بعد انتهاء عملية برخان.. من يملأ الفراغ الفرنسي في الساحل الإفريقي؟
في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميا انتهاء عملية برخان في منطقة الساحل الإفريقي، كاشفا عن الخطوط العريضة للإستراتيجية العسكرية الجديدة لبلاده.
وأشار ماكرون في خطاب ألقاه من مدينة تولون جنوب شرقي البلاد إلى أن إستراتيجية بلاده المتعلقة بإفريقيا ستكون جاهزة في غضون ستة أشهر على إثر مشاورات ستجرى مع الشركاء في القارة.
وانطلقت عملية برخان الفرنسية عام 2014 بهدف "مكافحة التمرد في الساحل الإفريقي" وتألفت من 3500 إلى 4000 جندي.
فك الارتباط
علق موقع إيطالي بأن فك الارتباط الفرنسي عن منطقة الساحل انطلق منذ فترة، خاصة في مالي، التي انسحبت منها القوات الفرنسية تماما في أغسطس/آب 2022.
وقال "إنسايد أوفر" إن باريس ستستمر في الحفاظ على وجود ثابت إلى حد ما في المنطقة بانتشار حوالي 3000 جندي في النيجر وبوركينا فاسو.
وكان المجلس العسكري الحاكم في مالي قد ضغط عام 2020 على فرنسا لسحب قواتها بالكامل في إطار عملية تدريجية انطلقت في أبريل/نيسان 2022 بتسليم قاعدة جوسي الأهم التي كانت تضم 300 جندي فرنسي.
وأوضح الموقع أن "الأزمة الدبلوماسية بين باريس وباماكو فتحت أبوابها لموسكو، التي نشرت مليشياتها شبه العسكرية من مجموعة فاغنر الروسية في البلاد، لتحل محل الجنود الفرنسيين في تنفيذ مهام مواجهة النشاط (العسكري) وتدريب القوات المحلية".
وفاغنر هي مجموعة عسكرية شبه نظامية من المرتزقة مقربة من الكرملين، وتنفذ عمليات لخدمة موسكو في عدد من الدول.
وأشار الموقع إلى أن "الانسحاب كان متوقعا، ولا يتعلق فقط بالتطورات الأخيرة المتعلقة بالأزمة بين البلدين والتي أجبرت فرنسا على إعادة تنظيم عملية برخان خارج أراضي مالي".
ويشرح بأن "باريس تبحث منذ فترة طويلة عن شركاء للمشاركة في تقاسم أعباء مهمة مكافحة الإرهاب في منطقة شاسعة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تتطلب العديد من الجنود والوسائل".
وقال إن "تقاسم الأعباء تحقق مع ولادة قوة تاكوبا الأوروبية بقيادة فرنسا التي أضيفت إلى البعثات الدولية الأخرى (بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) وإن كان ذلك بمهام وإدارات مختلفة تماما".
وبحسب الموقع، لم يحالف النجاح كثيرا قوة تاكوبا المؤلفة من الحلفاء الأوروبيين، وذلك على إثر تراجع النرويج في بداية هذا العام عن مشاركتها.
وأيضا إعلان الدنمارك سحب وحدتها من مالي بناء على طلب السلطات المحلية. وقبل ذلك أعلن السويديون انسحابهم من نفس القوة.
أردف إنسايد أوفر بأن "عملية برخان تنتهي وفق مخطط باريس، لكن الجيش الفرنسي لا يزال في منطقة الساحل وإن كان ذلك بوحدات أقل عدديا، وكذلك لا تزال مهمة قوة تاكوبا مستمرة".
ووفق الإليزيه، المبدأ الآن هو "الحد من تعرض قواتنا العسكرية وظهورها في إفريقيا، والتركيز على التعاون والدعم (...)، بشكل أساسي من حيث المعدات والتدريب والاستخبارات والشراكة العملياتية إذا ما رغبت هذه البلدان".
