رغم إصداره قبل أسابيع.. لماذا يسعى سعيد لتعديل القانون الانتخابي في تونس؟

12

طباعة

مشاركة

قبل أيام من فتح باب تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في تونس خلال ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلن الرئيس قيس سعيد عن قرار بتعديل القانون الانتخابي الجديد الذي أصدره في 15 سبتمبر/أيلول من العام نفسه.

وفي ذلك اليوم، أصدر سعيد أمرا دعا فيه المواطنين إلى الانتخابات التشريعية إضافة إلى مرسوم لتنقيح (تعديل) القانون الانتخابي يعتمد التصويت وفق الأفراد ويعيد تقسيم الدوائر الانتخابية.

والانتخابات المبكرة المقبلة هي أحد "إجراءات الرئيس سعيد الاستثنائية"، ومنها أيضا حل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو/تموز 2021.

وتعد قوى تونسية هذه الإجراءات انقلابا على دستور 2014 (دستور الثورة) وتكريسا لحكم فردي مطلق، بينما ترى فيها قوى أخرى تصحيحا لمسار ثورة 2011، التي أطاحت بنظام حكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.

مطالب سعيد بتعديل قانون الانتخابات، خلال لقائه رئيسة الوزراء نجلاء بودن في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أثارت انتقادات واسعة في تونس.

ووصف ناشطون وسياسيون ما يحصل بـ"العبث"، على اعتقاد أن القانون الذي يلوح الرئيس بتنقيحه قد سبق أن نقّحه بمفرده قبل أقل من شهر.

وذكر الناشطون بما حصل قبل أشهر عندما أصدر سعيد نسخة أولى من الدستور الجديد ثم بعد فترة قصيرة عدله وأصدر نسخة أخرى مصرحا بأن "أخطاء تسربت فيه".

التنقيح المنتظر قوبل باستبشار كبير في صفوف الكثير من مؤيدي قيس سعيد خاصة الذين ينوون الترشح للانتخابات ومنعتهم الشروط التي عُدت تعجيزية في النص الأصلي للقانون.

خطوة منتظرة

منذ الإعلان عن القانون الانتخابي الجديد من قبل قيس سعيد ونشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية (الجريدة الرسمية)، أعلنت جل أحزاب المعارضة والجبهات الرافضة للانقلاب عن مقاطعتها للانتخابات.

وعبرت أطراف سياسية أخرى سبق أن ساندت قيس سعيد عن قلقها وتخوفها من القانون الجديد.

واصطدم غالبية من أراد الترشح للانتخابات بشرط تجميع 400 تزكية موقعة في البلدية نصفها من النساء وربعها من الشباب (أقل من 35 عاما)، في مدة زمنية قصيرة.

إذ أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أنها ستنطلق في قبول الترشحات بداية من 17 أكتوبر 2022، إلى حدود 24 من نفس الشهر، على أن تخصص الفترة الممتدة من 2 إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، للنظر في النزاعات المتعلقة بقائمات المترشحين.

ولم يعلن أي من الأحزاب المساندة لانقلاب 25 يوليو 2021 أو الأشخاص الذين أعلنوا عن ترشحهم عن استكمال تجميع التزكيات المطلوبة، في حين تكرر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عن استعمال المال لشراء التزكيات.

وكانت ليلى الحداد القيادية بحركة الشعب (قومية مساندة لانقلاب 25 يوليو 2021) قد أثارت جدلا واسعا في تونس، حين أعلنت في مداخلة إذاعية في 5 أكتوبر 2022 أن قواعد حزبها بالجهات أكدوا أنّ التزكيات يجرى الحصول عليها بدفع 10 دنانير أو ببعض وصولات الأدوات المكتبية.

كما تناقل ناشطون على منصات التواصل شبهات محاولات للحصول على التزكيات بشكل غير قانوني.

وهو ما أكّدته هيئة الانتخابات في تونس، خلال بلاغ صادر عنها في 6 أكتوبر أنها قد تفطنت إلى محاولات بعض الراغبين في الترشح للانتخابات التشريعية الحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية إما باستعمال الوسائل والموارد العمومية أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات.

وأمام سيل الانتقادات وانتشار عمليات الرشوة الانتخابية، حاول سعيد تدارك انهيار المحطة الانتخابية التي ينتظرها ليطوي صفحة الانتقال الديمقراطي في تونس بتركيز برلمان جديد موافق لرؤيته لنظام الحكم الجديد في البلاد.

وأعلنت الرئاسة التونسية، في بلاغ نشر في ساعة متأخرة من ليل 7 أكتوبر أنه "يجب وضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات".

 وتابع في ذات البلاغ، "تبين أن عددا من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانونا وصارت التزكيات سوقا تباع فيها الذمم وتشترى"، وفق تعبيره.

وبين أنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه، فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة خاصة أن الذين جرى إيقافهم ووقعت إحالتهم على العدالة هدفهم إدخال الارتباك في صفوف المواطنين وبث الفوضى خوفا من الإرادة الشعبية الحقيقية".

