تصاعد متسارع للعقوبات الغربية على إيران.. ما مدى تأثيرها على النظام؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بشكل متصاعد، تتوالى العقوبات الغربية على نظام الملالي في إيران، على خلفية ملف حقوق الإنسان وقمع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البلاد جراء مقتل الشابة مهسا أميني، على يد "شرطة الآداب" في 16 سبتمبر/ أيلول 2022.

وتواجه طهران الاحتجاجات الشعبية بقمع شديد تسبب بمقتل ما يزيد عن 250 شخصا، متهمة إسرائيل وأميركا ودولا غربية أخرى بإثارة ما تسميه "أعمال شغب" من أجل "منع إيران من تحرير فلسطين"، حسب مزاعم المرشد الإيراني علي خامنئي في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

عقوبات متوالية

وفي خضم الاحتجاجات الشعبية التي أخذت تتسع في إيران، وتعامل النظام الإيراني بعنف ضدها، أعلنت كندا فرض رابع حزمة عقوبات على إيران، فيما توعدت أميركا ودول الاتحاد الأوروبي بتشديد العقوبات أيضا للغرض ذاته.

وقالت وزرة الخارجية الكندية خلال بيان في 31 أكتوبر، إن الحزمة الرابعة من العقوبات على إيران شملت 4 أفراد وكيانين، بسبب قمع الاحتجاجات الشعبية واعتقال المتظاهرين.

والكيانان هما: جهاز الشرطة، وجامعة المصطفى العالمية في قم، أما الشخصيات فهم: قائد قوة شرطة طهران حسن رحيمي، ونائب المدعي العام أحمد فاضليان، ورئيس قضاء خراسان الشمالية أسد الله جعفري، ونائب رئيس قضاء مازندران مرتضى موسوي.

وأوضحت الخارجية الكندية، أن "ثلاثة من الأشخاص الخاضعين للعقوبات شاركوا بشكل مباشر في المضايقات الممنهجة للأقلية الدينية البهائية في إيران، لافتة إلى أن "قوة الشرطة تورطت في الاعتقال التعسفي وقتل المتظاهرين".

وتعد جامعة المصطفى العالمية مؤسسة أيديولوجية تابعة لخامنئي، تقوم بنشر سياسات النظام عبر فروعها في الدول الأجنبية، إذ أكدت الخارجية الكندية أن طلاب هذه الجامعة يجرى تجنيدهم بشكل منتظم في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

وستمنع العقوبات الكندية الأشخاص الخاضعين للعقوبات من التعامل مع مواطني كندا، وسيتم تجميد أصولهم المحتملة في هذا البلد. كما يتم منع دخول هؤلاء الأشخاص إلى كندا.

من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، خلال بيان لها، إن "المواطنين الإيرانيين يخاطرون بأرواحهم، لأنهم تحملوا وقتا طويلا للغاية نظام حكم قمع إنسانيتهم وانتهكها. سنواصل دعم شعب إيران ما دام يطالب بمستقبل أفضل بكل شجاعة".

وفي سياق متصل، أدان المستشار الألماني أولاف شولتز، "العنف غير المتناسب لقوات الأمن" الإيرانية ضد المحتجين، وقال في تغريدة على تويتر في 31 أكتوبر إن "عقوبات الاتحاد الأوروبي مهمة، نحن بصدد درس إجراءات إضافية".

وكان المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبشترايت، قد صرح في اليوم نفسه أن ألمانيا تدين "بأشد العبارات" الحملة العنيفة التي شنتها قوات الأمن الإيرانية على المحتجين والصحفيين، مؤكدا ترحيب بلاده بالعقوبات الإضافية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على إيران.

يأتي هذا بعدما أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في 30 أكتوبر، أن بلادها والاتحاد الأوروبي يدرسان كيفية إدراج الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية.

وعلى الوتيرة ذاتها، أكد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي أن واشنطن "لن تضيع الوقت" في محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، مضيفا أنه سيتم تطبيق "مزيد من العقوبات" على النظام؛ وأن الولايات المتحدة ستتخذ المزيد من الخطوات في المحافل الدولية.

وقال مالي خلال مقابلة مع مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، في 31 أكتوبر، إن "إدارة جو بايدن تتابع حاليا قمع المتظاهرين في إيران، ودعم نظام طهران للحرب الروسية في أوكرانيا، ومواقف إيران بشأن برنامجها النووي، ولن تهدر الإدارة وقتها لإحياء الاتفاق النووي".

عقوبات مقابلة

وردا على التصريحات الغربية، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في 31 أكتوبر، إنّ "الحرس الثوري الإيراني، مؤسسة رسمية، وأي خطوة لفرض ألمانيا عقوبات عليه أو وضعه على قوائم الإرهاب، ستكون غير قانونية".

وأعرب كنعاني في بيان عن أمله في أن "تركز الحكومة الألمانية والحكومات الأخرى على تداعيات إجراءاتها غير البناءة وأن لا تضحي بمصالحها المشتركة من أجل المصالح السياسية العابرة والقرارات العاطفية".

