أول اختبار للسوداني.. دلالات مقتل أميركي في بغداد على يد مليشيات إيران

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعرضت حكومة محمد شياع السوداني لأولى الهزات الأمنية بعد 15 يوما من منحها الثقة من البرلمان العراقي، وذلك بمقتل مواطن أميركي وسط بغداد.

وقتل الأميركي ستيفن ترول بنيران فصيل تابع لإيران، الأمر الذي أثار تساؤلات عن دلالات الحادثة وتوقيتها وتداعياتها على المشهد في البلاد.

ولقي ترول، الذي كان يعمل مدرسا للغة الإنجليزية في العراق، مصرعه بنيران مسلحين في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أثناء تجواله مع عائلته في منطقة الكرادة وسط بغداد، وذلك "بعد فشل محاولة اختطافه من سيارته الشخصية".

اختبار للحكومة

وفي أول تعليق على حادثة الاغتيال في بغداد، قال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر صحفي في 8 نوفمبر 2022 إن "توقيت الجريمة يضع علامات استفهام، وأن الأمن خط أحمر، ومن يريد اختبار الحكومة بملف الأمن فلا يحاول لأنه خيار فاشل".

وأعلنت خلية الإعلام الأمني العراقية في 7 نوفمبر 2022 أن رئيس الحكومة العراقية، القائد العام للقوات المسلحة، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري بتشكيل لجنة من أجهزة الوزارة التخصصية والجهات الأمنية الأخرى للتحقيق في ملابسات الحادث.

وأوضح بيان الخلية الأمنية أنه "جرى تشكيل اللجنة فور وقوع الحادث للوقوف على تفاصيله وأسبابه والوصول إلى الجناة بأسرع وقت".

وعلى الجانب الأميركي، صدر بيان عن سفارة الولايات المتحدة ببغداد في 8 نوفمبر وصف حادثة الاغتيال بأنها "وفاة".

واكتفى بالقول "نحن نراقب عن كثب تحقيق السلطات المحلية في سبب الوفاة. نتقدم بأحر التعازي والمواساة لأسرة الفقيد على خسارتهم، ونقف على أهبة الاستعداد لتقديم كل المساعدة اللازمة من خلال قنصليتنا". 

وبعد ذلك بيوم واحد، غردت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي على "تويتر" قائلة: "خلال هذه الأوقات الحزينة، أتقدم بجزيل الشكر والامتنان للشعب العراقي على رسائله الداعمة بعد حادثة القتل الوحشي لستيفن ترول الليلة الماضية في بغداد".

وأعلن فصيل مسلح يطلق على نفسه اسم "سرايا أهل الكهف" مسؤوليته عن مقتل الأميركي الذي قالت وسائل إعلام عراقية إنه يعمل موظفا بمنظمة إغاثة غير حكومية.

في حين ذكرت مصادر أخرى أنه يعمل مدرسا للغة الإنجليزية، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الألمانية، في 8 نوفمبر.

وقال هذا الفصيل إنه استهدف الأميركي انتقاما لقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، اللذين قتلا في غارة أميركية بالقرب من مطار بغداد مطلع عام 2020.

تبرؤ شيعي

ورغم تبني الفصيل الشيعي الذي عرف بقصف معسكرات وأماكن وجود القوات الأميركية في العراق، فإن "أبو علي العسكري" المسؤول الأمني لمليشيا "كتائب حزب الله" أصدر بيانا في 9 نوفمبر، وحاول إبعاد العملية عن المليشيات الشيعية، ووصف ما جرى بأنه "خلط للأوراق".

وقال "العسكري" إن "حادثة مقتل المواطن الأجنبي في بغداد لا تخلو من أمرين: الأول، إحراج الحكومة الحالية وإظهارها بمظهر الضعف، بقصد خلط الأوراق وزرع الفتنة بين الأطراف الداعمة لها".

وتابع: "الأمر الثاني، أن من قام بهذا الفعل عصابة مرتزقة بلا ضمير تمتهن الخطف والقتل، وإلا كيف يقتل إنسان بهذه الكيفية"، مضيفا: "وعلى كلا الأمرين، ينبغي على الحكومة الإسراع في اعتقال الجناة، وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم".

وفي السياق ذاته، طالب رئيس "تيار الحكمة الوطني" رجل الدين الشيعي الشاب عمار الحكيم خلال بيان في 9 نوفمبر، الأجهزة الأمنية بالإسراع في كشف ملابسات جريمة مقتل المواطن الأميركي، وإطلاع الرأيين المحلي والعالمي على تفاصيلها، واصفا إياه بالفعل "المدان والمستنكر".

وشدد الحكيم وهو قيادي في قوى "الإطار التنسيقي" التي شكلت الحكومة العراقية على ضرورة "تشخيص ما إذا كانت دوافع مقتل الأميركي جنائية أو سياسية، وعدم السماح بأن ينعكس ذلك سلبا، على المناخ الآمن الذي يسود العراق أو على علاقاته الخارجية".

وخلال تقرير لها في 9 نوفمبر وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية مقتل ستيفن ترول، بأنه "يمثل هجوما نادرا على زوار أجانب للبلاد".

