التعديل الحكومي الجزئي بموريتانيا.. ما خلفياته في هذا التوقيت؟
أثار إعلان الرئاسة الموريتانية إجراء تعديل جزئي في حكومة رئيس الوزراء محمد ولد بلال والذي طال 8 حقائب وزارية، جدلا كبيرا في البلاد حول أهداف هذه الخطوة وتوقيتها.
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2022، أصدر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني مرسوما رئاسيا شمل إجراء تعديل وزارات التعليم والزراعة والثروة الحيوانية والتحول الرقمي والتشغيل والتكوين المهني والثقافة، والشباب، والرياضة، والبيئة.
وطال التغيير الجزئي طاقم الرئاسة، واختار الرئيس الموريتاني الوزير الأول الأسبق مولاي ولد محمد الأغظف وزيرا أمينا عاما للرئاسة.
التعديل الحكومي الذي اقترحه رئيس الوزراء الموريتاني محمد ولد بلال، جرى من خلاله تعيين الأمين العام للرئاسة السابق يحيى ولد أحمد الوقف وزيرا للزراعة، ومستشار الرئيس الموريتاني الناني ولد اشروقه وزيرا للنقل ناطقا رسميا باسم الحكومة.
وكلف الغزواني ولد بلال برئاسة الحكومة في 2020، وأجري أول تعديل جزئي عليها في مارس/آذار 2022، شمل 15 حقيبة.
وجرى أيضا تعيين آدما بوكار سوكو وزيرا للتهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، والمختار أحمد يدالي وزيرا للتحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة، وانيانغ مامودو وزيرا للتشغيل والتكوين المهني.
كما عين محمد ولد اسويدات وزيرا للثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، ولاليا علي كامارا وزيرة للبيئة والتنمية المستدامة، وإبراهيم فال ولد محمد لمين وزيرا للتنمية الحيوانية.
وكان من أبرز الخارجين من الفريق الحكومي وزير التهذيب وإصلاح النظام التعليمي محمد ماء العينين ولد أييه، الذي فرغ، حسب مراقبين، لرئاسة الحزب الحاكم، والعمل على إصلاحه، والتحضير للاستحقاقات القادمة.
كما خرج بموجب هذا التعديل وزير الثقافة والشباب والرياضة ختاري ولد الشيباني، ووزير التحول الرقمي والابتكار وعصرنة الإدارة الشيخ الكبير ولد الشيخ الطاهر، ووزيرة البيئة والتنمية المستدامة عائشة داوودا جالو.
خطوة تكتيكية
هذا التعديل الجديد، الذي يأتي قبل نحو سنة من الانتخابات النيابية، عده مراقبون استجابة للانتقادات التي طالت بعض القطاعات الخدمية أخيرا في البلاد.
بينما يرى آخرون أنه خطوة تكتيكية للرئيس الموريتاني خاصة مع اقتراب الاستحقاقات النيابية.
فما هي خلفيات هذا التعديل الحكومي الجزئي؟ وهل للأمر علاقة بقرب الاستحقاقات الانتخابية؟ أم أنه تعديل اضطراري لتجاوز الانتقادات التي رافقت تسيير الحكومة لبعض القطاعات؟
مدير النشر في موقع نوافذ الموريتاني عبد المجيد ولد إبراهيم، قال إنه "من الصعب قراءة فلسفة التعديلات الحكومية في موريتانيا بسهولة، فهي تحمل في كثير منها رسائل تحتاج للتشفير".
وأضاف عبد المجيد ولد إبراهيم، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الثابت في التعديلات وسط سيل من المتحولات هو المحافظة قدر الإمكان على التوازنات السياسية والجهوية بل وحتى القبلية، فلا يكاد يخرج وزير من قبيلة أو إثنية إلا وخلفه ابن عمه".
من جهته، يرى المحلل السياسي الموريتاني ورئيس تحرير "صحراء ميديا"، الشيخ محمد حرمة، أن هذا التعديل الحكومي الجزئي يمكن قراءته من خلال عدة زوايا، الأولى تتعلق بجانب الخدمات.
وأوضح الشيخ محمد حرمة، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هناك انتقادات وجهت لبعض الوزارات والقطاعات الخدمية، مما أثر على الفريق الحكومي، ولذا كان من الضروري التدخل وتصحيح بعض العيوب داخل هذا الفريق".
وأضاف أنه "يمكن أن نضرب مثالا على ذلك بخروج وزير النقل وتكليفه بوزارة التحول الرقمي الذي هو تخصصه الأصلي"، مبينا أن الوزير المختار أحمد يدالي "كلف في البداية بوزارة النقل تكليفا مؤقتا".
وتابع أنه "كان من الضروري تصحيح هذا الخلل عبر تعيين وزير نقل جديد لديه خبرة وكاريزما لقيادة هذه الوزارة المهمة التي تعرضت لكثير من الانتقادات بسبب تأخر بعض المشاريع الطرقية والجسور وبعض المشاريع المهمة التابعة لهذه الوزارة".
وسجل أنه "كان من الضروري أن يعين الرئيس وزير نقل جديد يحظى بثقته وهو شخص مقرب منه على الصعيد الشخصي والاجتماعي وتربطه صداقة خاصة به ممثلا بشخصية الناني ولد اشروقة، وهو وزير سابق ولديه خبرة طويلة في العمل الحكومي".
وقال إن "وزير النقل السابق كلف بوزارة التحول الرقمي وهو مهندس، وبالتالي كان هذا مثالا على البعد الخدماتي في التعديل الجزئي الذي طرأ على الحكومة".
