حال بدء استخراجه.. هكذا تستعد المقاومة لحماية غاز غزة من أطماع إسرائيل
تحاول المقاومة الفلسطينية إشعال ملف الغاز ومحاولة كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة، في خضم تطورات بين إسرائيل ولبنان تتعلق بتحديد الحدود البحرية.
ويأتي التطور في ملف جهود كسر الحصار مع التلويح باستخدام القوة العسكرية، على غرار ما هدد به حزب الله في قضية حقل كاريش.
وانتهى ملف حقل كاريش بتوصل الحكومة اللبنانية لاتفاق مع دولة الاحتلال بوساطة أميركية وبعد تهديدات حزب الله التي أطلقها أمينه العام حسن نصر الله في 9 يونيو/حزيران 2022 بضرب الحقل في حال استخراج الغاز قبل الوصول لاتفاق.
وتوصل الطرفان لاتفاق ترسيم الحدود البحرية في منطقة غنية بالنفط والغاز بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربعا.
وأعلنت الرئاسة اللبنانية 11 أكتوبر/تشرين الأول 2022، في بيان أن الصيغة النهائية للعرض الأميركي بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل "مرضية للبنان وتلبي مطالبه وحافظت على حقوقه في ثروته الطبيعية".
حراك جديد
على ذات النسق وفي محاولة لاستنساخ التجربة، شرعت الفصائل الفلسطينية بحراك يطالب بالسماح للغزيين بالاستفادة من حقول الغاز المكتشفة قبالة سواحل قطاع غزة، ونظمت فعالية بحرية في ميناء المدينة بحضور شعبي وفصائلي 13 سبتمبر 2022 .
وبجانب حقول الغاز، أعلنت الفصائل وضع حجر الأساس لتدشين الممر المائي بميناء غزة، الذي من المفترض أن يربط القطاع المحاصر بالعالم عن طريق البحر.
وفي كلمة الفصائل، قال عضو المكتب السياسي بحركة المقاومة الإسلامية حماس، سهيل الهندي إن المقاومة جاهزة لمواجهة أي سلوك عدواني ضد حركة السفن والأفراد عبر ممر مائي يربط بين غزة والعالم، محذرا الاحتلال: "سنحمي حقنا بالنار والبارود".
وخلال الإعلان عن الحراك أطلقت المقاومة الفلسطينية طائرة مسيرة من طراز "شهاب" الانتحارية، حلقت فوق ميناء غزة.
وهو ما ترجمه مراقبون كرسالة تهديد من الفصائل للاحتلال باستخدام القوة العسكرية في حال استخرج الغاز من الحقول قبالة القطاع.
ويأتي الحراك كتنفيذ للوعد الذي أطلقه رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، إذ أعلن في كلمة له 30 أبريل/نيسان 2022، عن "البدء قريبا بتشغيل الخط البحري لقطاع غزة لكسر الحصار بشكل كامل".
وبين أن المشاورات والاستعدادات لهذا الموضوع تسير على قدم وساق"، وذلك بالتنسيق مع ما سماه محور القدس (إيران وحزب الله).
ويمثل الخط البحري ممرا مائيا يربط ميناء غزة بالعالم، ويمكن الغزيين من السفر والاستيراد والتصدير من خلال البحر.
وتفرض إسرائيل حصارا بحريا على القطاع، وتمنع أي سفينة من الدخول لمياه القطاع أو الخروج منها.
وزادت فرص التصعيد بين الاحتلال والمقاومة في القطاع مع استمرار الحصار وتردي الوضع المعيشي والإنساني، في الوقت الذي تحرم إسرائيل الغزيين من ثرواتهم.
من جانبه، قال المحلل السياسي، إياد القرا، إن الحراك الذي بدأته المقاومة مرتبط بشكل أساسي باستمرار الحصار الخانق على قطاع غزة.
وهو ما دفع الفصائل الفلسطينية في التفكير باستغلال الأزمة العالمية فيما يتعلق بالغاز، للضغط من أجل الحصول على اتفاق يمكن الفلسطينيين من الاستفادة من الثروات الطبيعية مقابل شواطئ القطاع.
