الحجاب بتركيا.. ورقة استغلها كليتشدار أوغلو ليغطي تراجع شعبيته فكشفه أردوغان

12

طباعة

مشاركة

قبل نحو ثمانية أشهر من الانتخابات التركية التي ستجري 18 يونيو/ حزيران 2023، نشر زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو، مقطعا مصورا عبر تويتر، دعم فيه حق التركيات بارتداء الحجاب.

اعترف في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 أن "حزبه أخطأ بشأن حجاب المرأة، وأكد أنه سيتقدم بمشروع قانون للبرلمان لمنع حظر ارتداء الحجاب بجميع القطاعات ويكفل الحق في ارتدائه بصفة قانونية".

ونص مشروع القانون الذي قدمه إلى البرلمان على أنه "لا يجوز أن تتعرض النساء العاملات في المؤسسات العامة لأي إكراه ينتهك حقوقهن وحرياتهن الأساسية، مثل ارتداء أو عدم ارتداء ملابس معينة".

فيما رأى مراقبون أن كليتشدار أوغلو، الذي يعد مرشح المعارضة الأوفر حظا لمنافسة أردوغان بالرئاسيات، سعى عبر هذه الخطوة المفاجئة لتحسين فرصته بالانتخابات في ظل القوة الانتخابية للشرائح المحافظة.

ومعروف أن حزب الشعب الجمهوري له قاعدة انتخابية علمانية شبه ثابتة، لكن نسبة التصويت له تراجعت عبر السنوات، فحصل على 25.98 بالمئة من الأصوات في انتخابات 2011، ثم 25.31 بالمئة في 2015، ثم 22.65 بالمئة في 2018.

مناورة انتخابية

لأنه يدرك أن هدف كليتشدار أوغلو انتخابي، لم يتأخر رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، فقطع عليه الطريق عبر دعوته إلى التعاون لجعل حقوق الحجاب "دستورية". 

أي إدراج مسألة عدم المساس بحرية ارتداء الحجاب في دستور تركيا بدلا من الاكتفاء بتقديمه كمشروع قانون فحسب إلى البرلمان، لإظهار مدى صدق نواياه ومنع اختلاط الأمر على الناخبين، وهو ما لم يتجاوب معه كليتشدار أوغلو.

وقال أردوغان في خطاب بتاريخ 5 أكتوبر، إن حكومات حزب العدالة والتنمية أزالت مسألة حظر ارتداء الحجاب، وقضية اللباس بشكل عام والحجاب بشكل خاص، حق طبيعي للمواطنين لا يستدعي قانونا.

ما ألمح له أردوغان حول وجود مناورة انتخابية وراء خطوة كليتشدار أوغلو، سبق أن أكده الكاتب والمحلل السياسي "كنعان ألباي" لموقع "الجزيرة نت" في 19 أغسطس/ آب 2022.

قال ألباي: "أصوات حزب الشعب الجمهوري على مدى العقود الماضية لم تتجاوز 27 بالمئة، ويبدو أن كليتشدار أوغلو أدرك أن الأتراك لن يمنحوه الأغلبية ما دام متمسكا بالفكر العلماني".

وأضاف: "أدرك كليتشدار أوغلو وجوب تغيير صورة حزبه المترسخة في أذهان الأغلبية بوصفه حزبا يؤيد حظر الحجاب في المؤسسات الحكومية والجامعات، ويدعو لرفع الأذان باللغة التركية"، وهو ما يرفضه الأتراك.

وخلال أغسطس 2022 سعى كليتشدار أوغلو للقيام بحملة شعبية لطلب الصفح من المحجبات والمتدينين والمحافظين، هي الأولى من نوعها في حزب الشعب الجمهوري العلماني.

وعقدت حملة كليتشدار أوغلو اجتماعات مع نساء محجبات كن ضحية قرارات صادرة عن محاكم تأسست إبان الانقلاب العسكري عام 1980، وحرمن من دخول الجامعات والعمل في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

لذا رأى ساسة وناشطون أنها ربما تكون  تعبيرا عن نوايا ندم حقيقية نابعة عن رغبة كليتشدار أوغلو في التسامح وإنهاء الاستقطاب الحاصل بين من يتبنون الفكر العلماني والشريحة المتدينة المحافظة التي ترى أن الفكر العلماني كان سبب حرمانها من حقوقها.

