"عودة الساموراي".. لماذا تسعى اليابان لإيقاظ جيشها الإمبراطوري المخيف؟

12

طباعة

مشاركة

بعدما قضت 75 عاما تقيد ذراعيها خلف ظهرها بدستور سلمي، تتطلع اليابان إلى زيادة إنفاقها الدفاعي بعد تبنيها نهجا جديدا يقوم على تعزيز القوة العسكرية لردع التهديدات الصينية والكورية الشمالية والروسية المتزايدة.

حمى التسلح في اليابان بدأت بالفعل بشكل مكثف، بعدما وضع الساموراي الياباني إستراتيجية جديدة لزيادة إنفاقه الدفاعي في غضون السنوات الـ5 التالية حتى 2027.

وسر عام 2027 كمحطة زمنية فارقة في خطط التسلح اليابانية يرجع لصفته العام الذي قد يميل فيه ميزان القوة في شرق آسيا لصالح الصين، حسبما أوضح الأستاذ "تاكاشي كاواكامي" بجامعة تاكوشوكو في طوكيو لوكالة رويترز في 19 أكتوبر/ تشرين أول 2022.

وسيكشف رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، عن تفاصيل خطط الإنفاق العسكري الجديدة في ديسمبر/ كانون الأول 2022 إلى جانب إستراتيجية أمنية محدثة، من المتوقع أن تمنح البلاد دورا أمنيا إقليميا جديدا.

سر القلق

تشعر طوكيو بالقلق من توسع وتحديث الجيش الصيني السريع الذي عدته على الدوام تهديدا أمنيا خطيرا، حتى إنها وضعت بكين بمثابة "عدو رئيس" في التقرير السنوي لوزارة الدفاع اليابانية لعام 2019.

ولا يقلقها فقط التسلح الصيني بالنظر للعداء التاريخي بين البلدين، ولكن أيضا التقارب العسكري بين الصين وروسيا، ومحاولة الأخيرة تغيير الوضع القائم في أوكرانيا بالقوة.

وتتخوف اليابان أن تغزو الصين جزيرة تايوان، التي تبعد نحو 110 كيلومترات عن سواحلها الغربية، وما قد يترتب على ذلك من اندلاع صراع عسكري، قد يكون نوويا، في المنطقة.

وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، توترت العلاقات بين طوكيو وموسكو، ودخلت اليابان في خلافات سياسية حادة مع روسيا، وصلت حد فرض عقوبات وأعمال استفزازية بين البلدين.

وتتوجس طوكيو أيضا من نشر الجيش الروسي أنظمة صواريخ دفاعية ساحلية قرب "جزر كوريل" المتنازع عليها بين البلدين، قبالة الساحل الشمالي لهوكايدو.

ومع تزايد إطلاق كوريا الشمالية صواريخ نووية تجريبية فوق أجواء اليابان، آخرها يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وللمرة الثانية خلال شهر واحد، ما تسبب في هرع اليابانيين إلى الملاجئ، بدأت طوكيو تتحسب من الخطر ويتزايد الحديث عن ضرورة توسيع تسلحها.

بفعل هذا، يخشى مراقبون أن تضطر التهديدات المحيطة اليابان لتغيير إستراتيجيتها السلمية التي اتبعتها عقب الحرب العالمية الثانية، وتعيد جيشها الإمبراطوري لمجده السابق.

وبلغ الجيش الإمبراطوري الياباني أوجه في الفترة بين 1867 و1945، وكان يتبع لمكتب القيادة العامة للجيش ووزير الحرب واللذين يتبعان للإمبراطور كآمر أعلى للقوات البرية والبحرية.

وفي 19 أكتوبر 2022، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين حكوميين يابانيين ومحللين أمنيين، تأكيدهم أنه ما بين مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني 2022 والمؤتمر التالي في 2027، ستجري اليابان أكبر حشد للأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية في سباق لردع خصومها في شرق آسيا.

