عداء مزدوج.. هكذا سيتأثر مسلمو بريطانيا بوصول رئيس وزراء هندوسي

عقب استقالة رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد 44 يوما فقط في الحكم، تولى منصبها في رئاسة حزب المحافظين والحكومة منافسها السابق الهندوسي ريشي سوناك.
رئيس الحزب ورئيس الوزراء الجديد هو أول بريطاني من أصل آسيوي وهندي ويدين بالهندوسية يجمع بيده مقاليد حكم المملكة المتحدة.
لكن هذا الصعود الذي يمثل سابقة في تاريخ بريطانيا، يضاعف أيضا معاناة المسلمين هناك، إذ يجمع سوناك (42 عاما) في شخصيته بين إسلاموفوبيا حزب المحافظين الحاكم والعداء الهندوسي للمسلمين.
أول هندوسي
بعد أن كانت الهند مستعمرة بريطانية وتحت حكم الإنجليز، مرت دائرة الأيام ليحكم المملكة المتحدة رئيس وزراء من أصل هندي وهندوسي.
واحتلت بريطانيا الهند من عام 1858 حتى 1947، وهاجر أجداد سوناك من الهند أولا إلى شرق إفريقيا، ثم هاجر والداه في ستينيات القرن العشرين إلى إنجلترا.
ومن أجل استلام هذا المنصب لعب سوناك، الذي عمل سابقا مصرفيا ومستشارا ماليا ووزيرا للخزانة، على وتر الاقتصاد، في ظل معاناة البريطانيين من أوضاع اقتصادية سيئة فاقمتها خطة رئيسة الوزراء المستقيلة ليزا تراس الاقتصادية الفاشلة.
وعبر سوناك عن ذلك في تغريدة كتبها للبريطانيين قبل التصويت لانتخابه، قال فيها: "نواجه أزمة اقتصادية عميقة، لهذا السبب أقف لأكون زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء القادم، أريد إصلاح اقتصادنا وتوحيد حزبنا وتقديم المساعدة لبلدنا".
The United Kingdom is a great country but we face a profound economic crisis.
— Rishi Sunak (@RishiSunak) October 23, 2022
That’s why I am standing to be Leader of the Conservative Party and your next Prime Minister.
I want to fix our economy, unite our Party and deliver for our country. pic.twitter.com/BppG9CytAK
واستلم سوناك حزبا منقسما ومتدني الشعبية عين 4 رؤساء وزراء في عدة سنوات، وسيقود دولة تمر بأزمة اقتصادية هي الأعنف منذ عقود، بدأت منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
وعلق زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر على فوز سوناك برئاسة الحكومة مشككا في نجاحه بالقول إن "الأسر البريطانية القلقة لم تسمع شيئا من ريشي سوناك لطمأنتها".
كما كتبت مساعدة رئيس حزب العمال أنجيلا راينر على تويتر، أن "المحافظين سلموا سوناك مفاتيح البلاد بدون أن يكون قد قال كلمة عن الطريقة التي سيحكم بها"، مضيفة "لم يصوت أحد على هذا الأمر".
فيما أكد حزب العمال أن "الوضع الاقتصادي المتردي لن يتغير مع سوناك، ويجب إجراء انتخابات عامة في أقرب وقت"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية في 24 أكتوبر.
ويتعين على سوناك تهدئة الأسواق المضطربة منذ إعلان خطة حكومة تراس نهاية سبتمبر/ أيلول 2022، وكذلك المواطنين الذين يئنون من ارتفاع الأسعار مع تجاوز التضخم 10 بالمئة.
وينبغي عليه أيضا توحيد الحزب المنقسم منذ سنوات، قبل عامين فقط من الانتخابات التشريعية 2024.
فرحة هندوسية
رحبت صحف الهند بتولي سوناك رئاسة وزراء بريطانيا، ووصفته صحيفة "تايمز أوف إنديا" في 24 أكتوبر، بأنه "الهندوسي الفخور"، منوهة إلى أنه "أول رئيس وزراء هندوسي في المملكة المتحدة".
وقالت إنه "أول شخص من أصل هندي يؤمن بالهندوسية يقود بريطانيا"، مؤكدة أنه "هندوسي متدين ومعتاد على الذهاب إلى المعبد للصلاة".
ولفتت إلى أن سوناك سبق وأن قال علانية إنه "على الرغم من كونه مواطنا بريطانيا، إلا أنه يظل هندوسيا فخورا، وأنه أقسم على "البهاغافاد غيتا" (الكتاب المقدس للهندوس) بعد فوزه في انتخابات 2017.
