بعد خفض مستوى التنسيق الأمني.. إلى أين تتجه العلاقات بين مصر وإسرائيل؟

هناك معطيات أمنية ودبلوماسية ومدنية توحي بوجود شرخ عميق تحت السطح
مع قرار القاهرة غير الرسمي خفض مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل إلى الحد الأدنى، ومع وصف رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل بـ"العدو"، في سابقة لرئيس مصري منذ توقيع اتفاقية السلام؛ تزايدت التكهنات حول احتمالات حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين مصر وإسرائيل.
وتحت عنوان: "هل تتجه مصر نحو مواجهة إسرائيل؟"، أجرت صحيفة "معاريف" العبرية حوارا مع العقيد (احتياط) الدكتور موشيه إيلاد، الباحث في شؤون الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب.
وحذر إيلاد من احتمالية حدوث تدهور خطير في العلاقات بين إسرائيل ومصر، مشيرا إلى مؤشرات مقلقة، حتى وإن لم يكن هناك صدام عسكري مباشر يلوح في الأفق.

شرخ عميق
استهل إيلاد حديثه بالإشارة إلى حالة السخط تجاه إسرائيل لدى قطاع واسع من المصريين وقال: "منذ اندلاع الحرب، خضتُ سجالات إعلامية مع عدد كبير من ضباط الجيش المتقاعدين والمحللين والإعلاميين المصريين".
وتابع: "لا بد من الاعتراف بأن معظمهم غير راضٍ عن اتفاق السلام مع إسرائيل ويدعو إلى إلغائها".
مضيفا أن "بعضهم يحرض بشكل لاذع ضد إسرائيل وضد الاتفاق معها، إلى درجة يبدو فيها أنهم يشجعون على مواجهة عسكرية بين البلدين".
ورصد إيلاد تصاعد حدة الخطاب المصري ضد إسرائيل، قائلا: "في ذروة الأزمة في غزة، وبينما استمر التنسيق الأمني بين إسرائيل ومصر كالمعتاد؛ تصاعدت وتيرة التحريض ضد إسرائيل، وارتفعت الأصوات التي تطالب الرئيس المصري بـ (وضع إسرائيل عند حدها)".
وأشار إيلاد إلى أن هناك مؤشرات مقلقة على الأرض، وقال: "لأول مرة منذ سنوات، بدأت وسائل الإعلام المصرية، وأحيانا حتى الإسرائيلية، تتحدث عن احتمال متزايد لانهيار ما بدا وكأنه رؤية راسخة".
وأردف: "هناك معطيات أمنية ودبلوماسية ومدنية توحي بوجود شرخ عميق تحت السطح، ما يجعل التساؤل حول ما إذا كانت مصر في طريقها إلى مواجهة مع إسرائيل سؤالا مشروعا، وربما حتى ضروريا".
ومن وجهة موشيه إيلاد، فإن "استخدام عبد الفتاح السيسي مصطلح (إبادة جماعية) لوصف ما يحدث في غزة، أمر مقلق".
وعزا ذلك قائلا: "هذا ليس مصطلحا يؤشر على وجود سلام بارد، بل مصطلح يدل على الاقتراب من مواجهة".
ولفت إلى أن "السيسي له قاعدة شعبية تريد أن تسمع من رئيسها مواقف (قوية) ضد إسرائيل".
وحذر إلياد من أن "أي توغل إسرائيلي في رفح، أو محاولة لدفع سكان فلسطينيين نحو سيناء، سيعد خطا أحمر قاطعا بالنسبة للسيسي".
بالتوازي مع ذلك، رصد إلياد تحركا عمليا للجيش المصري على الأرض، فقال: "في سيناء، هناك نشاط عسكري ملحوظ، يشمل انتشار قوات ونشر أنظمة دفاعية واستعدادات لوجستية".
ولفت إلى أنه "حتى لو صُورت هذه التحركات على أنها دفاعية بحتة، فإنه من الصعب تجاهل توقيت هذه التحركات وحجمها".
"خاصة أن مصر تضع نفسها في موقع القيادة للمبادرات العربية بشأن مستقبل غزة، مع رفض واضح للحلول الإسرائيلية والدولية"، على حد قوله.

رصيد إستراتيجي
ورغم كل ذلك، يؤكد إلياد أن المواجهة المباشرة ليست مرغوبة من الطّرفين: "رغم التوتر، فإن المواجهة العسكرية المباشرة ليست مطروحة حاليا". مشددا على أن "الاتفاق التاريخي لعام 1979 يمثل رصيدا إستراتيجيا لكلا الطرفين".
واستدل على ذلك قائلا: "لقد صمد التنسيق الأمني أمام أزمات عديدة. والمساعدات الإسرائيلية لمصر في مكافحة تنظيم الدولة في سيناء إلى جانب العلاقات الاقتصادية في قطاع الغاز، ليست أمورا يمكن وقفها بجرة قلم".
في الوقت ذاته، يحذر إلياد من استمرار تدهور العلاقات بين مصر وإسرائيل: "حتى اليوم، احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل ومصر منخفض، لكن احتمال تدهور العلاقات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والمدني بل وربما حتي الاقتصادي، مرتفع جدا".
مضيفا: "أي قرار على الحدود الجنوبية -سواء كان سياسيا أو عسكريا أو مدنيا- يجب أن يأخذ في الحسبان تأثيره على العلاقات مع القاهرة".
وفي ختام حديثه، شدد إلياد على ضرورة الحفاظ على السلام بحذر قائلا: "من الواضح أن مصر لا تسارع إلى حرق جسر السلام، لكن الجسر الذي يرتكز على لوح واحد، حتى وإن كان قويا، قد ينهار إذا لم يُصَن كما ينبغي، وهذا بالضبط هو الوقت المناسب للبدء في صيانته".