وأكد هذا وزير الدفاع ياسوكازو هامادة يوم 21 أكتوبر 2022 بقوله إن اليابان تعتزم تعزيز دفاعات البلاد بحلول عام 2027 وتعزيز قدرتها على محاربة أي غزو، وفق موقع "أوراسيان تايمز" في 25 أكتوبر.

وقبل هذا قال رئيس الوزراء الجديد فوميو كيشيدا لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية في 17 يونيو 2022: "أنا مصمم على تعزيز القدرات الدفاعية لليابان في غضون السنوات الخمس المقبلة وتأمين زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع اليابانية لتفعيل ذلك".

أيضا وعد حزبه الديمقراطي الليبرالي الحاكم في أكتوبر 2022 بمضاعفة الميزانية العسكرية إلى حوالي 10 تريليونات ين (68 مليار دولار) في غضون خمس سنوات.

وأكد موقع "أرمي تكنولوجي" في 3 أكتوبر، أن اليابان تنوي رفع الإنفاق الدفاعي من حوالي 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (بلغ نحو 5 تريليونات دولار عام 2021) إلى 2 بالمئة على غرار الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي "ناتو".

وأوضح أنه إذا تم ذلك فستنتقل البلاد من خامس أو سابع أقوى قوة عسكرية، من حيث القوة النارية أو الإنفاق الدفاعي على التوالي، إلى المركز الثالث في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

وبحسب التصنيف الأخير الذي أصدره موقع "غلوبال فاير باور" الأميركي المتخصص في تصنيف الجيوش، في مايو/ أيار 2022، جاء الجيش الياباني في المركز الخامس بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند من بين 142 دولة.

عداء قديم

دفعت خطط التسلح اليابانية الصين للتخوف من الإستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ لأنها ستوجه اليابان للتخلي تدريجيا عن المسار السلمي.

وقالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية في 14 أغسطس/آب 2022 إن "إحياء اليابان للنزعة العسكرية يزعزع استقرار المنطقة".

ونقلت عن الخبير العسكري الصيني "سونج زونجبرج" قوله: "يجب تحذير طوكيو أن تتوقف عن اتباع نهج واشنطن لاستفزاز بكين وتغيير الوضع الإقليمي".

وفي 29 أكتوبر، ذكرت صحيفة "نيكي" اليابانية أن طوكيو تعتزم تشكيل "قيادة مشتركة جديدة" لإدارة عمليات قوات الدفاع الذاتي (الجيش) في عام 2024، ستركز على تعزيز التعاون مع الجيش الأميركي بمجال الدفاع. 

وقالت الصحيفة إن مهمة القيادة المشتركة ستتمثل في تنسيق الإستراتيجيات مع التركيز على تعزيز تعاون اليابان مع الجيش الأميركي في حالات الطوارئ، تحوطا من إذا حدثت أي أزمة في مضيق تايوان.

وشهد تاريخ اليابان والصين صراعات عسكرية طاحنا، الأول بين عامي 1894 و1895 وفيه انتصرت اليابان، والثاني بين عامي 1937 و1945 وكانت اليابان تحتل أجزاء من الصين لكنها استسلمت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ما عد انتصارا للصين.

وخرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مدمرة بسبب الكارثة التي حلت بها جراء إلقاء أول قنبلتين نوويتين في تاريخ الإنسانية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي.

ومهزومة، بسبب وثيقة الاستسلام التي كرسها الدستور الياباني الذي اعتُمد بعد الحرب عام 1946، وخاصة المادة التاسعة التي نصت على منع اليابان وتحت المراقبة الدولية من امتلاك قوة عسكرية هجومية من أي نوع.

وعلى الرغم من عدم السماح لليابان بإنشاء جيش، إلا أن اليابان أنشأت قوات أسمتها "الدفاع الذاتي" لحساسية اسم الجيش الياباني الإمبراطوري خلال الحروب السابقة، واستثمرت فيها بدعوى أن الدستور حظر "قوة هجومية لا دفاعية".

دستور سلمي!