رئيس حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم في الهند بولاية تيلانجانا "باندي سانجاي كومار"، رحب أيضا بانتخاب سوناك رئيسا لوزراء بريطانيا، مؤكدا أن ذلك يعني "مزيدا من القوة للهند" في الشؤون الدولية.
True essence of #AmritKaal, as Indian Origin Rishi Sunak becomes the Prime Minister of former colonizer United Kingdom. #AzaadiKaAmritMahotsav celebrations continue ���� More power to India. pic.twitter.com/aCtNnlo96A
— Bandi Sanjay Kumar (@bandisanjay_bjp) October 24, 2022
أيضا وصفته صحيفة "الغارديان" البريطانية في 24 أكتوبر بأنه "أول هندوسي ملون ملتزم بتعاليم دينه يرأس حكومة بريطانيا".
وكانت قد كشفت صحيفة "التايمز" في 22 يوليو/ تموز 2022 أن "سوناك عندما كان وزيرا للمالية أشعل الشموع بمناسبة عيد هندوسي يدعى (ديوالي) على عتبة الباب رقم 11 بمقر رئاسة الوزراء (داونينج ستريت) رغم قيود كورونا وقتئذ".
سوناك نفسه قال لهيئة الإذاعة البريطانية في 2019، إن هذه الهوية مهمة بالنسبة له، وأكد أنه يذهب للمعبد في عطلة نهاية الأسبوع.
وكان لافتا أن "مجموعة أصدقاء إسرائيل" في المملكة المتحدة التي تسعى إلى نقل السفارة البريطانية من تل أبيب إلى القدس، بفوز سوناك، مؤكدة أنه "صديق مخلص لإسرائيل والجالية اليهودية".
CFI would like to congratulate @RishiSunak on his election as leader of the Conservative Party, a staunch friend of Israel and the UK’s Jewish community. We were pleased to host him for a Q&A with CFI supporters in August and look forward to working with him as Prime Minister. pic.twitter.com/BSd736vplO
— CFoI (@CFoI) October 24, 2022
معاد للمسلمين
وإلى جانب أفكاره الهندوسية المعادية للإسلام، يعد ريشي سوناك من أهم مسؤولي حزب المحافظين البريطاني الذين يركزون على ملف التطرف، بحسب ما ذكر موقع "هيتش" البريطاني في 21 يوليو 2022.
وتعهد سوناك في حملته الانتخابية قبل شهرين بالتخلص من المنظمات التي تروج للتطرف في المملكة المتحدة وإعادة إحياء برنامج حكومي يهدف إلى "معالجة التطرف"، لا سيما الإسلامي، حسبما ذكر موقع "ديكان هيرالد" في 3 أغسطس/ آب 2022.
وقال سوناك: "سأفعل كل ما يتطلبه الأمر لمضاعفة جهودنا للتصدي للتطرف الإسلامي واستئصال أولئك الذين يتحدثون بصوت عال في كراهيتهم لبلدنا".
وخلال انتخابات الحزب توعد سوناك بالتضييق على من سماهم "المتطرفين الإسلاميين" دون أن يحدد من يقصد، وتجاهل مطالبة المسلمين له بإدانة "الإسلاموفوبيا".
وهو ما أكده الناطق باسم "مجلس مسلمي بريطانيا" مقداد فيرسى، في مقال بصحيفة "الغارديان" في 3 أغسطس.
ورفض سوناك الرد على رسالة قدمها له نشطاء مدنيون ونواب برلمانيون بشأن خطته لمكافحة الإسلاموفوبيا، التي تنغص على مسلمي بريطانيا حياتهم، وتزايدت مؤخرا، وفق صحيفة "الإندبندت" في 4 أغسطس.
وأصدر فريق حملة Ready4Rishi (جاهزون لريشي) تفاصيل ما أطلق عليه "الخطط الطموحة" للتصدي للتطرف الإسلامي وحماية المملكة المتحدة من الإرهاب حال فوز سوناك، مشيرا لأنه سيقوم أيضا بفصل الإرهابيين المسلمين عن بقية نزلاء السجون.
ورغم أنه من أصول هندية مهاجرة لبريطانيا، وقف سوناك بقوة مع قوانين الهجرة واللاجئين، وكان دائما من مؤيدي أي قانون يقلص أعداد المهاجرين للبلاد، ويتشدد في موضوع استقبال اللاجئين، ومنهم مسلمون من الهند وباكستان ودول عربية.
