"المنعطف الأخطر".. ما تداعيات احتجاجات إيران على نظام ما بعد خامنئي؟
.jpg)
لليوم الثامن على التوالي، لا تزال الاحتجاجات الشعبية مندلعة في إيران على خلفية وفاة الفتاة مهسا أميني (22 عاما) بمستشفى في طهران.
وبعدما كانت المظاهرات تتركز في مسقط رأسها بإقليم كردستان (شمال غربي إيران)، امتدت إلى طهران ومدينة مشهد ونحو 50 مدينة وبلدة أخرى في أنحاء البلاد.
كانت الاحتجاجات قد تفجرت في 16 سبتمبر/أيلول 2022 عقب وفاة أميني بعد 3 أيام من اعتقالها بدعوى ارتدائها لباسا غير محتشم من قبل ما تسمى "دوريات الإرشاد"، والتي تتهم بضربها على رأسها والتسبب بنزيف دماغي.
وندد محتجون غاضبون بالنظام الإيراني وطالبوا بإسقاطه، وأضرموا النيران في العديد من مقرات وسيارات ومعدات رجال الأمن في مدينة قم الدينية مسقط رأس المرشد الإيراني علي خامنئي، إضافة إلى حرق صوره هو وقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.
حرق مركز القوات الباسيج الحرس الثوري بمدينة قم الآن
— محمد مجيد الأحوازي (@MohamadAhwaze) September 23, 2022
#MahsaAmini
#IranProtests2022
#مهسا_امینی
#Mahsa_Amini pic.twitter.com/oU0FC9NTbC
قمع وتضييق
وردا على الغضب الشعبي الذي يعد الأكبر منذ احتجاجات عام 2019 التي قتل فيها 1500 شخص، وفق إحصاء لوكالة "رويترز" البريطانية، زادت السلطات الإيرانية التضييق على الاتصالات ومنعت الوصول إلى "إنستغرام" و"واتساب".
قالت وكالة الأنباء "فارس" الإيرانية في 22 سبتمبر إنه "بقرار من مسؤولين لم يعد من الممكن الوصول في إيران إلى إنستغرام (منذ مساء اليوم السابق) وتعطل أيضا الوصول إلى واتساب"، موضحة أن "هذا الإجراء اتخذ بسبب "أعمال نفذها مناهضون للأمن القومي عبر شبكات التواصل الاجتماعي هذه".
ويعد "إنستغرام" و"واتساب" التطبيقين الأكثر استخداما في إيران منذ حجب منصات عدة أبرزها: "يوتيوب، فيسبوك، تلغرام، تويتر، تيك توك" في السنوات الماضية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الإنترنت يخضع لقيود من قبل السلطات.
في السياق، أعرب وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، خلال مقابلة تلفزيونية في 23 سبتمبر، عن قلقه من الحضور المتزايد للمواطنين في الاحتجاجات، وقال إن تعطيل الإنترنت في إيران هدفه السيطرة على المتظاهرين.
ووصف أحمد وحيدي احتجاجات الشعب الإيراني بـ "المنظمة"، وقال إن تعطيل الإنترنت مؤقت، ويتحمل مسؤوليته المحتجون الذين تسببوا في هذا التقييد، لافتا إلى أن القيود "طبيعية للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين".
وشدد وزير الداخلية على ضرورة تطبيق القيود حتى لا يتمكن المتظاهرون من تنظيم الاحتجاجات. وأضاف: "حتى تطمئن أجهزة المخابرات والأمن، فإن تعطيل الإنترنت سيستمر".
بحسب آخر حصيلة نشرها التلفزيون الرسمي في 24 سبتمبر، فإن 35 مواطنا قتلوا منذ اندلاع التظاهرات في إيران، بينهم شرطيون.
فيما أكدت منظمة "إيران هيومن رايتس" المعارضة في أوسلو أن أكثر من 50 شخصا قتلوا في المظاهرات.
وأفادت المنظمة الإيرانية المعارضة خلال بيان لها في 23 سبتمبر بارتفاع الحصيلة بعد مقتل ستة أشخاص بنيران قوات الأمن في بلدة ريزفانشهر في محافظة غيلان (شمال) مساء اليوم الذي يسبقه مع تسجيل وفيات أخرى في بابل وآمل (شمال).
