مع "الأسد" ضد إرادة الشعب السوري .. هكذا حسمت "حماس" خيارها
أغلقت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" رسميا الباب أمام كل الدعوات الشعبية السورية والعربية ومن شخصيات لها ثقلها الإسلامي حثتها على التراجع عن خطوة تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد مجددا.
وأصدرت حماس في 15 سبتمبر/أيلول 2022 بيانا رسميا بعد شهرين ونصف من تسريبات حول استئناف علاقاتها مع النظام، أكدت فيه على "مُضيها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية".
وجاء في البيان أن قرار عودة العلاقات مع النظام السوري بعد قطيعة استمرت لعقد من الزمن، بما سمته "جاء خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين". وحمل بيان الحركة عنوان "أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان".
وأشارت فيه إلى متابعتها بـ"اهتمام استمرار العدوان الصهيوني على سوريا الشقيقة، بالقصف والقتل والتدمير، وتصاعد محاولات النيل منها وتقسيمها وتجزئتها، وإبعادها عن دورها التاريخي الفاعل، ولا سيما على صعيد القضية الفلسطينية".
وشكل قمع النظام السوري للثورة الشعبية التي اندلعت في مارس/آذار 2011، دافعا لحركة حماس لإعلان قادتها وقوفهم إلى جانب خيار الشعب السوري الثائر.
وقررت حماس نقل مقراتها وقياداتها خارج سوريا، إذ غادر رئيس المكتب السياسي لها آنذاك خالد مشعل عام 2012 مقر إقامته من دمشق إلى الدوحة، بعدما اتخذت الحركة منذ عام 1999 العاصمة السورية مقرا لها.
خانة الاستبداد
لم يكن قرار حماس الحاسم مفاجئا للأوساط الشعبية العربية وجمهور الربيع العربي الواسع، كونه أبقى الباب مواربا على مدى شهرين ونصف، مذ قررت الحركة الإجماع على عودة علاقاتها مع النظام السوري، حسبما نقلت وكالات دولية عن قيادات داخلها في 21 يونيو/حزيران 2022.
لكن ما كان صادما لتلك الأوساط، هو وضع الحركة خيارها في خانة نظام الأسد الذي أثبتت الوقائع قتله للسوريين والفلسطينيين على حد سواء خلال العقد الأخير.
كما استشاط الإعلان غضب الكثير من الكتاب والدعاة المسلمين، واستهجنوا رمي حماس فتاوى تحرم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد شرعا وراء ظهرها.
ووصل الأمر حد خوض ثلة من العلماء المسلمين مناقشات جادة مع "حماس"، لدفعها للتراجع عن موقفها من إعادة علاقاتها مع النظام السوري.
وعقب ذلك اللقاء نشر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 9 يوليو/تموز 2022، بيانا أكد فيه الاستماع لقادة حماس حول ما يتعلق بقرارهم المذكور.
ولفت البيان إلى أن مجمل الحضور من العلماء بينوا "أن في هذا القرار مفاسد عظيمة ولا يتفق مع المبادئ والقيم والضوابط الشرعية".
وأشار إلى أن "العلماء في انتظار رد قيادة الحركة ليقوموا بالواجب الشرعي المناسب للموقف والمحقق لمصلحة قضية فلسطين التي هي قضية المسلمين جميعا".
وسبق أن أصدر الداعية الموريتاني محمد الحسن الددو كلمة صوتية، أفتى فيها بعدم جواز استعادة العلاقات مع النظام السوري؛ لما في ذلك من المفاسد.
وأضاف أنه "لم يتجدد منذ ذلك اليوم إلى يومنا لبشار الأسد، إلا زيادة في القبح والإسراف في الدماء وتدمير البلاد والعباد وكل يوم يزداد إجراما ونكاية في هذه الأمة".
وقال الددو مخاطبا حماس: "لا أرى أنه يجوز لكم أن تربطوا مع بشار الأسد أي علاقة لما في ذلك من تلويث الحركة وتشويه سمعتها وإلحاق الضرر الكبير لدى عمقها وهي الأمة الإسلامية وأهل السنة بالخصوص".
اصطفاف واضح
أصدر المجلس الإسلامي السوري المعارض، في 23 يوليو 2022، بيانا عد فيه "أن إعادة حماس علاقتها مع العصابة المجرمة الحاكمة في سوريا يستكمل مشهد اصطفاف الحركة مع المحور الإيراني الطائفي المعادي للأمة محور إيران الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية خداعا ويوغل في سفك دم المسلمين بسوريا والعراق واليمن".
ويقصد بمحور المقاومة، المناطق التي ينتشر بها الوجود الإيراني في الشرق الأوسط وتزعم عداءها لإسرائيل والولايات المتحدة (إيران، العراق، سوريا، لبنان، اليمن).
وشدد بيان المجلس على أن نظام الأسد "عدو لفلسطين وشعبها كعداوتها لسوريا وشعبها، ويشهد على ذلك مئات المجازر من تل الزعتر إلى التضامن ومجازر حي اليرموك، وآلاف المعتقلين الفلسطينيين الذين لايزالون يقبعون في أبشع المسالخ البشرية".
