هدنة "صامدة" بين الحوثيين والحكومة.. هل تؤدي لاتفاق سلام دائم في اليمن؟
سلط موقع بريطاني الضوء على هدنة اليمن التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2022 وترعاها الأمم المتحدة، في بلد مزقته الحرب بين الحكومة الشرعية من جهة، ومليشيات "الحوثي" من جهة أخرى.
وذكر موقع "ميدل إيست آي" أنه "في أغسطس/آب 2022 مددت الهدنة مرة أخرى، ما يجعلها أطول هدنة مستقرة منذ بدء التدخل السعودي الإماراتي في اليمن عام 2015".
ولفت إلى أنه "من المفترض أن تنتهي الهدنة في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، لذلك من الضروري الاستفادة من هذه الفرصة السانحة لإحراز تقدم جوهري نحو السلام والاستقرار في اليمن".
وضع مضطرب
وتوقف الموقع البريطاني عند بعض منجزات الهدنة، والتي كان منها انخفاض الخسائر المدنية بنسبة 60 بالمئة، إلى جانب استئناف الرحلات الجوية من صنعاء إلى عمان والقاهرة.
علاوة على ذلك، خففت الهدنة مشكلة نقص الوقود في البلاد، وبشكل أقل كان لها تأثير على فتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية في مدن مثل تعز.
لذا، يطمح المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، إلى الوصول لاتفاق موسع "يوفر فرصة للتفاوض على وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، والقضايا الإنسانية والاقتصادية".
كما أن تحويل الهدنة المؤقتة إلى اتفاق دائم من شأنه أن يعطي فرصة "للتحضير لاستئناف العملية السياسية التي يقودها اليمنيون تحت رعاية الأمم المتحدة للوصول إلى سلام دائم وعادل"، وفق غروندبرغ.
وفي يوليو/تموز 2022 أصدرت كل من السعودية والإمارات وعمان والولايات المتحدة وبريطانيا بيانا مشتركا، أشاروا فيه إلى أن "وقف إطلاق النار الدائم والتسوية السياسية الدائمة يجب أن يكونا الهدفين النهائيين للعملية التي تقودها الأمم المتحدة".
كما أشار الموقع إلى اتفاق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي جو بايدن على بذل كل ما هو ممكن لتعزيز الهدنة في اليمن، خلال زيارة الأخير إلى جدة في يوليو 2022.
ويرى الموقع أن "الهدنة منحت الشعب اليمني بعض الراحة بعد سنوات من الصراع المسلح، إلا أن الوضع لا يزال مضطربا إلى حد بعيد".
واستعرض بعض الإشارات على ضعف الهدنة، منها حدوث انتهاكات لوقف إطلاق النار بين الطرفين.
مخاوف الانهيار
ومنذ دخول الهدنة حيز التنفيذ في أبريل 2022 تم الإبلاغ عن أكثر من 2500 انتهاك.
والإشارة الثانية، وفق الموقع، حدثت خلال أغسطس/آب 2022 في محافظة شبوة، ذات الموقع الإستراتيجي، والغنية بالنفط، نشبت اشتباكات بين القوات المتحالفة مع "حزب الإصلاح اليمني" ومقاتلين انفصاليين مدعومين من الإمارات.
وفي الشهر نفسه أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا عن عملية عسكرية في محافظة أبين، لتطهير المنطقة ممن وصفهم بـ"الإرهابيين".
وحينها علق مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي بتغريدة قال فيها إن العملية "تهدف للقضاء على ما تبقى من ألوية للجيش في أبين".
واتهم الرحبي المجلس الانتقالي الجنوبي باستخدام "مكافحة الإرهاب" غطاء للقضاء على ما تبقى من الجيش الوطني، وإخضاع المحافظة لسيطرته الكاملة.
وجاء من ضمن الإشارات، التي ذكرها الموقع أيضا، الهجوم الذي شنه الحوثيون في تعز أواخر أغسطس 2022 على قوات الحكومة اليمنية، الأمر الذي أدانته الأمم المتحدة، داعية الجميع إلى اغتنام الفرصة التي يوفرها تمديد الهدنة لإظهار الالتزام الكامل بإنهاء الصراع الطويل.
ويعتقد الموقع أن السؤال حول صمود الهدنة وتحولها إلى اتفاق سلام دائم "سيظل مفتوحا"، مؤكدين على الضرورة الملحة لاستمرارها بالنسبة للشعب اليمني.
فالأزمة الإنسانية في البلاد تتفاقم وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع، الأمر الذي يجعل ملايين اليمنيين يعانون من الجوع الشديد، كما أن مشكلات الفقر وسوء تغذية الأطفال والنظام الصحي المتهالك تتطلب عناية خاصة على وجه السرعة.
وشدد "ميدل إيست آي" على أنه "أولا وقبل كل شيء يجب أن تكون هناك جهود إقليمية ودولية متضافرة لضمان استمرار الهدنة الهشة".
وحذر بعض المراقبين من انهيار الهدنة في نهاية المطاف، والعودة إلى جولة أخرى من الصراع المحتدم، حيث تتيح فترة الهدنة للأطراف المتحاربة فرصة لإعادة تنظيم صفوفها.
متعددة المسارات
ويرى الموقع أنه من الضروري التأكيد على الأطراف المختلفة من خلال الجهود الدبلوماسية أنها ستفقد الشرعية الشعبية إذا أهدرت هذه الفرصة، لأنها هي الأكبر حتى اللحظة من أجل تحقيق الاستقرار والسلام في اليمن.
ولفت إلى أنه "من الأهمية بمكان أن تنتقل المفاوضات سريعا من الاتفاقات قصيرة الأجل إلى محادثات السلام طويلة الأجل".
فعلى المدى القصير هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير لبناء الثقة، مثل تبادل الأسرى، ولكن الأهم من ذلك هو إعادة التفكير في هيكل الوساطة ليعكس تعقيد الصراع متعدد الأطراف في اليمن.
وفي ذلك يرى "ميدل إيست آي" أنه ولسنوات أخطأت الوساطة الدولية في تأطيرها للنزاع في اليمن على أنه حرب أهلية بين الحكومة المعترف بها دوليا وإحدى المليشيات.
وأوضح أنه "ينبغي أن تتوسع المحادثات لتمثل عملية سلام متعددة المسارات، توفر مشاركة فعالة لليمنيين بمختلف مشاربهم، وتتيح للفئات الاجتماعية المهمشة، مثل النساء والشباب، الجلوس على طاولة التفاوض".
كما أكد على أن "الهدنة هي أيضا فرصة لإعادة النظر في الاستجابات الإنسانية والتنموية الدولية في اليمن، حيث كشفت دراسة مستقلة مؤخرا عن أوجه القصور في هذا الصدد".
وشمل ذلك عدم تمكين الجهات المحلية الفاعلة (من المشاركة في توزيع المساعدات الإنسانية)، ومستويات عالية من الهدر، وتدابير أمنية مفرطة يعاني منها موظفو الإغاثة.
وبينما أثارت تلك الانتقادات دعوات لحل هذه المشكلات، يتخوف بعض اليمنيين أن تفتعل الجهات المسيطرة على المساعدات أزمة غذاء كبيرة، لمقاومة أي تتغير قد يهدد سلطتهم.
وشدد الموقع على "ضرورة ألا يعد المستثمرون اليمن منطقة تعاني من ظروف نزاع يحول دون تحقيق التنمية، وبدلا من ذلك عليهم أن يأخذوا زمام المبادرة ويضخوا الاستثمارات التي يمكن أن تساعد البلاد على الخروج من الحلقة المفرغة من الصراع وهشاشة الأوضاع".