قوى متنافسة
كما أعلنت فرنسا سابقا عن استعدادها لبدء مشاورات مع الدول الإفريقية حول هذه المسألة، لكن عليها أن تتعامل مع رأي عام إفريقي معاد بشكل متزايد ينمو داخله نفوذ القوى المنافسة، وفي مقدمتها موسكو من خلال الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام، وفق الموقع الإيطالي.
ويضيف أن انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تشويه سمعة الوجود الفرنسي وتبرير الحضور الروسي، تجاوز حدود مالي ليبلغ بوركينا فاسو المجاورة، كما قال.
ويرجح أن باريس لن تتمكن من وقف هذه الظاهرة في مالي، وعلى الأرجح في أي مكان آخر، رغم تقلص الوجود الروسي في القارة الإفريقية عبر الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي يتصدرها مرتزقة فاغنر الملتزمون أكثر بالجبهة الأوكرانية في المرحلة الحالية.
يشرح الموقع بالقول إن "الفكرة الفرنسية، الآن، هي الاستمرار في العمل بأي حال من الأحوال، ولكن بتعقل".
وينقل عن تقارير إخبارية أنه لم يجر حتى الآن إسناد اسم جديد للوحدة الفرنسية المتبقية في منطقة الساحل، وهو "عامل يساعد في الحفاظ على سرية المعلومات".
على المستوى الاتصالي، يلاحظ الموقع الإيطالي أن عملية برخان لا تزال تحتل وجودا مهما للغاية على شبكات التواصل الاجتماعي.
لذلك من مصلحة فرنسا وضع حد لهذه العملية بشكل واضح للانتقال إلى عملية أخرى تنفذ بمنطق مختلف.
ويوضح أن "نهاية برخان ستؤدي إلى تقليص حجم الوجود الفرنسي في منطقة الساحل، مما يعني المزيد من الأعباء على الحلفاء الموجودين في المنطقة المشاركين في قوة تاكوبا التي ستخضع حتما لعملية إعادة هيكلة".
وتابع بأن "زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والوجود الروسي سيتطلب التزاما أكبر للحلفاء الأوروبيين في سياق مكافحة التمرد والإرهاب، وفي التدريب الأساسي ودعم قوات الأمن المحلية".
وذلك على الرغم من وجود فرنسا على نطاق واسع في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء (تشاد والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وساحل العاج).
وبحسب الموقع، هذا الالتزام سيترجم إلى المزيد من الجنود والوسائل، مشيرا إلى أن خطر تكرار السيناريو الأفغاني يظل دائما قاب قوسين أو أدنى.
ويرى أنه "لمواصلة الوجود في منطقة الساحل، هناك حاجة إلى الوضوح بشأن كيفية ذلك، والدور الذي يجب فعله في سياق الأمن العام لكل بلد معني". ويوصي الموقع بالإدراك الجيد لما وصفه بالفشل الفرنسي في مالي لتجنب تكرار نفس الأخطاء.
وقال إن "الفشل كان بسبب مجموعة من العوامل، على غرار عدم فهم ديناميكيات الصراع المحلي والأخطاء السياسية والعملياتية".
ويفترض أنه "ربما لو لم يكن النهج الفرنسي عسكريا أكثر على أساس الافتراض الخاطئ بأن نشاط الجماعات الإرهابية وحده المتسبب في عدم الاستقرار في منطقة الساحل، وبالتالي فشل في معالجة وفهم أزمة الحكومة المالية، لما كان اليوم إمكانية لأي وجود روسي، وربما حافظ الفرنسيون على وجودهم".
كما انتقد "عدم إشراك باريس للقادة الماليين في استعادة القانون واحترامه من خلال مساعدتهم على معالجة العوامل الكامنة وراء الصراع".
ويختم بأن "إخفاقهم في ذلك تسبب بانتشار العنف من شمال مالي إلى المنطقة الوسطى، وكذلك النيجر وبوركينا فاسو والحدود الشمالية لبنين وساحل العاج".