وقال مدير المنظمة محمود أميري، إن "الشعب الإيراني نزل إلى الشارع للنضال من أجل حقوقه الأساسية وكرامته الإنسانية والحكومة ترد على هذه التظاهرات السلمية بالرصاص".
وأكد خروج تظاهرات في أكثر من 30 مدينة، مبديا قلقه حيال "الاعتقالات الجماعية" لمتظاهرين وناشطين من المجتمع المدني.
إجرام النظام الإيراني لا يختلف عن نظيره السوري ولا الروسي في قمع المتظاهرين ..#إيران#IranProtests2022 pic.twitter.com/DUIhxM6XDW
— خالہٰد ابٰٰو جمالہٰ (@abo_gamal_1) September 24, 2022
احتجاجات مختلفة
وعن مدى اختلاف هذه المظاهرات عن سابقاتها ومدى تأثيرها على النظام، قال الكاتب اللبناني المتخصص في الشأن الإيراني مصطفى فحص إنها "ليست احتجاجات مطلبية كما جرى في السنوات الخمس السابقة، وليست رد فعل سياسي كما كانت انتفاضة الحركة الخضراء سنة 2009".
وتابع خلال مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في 23 سبتمبر: "عندما تتجرأ امرأة مسنة في مدينة رشت أن تخلع غطاء رأسها وتخرج إلى الشارع تهتف بالموت لرأس النظام فإن هذه الاحتجاجات تشكل منعطفا ثقافيا واجتماعيا هو الأخطر في تأثيره على طبيعة النظام منذ تأسيسه، وتؤثر مباشرة على استعداداته للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد".
وأوضح فحص قائلا: "فقد نكأ موت الشابة الكردية مهسا أميني جروحا كانت مضمدة داخل المجتمع الإيراني، منذ أن سرق الجناح العقائدي المتشدد ثورة الشعب الإيراني على نظام آل بهلوي، وحولها إلى نظام إسلامي عقائدي، يمارس استبدادا دينيا ومارس تشددا تجاه المرأة الإيرانية التي فقدت كثيرا من حقوقها وكبلت حريتها".
ورأى الكاتب أن "مأساة أميني التي توفيت نتيجة للتعذيب تحولت إلى مأساة وطنية، وانتقلت كالنار في الهشيم وأشعلت انتفاضة شعبية في أغلب المدن الإيرانية، انتفاضة ضد ارتداء الحجاب خطورتها بالنسبة للنظام أنها تمس مباشرة أحد أهم ضوابطه العقائدية".
ولفت إلى أن هذه المظاهرات أخذت منذ اليوم الأول طابعا اجتماعيا وسياسيا مختلفا عما سبقها من احتجاجات كانت في أغلبها مطلبية ترفع بعض الشعارات السياسية ويجري حصرها في مناطقها.
إذ "كان النظام يستغل العامل القومي أو المناطقي في عملية تطويقها، لكن هذه المظاهرات قد تكون الأقرب إلى الاحتجاجات الأولى التي أسست للثورة الإيرانية عندما تجاوز الإيرانيون حينها حساسياتهم المناطقية والدينية والإثنية كافة، وتوحدوا تحت شعار إسقاط النظام السابق".
ورجح فحص أن "ينجح النظام على الأغلب في قمع انتفاضة الحجاب، لكنه سيمارس عنفا مفرطا ويطبق تشددا سيؤدي حتما إلى موجات عنف جديدة، إلا أنه هذه المرة لن يخرج منها سالما لا اجتماعيا ولا عقائديا".
واتفق مع ذلك الباحث في الشأن الإيراني فراس إلياس خلال تغريدة على "تويتر" في 19 سبتمبر، قال فيها إن "النظام في إيران سينتصر بتجاوز معركة مهسا أميني، لكنه سيخسر شرعيتهِ التي بدأت تتآكل يوما بعد آخر، وقد تطوى آخر صفحاته مع وفاة خامنئي".
سينتصر النظام في إيران بتجاوز معركة مهسا أميني، لكنه سيخسر شرعيتهِ التي بدأت تتأكل يوماً بعد آخر، وقد تطوى آخر صفحاته مع وفاة خامنئي....
