي عنهن والتبرؤ منهن.

وذكرت تقارير دولية ومحلية أن نحو 600 امرأة يمنية قتلت، وأصيبت 805 أخريات منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة عام 2014.

وأصدرت مليشيا الحوثي في منتصف سبتمبر/أيلول 2022، قرارات تقضي بإغلاق النوادي الرياضية والكافيهات وصالونات التجميل ومراكز العناية الصحية الخاصة بالنساء كافة.

وجاء الإغلاق بذريعة أن تلك الأماكن تشكل فسادا ماليا وانحلالا أخلاقيا، وتؤدي إلى ضياع هيبة المجتمع. ونفذوا حملات قمعية لضبط المخالفين من المواطنيين والتجار والمستثمرين، وفق مصادر محلية في صنعاء.

ورغم أن أنشطة المطاعم لا تزال مفتوحة، فإنها تتعرض لمضايقات أمنية وضغوط عبر فرض إتاوات بحجة دعم ما يسمونه "المجهود الحربي" للحوثيين.

في يناير 2021، داهمت مليشيا الحوثي متاجر ملابس ومحلات خياطة وأغلقت مطاعم في مناطق متفرقة بصنعاء، بحجة ارتكابها "محرمات" واستهدافها "الهوية الإيمانية للشعب اليمني".

واستهدفت الحملة دمى ومجسمات يستخدمها التجار في عرض الملابس، وأقدم المسلحون الحوثيون على تكسير بعضها ومصادرة البعض الآخر.

كما فرضوا غرامات باهظة على التجار الذين عدتهم مخالفين لـ"السلوك الإسلامي والهوية الإيمانية اليمنية" وفق موقع "المصدر أونلاين".

وتحظى المرأة بمكانة كبيرة داخل المجتمع اليمني الذي يعد من أكثر المجتمعات العربية محافظة وتمسكا بالعادات والتقاليد.

ويعد كشف المرأة لشعرها مخالفة كبيرة للقيم الدينية والاجتماعية، كما أن كشف المرأة لوجهها يعد عيبا في نظر معظم الأسر اليمنية، وهو ما يتجلى في لباس النساء اليمنيات للخمار بصورة مستمرة.

لكن الحوثيين يصرون على خنق المرأة اليمنية وإذلالها بالمزيد من القيود لتحقيق أهدافهم في إخضاع المجتمع لسلطتهم القمعية.