هذا التعديل المنتظر للقانون الانتخابي كغيره من القوانين الصادرة منذ 25 يوليو 2021، التي انفرد قيس سعيد بصياغتها وإصدارها دون استشارة أو حتى مراجعة من أحد.

وأصدر الرئيس التونسي في 8 يوليو 2022 نسخة معدلة من مشروع الدستور الذي أثار جدلا كبيرا وانتقادات واسعة منذ نشره في الجريدة الرسمية مطلع ذات الشهر.

 وتحجج سعيد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة قبل صدور هذا التعديل، أنه "وجب إضافة جملة من التوضيحات، درءا لأي التباس وتأويل". 

خطوة عبثية

ورغم طرح التعديلات على الدستور بعد انطلاق الحملة الانتخابية للاستفتاء، فإن هيئة الانتخابات التي عينها قيس سعيد لم تبد أي ملاحظة على هذا القرار.

إلا أنه هذه المرة لم يلزم رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوسكر الصمت، وقال في 10 أكتوبر إنه من الأفضل عدم المساس بالقانون الانتخابي في هذه الفترة.

واستبعد بوعسكر إمكانية التراجع عن شرط التزكيات أو التخلي عنه، مؤكدا ان "مقترح تنقيح القانون الانتخابي تحت الدراسة وهيئة الانتخابات سيكون لها رأي"، وفق تصريح لإذاعة "آي إف إم".

وفي أول رد على قرار سعيد، قال الحزب الجمهوري (وسط – معارض)، في بيان أصدره في 9 أكتوبر إن "اللجوء إلى تعديل القانون الانتخابي في هذا الظرف بالذات هو إقرار من قبل سلطة الأمر الواقع بفشل خياراتها وعنوان تخبطها السياسي".

وأيضا يعد الأمر "إيذانًا بدخول البلاد مرحلة الفوضى التشريعية وتركيز حكم فردي لا تقيده القوانين ولا تحده الضوابط"، وفق قوله.

وعبّر الحزب عن رفضه "مسعى سلطة الأمر الواقع البحث عن شماعات تعلق عليها فشلها واتخاذه ذريعة للتهجم على المجالس البلدية المنتخبة تمهيدًا لحلها وإلغاء دورها".

أمّا حزب العمال (يساري) فرأى أن قرار سعيد تعديل القانون الانتخابي من جديد، يؤكد "حجم العبث والانحراف في ممارسة السلطة من قبل الرئيس".

وأوضح خلال بيان في 10 أكتوبر أن الرئيس "لا مرجع له سوى أهوائه ورغباته ولا اعتبار له لأعراف ونواميس قانونية".

من جهته أكّد الناشط السياسي المعارض أمان الله الجوهري: "الآن اكتشف الجميع فجأة بمن فيهم سعيد نفسه أنّ التّزكيات المعرّفة بالإمضاء سبّبت مزيدا من الزّبونيّة وفتحت الباب بشكل أوسع للمال السّياسي".

وأضاف الجوهري لـ"الاستقلال": "قريبا سيكتشفون أيضا أنّ إلغاء التمويل العمومي للانتخابات سيجعلها مجرّد سوق يتنافس فيها الأثرياء لشراء المقاعد والمؤسسات وسيتفاجؤون طبعا".

وبين أنه "حينما فرض قيس سعيد هذه الحواجز والإجراءات كان فقط يفكّر في مصادرة حقوقنا السياسيّة والتضييق على حريّة العمل السياسي ومحاصرة الفضاء العامّ في إطار انقلابه على الديمقراطيّة وتثبيت نظام حكم فردي".

وآخر ما يشغل باله هو ما تُسببه هذه التضييقات من ازدهار للفساد السياسي متمثلا في مظاهر الزبونية وهيمنة المال والمصالح التي تحركه على الحياة السياسية ، إن صح التعبير، كما قال. 

وشدد الناشط السياسي التونسي على أنّ "الاستبداد يؤدي حتما للفساد، والدولة التي لا يحكمها الشعب عبر نُخبه ومؤسساته في إطار حياة سياسية ديمقراطيّة ستحكمها مافيا إما موجودة وإما بصدد التكون".

في سياق متصل، دعت حركة النهضة في تونس إلى توحيد الجهود للتصدي لما وصفته "بالانقلاب الغاشم" وتصعيد الاحتجاجات السلمية ضد السلطة.

وذكّرت الحركة في بيان لها بموقفها من مقاطعة الانتخابات التشريعية، معتبرة أن مرسوم الانتخابات أكد ما نبهت إليه من "خطورة مشروع قيس سعيد الدكتاتوري على الدولة والمجتمع".

وأضافت أن بنود المرسوم الانتخابي ضربت مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، وستفرز ما وصفته بشبه برلمان مشتت وغير مستقر وفاقد للكفاءات كما هو فاقد للصلاحيات.

كذلك دان بيان النهضة "تزايد انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير تجاه الصحفيين والمدونين، واستمرار حملات التشويه لنواب الشعب المنتخبين والقضاة منذ يوليو 2021".