— فراس إلياس (@FirasEliasM) September 19, 2022
تهديد ووعيد
وفي تحذير جديد من أجهزة الدولة، قال الجيش الإيراني خلال بيان في 23 سبتمبر إنه سيتصدى لما وصفها بـ"مؤامرات الأعداء لضمان الأمن والسلام في البلاد، واصفا الاحتجاجات بالأعمال اليائسة"، مبينا أنها جزء من "إستراتيجية خبيثة للعدو هدفها إضعاف النظام الإسلامي".
وكان الحرس الثوري قد وصف بدوره ما يجري في البلاد خلال بيان في 22 سبتمبر بأنه "مؤامرة"، ودعا السلطة القضائية إلى الكشف عمن سماهم مروجي الشائعات والأكاذيب وكل من يعرض المجتمع للخطر.
وفي الوقت نفسه أصدرت وزارة الاستخبارات بيانا تحذر فيه من المشاركة في احتجاجات وصفتها بغير القانونية. وقالت إنه بسبب استغلال معارضي الثورة لها فإن من يشارك فيها سيتعرض للمتابعة القضائية.
وفي 23 سبتمبر، طالب رئيس السلطة القضائية محسن إيجيي خلال تصريح نقلته قناة "الجزيرة" المدعين العامين والمسؤولين القضائيين بالتعامل بصرامة مع من سماهم مثيري الشغب في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، ومواجهة مروجي الشائعات.
من جهته، قال خطيب الجمعة بالعاصمة طهران أحمد خاتمي في نفس اليوم إن النظام خط أحمر وأنه لن يجري التساهل مع أي طرف يستهدفه، مشيرا إلى أن من وصفهم بالأعداء كانوا يخططون منذ مدة لاستهداف أمن إيران واستقرارها، على حد قوله.
لكن الرئيس إبراهيم رئيسي أطلق تصريحات من نيويورك في 22 سبتمبر، حيث يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال فيها إنه سيجري التحقيق في وفاة مهسا أميني، مشيرا إلى أنه "اتصل بأسرة الراحلة".
وقال رئيسي إن تقرير الطبيب الشرعي لم يشر إلى انتهاكات ارتكبتها الشرطة، "لكنني لا أريد التسرع في استخلاص استنتاجات"، مشيرا إلى أنه "إذا كان هناك طرف مذنب فلا بد من التحقيق في الأمر بالتأكيد".
وأردف رئيسي أن الجمهورية الإسلامية تتمتع بحرية التعبير، لكن الاحتجاجات التي تشهدها الآن هي "أعمال فوضى" غير مقبولة، مضيفا: "يجب النظر في قضايا الحقوق في جميع أنحاء العالم بمعيار واحد".
وأدانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أخرى وفاة أميني وتعامل القوات الإيرانية مع التظاهرات، في حين ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بما عده "تدخلا أجنبيا".
وقال كنعاني خلال بيان له في 20 سبتمبر: "من المؤسف أن بعض الدول تحاول الاستفادة من حادث يتم إجراء تحقيق بشأنه لبلوغ أهدافها ورغباتها السياسية ضد حكومة وشعب إيران".
المصادر
- إيران.. الإعلام الرسمي يقر بمقتل 35 شخصا في المظاهرات
- اتساع رقعة الاحتجاجات في إيران إثر وفاة الشابة مهسا أميني
- مع تصاعد الاحتجاجات في إيران.. حجب مواقع التواصل وعقوبات أمريكية في الطريق
- الرئيس الإيراني يؤكد ان "تحقيقا سيفتح" بعد وفاة الشابة مهسا أميني
- ارتفاع حصيلة ضحايا الاحتجاجات في إيران إلى 31 قتيلا ورئيسي يصفها بـ"أعمال فوضى" غير مقبولة
- احتجاجات إيران في يومها السابع: اشتباكات في الشوارع.. وقطع للإنترنت.. وتنديد دولي
- وزير الداخلية الإيراني: قيود الإنترنت سارية مادامت الاحتجاجات مستمرة
- احتجاجات إيران.. الحرس الثوري يدعو للتعامل بحسم ومظاهرات مرتقبة تؤيد الحكومة
- إيران.. المظاهرات مستمرة والسلطات تفكر في قطع الإنترنت
- إيران.. النظام يحشد مؤيديه والجيش يوجه تحذيرا للمحتجين وحصيلة جديدة للقتلى والمعتقلين
- إيران... النظام والثورة والمرأة