وأضاف القرا لـ"الاستقلال" أن "تجربة حزب الله لعبت دورا أساسيا في صياغة الحراك الجديد للمقاومة الفلسطينية من أجل الحصول على حقول الغاز، وكذلك كررت أسلوب التلويح بالقوة العسكرية وسلاح المسيرات، وغيرها من الأدوات الحربية".
وشدد على أن احتمالية انفجار الأوضاع مرهون ببدء الاحتلال استخراج الغاز من الحقول قبالة غزة، والتهديد العسكري للمقاومة يوجد صعوبة كبيرة لشركات عالمية من العمل في هذه المناطق.
وأردف: "في حال لم ينجح الحراك في البدء باستخراج الغاز لصالح الفلسطينيين، فإن أهم مكاسبه الحفاظ على خيرات القطاع من النهب، إلى حين تغير الظروف إلى وضع يسمح للمقاومة أن تخطو خطوات حقيقية لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني".
أما الكاتب المقرب من حماس إبراهيم المدهون، فقال إن ما حصل في لبنان وقضية حقل كاريش وقانا من الممكن أن يتكرر في غزة.
وبين المدهون لـ"الاستقلال" أن المقاومة الفلسطينية الآن تعد سيناريوهات لتحمي غاز القطاع، وخيراته الطبيعة وكيف تسترد ما يسرقه الاحتلال من الشعب الفلسطيني.
وأضاف: "استغل الاحتلال حالة الحصار والانقسام وشرع في نهب الخيرات الطبيعية لغزة دون حسيب أو رقيب، لكن هذا الأمر لن يستمر، وما نجحت به المقاومة في لبنان من الضغط على الاحتلال لانتزاع الحقوق بالغاز، من الممكن أن يتكرر في غزة بيد المقاومة".
وأوضح المدهون أن المعركة قد تكون شاملة، لإجبار الاحتلال على التنازل والتسليم بحقوق الفلسطينيين.
وشدد الكاتب، على أنه قد يكون لتغير القوى الدولية، وما أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية دور في المعركة مع الاحتلال، كأن تدعم قوة عالمية مناهضة للغرب الشعب الفلسطيني.
الخيارات العسكرية
ومع إطلاق المقاومة لتهديداتها خلال الحراك، طُرحت العديد من التساؤلات حول قدراتها العسكرية على منع الاحتلال من استخراج الغاز بقوة السلاح، وهل تستطيع تنفيذ وعيدها.
وخلال المواجهات الأخيرة مع الاحتلال، أظهرت المقاومة الفلسطينية جانبا من قدراتها في المواجهة البحرية، تمثلت بشن هجمات بقوات الضفادع البحرية، وأيضا بالصواريخ والطائرات المسيرة .
وتعد الضفادع القوة البحرية "الكوماندوز" التابعة لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وكان الإعلان الأول عنها خلال حرب 2014.
وخلال الحرب الأخيرة، قال معلق الشؤون العسكرية في التلفزيون الرسمي الإسرائيلي روعي شارون، 16 مايو/أيار 2021، إن كتائب القسام تمتلك غواصات مفخخة موجهة عن بعد، طورتها بنفسها، من أجل استهداف منصات استخراج الغاز، وبوارج وزوارق سلاح البحرية في جيش الاحتلال.
وأضاف شارون، استنادا لمعلومات من جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، أن الغواصات "الانتحارية" تعتمد في توجيهها على منظومة "GBS"، وهي قادرة على حمل 50 كجم من المتفجرات.
وعقب الحراك، زعم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية يوني بن مناحيم أنه "في أعقاب الأزمة بين إسرائيل ولبنان، فإن التنظيمات الفلسطينية في القطاع تحاول تقليد حزب الله من خلال تهديد الاحتلال بهدف جني المكاسب منه".
وأضاف: "هناك توقع إسرائيلي بأن يشهد حقل الغاز تمار، قبالة سواحل عسقلان مثل السيناريو الذي يواجهه حقل كاريش قبالة السواحل اللبنانية".