ولفتت إلى أن "العراق اجتذب الكثير من السياح الغربيين وصانعي محتوى مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، بدون حوادث تذكر".

وفي صفحة ترول على "تويتر" تظهر منشورات عمرها أكثر من أربعة أعوام، في شارع المتنبي الثقافي في بغداد وعلى أحد الجسور فوق نهر دجلة في العاصمة. ومعها تعليق يقول إن "كنز العراق الحقيقي هو شعبه".

دلالات وتداعيات

وعلى ضوء الحادثة التي تبنتها جهة موالية لإيران في ظل حكومة يديرها حلفاء طهران بالعراق، يدور الجدل حول دلالاتها وتداعياتها في البلاد.

فالبعض يرى أنها تمثل استهدافا للحكومة ذاتها كونها لا تزال في بداية عهدها، فيما يعتقد آخرون أنها تشير إلى انقسام داخل معسكر حلفاء إيران.

وقال الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي، خلال مقابلة تلفزيونية في 8 نوفمبر إن "جريمة الاغتيال تصنف ضمن الجريمة المنظمة ذات البعد السياسي والسيادي، لأنها تستهدف سيادة البلد ومؤسساته الضامنة لحياة الوافدين، فضلا عن أنها تمس دور العراق وعلاقته بالمنظومة الدولية".

وأضاف: "توقيت الحادثة والهدف منها هو ليست الرغبة في اغتيال المواطن الأميركي فحسب، بل في اغتيال البرنامج الحكومي، لأنه يقوم على مرتكزات عدة، أولها تفعيل الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة، وحصر السلاح بيد الدولة وتفعيل الدور الوظيفي للأجهزة الأمنية والعسكرية وتقييد الأجنحة العسكرية للأحزاب".

وأردف الشريفي قائلا: "وبالتالي عندما تحدث مثل هذه العملية في الحزام الضامن للمنطقة الخضراء وسط بغداد، والتي تعد معقل صنع القرار السياسي في العراق، فنحن أمام استحقاق خطر جدا".

وأشار إلى أن "هناك ناقوس خطر يفترض أن يلتفت إليه رئيس الوزراء محمد السوداني بشيء من الحذر الشديد لإعادة النظر في إستراتيجيات الردع الأمني، وضرورة الالتفات إلى أن الرعاية الدولية التي تحظى بها الحكومة العراقية قد تكون على المحك، لذلك يجب اتخاذ إجراءات حازمة".

ولفت الشريفي إلى أن "العراق بموجب القانون الدولي حليف للولايات المتحدة، ما يعني أن هناك مسؤولية ملقاة على الدولة ومؤسساتها لحماية الرعايا الأميركيين، ولا سيما من يحملون صفة دبلوماسية أو نشاطا إنسانيا في البلد".

وعلى الصعيد ذاته، قالت الباحثة في الشأن السياسي العراقي، نوال الموسوي خلال تغريدة على "تويتر" في 8 نوفمبر إن "أهل الكهف فصيل مسلح من تنظيمات ذات بصمة معروفة ترتبط بجهة معروفة، وأن توقيت الحادث مثير للشكوك، ومؤشر عن انقسام داخل هذه التنظيمات قد تكون انتقامية كما أشار بيانها، وقد تكون بسبب استبعادها من المكتسبات".

من جهته، رأى الباحث في الشأن العراقي، أحمد وعد في حديث لـ"الاستقلال" أن "حادثة الاغتيال حصلت في منطقة تسيطر عليها المليشيات الشيعية، ولا يمكن لأي عجلات يستقلها مسلحون أن تتجول فيها بكل حرية، لذلك من هذه النقطة نفهم أن مرتكب الجريمة لن تكون جهة خارج هذه الدائرة".

ولفت الباحث إلى أن "الأمر قد يكون له علاقة ليس في الشأن العراقي، وإنما بما يحصل في إيران ومحاولة القوى الغربية سواء الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي فرض مزيد من العقوبات على إيران، لذلك تحاول الأخيرة إظهار أنها على استعداد لإرباك الوضع في أكثر من مكان بالمنطقة، وهذه بمثابة رسالة تحذير".

وفي 29 أكتوبر 2022 نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" تقريرا تحدث فيه عن العقوبات الغربية على إيران وتداعياتها المحتملة.

وقال فيه إنه "إذا جرى إعادة فرض العقوبات مجددا، فمن المرجح أن يكون الأثر الاقتصادي الناتج عن هذه الخطوة على إيران هامشيا، لأن طهران تواجه أساسا مجموعة من العقوبات الثانوية الأميركية التي هي أكثر شمولا وإضرارا مما تم تحديده في قرارات مجلس الأمن السابقة".

لكن التقرير توقع أن يكون رد فعل إيران على العقوبات في "إظهار قدرتها على المقاومة والصمود، سواء بوضع مزيد من القيود على عمليات التفتيش، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، أو تكون على شكل هجمات مزعزعة للاستقرار أو مصادرة سفن في مضيق هرمز، بالإضافة إلى تصعيد من جانب الوكلاء في العراق ولبنان وسوريا واليمن".