وأثار إعلان حماس عزمها استئناف علاقاتها مع نظام بشار الأسد، الذي شرد وقتل السوريين والفلسطينيين معا على مدى العقد الأخير، عاصفة من الانتقادات، وصلت لحد المطالبة الشعبية بـ "البراءة" من الحركة، إن لم تتراجع عن خطوتها الجديدة.
ومع القرار الجديد ضجت مواقع التواصل ببيانات ومواقف شخصية اجتماعية وكتاب وعلماء مسلمين، منتقدة لموقف الحركة الرسمي الحاسم.
وعد الداعية السوري، محمد بشير حداد، موقف حماس التي تأسست عام 1987، "يعني تأييدها لتهجير بشار الأسد لـ 13 مليون سوري من الطائفة السنيّة، وقتله مئات الآلاف من الأطفال السوريين والأمهات السوريات، وإحداث التغيير الديمغرافي الذي يقوم به إيران".
وأضاف قائلا على صفحة الشخصية: "موقف حماس يعني التغاضي عن قتل الفلسطينيين السوريين وسحلهم وسحقهم في لبنان وسوريا، وكذلك تمكين التشيع الذي تعمل عليه طهران انطلاقا من سوريا".
ويؤكد مراقبون أن إيران لعبت دورا كبيرا في مد يد حماس للنظام السوري مجددا، رغم تشريده نحو عشرة ملايين سوري وتدمير منازلهم وقتل مئات الآلاف منهم بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون.
ورأى البعض أن حماس بموقفها يعني أنها لم تكترث بالشعوب العربية التي حددت الموقف من نظام الأسد هو المعيار الأخلاقي لكل فرد وجماعة تنشط في العمل السياسي.
جبهة "الطغاة"
وفي هذا السياق، يؤكد منسق عام تجمع "مصير" المحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم أنه "بإعلان حماس الصريح عن إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، تكون الحركة قد غلبت لغة المصالح على المبادئ".
وبين أبوهاشم لـ"الاستقلال" أن الخطوة أكدت "انحياز حماس إلى جبهة المستبدين والطغاة على حساب دماء ومعاناة الشعب السوري وكذلك الفلسطينيون السوريون الذين دفعوا ضريبة من الظلم والمعاناة لا تقل عن أخوتهم السوريين".
وأضاف أبو هاشم، أن "هذا الموقف يحول حماس من حركة مقاومة تواجه الاحتلال، إلى أخرى تتاجر بالمقاومة وتضع عليها الكثير من علامات الاستفهام حول دورها ووظيفتها".
"فأي حركة مقاومة من الطبيعي أن تكون في خندق الشعوب وأن تدافع عن كفاحهم في الخلاص من أنظمة الاستبداد كما هو حال الشعب السوري"، وفق قوله.
وأردف: "من الواضح أن هناك نزعة انتهازية من قيادة حماس، والتي تعتقد أن إعادة التطبيع مع نظام الأسد من البوابة الإيرانية سيمنحها هامشا كبيرا من الدعم المادي والسياسي وفك العزلة والحصار عن الحركة، وهذا تفكير آني وينم عن مصالح تتعلق بحسابات سلطوية".
وواصل قائلا: "فلو كان هناك تفكير فعلي بمبادئ وقيم الحركة لما قبلت على نفسها التطبيع مع نظام قاتل مجرم أسهم في تدمير سوريا وتهجير أهلها".
عسيرة الطفل الغريق ... مرة بشار الأسد أغرق ٤٠٠ طفل بليلة واحدة في الغوطة ماتوا غرقاً بالكيماوي ! pic.twitter.com/0iYJrUaZ1B
— موسى العمر (@MousaAlomar) September 2, 2015
ورأى منسق عام تجمع "مصير": "أن موقف حماس طعنة في كل تضحيات الشعب السوري ومن في حكمهم من الفلسطينيين، وهو أيضا يسيء إلى تضحيات كل شهداء الحركة وأسراها لدى الاحتلال الإسرائيلي في معرض كفاحهم من أجل حرية الشعب الفلسطيني".
وألمح أبو هاشم إلى أن "موقف حماس يجعل منها أداة بيد إيران والنظام السوري، على حساب حقوق الشعوب".
وختم بالقول: "الثورة السورية بعد 11 عاما كانت كاشفة لكل الأحزاب والشخصيات، ويبدو أن حماس سقطت في هذا الامتحان واختارت الطريق الذي يقف على نقيض الحق ويختار الاصطفاف مع الظالمين، وسيسجل لها التاريخ هذه السقطة الأخلاقية والإنسانية بحق الشعبين السوري والفلسطيني".
بدوره ربط الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد الهواس، خطوة حماس "بكونها منذ مدة أصبحت أحد أذرع إيران في المنطقة، وهي تعمل على غسل يد المجرمين الإيرانيين في سوريا والعراق واليمن ولبنان وتظهرهم مظهر الداعم للمقاومة".
