"دليل تخبط".. ديفيد هيرست: بايدن تساهل مع قاتل خاشقجي ويدفع الآن الثمن

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن الولايات المتحدة "فقدت السيطرة" على حلفائها، لا سيما في الشرق الأوسط، وفي الخليج بشكل أخص.

وأشار الموقع في مقال للكاتب الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، إلى "إستراتيجية الأمن القومي الأميركي" التي أعلنها الرئيس جو بايدن في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأوضح هيرست أن "بايدن تفاخر بقدرة بلاده على الدفاع عن الديمقراطية في جميع أنحاء العالم".

أكبر صدمة

وتوقف الكاتب عند أحد أبرز العبارات في هذه الوثيقة الجيوسياسية هي أن البيت الأبيض "يوجد طرقا جديدة مبتكرة للتعاون مع شركائه في القضايا ذات الاهتمام المشترك".

هذا البيان الأميركي، صدر بعد أيام فقط من إطلاق "أوبك بلس"، بقيادة السعودية وروسيا، أكبر صدمة لأسواق النفط في هذا القرن، من خلال خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا، وفق وصف هيرست.

ورغم تأكيد الرياض أن قرار 5 أكتوبر 2022 نابع فقط من "اعتبارات اقتصادية"، فإن الخطوة أثارت موجة غضب بين أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، الذين يهددون بتعليق مبيعات الأسلحة للمملكة لمدة عام.

علاوة على ذلك، أفاد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بأن البيت الأبيض يبحث في وقف مبيعات الأسلحة للسعودية، حيث إن 73 بالمئة من واردات المملكة من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة، فإن "هذا تهديد له ما بعده".

كما قال عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، رو خانا: "لولا الفنيون الأميركيون لما كانت طائراتهم تطير بالمعنى الحرفي للكلمة... نحن مسؤولون عن كامل قوتهم الجوية حرفيا، وما يثير إعجاب الكثيرين منا في الكونغرس هو نكرانهم لهذا الجميل".

وأكد الكاتب أن الأمر ذاته ينطبق على شركة "بي أيه إي سيستمز" البريطانية التي تزود السعودية بالطائرات وتجري أعمال الصيانة اللازمة، غير أن حكومة المملكة المتحدة تلتزم الصمت.

ويعتقد هيرست أن إستراتيجية الأمن القومي التي أعلنها بايدن، بالإضافة إلى أمور أخرى، أكدت أن الولايات المتحدة "فقدت السيطرة على حلفائها، خاصة في الخليج".

وأخذ فترة بايدن كمثال، إذ كان أحد أول القرارات التي اتخذها عند توليه منصبه هو تعيين بريت ماكغورك، الدبلوماسي الذي خدم في عهد الرؤساء السابقين، كمنسق مجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقال هيرست إن "ماكغورك معروف، أو بمعنى أصح سيء السمعة، وبالأخص بين الدوائر السياسية السنية في العراق، ناهيك عن الشيعة الموالين لإيران؛ وذلك لكونه قريبا جدا من محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية ورئيس وزرائها مؤخرا".

ويرى الكاتب أن "ماكغورك تسبب في الخلاف الأول بين ابن سلمان وبايدن حين تفاوض على اتفاق بين إسرائيل والسعودية ومصر بشأن نقل جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين".

أخطاء إستراتيجية

واستنكر الكاتب أنه "إذا كان ماكغورك يقوم بعمله، فكيف يمكن لابن سلمان أن يضع إصبعه في عيني بايدن قبل انتخابات التجديد النصفي!"، معتبرا أنها "فوضى، ليس في الشرق الأوسط الذي يتميز بعدم الاستقرار، بل هي فوضى في أروقة مجلس الأمن القومي الأميركي".

وذكر هيرست دليلا آخر على تخبط الإدارة الأميركية، وهو "تراجع بايدن عن تعهده بجعل ابن سلمان منبوذا"، بسبب قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول عام 2018.

وأكد الكاتب البريطاني أنه عندما نشر ملخص تقرير وكالة الاستخبارات المركزية حول الجريمة، والذي خلص إلى أن ابن سلمان هو من أمر بتنفيذها، أتيحت الفرصة لبايدن لوضع ثقل واشنطن وراء تحقيق تقوده الأمم المتحدة في القضية، لكنه رفض بوضوح القيام بذلك.

وأضاف هيرست منتقدا إدارة بايدن، أنها أعلنت وضع قيود على التأشيرات ضد 76 سعوديا متورطين في الجريمة، إلا أنها لم تفعل شيئا ضد الرجل الذي كان خلف العملية، وفق تأكيد أجهزتها الاستخبارية.

وأردف أنه "في النهاية كان من الطبيعي أن يفلت ابن سلمان من العقاب، والآن بايدن نفسه يدفع الثمن".

ويعزو الكاتب "سبب عدم قدرة أميركا على قيادة الديمقراطيات في العالم إلى أن مؤسستها الخارجية كانت في حالة مفاجئة دائمة منذ نهاية الحرب الباردة".