وادعى أن فرض عقوبات على وكالات الأنباء الإيرانية: "تسنيم"، و"فارس"، و"نور نيوز"، وصحيفة "كيهان"، إضافةً إلى الرئيسين الحالي والسابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية وأحد مراسليها، "تصرف عنصري".

وقبل ذلك وردا على عقوبات أوروبية سابقة، ذهبت إيران إلى اتخاذ ذات الإجراءات، فقد أعلنت فرض عقوبات على 8 مؤسسات و12 فردا في الاتحاد الأوروبي، بسبب "دعم الإرهاب والعنف" على أراضيها، في إشارة إلى الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية، إنه "وفقا لموافقات السلطات المختصة وآليات التعامل بالمثل، فإنّ المؤسسات والأشخاص التالية أسماؤهم في الاتحاد الأوروبي قد وضعوا على قائمة العقوبات لقيامهم بدعم الإرهاب والعنف والتحريض عليهما ونشر الكراهية التي تسببت بأعمال شغب وعنف ضد الشعب الإيراني".

وتضمنت القائمة التي نشرتها الخارجية الإيرانية خلال بيان في 26 أكتوبر، ثماني مؤسسات، من بينها شبكة "دويتشه فيله بالفارسية"، و12 فردا في الاتحاد الأوروبي بينهم رئيس تحرير صحيفة "بيلد" الألمانية وأعضاء في البرلمان الأوروبي.

بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إنّ هذه الكيانات والشخصيات التي فرضت إيران عقوبات عليها، "شجعت على تنفيذ عمليات الاغتيال وممارسة العنف والتطرف خلال الأحداث التي شدتها إيران أخيرا".

وحذر خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البيلاروسي فلاديمير ماكي بالعاصمة طهران في 26 أكتوبر، الاتحاد الأوروبي من "تكرار السير في الطريق السابق الخاطئ وغير البناء".

وكانت طهران فرضت عقوبات على 13 شخصا و7 مؤسسات بريطانية، منها شبكة "إيران إنترناشيونال، و"بي بي سي" الناطقة بالفارسية، بذريعة "جرائم التحريض على الاغتيالات وأعمال العنف والتطرف في البلاد، خلال الأسابيع الماضية"، بحسب تصريح لوزير الخارجية الإيراني.

وتأتي هذه الإجراءات، بعد أسبوع من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد إيران شملت 11 مسؤولا و4 مؤسسات رسمية، ولا سيما شرطة الأخلاق، وقسم الأمن السيبراني في حرس الثورة، ووزير الاتصالات، وقائد قوات التعبئة الشعبية، وشملت 97 فردا و8 كيانات.

ومطلع أكتوبر، أكد أمير عبد اللهيان أن "إيران سترد على الاتحاد الأوروبي إذا اتخذ "إجراءً سياسياً متسرعا مبنيا على أساس التهم الباطلة في قضية وفاة الشابة مهسا أميني، وإذا كان يشجع مثيري الشغب الذين استهدفوا أرواح الشعب الإيراني وأمواله".

خطر محدق

وبخصوص مدى تأثر النظام الإيراني بالعقوبات التي يفرضها الغرب، قال مدير "المركز العربي للدراسات الإيرانية" محمد صالح صدقيان إن "طهران تمتلك مصادر قوة حقيقية على المستويين الداخلي والخارجي مكنتها من الحفاظ على تماسكها، وردع الخطط الأجنبية، وظهورها بحجم قوة إقليمية لا يستهان بها".

وأضاف خلال حديث لموقع "الجزيرة نت" في 31 أكتوبر، أن "القوة العسكرية الإيرانية تبرز على رأس سلم عناصر قوتها الداخلية، يليها بناء اقتصاد يعتمد على المصادر الذاتية، إلى جانب مصادر القوة الأمنية والعلمية والاجتماعية"، مستدركا أن "بلاده ما زالت تدفع ضريبة عناصر قوتها والأجندة التي تعمل من أجل تنفيذها".

وأوضح أن مصادر قوة طهران الخارجية تستند إلى تطلعاتها خارج الحدود "التي ترمي إلى سد الفراغ السياسي والأمني والعسكري الذي خلفته الحرب الباردة في المنطقة"، مبينا أن طهران تعتقد بضرورة خروج القوات الأميركية من المنطقة وبناء نظام أمني إقليمي بمشاركة دول المنطقة.

وبحسب رأي صدقيان، فإن موقع إيران الجغرافي أحد أبرز مرتكزات قوتها؛ حيث تطل على بحر قزوين من الجهة الشمالية وعلى المياه الخليجية من الجنوب، معتقدا أن موقعها الجيوسياسي يؤهلها للعب دور مهم في المنطقة وضمان مكتسباتها ومواجهة العقوبات التي تريد النيل منها.

