نظام قيس سعيد العابس مع التونسيين.. ما دلالة تبسمه للرئيس الإسرائيلي؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وجدت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن نفسها وسط عاصفة من النقد والاستنكار، بعد تبادلها للتحية والابتسامات مع رئيس الاحتلال الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بمدينة شرم الشيخ المصرية.

الابتسامات خلال التقاط صورة المشاركين في قمة المناخ "كوب 27"، أدت إلى هجوم واسع على بودن، كما نال الرئيس قيس سعيد حظه من النقد، لا سيما وأنه عادة ما يواجه الشعب بالعبوس، كما أنه كان يردد شعارات مناهضة للتطبيع وللاحتلال وداعمة لفلسطين خلال حملته الانتخابية لرئاسيات 2019.

خداع وكذب

وعقب تبادل الابتسامات في القمة، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن "هرتسوغ وبودن تبادلا الدعابات، عندما اجتمع زعماء العالم لالتقاط صورة مشتركة في شرم الشيخ".

وأضافت الصحيفة، أن "المحادثة القصيرة بين هرتسوغ وقادة الدول التي لا تعترف رسميا بالدولة الإسرائيلية من الواضح أنها لم تلق قبولا جيدا من قبل الكثيرين في العالم العربي".

وفي أول تفاعل للحكومة التونسية، أفاد الناطق باسم الحكومة، نصر الدين النصيبي، بأنه لم ير صورة بودن وهي تتحدث مع الرئيس الإسرائيلي على هامش قمة شرم الشيخ.

ونقلت جريدة "الرأي الجديد" المحلية، في 9 نوفمبر 2022، قول النصيبي: "لم أشاهد صورة رئيسة الحكومة مع الرئيس الإسرائيلي… فعلا لم أشاهدها".

واسترسل: "سنتثبت أولا من المسألة ومن ثم سنتفاعل، ولكني لم أر الصورة، ولا يمكنني بالتالي التعليق على شيء لم أره".

بالمقابل، عبر الشارع التونسي بمختلف أطيافه السياسية والنقابية والحقوقية عن رفضه الكبير والعارم لصورة رئيسة الحكومة مع رئيس الكيان المحتل.

وفي هذا السياق، قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي طاهري: "صورة من مقطع فيديو عار على تونس.. ليست الأولى، فقد سبقتها صورة باسمة لبودن مع المطبع (الإمام الفرنسي من أصول تونسية) حسن شلغومي، وربما ما خفي كان أعظم".

وفي تدوينة نشرها عبر حسابه على فيسبوك في 8 نوفمبر 2022، شدد طاهري على أن التطبيع "مرفوض"، منتقدا محاولات البعض "لتبرير ما وقع وتبييض هذه الفضيحة".

من جانبه، تفاعل وزير الخارجية الأسبق، رفيق بن عبد السلام، مع الحدث بقوله: "كنا وما زلنا على يقين بأن سعيد هو كاذب كذوب، وسيفعل عكس كل ما صرح به خلال حملته الانتخابية من أجل التنكيل بالشعب التونسي".

وفي تدوينة نشرها عبر فيسوك في 8 نوفمبر 2022، أضاف ابن عبد السلام "الحقيقة أن سعيد أرسل وزيرته الأولى إلى شرم الشيخ بهدف واحد ووحيد، وهو فتح أبواب التطبيع على مصراعيها وتبادل الابتسامات والمغازلات مع رئيس دولة الاحتلال".

وتابع: "سعيد هو مجرد ظاهرة صوتية ومخادع من طراز وضيع، ولن يتردد في فعل كل شيء من أجل البقاء في كرسي قرطاج، بالبلطجة والخداع والكذب وتطويع القوانين، وأخيرا وليس آخرا بالتطبيع السري والعلني".   

بدورها، أعلنت "الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني"، في بيان صادر عنها في 8 نوفمبر 2022، رفضها لما قامت به بودن.