نكهة انتخابية
وأفاد المحلل السياسي الموريتاني ورئيس تحرير صحراء ميديا، أن الزاوية الثانية لهذا التعديل الحكومي مردها سياسي؛ أي الاستعداد للانتخابات المقبلة.
وأردف أن مؤشر ذلك هو "خروج وزير التهذيب الوطني ماء العينين ولد إييه وتفريغه لمهمة رئاسة الحزب الحاكم وهو الذراع السياسي للرئيس الحالي".
وأشار إلى أنه جرى تغيير اسم الحزب الحاكم وخضع لتعديلات كبيرة لإصلاحه وتقريبا يتم بشكل ضمني تأسيس حزب سياسي جديد ليشكل قطيعة مع الممارسات السابقة التي كانت تحدث خلال حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.
وخلص إلى أنه بناء على ذلك كان من الضروري تفريغ رئيس الحزب (ماء العينين ولد إييه) وإعفاؤه من العمل الحكومي حتى يتولى مهمة إصلاح الحزب قبل عام من الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية التي ستنظم منتصف العام 2023.
وهو نفس ما ذهب إليه الباحث في العلوم السياسية بون باهي، الذي يرى أنه حصل قبل فترة تغيير في الحزب الحاكم بدءا بتغيير اسمه من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ليصبح اسمه الجديد حزب الإنصاف.
وأضاف الباحث الموريتاني في العلوم السياسية، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "جرى تعيين لجنة لإصلاح الحزب ضمت شخصيات أكاديمية وسياسية وازنة مع التحضير لضخ دماء جديدة في الحزب".
وأكد بون باهي، أن "أحد أهداف التعديل الحكومي الجديد الذي شهد خروج بعض الوزراء من ضمنهم رئيس الحزب الحاكم حاليا له صلة بالتحضير للانتخابات القادمة الجهوية والنيابية والمحلية".
وبين أن "دخول وزراء جدد ربما يهدف إلى خلق توازنات سياسية عادة ما تكون مطلوبة في مثل هذه الظروف".
بدوره، قال المدير الناشر لموقع نوافذ الموريتاني عبد المجيد ولد إبراهيم إن "أبرز ما يمكن أن نقرأه في هذا التعديل هو أنه حكومي بنكهة انتخابية".
وأردف أنه "في كثير من دلالاته استعداد مبكر للانتخابات البلدية والنيابية التي تتحدث أوساط كثيرة عن تعجيلها عن موعدها".
ومن المنتظر أن تقام الانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة في ديسمبر/كانون الأول 2023، فيما تشير الآجال القانونية إلى أن موعد الانتخابات الرئاسية سيكون في الشهور الأخيرة من 2024.
تهدئة سياسية
وغير بعيد عن إكراهات السياسة، يضيف عبد المجيد ولد إبراهيم، "يأتي تعيين وزير جديد للتهذيب على بعد أسابيع من الافتتاح الدراسي وذلك بعد تعيين الوزير السابق للتهذيب رئيسا لحزب الإنصاف الحاكم في موريتانيا".
وسجل أن "ما عدا ذلك فهي تغييرات فنية أملاها عجز الوزراء المغادرين عن تسيير الملفات التي كلفوا بها بموجب التعديل السابق".
عبد المجيد ولد إبراهيم، توقف عند عودة مولاي ولد محمد الأغظف (الأمين العام للرئاسة) إلى صدارة العمل الحكومي، والتوقيت الذي اختاره فيه الرئيس الموريتاني.
وعد أن هذه الخطوة محاولة "لقطع الطريق على منافسة محتملة له في الرئاسيات المقبلة في حين ينظر إلى أنصاره بكونه مغازلة للقواعد الانتخابية في الشرق الموريتاني".
وفي المقابل، يرى المحلل السياسي الموريتاني ورئيس تحرير صحراء ميديا، الشيخ محمد حرمة، أن الزاوية المهمة في هذا التعديل هي "عودة ولد الغزواني إلى إحياء مشروع التهدئة السياسية خاصة في ظل التصعيد الاجتماعي، وكل حالات الغليان التي يشهدها الشارع الموريتاني".
ورأى أن في إطار "إحياء مشروع التهدئة السياسية" يأتي "تعيين مولاي ولد محمد الأغظف وهو الوزير الأول السابق في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية".
وبين أن هذا المنصب مهم، ولكن الأهم هو طبيعة الشخصية المعينة".
وكشف أن أغلب المحللين يرون في عودة مولاي ولد محمد الأغظف بأنها عودة من الرئيس لإحياء مشروع التهدئة السياسية.
أي أنه يبحث عن شخصية محل إجماع وطني تكنوقراطية ليس لديها مشاكل أو خصومات داخل الساحة السياسية.
فهو، أي الأغظف شخص من الموالاة داعم للرئيس ولتوجهات الدولة لكنه في نفس الوقت صديق مقرب جدا من مختلف أطراف المعارضة، كما قال.
ولاحظ أن "مشروع التهدئة الذي بدأ به ولد الغزواني حكمه تعرض لعدة هزات، من خلال فشل مشروع التشاور الوطني وحالة التململ والتضايق من طرف بعض أحزاب المعارضة".
وخلص الشيخ محمد حرمة إلى أنه في ظل هذا الواقع "يأتي تعيين مولاي محمد الأغظف من أجل إعادة مشروع التهدئة السياسية للواجهة".