سابقة في تركيا.. موقع بريطاني: انفتاح أردوغان على العلويين مفيد للطرفين
سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على نتائج المبادرة التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص الطائفة العلوية في بلاده.
وأوضح الموقع أن المبادرة، التي تهدف إلى تمكين الطائفة العلوية بالبلاد، أثارت ردود فعل متباينة داخل المجتمع التركي، لكنها بلا شك تعزز الحريات وحقوق الإنسان.
مبادرة خدمية
وأوضح الموقع أن المبادرة، التي أعلنت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تسعى إلى إنشاء رئاسة مرتبطة بوزارة الثقافة باسم "رئاسة الثقافة العلوية البكداشية وبيوت الجمع"، وسيكون من مهامها إدارة بيوت الجمع التي هي دور العبادة للعلويين، وتقديم الخدمات لها.
وقال أردوغان، إن ذلك سيشمل تقديم الخدمات لدور الجمع من المياه والبناء والترميم، وحل المشاكل المتعلقة بالإعمار، إضافة إلى تخصيص راتب للقائم على بيوت الجمع يحدد من العلويين وتقدمه الدولة، وعد أن هذه الخطوات تأتي في سبيل تعزيز الديمقراطية والإصلاح والحريات.
وذكرت الأكاديمية في جامعة ويليام وماري الأميركية أيفر كاراكايا ستامب، وهي تدرس تاريخ المجتمع الديني للعلويين، أنه "بموجب هذه الخطة، فإنه سيتعامل مع العلوية على أنها معتقد ثقافي وليس دينيا مع أتباع ممارسين لشعائره".
ورأى الموقع أن "الحكومة التركية تروج بفخر للمبادرة قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو/ حزيران 2023، إذ قال الرئيس أردوغان: "أعتقد أن هذه واحدة من أهم محاولات الإصلاح في تاريخنا".
وأضاف أردوغان أن "مجموعة من الخبراء زاروا 1585 بيت جمع، ولاحظوا المشكلات والصعوبات التي يواجهها العلويون".
وذكر الموقع البريطاني أن تقديرات حجم السكان العلويين في تركيا تتراوح بين 10 و 20 مليونا، وبذلك يعدون ثاني أكبر طائفة دينية بعد الأغلبية المسلمة السنية.
وحسب "ستامب"، فإن الغالبية العظمى من العلويين يعيشون اليوم حياة علمانية ويعدون العلوية أساسا انتماءا ثقافيا وليس دينيا.
ومن المفترض أن تتكون المؤسسة الجديدة التي أعلن عنها أردوغان، من رئيس واحد وعشرة أعضاء، إما أن يكونوا علويين أو أشخاصا على دراية بالعلوية، كما أن دفع رواتب لكبار السن من الطائفة إذا احتاجوا لذلك ستكون إحدى مهامها.
سابقة تاريخية
وفي أغسطس/ آب 2022 زار أردوغان، ولأول مرة منذ 20 عاما، بيت جمع للعلويين في أنقرة، وتناول الطعام مع مخاتيرهم بمناسبة يوم عاشوراء.
وفي وقت لاحق من الشهر نفسه زار أردوغان للمرة الأولى زاوية ومتحف المتصوف الشهير "الحاج بكتاش ولي" بولاية نوشهير وسط البلاد، على هامش مشاركته في إحياء الذكرى السنوية الـ751 لوفاة المتصوف، صاحب الشهرة الواسعة في تركيا.
واحتفى وزير المالية والخزانة السابق لطفي ألوان، بحكومة أردوغان كحام للحريات الدينية، قائلا إن "حوالي 80 إلى 90 بالمئة من بيوت الجمع في البلاد بنيت خلال الحكومات المتعاقبة لحزب العدالة والتنمية منذ عام 2002".
علاوة على ذلك، صرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو لوسائل إعلام محلية، في أغسطس 2022، أن وزارته بدأت في ترقية المواطنين العلويين إلى مناصب عليا إدارية وشرطية.