وقالت الحملة: "في وقت تخوض فيه المقاومة الفلسطينية أشد المعارك، ويحتد الاشتباك الميداني بين شعبنا الفلسطيني المحتل وقوات العدو وترتقي فيه أرواح الشهداء من أجل التحرير، تأتينا هذه الصورة، حيث تتبادل بودن رئيسة حكومة سعيد الأحاديث الودية مع رئيس كيان العدو".

وشددت الحملة (أهلية) على أن "هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في عهد سعيد، مما يوضح زيف شعاراته خلال حملته التفسيرية، ومما يؤكد مرة أخرى أن موقفه المزعوم من التطبيع لم يكن إلا دعاية انتخابية من أجل كسب الدعم الشعبي، لما نعلمه عن رسوخ القضية الفلسطينية في وجدان التونسيين".

وأكدت أن "هذه المحادثة الودية من بودن أوقح ما بدر خلال العشرية الأخيرة عن السلطات الرسمية من تنكر لموقف الشعب التونسي الثابت من الحق الفلسطيني".

وعدت الحملة أن "هذه الممارسات التي تزج بتونس في مستنقع التطبيع وتهين شعبنا بعدم إبداء أي عداء لكيان عدو، تنضوي ضمن نهج تطبيعي مذل لم يقبله شعبنا وقواه الحية ولن يقبله أبدا، وهي تفضح بالأساس طبيعة النخب الحاكمة وعقليتها الذليلة والعميلة للاستعمار".

وخلصت الحملة إلى أنه "بغض النظر عن افتضاح نفاق خطاب سعيد وسقوط ورقة التوت عن حكومته التكنوقراطية الخاضعة للإملاءات الاستعمارية في مختلف المجالات، فإنها ستظل تطالب مع أحرار الشعب التونسي، ووفاء لشهدائه، بسن قانون يجرم كافة أشكال التطبيع مع الحركة الصهيونية وكيانها المحتل".

زلازل سياسية

صورة بودن أثارت غضب عدد كبير من الصحفيين والكتاب والمدونيين التونسيين، والذين عبروا عن رفضهم لما وقع، واستنكارهم الشديد له.

وقال الصحفي سرحان الشيخاوي، إن "التطبيع مع الصهيونية بعد أن تسلل إلى تونس من منفذ رياضي، ها هو اليوم يتجلى بمظهر رسمي في وصلة ابتسامات وحديث متبادل بين  بودن ورئيس الكيان الصهيوني".

وفي تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 8 نوفمبر 2022، أضاف الشيخاوي "التطبيع ابتسامة عظمى، تتخللها دموع مصطنعة تعاطفا مع طفل فلسطيني يذبح بدم بارد وبعض المقولات الرومنسية عن الوحدة العربية".

فيما أرجعت الصحفية أسماء البكوش ما وقعت فيه رئيسة الحكومة إلى "ضعفها السياسي وانعدام خبرتها التواصلية".

وقالت البكوش في تدوينة نشرتها في 8 نوفمبر، إن "رئيسة الحكومة تتبادل أطراف الحديث وتبتسم بكل ود لرئيس الكيان المحتل.. المسألة ليست تطبيعا، بل جهلا، مهندسة الزلازل لا علاقة لها بالسياسة ولا علم لها بالزلازل السياسية والمباحث الفكرية".

أما المدون والصحفي طارق عمراني، فأكد أن ما وقع ليس بالأمر العفوي، بل مخطط له، لأجل اختبار الشارع التونسي ومعرفة ردة فعله من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

وقال عمراني عبر تدوينة فيسبوكية في 8 نوفمبر 2022، إن "دولة الاحتلال قبل أن تدخل في عملية تطبيع مع دولة عربية تعمل بالونات اختبار.. الحكاية حدثت مع المغرب وأيضا مع دول الخليج".

