رغم نكسات تونس.. مجلة فرنسية تفضح أسباب دعم ماكرون لانقلاب سعيد
توقفت مجلة "جون أفريك" عند العلاقات التونسية الفرنسية التي "ظلت على حالها" حتى مع انقلاب الرئيس قيس سعيّد على السلطة المنتخبة ديمقراطيا في 25 يوليو/تموز 2021.
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أنه "بعد عام من التردد بشأن المضي قدما، يبدو أن الرئيس إيمانويل ماكرون، مصمم على عدم التخلي عن قرطاج، رغم النكسات الديمقراطية".
وذكرت أنه "بعد استفتاء 25 يوليو/تموز 2022، يبدو أن المجتمع الدولي لا يعرف على ما يبدو كيف يتخذ القرارات فيما يتعلق بانقلاب سعيّد من أجل استعادة السلطة الديموقراطية للدولة التونسية".
واستطردت: "هذه السلطة التي يقول المجتمع الدولي -شأن العديد من المعارضين التونسيين- إن سعيّد قد استحوذ على معظم هياكلها، وداس على بعض منارات الديمقراطية فيها".
واستدركت جون أفريك قائلة: "لكن فرنسا لم تشارك، نفس الرفض الذي أعربت عنه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك منذ الانقلاب الذي قاده سعيد قبل عام على السلطات المنتخبة ديمقراطيا".
تراجع النفوذ
وحول موقف باريس من سعيد، قال دبلوماسي من وزارة الخارجية الفرنسية: "إذا صوت التونسيون بحرية للرجل الذي يدعمونه، فلماذا نتدخل؟"
وعن السبب وراء رغبة باريس في عدم "معارضة" ممارسات سعيد، رأى أن ذلك "سيضع بين أيدينا نسخة جديدة من لبنان".
وذكر أن "الإليزيه يتفق مع وزارة الخارجية الفرنسية على تسوية الأمور مع تونس، وهو الموقف الذي عبرت قرطاج عن اتفاقها معه".
فيما أعربت الرئاسة التونسية بالفعل عن تقديرها للوضع المخصص لرئيسة الحكومة، نجلاء بودن، التي كانت ضيفة شرف في "منتدى الباعثين الشباب في فرنسا"، الذي احتضنته باريس في 29 أغسطس/آب 2022.
وعن تصريحات المسؤولين الفرنسيين بشأن انقلاب سعيد، قال المحلل في مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، حمزة المؤدب: "بالنسبة للنخب التونسية، عندما تكون الأمور سيئة، تذهب إلى باريس بحثا عن الدعم".
وأعطت بودن إشارة إلى وجود "نوع من الدفء" في العلاقات السياسية بين تونس وباريس من خلال التأكيد للحضور خلال المنتدى المذكور أن "القمة الفرنكفونية ستنعقد في جزيرة جربة التونسية يومي 19 و20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وفقا للمواعيد المحددة".
وقالت جون أفريك، إن "السياسة التي اتبعها سعيد تحمل مخاطر لتأجيل جديد للحدث الثقافي الفرنسي (قمة الفرنكفونية)".
يأتي ذلك بعد تعبير الأميركيين والكنديين لنظرائهم في فرنسا، عن رغبتهم في إعادة التفكير من جديد فيما يتعلق بتنظيم قمة الذكرى الـ50 للفرانكوفونية في مكان آخر غير تونس.
ومع ذلك، فإن هذه النضالات الدولية الصغيرة -تقول المجلة- تطغى على تفكير التونسيين، وكثير منهم لا يدركون أن جزيرة جربة ستستضيف هذا الحدث.
وعلق حسن الزرقوني، رئيس شركة "سيجما كونسياي" لـ"سبر الآراء"، الذي يعتقد أن النفوذ الفرنسي المحصور بنخبة صغيرة آخذ في التراجع "لقد خسرت الفرنكوفونية الحرب بالفعل، ووحدهم (أتباع فرنسا المخلصون) هم الذين يقفون اليوم في محاولة لإحيائها".
وأضاف أنه "حتى الفرنسيين شككوا في عقد القمة في تونس".