وأضاف الهواس لـ"الاستقلال"، أن "حماس هي الضلع الثالث في نظرية أم القرى أي الأحزمة التي تحمي إيران ومنها الحزام الذي يتحدث عن الحركات السنية التي لها مصلحة مع طهران".
وأردف قائلا: "منذ سقوط العراق عام 2003 أصبحت حماس في تحالف مع الإيرانيين وذراعا من أذرع الولي الفقيه في المنطقة، وبالتالي لم تعد تملك الحركة أمرها، وهي تساهم بنشر التشيع ولا سيما التشيع السياسي".
ومنذ ثمانينيات القرن العشرين سوقت طهران لنظرية "أم القرى" التي تقوم على أن إيران ليست إحدى الدول الإسلامية فحسب، بل هي (أم القرى/دار الإسلام)، ومن خلالها سعى نظام الولي الفقيه للترويج على أنه لا إسلام إلا "إسلام إيران ولا ريادة ولا قيادة للعالم الإسلامي إلا بانتهاج تعاليم ثورة الخميني".
تكتل واحد
وعلق القيادي بحركة "الجهاد الإسلامي"، خضر حبيب، على خطوة حماس بقوله: "إن تطويرها لعلاقاتها مع سوريا خطوة في الاتجاه الصحيح، وتعزز محور المواجهة مع الاحتلال، والقطيعة لا تخدم سوريا ولا القضية الفلسطينية".
وضمن هذا الإطار، قال أيمن الرفاتي، مدير مركز الدراسات الإقليمية- فلسطين، لـ"الاستقلال"، إن "ذهاب حماس لهذا الخيار متعلق بعدد من القضايا المهمة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحالة الاصطفاف التي تجرى في المنطقة وفقا للمتغيرات الدولية التي تدفع لتجاوز كثير من الاعتبارات التي كانت تمنع سابقا عودة العلاقة".
وأضاف الرفاتي: "حماس منفتحة على جميع الأطراف طالما أنهم ضد دولة الاحتلال ويمكن أن يخدموا القضية الفلسطينية ويسرعوا بإنهاء حالة الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وبالتالي هذا هو المحدد الأساسي".
ورأى الرفاتي: "أن خيار حماس مع النظام السوري ناجم عن حالة اصطفاف وتشكل تحالفات بالمنطقة ضد القضية الفلسطينية ومشروع المقاومة، والمقصود هنا تحالف التطبيع العربي مع الاحتلال".
ومضى يقول: "وأمام ذلك كان واجبا أن يجرى تجميع جميع الأطراف المعادية والمضادة لدولة الاحتلال في تكتل واحد، مما يعني أن إعادة حماس علاقاتها مع النظام السوري، هو محاولة لإعادة الارتباط بالقضية الفلسطينية".
وزاد قائلا "ونتيجة المتغيرات في الساحة الإقليمية لم تقتصر على حماس في إعادة علاقاتها مع النظام السوري، ويجرى الحديث عن دول عربية وأخرى إسلامية مثل تركيا التي كانت في حالة عداء شديد مع النظام وحاليا تجرى مباحثات للمصالحة بينهما".
ولفت الرفاتي، إلى أن "حماس ترى أن لها فرصة في المرحلة المقبلة لكسر الحصار عن قطاع غزة عبر الممر البحري الجديد (دشنته في سبتمبر 2022)، وأفضل طريق يمكن أن تصل فيه السفن ومن ثم ترسو في أي ميناء على البحر المتوسط هو الموانئ السورية".
وزاد بالقول: "وربما إعادة العلاقة بين حماس والنظام السوري قد يكون عنوانا لكسر الحصار عن قطاع غزة خلال الفترة المقبلة".
وكان رئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، قال في 30 أبريل/نيسان 2022، إن المقاومة الفلسطينية تعد لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة المستمر منذ 15 عاما.
وبين السنوار حينها بالقول: "سنبدأ قريبا بالتنسيق مع محور القدس؛ لتشغيل الخط البحري لقطاع غزة لنكسر الحصار كاملا، والمشاورات والترتيبات تجرى على قدم وساق، وسنخرج من غزة ونعود إليها، واللي عاجبه عاجبه.. واللي مش عاجبه خاوة، ورغما عن أنفه".
وتزامن الإعلان عن استئناف العلاقات مع إجراء وفد من الحركة يتقدمه رئيس المكتب السياسي لها إسماعيل هنية، زيارة إلى موسكو في 14 سبتمبر 2022، التقى فيه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كما عقدت قياداتها اجتماعات في مجلس الدوما وبعض المؤسسات الأخرى.
وقال هنية، إنه جرى في العاصمة الروسية التوصل إلى قرارات في عدد من القضايا الشرق أوسطية، ونوقشت خلال ذلك، قضايا الأمن والمزيد من التعاون، بما في ذلك في الشرق الأوسط.