وبدأت الحكومات اليابانية تعلن أن مفهوم "نبذ الحرب" الوارد في الدستور يشير فقط إلى العدوان العسكري، ولا ينكر على اليابان حقها الطبيعي في الدفاع عن نفسها ضد كل ما يهدد وجودها، وتنفي اعتقاد أن قوات الدفاع الذاتي هدفها الحرب.

وعلى هذا الأساس، تم تمرير تشريعات منذ تسعينيات القرن العشرين تنص على توسيع نطاق مهمة قوات الدفاع الذاتي، ما ساهم في زيادة حجم وقوة الجيش الياباني بصورة كبيرة، وبدأ يشارك في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وكان التطور الأهم في عام 2014، هو قيام اليابان بإعادة تفسير المادة 9 من الدستور بما أعطى مزيدا من الصلاحيات لقوات الدفاع الذاتي بحيث تدافع عن نفسها، وعن حلفاء آخرين في حالة الحرب المعلنة عليهم، أي تُهاجم أيضا.

وفي سبتمبر/ أيلول 2015، رسخ البرلمان الياباني تفسيرا جديدا على المادة التاسعة من الدستور، عبر سن سلسلة من القوانين تسمح لقوات الدفاع عن النفس اليابانية بتقديم الدعم المادي للحلفاء المشاركين في القتال دوليا.

وجاء هذا التفسير ليعزز قدرات اليابان العسكرية، ومنطلقا من أن الفشل في الدفاع عن حليف من شأنه أن يضعف التحالفات ويعرض اليابان للخطر.

وفرض هذا التطور، المخاوف المتزايدة من مخاطر تحيق باليابان بداية من مطامع روسيا وتطوير الصين قدراتها وتهديدها بغزو تايوان ثم استهداف كوريا الشمالية لها بالصواريخ النووية كل فترة.

وكان رئيس وزراء اليابان "شينزو آبي" ينوي إلغاء أو تعديل "المادة التاسعة" من الدستور التي تقيد تسليح البلاد أو امتلاك قدرات هجومية، وتطوير الجيش الياباني بحلول عام 2020، حسبما قال في مايو/ أيار 2017.

وأعلن "آبي" ذلك بعد تصريح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن معارضته الاستمرار بحماية دول غنية مثل اليابان، لكنه تعرض للاغتيال في يوليو/ تموز 2022.

ويعد إلغاء هذه المادة بمثابة إعلان انتهاء مرحلة الهيمنة الأميركية المطلقة على شؤون البلاد الدفاعية، التي بدأت بهزيمة طوكيو في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإن كان هذا لا يعني انتهاء التحالف الإستراتيجي بين الجانبين وبقاء التنسيق بينهما.

وفي استطلاع للرأي، نشرته هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة اليابانية في أكتوبر 2022، قال 55 بالمئة من 1247 يابانيا شملهم الاستطلاع إنهم يؤيدون زيادة الإنفاق الدفاعي، مقارنة بـ 29 بالمئة عارضوا ذلك. 

وقال 61 بالمئة ممن أكدوا دعمهم "جيشا أقوى"، إن على اليابان أن تدفع ثمن ذلك من خلال خفض الإنفاق العام بعدما ركزت سابقا على النمو الاقتصادي فقط.

المعضلة النووية

بخلاف التهديد العسكري التقليدي لها، تجد طوكيو نفسها محاطة بثلاثة أعداء يمتلكون سلاحا نوويا، وجميعهم يهددونها.

فروسيا لديها سلاح نووي، وكوريا الشمالية كذلك، والصين لم تكتف باقتناء سلاح نووي بل تسعي لبناء قوة نووية تصل إلى عشرة آلاف رأس، حسبما أماطت عن ذلك اللثام الأقمار الاصطناعية الأميركية الخاصة.

ومع أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تعرضت للقصف بسلاح نووي مدمر فهي لم تمتلك يوما سلاحا نوويا، رغم أنها مهددة مجددا من جيرانها النوويين.