ولأجل هذا الأمر، يردف عمراني، "يتم إعداد دراسات واستطلاعات رأي وخدمة أكاديمية كبيرة"، مشيرا إلى أن "الرأي العام التونسي أصبح مهيأ للتطبيع، خاصة مع الجيل الجديد من التونسيين، ممن ليس لهم أي ارتباط بالقضية الفلسطينية".

وأشار المتحدث ذاته إلى التجربة السودانية في هذا الإطار، والتي كانت ترفع اللاءات الثلاث التاريخية "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل"، حيث لم يكن يعتقد أحد أن شعبها سيقبل بالتطبيع (عام 2022) بتلك السهولة.

بدوره، قال الناشط بوسائل التواصل الاجتماعي، محمد زكروبة، إن واقعة بودن تأكيد لزيف شعار "التطبيع خيانة".

وأردف زكروبة في تدوينة فيسبوكية في 8 نوفمبر 2022، بأن "سعيد العميل الصهيوني أوصله الموساد إلى رئاسة تونس بغفلة من الشعب".

وتساءل: "تذكروا فيديو عميل الموساد مع القروي متى خرج؟ ليلة الانتخابات بالضبط.. من أخرجه ونشره بتلك السرعة؟ الموساد طبعا".

وختم تدوينته بالقول إن "ما وقع خازوق صهيوني لا يقرأ ولا يكتب"، على حد وصفه.

يشار إلى أن عميل الموساد السابق، آري بن ميناشي تحدث عبر مقطع فيديو في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019 عن علاقة المرشح الرئاسي نبيل قروي بالإسرائيليين، مما جعل ناخبين يتحفظون على التصويت له ويدلون بأصواتهم لصالح سعيّد.

وقال العميل إنه "بعد سجن القروي، فريقه دفع لنا مبلغ 250 ألف دولار على 3 دفعات وطلبوا منا الضغط من أجل إخراجه من السجن..".

مساع تطبيعية

ورغم الشعارات التي يرفعها سعيد في وجه الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن تونس شهدت عددا من الأحداث التي تشير إلى سعي الرئيس للتطبيع.

وفي هذا السياق، قالت موقع "وطن" المحلي في 8 يونيو/حزيران 2022، إن تقارير صحفية عبرية تحدثت عما وصفته بـ"ذوبان الجليد" في العلاقات بين إسرائيل وتونس.

وأشار إلى "وجود اتصالات دبلوماسية تشير لعملية تطبيع قريبة محتملة، تلحق فيها تونس بالإمارات والبحرين والسودان".

ونقل الموقع عن صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، قولها إن "تونس وإسرائيل تتبادلان الاتصالات الدبلوماسية، على أمل التحرك نحو علاقات تقارب، لكن الجهود قوبلت بمعارضة شرسة".

وذكرت الصحيفة أن "تونس وإسرائيل تستكشفان إمكانية إقامة علاقات أوثق، رغم الجهود المبذولة لعرقلة هذه الخطوة من قبل الجزائر".

ووفقا لمسؤول دبلوماسي تحدثت إليه "يسرائيل هيوم"، فإن "توسيع دائرة الدول التي لها علاقات مع إسرائيل كان هدفا إسرائيليا ثابتا، لكن من الواضح أيضا أن الجزائر لا تزال تظهر موقفا عدائيا تجاه هذه الخطوة".

ونقلت الصحيفة العبرية عن تقرير إعلامي عربي أن "الرئيس التونسي يسعى إلى الاقتراب من إسرائيل، لكن الجزائر تمنع البلاد من الذهاب لعملية التطبيع".

وتابع التقرير أن "تونس تخشى أن يؤثر التطبيع مع إسرائيل سلبا على مصالحها التجارية والمالية المختلفة في الجزائر".

وأشارت الصحيفة إلى "سماح سعيد للإسرائيليين بزيارة البلاد".