ورأى الموقع البريطاني أن تصريحات أردوغان تسببت في ردود فعل مختلفة داخل المجتمع العلوي، الذي يفتقر إلى قيادة موحدة، إذ يوجهه المئات من المخاتير في مناطق مختلفة.
من جانبه، انتقد رئيس "جمعية بير سلطان عبدال الثقافية" جمعة إرتشي، المبادرة الرئاسية، قائلا إن "مشكلتنا ليست دفع الفواتير أو تلقي مساعدات من ميزانية الدولة"، ومضيفا أن "الرئيس هبط بالعلويين إلى مستوى اللون الثقافي في المجتمع وجزء ثانوي من المذهب السني".
في المقابل، أيد الناشط العلوي محمد علي أيلديز، مبادرة أردوغان تجاه العلويين، لكنه في الوقت نفسه أكد على استمرار مطالبهم فيما يخص الاعتراف الرسمي بدور الجمع كدور للعبادة، والقضاء على التمييز في الوظائف الحكومية، وإلغاء مواد دينية إلزامية في المدارس.
فيما يعتقد عالم الاجتماع التركي المعروف بأعماله عن العلويين في العصر الحديث، نجدت سوباشي، أن حزمة الإصلاحات الأخيرة التي أعلنها أردوغان ستكون مفيدة لكل من الحكومة والطائفة العلوية.
إذ يقول سوباشي إن "للعلويين مطالب مشروعة، ومن الجيد أن تصغي إليهم الدولة"، مؤكدا أهمية أن يكون هناك المزيد من الحوار.
تشرذم قيادي
وأردف سوباشي، الذي عمل أيضا كمستشار حكومي بارز فيما يتعلق بقضايا العلويين، أنه "مع ذلك، فإن حالة التشرذم في القيادة العلوية تجعل من الصعب إحراز تقدم سريع في هذا السياق"، مشددا على أن الدولة تبحث عن تمثيل وخطاب أكثر تماسكا من الجانب العلوي.
لكن "ستامب" اختلفت مع سوباشي قائلة إن "مطالب العلويين واضحة بغض النظر عن علاقتهم بالحكومة أو ببعضهم البعض. ومن أهم هذه المطالب هي الاعتراف ببيوت الجمع كدور عبادة وإلغاء الدروس الدينية الإلزامية في المدارس".
ورأت أنه يجب التعامل مع قضية العلويين من منظور حقوق الإنسان والحريات وليس من منظور ديني، مستنكرة أن تبني الدولة العلمانية دور جمع للعبادة.
بدوره، يرى محمد ساريغول، وهو مواطن علوي من مدينة ملاطية، شرق الأناضول، أن هناك مشكلة في قيادة المجتمع العلوي في البلاد، إذ يقول إن "العلويين المقيمين في أوروبا وأيضا القادة العلويين الآخرين كانوا يعملون من أجل مصالحهم الخاصة، بغض النظر عن ميولهم السياسية".
وأضاف: "نحن العلويين نطالب بالاعتراف بنا كمواطنين على قدم المساواة، لديهم فهمهم الخاص للإسلام. فلا نريد أن تمولنا الدولة، ولا نريد أن تكون لنا علاقات وثيقة مع أي حزب سياسي".
وتأتي هذه المبادرة الرئاسية قبل نحو 8 أشهر من انتخابات الرئاسة التركية، المزمع عقدها في 18 يونيو/ حزيران 2023، والتي سيترشح فيها الرئيس أردوغان عن "تحالف الجمهور"، الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية الحاكم، وحليفيه حزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير.
في المقابل، فإن المعارضة لم تتفق على اسم مرشحها حتى الآن، إلا أن هناك تكهنات بترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، لمنافسة أردوغان على مقعد الرئاسة. وجدير بالذكر هنا أن "كليتشدار أوغلو" ينحدر من الطائفة العلوية.