مرجع لمجامع فقهية.. لهذا تعلق مسلمو الهند بالعلامة القرضاوي تحديدا

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على مجهودات الشيخ الراحل العلامة يوسف القرضاوي في شبه القارة الهندية، وتأثيره في الناس وتعلقهم به.

وقال الموقع إن "وفاة القرضاوي في 26 سبتمبر/أيلول 2022، حظيت باهتمام واسع، لما كان للرجل من إنتاج غزير على المستوى العلمي، بالإضافة إلى قربه من الشعوب وتأييده لمطالبها". 

واستدرك موضحا: "لكن نشاط القرضاوي لم ينحصر فقط داخل نطاق الدول العربية، بل وصل مداه إلى الهند".

رمزية كبيرة

وأشار الموقع إلى أن القرضاوي كان هو إمام صلاة الجنازة المهيبة التي حضرها الآلاف على الشخصية الإسلامية الأبرز في الهند، أبي الأعلى المودودي، عام 1979.

وانتشرت الصورة التي يؤم فيها القرضاوي المصلين على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاته في الدوحة عن عمر يناهز 96 عاما.

ورأى كثيرون أن "إمامة القرضاوي للصلاة على المودودي لها رمزية كبيرة تشير إلى تأثيره ومكانته بين المفكرين الإسلاميين، هذه المكانة التي تجاوزت حدود وطنه الأم مصر، وقطر البلد الخليجي الذي اتخذ منه مستقرا له".

وتحدث الموقع البريطاني مع بعض تلاميذ القرضاوي وأتباعه في ولاية "كيرلا" جنوبي الهند، حيث تأثر فيها الآلاف بفقه الإمام الراحل تأثرا عميقا، وتُرجم ما يفوق 12 كتابا من أعماله إلى لغة الماليالامية المحلية.

وقال إلياس مولوي، الذي تتلمذ على يد الإمام الراحل وعمل كمساعد له في الفترة ما بين 1994 إلى 1999: "لا أتذكر أن لأي عالم عربي معاصر تأثيرا في ولاية كيرلا كتأثير القرضاوي".

جدير بالذكر أن في أوائل السبعينيات، حصل العديد من طلاب ولاية كيرلا على منحة للدراسة في المعهد الديني بقطر، وهو بمثابة مدرسة ثانوية للبنين كان يترأسها القرضاوي في ذلك الوقت.

وقال الموقع إنه في عام 1983، أصدرت دار النشر التابعة للجماعة الإسلامية الهندية في ولاية كيرلا، ترجمة كتاب الشيخ القرضاوي "الحلال والحرام في الإسلام".

وأوضح المدير المساعد لدار النشر، كوتاثوديكا حسين، أن "دار النشر الإسلامية" نشرت لاحقا أكثر من 15 كتابا للقرضاوي، منهم مجلدان من كتابه "فتاوى معاصرة" الواقع في 4 مجلدات.

ولفت حسين إلى أنه "رغم أن الجماعة الإسلامية بالهند لم تُصدر ترجمة لأطروحة الدكتوراه الموسعة (فقه الزكاة)، إلا أن جميع ما نشرته الهيئة لاحقا بشأن هذا الموضوع مستمد في معظمه من أطروحة القرضاوي الشهيرة".

إمام الوسطية

وأكد الموقع أن "مناصري القرضاوي في ولاية كيرلا لم يكونوا جميعا من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية السياسية المصرية، التي ألهمت القرضاوي في صباه، وتعده حاليا أحد أهم منظريها على الإطلاق".

وشدد على أن القرضاوي "كان يحظى باحترام المفكرين جميعا من كل أنحاء الطيف الإسلامي في كيرلا".

وذكر عالم الاجتماع، صادق ممباد، للموقع البريطاني أن "خطاب الصحوة الإسلامية والإصلاح كان موجودا في كيرلا قبل القرضاوي بفترة طويلة، حيث تأثرت حركة الإحياء الإسلامية في الولاية الهندية منذ عشرينيات القرن الماضي بأفكار رشيد رضا ومحمد عبده ومجلة المنار".

"لذلك عندما بزغ نجم القرضاوي كان مفهوما ومقبولا، كما أنه جعل مفهوم الوسطية نصب عين الحركات الإسلامية"، وفق ممباد.

وأشار العالم الهندي إلى أن "القرضاوي كان في طليعة مَن استخدموا الإنترنت لنشر الدعوة، بما في ذلك تأسيسه لموقع (إسلام أونلاين) الصادر باللغة الإنجليزية، والمهتم بالفتاوى الإسلامية"، مضيفا أن العلامة الراحل "استخدم لغة عصرية لنشر الأفكار".

وعقد ممباد مقارنة بين فقه القرضاوي وغيره، إذ قال إن "العديد من علماء المسلمين ما زالوا صارمين فيما يتعلق بموقف الإسلام من الموسيقى والمجال الفني، لكن القرضاوي -في المقابل- جاءت فتاواه لصالح الفنون الإبداعية والترفيه".