وزعم بن مناحيم أن الاحتلال طلب من مصر الضغط على حماس؛ لتجنب مهاجمة منشآت الغاز الطبيعي والنفط الأساسية في البحر المتوسط قبالة سواحل قطاع غزة.
وأكد الضابط السابق أن لديه معلومات بتوفر خطط للكوماندوز البحري للذراع العسكرية لحركة حماس لمهاجمة هذه المواقع باستخدام زوارق متفجرة عالية السرعة، أو صواريخ بحر- بحر.
وبين أن أي ضرار يلحق بهذه المنشآت سيصل إلى تعثر إمدادات الغاز الإسرائيلية إلى مصر وأوروبا ودول عربية أخرى.
وبدوره، قال الباحث الفلسطيني زكريا السلاسلة، إن المقاومة الفلسطينية لديها القدرة العسكرية على إشعال معركة بحرية أو تعطيل استخراج الاحتلال للغاز قبالة غزة.
ولفت في حديث لـ"الاستقلال" أن هذه القدرات تهدد أي نشاط لأي شركة أو منصة غاز في حال أرادت الفصائل إشعال المواجهة.
وأضاف بالقول: "تتنوع الخيارات العسكرية للتعامل مع إسرائيل بحريا ومنع شركاتها من استخراج الغاز، خصوصا مع تطوير المقاومة في العقد الأخير من قدراتها البحرية".
ولعل وحدة الضفادع البشرية التي شكلتها القسام رأس حربة هذه القوة وسبق أن هاجمت قاعدة زيكيم البحرية التابعة للاحتلال، كما قال.
وأوضح أن الطائرات المسيرة تشكل تهديدا محوريا لأنشطة الاحتلال البحرية، وتمتلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي هذا النوع من المسيرات.
وخلال حرب مايو/أيار 2021، أدخلت كتائب القسام طائرة شهاب الانتحارية للخدمة، وقد استهدفت بها مواقع إسرائيلية في البحر وشرق القطاع.
وتابع "طائرة شهاب لها مدى يصل لـ 100 كيلو متر وهو ما يمكنها بكل سهولة من الوصول للحقول وضرب الأهداف هناك، وقد استخدم حزب الله الطائرات المسيرة لتهديد حقل كاريش".
وأكد السلاسلة أن الغواصات المسيرة الانتحارية سلاح آخر بحوزة المقاومة يهدد السفن الإسرائيلية التي من الممكن أن تشارك في عمليات استخراج الغاز لصالح الاحتلال.
وأردف قائلا "حتى الصواريخ من الممكن أن تستخدم في المعركة البحرية، خصوصا بعد تزايد دقتها، وبشكل شبه يومي تجري المقاومة تجارب صاروخية تطلق تجاه البحر، وقد تكون بعض هذه التجارب لضبط صواريخ تضرب بدقة حقول ومنصات الغاز".
وشدد الباحث الفلسطيني على أن المقاومة تستطيع عسكريا منع استخراج الاحتلال للغاز قبالة غزة، ولكن الأمر يحتاج إلى قرار، وقياس التكلفة الناتجة عن التدخل العسكري وضرب المنصات، وهو ما سيؤدي بشكل مؤكد لمواجهة كبيرة.
خيرات منهوبة
ومن المتوقع أن تشكل عائدات الغاز في حال استخراجه تغيرا في الاقتصاد الغزي، وهو الأمر الذي لن تسمح إسرائيل به، حسب ما أعلن مسؤولوها على الدوام.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في كلمته أمام الأمم المتحدة 22 سبتمبر 2022، إن رفع القيود عن اقتصاد قطاع غزة مرهون بإلقاء المقاومة سلاحها، وضمان عدم وصول الأموال لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي، خالد أبو عامر إن حراك الفصائل بغزة جاء بشأن انتزاع حقوق الطاقة في بحر غزة، تزامنا مع مسار المفاوضات الجارية بين الدولة اللبنانية وإسرائيل حول حقل "كاريش".
وهذا يعبر عن إمكانية تكرار التجربة اللبنانية، وتدويل قضية حقول الغاز في غزة، بحسب قوله لـ"الاستقلال".