قالوا إن رئيس حزب الشعب الجمهوري سبق أن طلب "الصفح" عام 2021 من المحجبات في تركيا، خلال مشاركته في مقابلة تلفزيونية

حينئذ قال كليتشدار أوغلو: "لقد ارتكبنا خطأ، حيث لم نعترض على عدم قبول الفتيات المحجبات أثناء ذهابهن إلى الجامعة"، مؤكدا أن حزبه سيشرع فيما سماه بـ"رحلة التسامح" بسبب الأخطاء التي ارتكبها في الماضي، 

وردت عليه صحيفة "يني شفق" التركية بنشر تسجيل مصور كان كليتشدار أوغلو يصف فيه الحجاب بأنه "قطعة قماش" كنوع من السخرية.

سحب البساط

لكن كبير مستشاري كليتشدار أوغلو، "أحمد نازيف يوجل" أكد لموقع "الجزيرة نت" في 19 أغسطس 2022 وجود سبب آخر وراء خطوات زعيم حزبه.

زعم يوجل أن "كليتشدار أوغلو بدأ حملته بعد تيقنه من أن حزب العدالة والتنمية يستغل عامل الدين لتوسيع قاعدته الشعبية، وزعيم حزبنا يريد أن يسحب هذا البساط من تحت أقدام العدالة والتنمية".

وأضاف: لهذا السبب أيضا يتحضر حزب الشعب العلماني للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة "مع أحزاب متدينة مثل "السعادة" و"المستقبل" الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، فيما بات يعرف بالطاولة السداسية حاليا.

وهو نفس ما قاله أستاذ علم الاجتماع بجامعة كوتش التركية "إردم يوروك"، لموقع "المونيتور" الأميركي في 6 أكتوبر 2022، زاعما أن "أردوغان يسعى إلى نقل الخطاب العام بعيدا عن الاقتصاد إلى سياسات الهوية".

وأضاف يوروك: "لقد تعلمت المعارضة الدرس وتسعى لتقويض قدرة أردوغان على ممارسة مثل هذه الألعاب الشعوبية الدينية، لذلك اختار كليتشدار أوغلو أن يكون استباقيا لاقتراح شيء لم يفكر فيه حتى المتدينون".

وكان ملفتا في إعلان كليتشدار أوغلو خلال التسجيل المصور الذي نشره على تويتر، قوله إنه يفعل هذا "من أجل منع استغلال قضية الحجاب سياسيا في البلاد"، و"إخراجها من بين شفاه السياسيين".

وهو ما قد يشير لهدف آخر من وراء اعتذاره عن اضطهاد المحجبات. 

وأشارت الكاتبة كوبرا بار في مقال بموقع "خبر تورك"، إلى أن السبب وراء مبادرة كليتشدار أوغلو هو قلق المحجبات من حظر حزب الشعب للحجاب إذا ما وصل إلى السلطة.

قالت بار في 6 أكتوبر 2022: "أراد كليتشدار أوغلو أخذ هذه الورقة الرابحة من الحكومة وإسكات أولئك الذين لديهم مثل هذا الحماس في حزبه إلى الأبد".

وأشار موقع "المونيتور" إلى أن احتمالات ترشيح المعارضة التركية كليتشدار أوغلو لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2023 ربما تكون سبب مبادرته تجاه الحجاب.

ونقل عن "ليزيل هنتز" أستاذة العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز بواشنطن، تأكيدها أن خطوة كليتشدار أوغلو "تستهدف إرسال إشارة للناخبين ألا يخافوا من التمييز ضدهم كمتدينين تحت قيادة حزب الشعب الجمهوري العلماني".

تاريخ أسود

فور إعلان كليتشدار أوغلو بشأن الحجاب، تبارى ناشطون في رصد مواقف حزب الشعب خلال الحقبة العلمانية المعادية للمظاهر الإسلامية، وطرده فتيات متفوقات من مناسبات عديدة لأنهن محجبات، ما أثر بالسلب على شعبية العلمانيين، لا سيما بين شريحة الشباب التي لم تشهد هذه الانتهاكات.

أشاروا إلى أنه عقب انقلاب 1980 العسكري، تم سن ما يعرف بـ "قواعد اللباس العام"، ومنعت النساء المحجبات من العمل موظفات في الهيئات الحكومية، وحظر "مجلس التعليم العالي" الحجاب في الجامعات عدة مرات، عامي 1982، و1997. 

وبعد هذا الانقلاب تعرضت نحو 30 ألف طالبة محجبة للإيذاء والطرد من مدارسهن.