وأضاف "رغم أن فقه الأقليات –الذي أصّل له القرضاوي- كان مخصصا في بادئ الأمر للمسلمين في أوروبا، إلا أن مسلمي الهند وجدوا فيه ما ينفعهم كذلك".

وأكد ممباد أن "بعض المجامع الفقهية في الهند اتخذت القرضاوي مرجعا لها في الفقه الإسلامي، كما أن الإسلاميين تعلموا منه فقه المشاركة في العملية الديمقراطية، وكان من ذلك نصيحة الشيخ لهم أن يتبنوا مفهوم المواطنة".

وفي السياق ذاته، قال الناشط المجتمعي في ولاية كيرلا، فايز بابو، إن "القرضاوي كان ينظر إلى الفقه كأداة لحل المشكلات وليس كأداة للتكبل بالموروث".

وأردف الموقع أنه في حين أن معظم طلاب القرضاوي الهنود ينحدرون من كيرلا، إلا أن هناك مَن تأثروا به من خارجها، كالشيخ مسعود علم فلَاحي، الذي عُرف بدراسته لحياة القرضاوي وأعماله.

وينحدر فلَاحي من ولاية أتر برديش، كما عاش في قطر خلال الفترة ما بين 2007 و2009، وكتب عدة كتب عن القرضاوي، إلى جانب أطروحته للدكتوراه التي كانت عن الشيخ أيضا.

وأشار "ميدل إيست آي" إلى أن أعمال فلَاحي غطت ما قدمه القرضاوي في مجالات الفكر والأدب والفقه، لا سيما فقه الأقليات والأولويات.

ويرى فلَاحي أن "منهج القرضاوي كان منهج الاعتدال، إذ كان مناهضا للتعصب والتطرف والمذهبي في الفكر والفقه والسلوك".

وأشار الشيخ الهندي إلى أن "القرضاوي سلك مسلكا وسطا بين الغلو والتفريط في كتابيه (فقه اللهو والترويح) و(فقه الغناء والموسيقى في ضوء القرآن والسنة)، حيث كان منهجه التيسير على المسلمين".

علاقات وثيقة

وفيما يتعلق بتأثير القرضاوي على المسلمين في شبه القارة الهندية، قال الفلَاحي إن "الإمام كان على اتصال وثيق بكل الجماعات الإسلامية".

وأوضح أن "القرضاوي زار جامعة دار العلوم التابعة لندوة العلماء في لكهنؤ (لكناو)، وجمعية الفلاح، ودار المصنفين أكاديمية شبلي في أزامجاره، والجامعة النظامية في حيدر آباد، وهذه المؤسسات تمثل كل أشكال الطيف الإسلامي، من سلفيين وصوفيين وحركيين".

وذكر التقرير أن القرضاوي عندما غادر مصر عام 1961، أقام في الخليج، حيث ينتشر المذهب الحنبلي، المعروف باتباعه الصارم للنصوص.

وفي هذا السياق، أشار صادق محمد، وهو أحد خريجي المعهد الديني بالدوحة، أن القرضاوي "لم يستفز الخليجيين، بل على العكس من ذلك، كان لين الجانب مع المتعصبين للمذهب الحنبلي، وناقشهم بكل احترام".

وأكد الموقع أن "القرضاوي حاز قبولا واسعا في الهند تجاوز حدود الإسلاميين الحركيين، والجماعة الإسلامية الهندية".

بدوره، قال مدير كلية العلوم سلام السلام العربية في مالابورام بالهند، عارف زين، إن علماء كثيرين أشادوا بما قدمه القرضاوي للمكتبة الإسلامية.

وأضاف زين: "كان عبدالقادر مولوي –وهو رائد النهضة الاجتماعية في كيرلا- كثيرا ما يرجع إلى كتاب (فقه الزكاة)، إذ كان يقول إن القرضاوي حلل ونظم ببراعة كل ما كُتب عن الزكاة في التراث الفقهي الإسلامي، وجمعه في مجلد واحد".

من جانبه، أشار رئيس قسم الدراسات الإسلامية ودراسات غرب آسيا بجامعة كيرلا، أشرف كداكال، أن القرضاوي "لم يكن محبوبا ممن هم في أقصى اليمين أو في أقصى اليسار".

وأضاف: "أثناء دراستي في الأزهر، صادفت شابا من تشاد يكره القرضاوي، لأنه أفتى بجواز تهذيب اللحية، ومصافحة الرجال للنساء الأجانب (بضوابط وشروط)".

وأردف كداكال: "على الطرف الآخر، شيطنه العلمانيون بسبب آرائه السياسية، لكن تبقى الحقيقة هي أنه يؤمن بالقيم الديمقراطية".