وفي 13 مايو/ أيار 2022، حطت طائرة بمطار قرطاج كانت مليئة بالإسرائيليين القادمين إلى تونس في رحلة مباشرة من مطار بن غريون في تل أبيب.

ووفق موقع "نون بوست" (مقره إسطنبول)، في 14 مايو 2022، "فقد شوهد العشرات من الإسرائيليين في المطار يتكلمون العبرية، ما شكل صدمة للعديد من التونسيين الموجودين هناك".

وأوضح الموقع أن "هذه الرحلة بعد نحو سنة ونصف من منع السلطات التونسية رحلة قادمة من تل أبيب نحو مدينة الرباط المغربية من المرور عبر أجوائها، ما أجبرها على اتخاذ مسار شمالي يمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر المجال الجوي اليوناني، ثم الإيطالي ومنه إلى الإسباني، وأخيرا إلى العاصمة المغربية".

ونبه إلى أن "رحلة قرطاج لن تكون الأخيرة، فقد أعلنت وكالة أسفار إسرائيلية تنظيم رحلات من دولة الاحتلال إلى تونس لمواكبة احتفالات الحج بمعبد الغريبة في جزيرة جربة جنوب البلاد، بعد انقطاع الاحتفالات لمدة سنتين بسبب جائحة كورونا".

خطوات غير مسبوقة

وفي مايو 2022، أثارت مشاركة إسرائيليين في مسابقة رياضية بتونس موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهم نشطاء السلطات بالتطبيع.

ووفق منشور لموقع "عربي21"، في 29 مايو 2022، فقد نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قائمة المشاركين في دورات رياضية تحتضنها مدينة الحمامات، الواقعة على الساحل الشرقي لتونس، ضمت أسماء إسرائيلية مرفوقة بعلم الاحتلال.

وجاءت هذه التظاهرات الرياضية بعد أيام من انتهاء زيارة اليهود إلى معبد الغريبة بجزيرة جربة، والتي اتهم خلالها التونسيون السلطات بالتساهل مع المستوطنين القادمين من الأراضي المحتلة والتطبيع مع إسرائيل.

وبالمناسبة، أصدر "الحزب الجمهوري" (وسط) بيانا في حينه، أكد فيه أن "السلطة السياسية تحاول فك عزلتها الدولية عبر خطوات تطبيعية غير مسبوقة".

ودعا الحزب في 29 مايو 2022، "كل القوى الوطنية وجموع المواطنين إلى التجند للتصدي لكل اختراق لساحتنا الوطنية، ومنع كل تظاهرة رياضية يفتح فيها باب المشاركة أمام رعايا دولة الاحتلال".

غير أن هذه الدعوات لم تجد من آذان صاغية، حيث واصلت حكومة سعيد حركاتها التطبيعية.

ومن ذلك، ما كشفه موقع "عربي21" في 6 أكتوبر 2022، من أن وثائق حصل عليها تبين تورط شركة النهوض بالرياضة "برومسبور"، أبرمت صفقة مع شركة "سيزال الإيطالية" في قطاع الرهان الرياضي عبر الإنترنت، في سبتمبر/أيلول 2022.

وشركة النهوض بالرياضة "برومسبور"، مؤسسة عمومية خاضعة لإشراف وزارة الشباب والرياضة والتربية البدنية، وهي مكلفة بتشجيع وتمويل الأنشطة الرياضية، ومنها القمار الرياضي، وبكل العمليات التابعة له، وفق موقعها الرسمي.

وتحوم حول الصفقة المبرمة بين الشركة التونسية ونظيرتها الإيطالية شبهات "تطبيع" مع الاحتلال كون شركة "سيزال" لها علاقة مباشرة بـ"شركة إسرائيلية".

والعلاقة بين "سيزال" والشركة الإسرائيلية تمر عبر شركة "فلوتر" الإيرلندية التي تمتلك الشركة الإيطالية من جهة ولديها عقد شراكة لمدة خمس سنوات مع شركة "بلاي تك" الإسرائيلية.