وتابع: "تفاجأت الولايات المتحدة بخسارتها لروسيا في نهاية التسعينيات، ثم تفاجأت من الدمار الذي خلفه غزوها للعراق، وتبع ذلك دهشتها من خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في ميونيخ عام 2007، حين دعا إلى الاستخدام المفرط للقوة في العلاقات الدولية".

وأكمل الكاتب أن "واشنطن تفاجأت من تدخل بوتين في سوريا بعد عام 2011، ثم مفاجأة سقوط العاصمة الأفغانية كابل في 2021، والمفاجأة القريبة هي أن قرارا إستراتيجيا أميركيا، مثل توسيع الناتو شرقا، أدى في النهاية إلى غزو بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022".

وحول السياسة تجاه الصين، أكد هيرست أن "إبعاد بكين في الوقت الذي تحتاج فيه واشنطن إلى الرئيس، شي جين بينغ، لاحتواء بوتين ومنعه من استخدام الأسلحة النووية في ساحة المعركة، وهو أمر باستطاعته فعله بكل تأكيد، ربما يكون أكبر خطأ إستراتيجي ترتكبه أميركا حاليا".

وسخر الكاتب البريطاني من السياسة الأميركية بالقول إن "الولايات المتحدة تستمر بشكل مثير للدهشة في تحليلاتها وإستراتيجيتها الخاطئة، التي تحوي الكثير من النقاط المبهمة، حتى إنه ليمكنك الآن التعويل عليها في اتخاذ القرار الخاطئ!".

ووصف هيرست السعودية والإمارات بأنهما "شركاء مشاكسون" للولايات المتحدة، وأنه لا يمكن فصل السياسة الخارجية السعودية عن شخصية حاكمها الفعلي ابن سلمان.

سياسة الألعاب

ويعتقد الكاتب أن "العلاقات الدولية بالنسبة لابن سلمان هي كألعاب الفيديو، يضغط على زر فيحصل له ما يريد، وهو كذلك في الواقع، يعتقد أنه إذا كانت لديه فكرة فيجب أن تنفذ فورا".

وشدد هيرست على أن ابن سلمان "معجب ببوتين شخصيا"، مضيفا: "أخبرتني مصادر متعددة أن مصدر إلهام فرقة النمر جاء من مقتل العميل الروسي السابق، ألكسندر ليتفينينكو، في لندن ومحاولة تسميم المعارض الروسي، سيرغي سكريبال في سالزبوري، غرب إنجلترا".

يذكر أن "فرقة النمر" كانت هي المسؤولة عن قتل وتقطيع جثة خاشقجي، كما حاولت فعل الشيء نفسه لسعد الجابري، وزير الدولة السابق ومستشار ولي العهد المعزول، محمد بن نايف.

ويرى الكاتب أن ولي العهد السعودي مندفع نحو روسيا، لكن "أستاذه الذي علمه الفن الميكافيلي الحديث، رئيس الإمارات محمد بن زايد، أكثر ذكاء".

فبخلاف تلميذه، لا يزال ابن زايد يرى أن التحالف الاقتصادي المتنامي لبلاده مع إسرائيل هو ورقته للتأثير على صانع القرار الأميركي، وقد كان سفيره في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، وليس السفير السعودي، هو من قدم ابن سلمان إلى عائلة الرئيس السابق دونالد ترامب وإلى أروقة الحكم في أميركا، بحسب هيرست.

وذكر هيرست أن ابن زايد يكره أن يملى عليه ما يجب أن يفعل، مضيفا: "أخبرني أحد المسؤولين المطلعين على العلاقات بين ابن زايد وابن سلمان أن الأخير أراد ذات مرة إنشاء سكك حديدية مغناطيسية حول الخليج، تشتغل بنظام ماغليف، ذي التكلفة الهائلة".

وقال المسؤول إن ابن سلمان وضع الخطة وأخبر الجميع بالمبلغ الذي يجب عليهم أن يستثمروه، دون التشاور معهم، وكان على الإماراتيين أن يدفعوا (160 مليار دولار) لذا كانوا غاضبين وأوقفوا الخطة.

وأكد الكاتب أن "ابن زايد يستاء من إخبار ابن سلمان له بما عليه فعله، وذلك لأنه يعتقد أنه هو من صنع ابن سلمان، ولكن في المقابل لا يتقبل الأخير علاقة يكون فيها طرفا تابعا".

وأفاد بأن "سياسة الإمارات الخارجية أكثر دقة مما هو عليه الحال في السعودية، بمعنى أن ابن زايد يحسب كل نقلة قبل أن يقوم بها، كما أن خطواته قابلة للاستدراك".

وأضاف الكاتب أنه "رغم أن الرجلين يظهران في العلن على أنهما قريبان من بعضهما البعض، إلا أن ابن سلمان في الواقع يتحرك أسرع مما يريده جاره".

وختم هيرست مقاله بالقول إن "حلفاء الولايات المتحدة يختبرونها بقدر ما يختبرها أعداؤها، ولسبب وجيه يشعرون أن واشنطن لم يعد بإمكانها لعب دور القطب الأوحد، الذي تضطلع به منذ نحو ثلاثة عقود".