انتفت حجة استمراره.. لماذا تمدد حكومة أخنوش "الطوارئ الصحية" بالمغرب؟
رغم تحسن الأجواء الصحية وعودة الحياة اليومية إلى طبيعتها بشكل كامل في المغرب، تستمر حكومة عزيز أخنوش في تمديد حالة "الطوارئ الصحية" بشكل أثار استغراب واستياء شخصيات وهيئات سياسية ومدنية.
وطرح الشارع تساؤلات حول خلفيات تمديد الحكومة لحالة الطوارئ الصحية، وهل له علاقة بتخوفات من تدهور الحالة الصحية أم أن الأمر تحول لورقة لـ"الضبط" الأمني والمجتمعي وتبرير بعض الإجراءات الحكومية "اللاشعبية".
قرار غير واقعي
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قرر مجلس الحكومة تمديد مدة سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية في البلاد من 31 أكتوبر إلى غاية 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وذلك في إطار الجهود المبذولة لمكافحة تفشي جائحة فيروس كورونا.
وأوضح الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال ندوة صحفية، أن "القرار يهدف إلى تمديد مدة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، للاستمرار في ضمان فعالية ونجاعة الإجراءات والتدابير المناسبة المتخذة من طرف السلطات العمومية للحد من تفشي كورونا".
ويقضي مرسوم حالة الطوارئ بمنح صلاحيات لولاة الجهات والأقاليم (محافظين)، في ضوء المعطيات المتوافرة عن الحالة الوبائية السائدة على مستوى عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، مع اتخاذ جميع التدابير الإجرائية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي.
وبمقتضى حالة الطوارئ الصحية، كان يتم اتخاذ تدابير استثنائية بالمغرب، أبرزها الإغلاق الليلي وفرض حظر التجوال ومنع التنقل بين المدن ما لم يتوافر جواز التلقيح (وثيقة تثبت تلقي التلقيح المضاد لكورونا).
وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قررت الحكومة المغربية رفع حظر التجول الليلي في عموم البلاد، وذلك انعكاسا لتحسن الوضع الوبائي بالمملكة، دون إنهاء حالة الطوارئ.
استمرار حكومة أخنوش في تمديد "الطوارئ الصحية" يأتي رغم أن حالات كورونا تراجعت بشكل كبير، كما أن الحياة اليومية ومختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عادت إلى وضعها ما قبل الجائحة التي بدأت في مارس/آذار 2020، مما دفع العديد من الأصوات للمطالبة بإلغاء مرسوم الطوارئ.
الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية (معارضة)، دعت الحكومة إلى وقف تمديد سريان "حالة الطوارئ الصحية".
عدت الأمانة العامة للحزب، عبر بيان في 17 أكتوبر 2022، أن حالة الطوارئ الصحية "لم تعد منسجمة مع عودة الحياة اليومية ومختلف الأنشطة إلى وضعها قبل الجائحة ومع قرار السلطات برفع كل القيود الصحية التي كانت مفروضة عند دخول التراب الوطني".
رسالة ملكية
بدوره، عد الإعلامي والباحث في التواصل السياسي والعلوم السياسية، عبد الصمد بنعباد، أن "من بين أهم رسائل الحفل الديني الذي ترأسه الملك محمد السادس احتفالا بذكرى المولد النبوي، أنه لم تكن فيه لا كمامة ولا تباعد ولا إجراءات احترازية؛ حيث كان الملك يسلم على الناس بدون كمامة ويطيل الحديث معهم".
وفي 8 أكتوبر 2022، ترأس الملك محمد السادس، في مسجد حسان بالعاصمة الرباط، حفلا دينيا إحياء لليلة المولد النبوي الشريف.
وعد بنعباد، في فيديو عبر يوتيوب تحت عنوان "المولد النبوي.. رسائل الدخول السياسي للملك من بوابة دينية"، أن جميع الإجراءات "التي تم إفرازها بسبب كورونا ألغاها الملك في الحفل الديني بمناسبة ذكرى المولد".
وأضاف بنعباد، في الفيديو المنشور في 12 أكتوبر 2022، أن "الملك بصفته أميرا للمؤمنين يوجه السلطة التنظيمية للحكومة حتى تلغي حالة الطوارئ الصحية".
وتابع: "لقد انتصرنا على جائحة كورونا صحيا وقاومناها اقتصاديا وبحثنا عن حلول لمواجهتها، لكن اجتماعيا ما زال قانون الطوارئ الصحية يقيد المجتمع المغربي".
وأكد أنه "جاء الوقت لكي تزول هذه الطوارئ الصحية نهائيا ويزول معها كل ما ترتب عنها من قرارات وقواعد وغيرها"، وبالتالي "ينبغي أن تزول كورونا وتبعاتها وأن تصبح من الماضي".
وخلص بنعباد إلى أن "هذا هو التوجيه الذي يدل عليه ترؤس الملك لحفل ديني دون اتخاذ أي إجراءات احترازية متعلقة بجائحة كورونا".