وبناء على أوامر من كمال كليتشدار أوغلو، نفسه، والذي كان مديرا عاما لمؤسسة الضمان الاجتماعي التركية، فتحت تحقيقات مع تركيات ذهبن إلى العمل بالحجاب.

ونشر النشطاء فيديو لرفض إدارة جامعة مدينة "سيفاس" عام 1995 تسليم جائزة للطالبة الأولى على الجامعة بدعوى أنها محجبة وإعطائها لغير محجبة، وحين اعترضت الطالبة المحجبة تم سحبها من رأسها وإهانتها من قبل إدارة الجامعة.

وكذلك طرد الطالبة الفائزة بجائزة المركز الأول بالإبداع في الثانوية "تيفيد كوتك" هي وعائلتها عام 2007 من قبل محافظ مدينة كوزان التابع لحزب "الشعب" من الحفل لارتدائهن الحجاب.

ويعود حظر الحجاب في تركيا إلى عام 1923 عند تأسيس الجمهورية التركية، ومع أنه لم يكن في الدستور الأول للجمهورية حظر للحجاب، إلا أن المؤسسات الرسمية رفضت السماح للموظفات بالعمل بحجابهن.

لاحقا، ومع ازدياد أعداد الطالبات المحجبات اللاتي ترغبن بالدخول إلى الجامعات بحجابهن، بدأ النقاش حول حق التركيات في ارتداء "الحجاب" عام 1960، لكن ظل العلمانيون يرفضون ذلك.

ومرت عملية التأكيد على حظر الحجاب في تركيا بمرحلتين فارقتين:

الأولى: عقب انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980 العسكري الذي قام به الجنرال "كنان أفران"، وإصدار قانون "لوائح اللباس في المؤسسات العامة" الذي منع الحجاب بموجبه، وظل ساري المفعول نحو 31 عاما.

وكان حزب الشعب الجمهوري في مقدمة المدافعين عنه بذريعة "الحفاظ على النظام العلماني"، وتم بموجبه إقالة موظفات واستقالت أخريات، وأجبر البعض منهن على خلعه مقابل العمل.

الثانية: عقب انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 الذي قام به الجيش التركي ضد حكومة حزب "الرفاه" الإسلامي، وتبعه غلق الحزب وإجبار رئيسه نجم الدين أربكان على الاستقالة من منصبه.

وأعقب هذا الانقلاب إصدار مجلس الأمن القومي، الذي كان يسيطر عليه الجيش، قرارا يعد الحجاب "تهديدا لتركيا"، وتم إغلاق مدارس للأئمة والخطباء ومدارس دينية وطبق نظم التعليم الإلزامي على مدى ثماني سنوات.

وفي الأسبوع الأول من فبراير 2008، قبل البرلمان التركي التعديل الدستوري الخاص بمنح الطالبات حرية ارتداء الحجاب في الجامعات بأغلبية 411 صوتا مقابل 103 في التصويت البرلماني الذي شارك فيه 518 نائبا.

لكن في 27 فبراير 2008، قدم 112 نائبا من حزبي الشعب الجمهوري واليسار الديمقراطي طلبا إلى المحكمة الدستورية العليا لإلغاء التعديل الدستوري الذي ينص على حرية ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

وحين تم لأول مرة عام 1999 انتخاب نائبة محجبة كعضو في البرلمان التركي، (مروة قوقاجي)، لم يسمح لها العلمانيون بالبقاء داخل البرلمان بسبب ارتدائها للحجاب، وتم سحب جنسيتها أيضا عقابا لها.

وذلك قبل أن تعود قوقاجي خلال حكم حزب العدالة والتنمية لتمثل بلادها كسفيرة في ماليزيا، وتصبح ابنتها (فاطمة) المحجبة، مترجمة رسمية للرئيس التركي أردوغان حاليا.

وفي 12 سبتمبر 2010 تم تعديل الدستور بطلب من حزب العدالة والتنمية بنسبة 57.88 بالمئة من قرابة 74 بالمئة من الأتراك الذين شاركوا في الاستفتاء مقابل 42.12 بالمئة للمعارضين له، وضمنه "الحقوق"، وتم رفع حظر الحجاب في نفس العام.

ولاحقا تم رفع الحظر عن الموظفات في المؤسسات العامة مع "حزمة الديمقراطية" التي أعلن عنها رئيس الوزراء في تلك الفترة رجب طيب أردوغان مطلع أكتوبر 2013 بشكل رسمي، لتدخل التركيات المحجبات شتى قطاعات العمل، بما فيها الجيش والشرطة.