فيما تساءل مستشارو السفارة الفرنسية في تونس قبل بضعة أشهر في تصريحات لجون أفريك: "هل ما زلتم تصدقون أنه سيكون هناك قمة للفرنكفونية في تونس؟"
لكن بعد إعادة انتخاب ماكرون في وقت لاحق، تمت إزالة جميع العقبات.
وهو ما يمثل دفعة حقيقية لاستئناف المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي وتعهد صداقة موجه إلى سعيد، بحسب المجلة الفرنسية.
خروج من العزلة
وشهدت العلاقات بين البلدين، التي شهدت ركودا عام 2020، نشاطا متجددا.
وقالت جون أفريك: "كان على سعيد إعادة الاتصال بالمجتمع الدبلوماسي للخروج من عزلته المتزايدة".
ولفتت إلى أن "الرئيس التونسي الذي أثار موجة بين مواطنيه من خلال انتحال معظم السلطات لنفسه، يواجه أزمة اقتصادية حادة، مرتبطة جزئيا بعواقب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا".
ونبهت إلى أن "بيان الإليزيه الذي يصف الاستفتاء بأنه خطوة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية، لقي استحسانا في قرطاج".
واستدركت المجلة قائلة: "مع ذلك، لا شيء يبشر بمثل هذا التقارب بين البلدين".
وبعد أشهر قليلة من الانقلاب الذي قام به سعيد، أعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية آنذاك، غابرييل عطال، التخفيض الكبير في عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربيين، في الوقت الذي ارتكب فيه مهاجرون تونسيون عددا من الهجمات في فرنسا خلال السنوات الأخيرة.
وقال الزرقوني إن التونسيين رأوا قرار فرنسا حينذاك "تنمرا مهينا ضدهم".
وحتى في ظل الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، تعرض الرئيس التونسي لأقسى انتقادات من رئيس الدبلوماسية الأوروبية، جوزيب بوريل.
واستقبل سعيد بشكل خاص، تلك التصريحات بطريقة سيئة، حيث ندد بـ"التدخل" الغربي، وأشار إلى أن تونس دولة ذات سيادة.
لكن بعد مرور عام، بمجرد إعادة انتخاب ماكرون، أعلن وزير داخلية فرنسا، جيرالد دارمانين، عن تخفيف في سياسة التأشيرات، خاصة في حالة المواطنين التونسيين، بعد محادثة هاتفية مع نظيره التونسي، توفيق شرف الدين.
تقارب مع الجزائر
وأشارت الباحثة السياسية، خديجة محسن فينان، إلى أن "فرنسا تتحدث اليوم عن التنمية والمساعدات والتضامن".
وأضافت أنه "كان بإمكاننا توقع رد فعل وقت الاستفتاء عندما صوت واحد فقط من كل أربعة تونسيين على دستور سعيد الجديد".
واستدركت: "لكن سعيد كان قادرا على المراوغة بتجنب الحوادث المتعلقة بحقوق الإنسان".
ولفتت إلى أن "هذه الرغبة من باريس لتهدئة الأمور، تؤكد أن إحدى أولويات ولاية ماكرون الجديدة هي تطبيع العلاقات مع البلدان المغاربية".
خطوة يعتمد فيها على الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أقام حوارا تصالحيا مع سعيد ونال منه أن قطع حياده الدبلوماسي باستقباله زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، بتونس في 27 أغسطس 2022، الأمر الذي أثار حالة من الاستياء الكبير في الرباط.
وقال الزرقوني إنه "لا يمكن قراءة موقف فرنسا من تونس إلا من منظور علاقتها بالجزائر".
وذلك لضمان- مع الجزائر العاصمة التي تقاربت مع باريس مؤخرا- أن لا يصل عدم الاستقرار الليبي إلى تونس ولا يعرض الأمن الإقليمي للخطر".
ورأت جون أفريك أنه "من خلال هذا المقياس، يبدو أن الاتجاه غير المؤكد الذي تسلكه تونس يمثل مصدر قلق حقيقي لباريس".
وختمت تقريرها بالقول: "لكن هذا ليس وقت الجدل أو الدروس في الأخلاق الديمقراطية، حيث تسعى فرنسا لاستعادة مكانتها كأول شريك ثنائي لتونس، والتي انتزعتها إيطاليا منها لمدة عامين على التوالي".