وخلال قيادته لوزارة الخزانة التي تعد ثاني أهم وزارة بعد رئاسة الوزراء، منح كثيرا من التمويل لكل الجهود المبذولة لمنع وصول اللاجئين عبر البحر لبريطانيا.
وعد سوناك بـ"تحديد المؤهلين" للحصول على حق اللجوء، ووضع "حدا أقصى سنويا" لأعداد اللاجئين الذين يدخلون بريطانيا، واصفا سياسة الهجرة في بريطانيا بأنها "فوضوية"، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية في 27 يوليو/تموز 2022.
"إسلاموفوبيا المحافظين"
وتوجه كثير من التهم لحزب المحافظين بأنه حزب "غير صديق" للمسلمين في بريطانيا، وهناك اتهامات بأنه يغطي على تنامي الإسلاموفوبيا داخل صفوفه.
ومنذ سنوات، يحذر المسلمون من تصاعد ما يسمونه "إسلاموفوبيا المحافظين" حيث تتصاعد الكراهية بشكل غير عادي داخل الحزب الحاكم مقابل التعاطف مع الكيان الصهيوني.
وفي 25 مايو/ أيار 2021 وجد تقرير أعده عضو المحافظين "سواران سينغ" أن الحزب سجل 1400 شكوى بشأن 727 حادثة تمييز في الفترة بين 2015 وحتى 2020، ثلثاها تمييز ضد المسلمين (إسلاموفوبيا)، بحسب صحيفة إندبندنت.
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن 7 من كل 10 مسلمين في بريطانيا، بنسبة 44 بالمئة يتعرضون لممارسات الإسلاموفوبيا في أماكن عملهم، في المقابل أشارت نتائج استطلاع الرأي نفسه إلى زيادة اندماج المسلمين في المجتمع البريطاني.
وأجرى الاستطلاع موقع "Hyphen" الذي يركز على قضايا المسلمين في بريطانيا وأوروبا، في الفترة بين 22 أبريل/نيسان و10 مايو/أيار 2022، وشارك فيه 1503 مسلمين، 700 منهم تتراوح سنهم بين 18 و24 سنة.
وواجه حزب المحافظين الحاكم طيلة السنوات الأخيرة انتقادات على خلفية تورط عدد متزايد من مسؤوليه في وقائع متعلقة بظاهرة الإسلاموفوبيا.
وحين استقال رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون تمنى المجلس الإسلامي البريطاني في 7 يوليو 2022 عبر أمينته العامة "زارا محمد" أن يكون خليفته أقل عداء للإسلام وينهي حالة الكراهية للمسلمين بين قرابة نصف أعضاء الحزب.
وانتقد الناطق باسم "مجلس مسلمي بريطانيا" مقداد فيرسى، في مقال بصحيفة "الغارديان" في 3 أغسطس 2022 سياسة "سوناك" في هذا الموضوع.
واتهمه بأنه "يريد معاقبة الشخص الخطأ، عبر توسيع تعريف التطرف، ولن يكون ضحايا لهذه السياسة الجديدة غير المسلمين البريطانيين العاديين".
وقبل أن يصبح رئيسا للوزراء، سخر جونسون من النساء المسلمات، ما تسبب في تصاعد الهجمات المعادية للإسلام، ومع ذلك اختاره حزب المحافظين كزعيم، ما أكد انتشار الإسلاموفوبيا داخل الحزب وفي السياسة البريطانية بشكل عام.
وفي عهده، اشتكت الوزيرة البريطانية المسلمة نصرت غني من إقالة الحكومة لها من منصبها كوزيرة الدولة للنقل لكونها مسلمة بدعوى "شعور زملائها بعدم الارتياح"، بحسب الإندبندنت.
وذكرت صحيفة "ذا ناشيونال نيوز" في 27 يوليو 2022، أن "استطلاعات الرأي أظهرت أن أكثر من نصف أعضاء حزب المحافظين يعتقدون أن الإسلام يشكل تهديدا على القيم البريطانية".
وأشارت العديد من التقارير والإحصائيات طيلة السنوات الأخيرة إلى أن جونسون وحزبه ساهما بشكل كبير في جعل كراهية المسلمين ظاهرة مقبولة اجتماعيا حيث أصبحت أكثر انتشارا من معاداة السامية.
ودعا "منتدى المسلمين المحافظين" على مدار السنوات الماضية إلى إجراء تحقيق مستقل في مظاهر الإسلاموفوبيا والتعصب ضد المسلمين في حزب المحافظين، لكن دون جدوى.