واستدرك أنه يجب الوقوف هنا على مجموعة من النقاط أهمها، أن الظروف تختلف بين لبنان وغزة، فمثلا حزب الله لا يفاوض إسرائيل مباشرة وهو فقط داعم للدولة اللبنانية في موقفها السياسي.
في حالة غزة الوضع مختلف لأن السلطة المعترف بها لا تريد مواجهة إسرائيل في هذا الملف، وبالتالي موقف حماس قد يكون معقدا لأنها طرف غير معترف به.
وأكد على أن النزاع يجرى حول حقل المنطقة الوسطى وحقل مارين لتحديد مناطق السيادة البحرية لكل من غزة وإسرائيل.
وما دون ذلك يبقى الحقلان في مناطق اقتصادية إسرائيلية قريبة من غزة ولكن من الصعب الوصول إليها.
وتابع أبو عامر "حقول الغاز مهمة في توفير فاتورة استيراد الطاقة التي تقدر بـ 90 مليون لتر شهريا، وتتجاوز مليار لتر سنويا، وفاتورتها 1.5 مليار دولار".
وبالتالي فإن استخراجه من شأنه توفير مدخولات جيدة على الاقتصاد تقدر بـ150 مليون دولار سنويا حال جرى تصدير جزء منه، ناهيك عن حل مشكلة الطاقة الكهربائية.
وشدد على أن العقبة قانونية وسياسية وأمنية بشكل أساسي، فهناك طرف وهو السلطة الفلسطينية يرفض منح الشرعية للفصائل لتدويل هذه القضية كما يجرى مع لبنان، وهذا سيصعب المهمة أمام حماس.
وأردف: "إسرائيل أيضا لن تقدم على فتح حدودها أمام الفصائل ما يعرض مصالحها العسكرية والاقتصادية للخطر في أي مواجهة".
وتزخر المنطقة البحرية قبالة قطاع غزة بكميات ضخمة من الغاز الطبيعي، التي عملت إسرائيل على سرقتها خلال العقدين الماضيين.
ويعد حقل "غزة مارين" أول الحقول المكتشفة للغاز الطبيعي، في المناطق الساحلية الفلسطينية في بحر قطاع غزة، اكتشفته شركة "بريتش غاز" عام 1999، التي أجرت مسحا زلزاليا، لاكتشافه وحفرت بئرين استكشافيين في المنطقة.
ويحتوي هذا الحقل على احتياطي غاز يقدر بتريليون قدم مكعب (32 مليار متر مكعب)، فيما تبلغ تكلفة تطويره نحو 1.2 مليار دولار.
ومنذ اكتشافه لم يستخرج الغاز منه حتى اليوم بسبب رفض إسرائيل الطلبات الفلسطينية التي ترغب في استغلاله.
أما حقل "ماري بي" فهو مشترك بين الحدود البحرية الجنوبية لإسرائيل والبحرية الشمالية لقطاع غزة جرى اكتشافه عام 2000، ومنذ 2004 يوفر هذا الحقل إمدادات الغاز لمحطات الطاقة في إسرائيل، حتى جرى تجفيفه عام 2011.
وقالت صحيفة هآرتس العبرية عام 2011، إنه جرى استنفاد كميات الغاز الطبيعي الموجودة في الحقل والمقدرة بنحو واحد ونصف ترليون قدم مكعب.
ثالث الحقول هو حقل "نوا"، وتشترك كل من إسرائيل وقطاع غزة في بنيته الجيولوجية، ويمتد إلى أعماق حدود القطاع البحرية.
جرى اكتشافه عام 1999 وبدأت إسرائيل بإنتاج الغاز منه عام 2012، إذ وصلت توقعات مخزون الغاز بداخله إلى نحو 3 تريليونات قدم مكعب.
ورجح خبراء فلسطينيون عام 2014، وفق دراسة أولية، وجود حقل للغاز في بحر المنطقة الوسطى لقطاع غزة مقابل مخيم النصيرات، ويبعد مئات الأمتار عن الشاطئ.