وأشار إلى أن الجميع ينتظر تفاعل الحكومة مع هذا التوجيه لإلغاء الطوارئ الصحية وتفاعل البرلمان بإصدار تشريعات تلغي ما ترتب عنها من قواعد صحية.
وسجل بنعباد، أنه "لا نريد البرلمان أن يدخلنا في متاهة ما جرى سابقا من حرب منع بعض البرلمانيين من دخول البرلمان بسبب عدم التلقيح من قبيل ما وقع لرئيسة الحزب الاشتراكي الموحد (معارض)، نبيلة منيب".
وفي أبريل/ نيسان 2022، احتج الحزب الاشتراكي الموحد، على عدم السماح بدخول رئيسته إلى مقر البرلمان، قبل حصولها على جواز تلقيح كورونا، وعد المنع "خرقا واضحا للدستور".
ومنذ أكتوبر 2021، أصدرت الحكومة قرارا بإبراز وثيقة "جواز التلقيح" شرطا لدخول المؤسسات العامة والخاصة والتنقل بين أرجاء البلاد، الأمر الذي أثار احتجاجات رافضة للتطعيم الإجباري.
وبعد ذلك، لم تعد المؤسسات تطلب من المواطنين هذه الوثيقة، خصوصا في ظل التراجع الملحوظ لعدد الإصابات بالفيروس.
ضبط وتحكم
ورغم تحسن الأجواء الصحية بالمغرب وتراجع تسجيل إصابات بكورونا بشكل كبير، إلا أن حكومة أخنوش ما زالت مصرة على تمديد سريان مفعول حالة الطوارئ.
ويتخوف المواطنون من عدم استجابة حكومة أخنوش لمطالب إلغاء "الطوارئ الصحية" الذي لم يعد منسجما مع عودة الحياة اليومية إلى طبيعتها، لأن استمرارها يعد "ورقة للتضييق" على الأفراد والهيئات المعارضة لقراراتها.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالعاصمة الرباط، محمد غزالي، قال إن "تمديد سريان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب يعود بالأساس إلى التخوف من عودة الوباء إلى الوضعية التي يعرف فيها انتشارا كبيرا".
واستدرك غزالي، موضحا لـ"الاستقلال"، أن "هذا الإجراء الاحترازي لا يمنع الحكومة من استغلاله للتضييق على بعض الفعاليات الشعبية، ومنع بعض التجمعات والتظاهرات التي لا ترضى عنها".
ولفت إلى أن "الحكومة لا تعدم الوسائل للضبط الأمني والمجتمعي، والدولة المغربية متمرسة في هذا الاتجاه".
مع ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية، غالي، أن تمديد حالة الطوارئ "غايته تقنية، وهي تفادي تبعات انتشار كبير للوباء".
وأوضح أنه "من الناحية القانونية يمكن للحكومة اعتماد هذا الإجراء في فترات محددة ومجالات ترابية (مناطق) محددة، وليس تطبيق الإجراء على مدى شهور وفي كل أنحاء المملكة".
واستطرد: "بمعنى أن يكون هناك تدبير واستخدام دينامي يراعي تطور الحالة الوبائية في زمان ومجال ترابي محدد".
وسجل غزالي أنه "في حالة تجاوز الدولة واستغلال حالة الطوارئ في غير محلها فلدينا قضاء إداري متقدم ومتمرس ونزيه يمكنه إيقاف كل إجراء من هذا القبيل".
من جانبه، يرى القيادي بحزب العدالة والتنمية، حسن حمورو، أنه "مع تحسن الوضعية الوبائية، والذي أشر عليه افتتاح الملك للسنة التشريعية الجديدة حضوريا (في 14 أكتوبر)، بعد سنتين من الافتتاح عن بعد، يبدو أن الحكومة مطالبة بوقف العمل بقانون الطوارئ، من خلال إلغائه وعدم تمديد العمل به".
وقال حمورو لـ"الاستقلال"، إنه "على الحكومة أن تنتقل، ولو متأخرة، للعمل بمقاربة المسؤولية عوض مقاربة الضبط والتحكم".
وتابع: "المواطنون ناضجون بما يكفي، ويقدرون المصلحة العامة، وقد ساهموا جميعا في مواجهة الجائحة وصبروا على تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية التي ما تزال قائمة".
وطالب حمورو، حكومة أخنوش بـ"تقدير المواطنين ووقف العمل بقانون الطوارئ الصحية، الذي يحد من الحرية، ويجعله بعض المسؤولين في السلطة مطية لممارسة التضييق".
وعد أن "الوضعية الوبائية اليوم أصبحت مستقرة، وحملة التلقيح مستمرة، وقد بلغت نسبة الملقحين حوالي 70 بالمئة (الجرعة الأولى)".
وخلص حمورو، إلى أنه "من الناحية الصحية لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار تمديد العمل بقانون الطوارئ، ومن شأن وقف العمل به أن يبعث إشارات إيجابية للمواطنين، وكذا المستثمرين المغاربة والأجانب".