وادعى أن لحلفاء إيران في الخارج والمنظمات التي انضمت طهران إليها -مثل منظمتي شنغهاي للتعاون وأوراسيا- وعزمها الانضمام إلى مجموعة بريكس؛ دور في تعزيز مرتكزات قوتها الاقتصادية والالتفاف على العقوبات الدولية.

لكن صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، كانت قد نقلت عن السفير الإيراني السابق في فرنسا، أبو القاسم دلفي، في 18 أكتوبر، قوله إن الخطر الذي يحدق في إيران يأتي من زاوية دعم روسيا ضد أوكرانيا، أكبر من خطر العقوبات المفروضة حديثا بسبب "انتهاكات حقوق الإنسان".

وأوضح الدبلوماسي الإيراني السابق أن اعتماد إيران لغة التهديد للتعامل مع الضغوط والعقوبات الأوروبية لن يأتي بنتائج مطلوبة بالنسبة لطهران، فهذه الدول كما هو الحال عندنا- يضيف السفير- لا تقبل التهديد من طرف آخر، مؤكدا أن الأوضاع الجارية في إيران تحتم على النظام الابتعاد عن التصعيد مع الدول الأوروبية.

وأشارت الصحيفة الإيرانية إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على طهران بسبب موضوع إرسالها طائرات مسيرة لروسيا، لافتا إلى إن الأوروبيين يعدون أعمال إيران انتهاكا لقرار 2231 للأمم المتحدة.

تأثير العقوبات

وفي ذات النقطة التي أشارت إليها الصحيفة الإيرانية، يرى الباحثان في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، هنري روم ولويس دوجيت، خلال مقال لهما نشره المعهد في 29 أكتوبر أنه "من المحتمل إعادة فرض عقوبات قديمة للأمم المتحدة على إيران".

وأكدا أنه خلال الأسابيع الأخيرة، بحثت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، انتهاك إيران لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي يشكل ركيزة "خطة العمل الشاملة المشتركة"، إثر بيعها لطائرات مسيرة إلى روسيا لكي تستخدمها ضد أوكرانيا.

 وقد دفعت هذه الإجراءات، إلى جانب الأزمة الدبلوماسية المستمرة بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، بالبعض إلى اقتراح "إعادة فرض العقوبات"، وهو بند من شأنه أن يعيد تفعيل قرارات الأمم المتحدة التي أوقف العمل بها بشأن إيران، ويلغي بشكل أساسي "خطة العمل الشاملة المشتركة".

وأكد الكاتبان أنه جرى إعداد البند ذي الصلة ضمن القرار رقم 2231 للسماح للأمم المتحدة باستئناف فرض العقوبات على إيران في حال "إخلالها بشكل واضح بالالتزامات المفروضة عليها بموجب (خطة العمل الشاملة المشتركة)". ويمكن "لأي دولة مشاركة" أن تعيد تفعيل هذا البند.

وأشار المقال إلى أنه جرى تصميم عملية إعادة فرض العقوبات لتجنب ضرورة توافق الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (أميركا، وبريطانيا، والصين، وفرنسا، وروسيا).

وفي حال إعادة تفعيل هذا البند، فستدخل ستة قرارات سابقة صادرة عن مجلس الأمن ترتبط بإيران حيز التنفيذ: 1696 (2006)، و1737 (2006)، و1747 (2007)، و1803 (2008)، و1835 (2008)، و1929 (2010).

وأكد الكاتبان أن الآثار المحددة لذلك ستشمل إعادة العمل بالحظر الذي انتهت صلاحياته الذي فرضته الأمم المتحدة على الأسلحة والذي منع الدول من تزويد أو بيع أو نقل معظم المعدات القتالية إلى إيران وحظَرَ على طهران تصدير أي أسلحة.

وحسب المقال، فإن القرارات المفعلة مجددا ستساهم في فرض ضوابط على التصدير وحظر على السفر وتجميد الأصول وقيود أخرى على الأفراد والكيانات والمصارف المنخرطة في بعض الأنشطة النووية والصاروخية الإيرانية. وسيُطلب من الحكومات الوطنية و"الاتحاد الأوروبي" دمج هذه التصنيفات في قوانينها.

وأوضح الكاتبان أنه "إذا جرى إعادة فرض العقوبات مجددا، فمن المرجح أن يكون الأثر الاقتصادي الناتج عن هذه الخطوة على إيران هامشيا، لأن طهران تواجه أساسا مجموعة من العقوبات الثانوية الأميركية التي هي أكثر شمولا وإضرارا مما تم تحديده في قرارات مجلس الأمن السابقة".

وخلص مقال "معهد واشنطن" إلى أن "رد فعل إيران سيتمثل في إظهار قدرتها على المقاومة والصمود، سواء بوضع مزيد من القيود على عمليات التفتيش، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 بالمئة، أو تكون على شكل هجمات مزعزعة للاستقرار أو مصادرة سفن في مضيق هرمز، بالإضافة إلى تصعيد من جانب الوكلاء في العراق ولبنان وسوريا واليمن".