عقب غزو روسيا لأوكرانيا وتوقع غزو الصين لتايوان، ثارت تساؤلات: "هل يدفع غزو أوكرانيا اليابان إلى امتلاك أسلحة نووية؟"، حسبما قالت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 26 مارس/أذار 2022.

تحدث عن هذا بصوت عالٍ وعلني شينزو آبي، قائلا إن على اليابان أن تفكر بجدية وعاجلا بشأن الأسلحة النووية، وألا يكون الحديث عن "المشاركة النووية" موضوعا محظورا، رغم عدم تأييد الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم مناقشة ذلك.

وخلال كلمة ألقاها في "مؤتمر شانجريلا للدفاع" بسنغافورة في 10 يونيو/حزيران 2022 قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إن طوكيو تسعى لـ"تعزيز قدراتها في الردع"، ما أثار تكهنات حول إذا ما كان يقصد الحديث عن "النووي".

وقبل الحرب العالمية الثانية، حاولت اليابان إنتاج سلاح نووي لكنها فشلت، لكنها الآن في ظل وضعها تحت الإشراف الأمريكي لديها القدرات التقنية لصناعة سلاح نووي لو أرادت، كما يقول خبراء. 

فلديها الخبرات العلمية، وتمتلك نحو 90 في المئة من البلوتونيوم اللازم لإنتاج مثل ذلك السلاح، بحسب مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية في 28 سبتمبر/أيلول 2021.

المجلة الأمريكية أوضحت أنه كان يمكن لليابان بسهولة صنع قنبلة نووية لردع الصين، لكن الولايات المتحدة خشيت من أن يؤدي ذلك إلى تغيرات في موازين القوة خلال زمن الحرب الباردة والمزيد من الانتشار النووي الآسيوي وحول العالم.

وتساءلت: هل يمكن لواشنطن أن تعطي اليابان الضوء الأخضر الآن لصنع سلاحها النووي، وبخاصة في ظل التطورات الروسية المخيفة من جهة، وبناء الصين سورا نوويا جديدا تحت الأرض من جهة أخرى، كما كشفت أقمار خاصة أميركية؟

وأوضحت قائلة: ربما لن ينتظر اليابانيون القرار الأميركي ويسعون إلى تعزيز قدراتهم العسكرية التقليدية والنووية من غير طلب الإذن والسماح من أي أحد، ذلك أن طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات لا من الآخرين.

وأكد المعهد الوطني للدراسات الدفاعية في اليابان، في دراسة بعنوان "هل تتجه اليابان للسلاح النووي لحماية أمنها القومي؟" نشرها موقع "اليابان بالعربي" في 14 يونيو/حزيران 2022، إن تدهور البيئة الأمنية في شرق آسيا زاد من خوف اليابانيين وغير تصورهم العام للمخاطر الأمنية.

وأشار إلى أن استطلاعا للرأي العام أجرته شبكة "سانكي شيمبون" و"فوجي" الإخباريتين كشف أن 83.1 بالمائة من اليابانيين أيدوا إجراء مناقشة حول "المشاركة النووية"، أي نشر أسلحة نووية أمريكية في الأراضي اليابانية.

و"المشاركة النووية" هي آلية لتقاسم المخاطر والمسؤوليات النووية أنشأتها الولايات المتحدة في إطار الناتو لإرضاء الحلفاء، وبموجب هذه الآلية، تنشر الولايات المتحدة أسلحة نووية على أراضي الدول الحليفة.

وتخضع لسيطرة وحراسة الولايات المتحدة وقت السلم، لكنها في زمن الحرب تُركب على طائرات مقاتلة تابعة للحلفاء ويتم التحكم فيها من قبل طيارين من دول غير حائزة للأسلحة النووية، لكن لا يمكن لأي دولة أن تقرر استخدامها من جانب واحد.

وفي الوقت الحالي، تنشر الولايات المتحدة أسلحة نووية تكتيكية في خمس دول غير حائزة للأسلحة النووية، وهي بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا.