رغم استغلاله غزو أوكرانيا.. لهذا فشل الاحتلال في زيادة أعداد اليهود بفلسطين

12

طباعة

مشاركة

عائلة فلسطينية تهجر من أرضها في قرى الضفة الغربية، لتأتي أخرى يهودية وتسكن مكانها، هذا هو الحال القائم في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي منذ نكبة عام 1948.

ولكن منذ فبراير/شباط 2022، مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، سعت دولة الاحتلال الإسرائيلي لإحداث نكبة جديدة عبر استثمار الحرب في تشجيع هجرة كبيرة، تشكل لها خزانا بشريا لمواجهة مشاكلها الديمغرافية. 

ويأتي الجنون الإسرائيلي في محاولة استقطاب المهاجرين من أوكرانيا وروسيا وغيرها من دول العالم في ظل العديد من الأزمات التي تضرب المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال.

وأيضا مع تزايد المؤشرات التي تدل على انكماش الوجود اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقالت صحيفة "تايمز إسرائيل" في الأول من سبتمبر/أيلول 2022، إن اليهود أصبحوا أقلية في أرض فلسطين التاريخية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط بنسبة 43 بالمئة من نسبة السكان، "وهو الأمر الذي يقرع طبول الخطر".

آلاف المهاجرين

وبدأت موجة الهجرة الأكبر تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال العقدين الماضيين. وبعد مرور قرابة 7 أشهر على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وصل عدد المهاجرين إلى 31 ألف يهودي، من بينهم 12,175 أوكرانيا.

أما أعداد اليهود الروس الذين وصلوا خلال الحرب فقد بلغ 18,891 مهاجرا. وهذا الرقم أعلى بنسبة 318 بالمئة عن نفس الفترة في عام 2019 عندما وصل 9774 مهاجرا يهوديا.

ومنذ بداية الأزمة بدأت إسرائيل بالتخطيط لاستقطاب الجالية اليهودية في أوكرانيا وروسيا.

وأعلنت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أيليت شاكيد، في مارس/آذار التجهز لاستقطاب 100 ألف مهاجر أوكراني يهودي.

وأنه يوجد في أوكرانيا نحو 200 ألف مستحق للهجرة إلى إسرائيل، وفي روسيا 600 ألف، ستحاول إسرائيل جلبهم بموجب "قانون العودة".

وهذا القانون يسمح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية، حسب شاكيد.

وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في أغسطس/آب 2022، بأن 10 إلى 12 رحلة جوية، من بولندا ورومانيا وهنغاريا ومولدوفا وسلوفاكيا، تصل إلى إسرائيل يوميا، لنقل لاجئين أوكرانيين. 

وبمجرد وصولهم إلى مطار بن غوريون في اللد يخضعون لاستجواب حول الهوية الدينية، وسبب اللجوء، وكذلك إن كان هناك رغبة بالعودة لبلادهم.

ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية حاتم أبو زايدة، إن إسرائيل هدفت للاستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية من خلال تشجيع الهجرة من البلدين، خصوصا أنهما يضمان أعدادا كبيرة من اليهود.

كما أنها سعت للاستفادة من هذه الأعداد من المهاجرين في تغيير الوضع الديموغرافي في الأراضي المحتلة، وفق ما قال أبو زايدة في حديث لـ "الاستقلال".

وأضاف "تعكف إسرائيل على استثمار الحروب وبؤر الصراع أو الأزمات الاقتصادية في المناطق ذات الوجود اليهودي في تنشيط الهجرة خصوصا أن الأمر يتعلق بروسيا التي تضم ثالث أكبر جالية يهودية إلى جانب أميركا وأوكرانيا".

وأوضح الباحث أن الحرب دفعت آلاف اليهود الأوكران للجوء لدولة الاحتلال والتقديم لطلب الجنسية، وكذلك فعلوا في روسيا بعد فرض عقوبات عليها.

وفي ذروة استقبال إسرائيل المهاجرين اليهود من روسيا، علقت موسكو عمل الوكالة يهودية على الأراضي الروسية.

وأعلنت وزارة العدل الروسية في يوليو/تموز 2022، سعيها لحل "الوكالة اليهودية" في روسيا بسبب ما تنسبه السلطات إلى الوكالة التي تعد أكبر منظمة يهودية غير ربحية في العالم، تساعد اليهود على الهجرة إلى إسرائيل، من انتهاك لقوانين الخصوصية.

ومن جانبه، هدد رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، بأن قرار الحكومة الروسية وقف نشاط الوكالة اليهودية في روسيا، سيكون حدثا خطيرا، وسينعكس على العلاقات مع موسكو.

ويهدد القرار الروسي الخطة الإسرائيلية التي تستهدف 600 ألف يهودي روسي تراهن على استقطابهم في ظل العقوبات العالمية تجاه موسكو والتدهور في الاقتصاد الروسي وازدياد معدلات البطالة والفقر.

استغلال واضح

وتوظف سلطات الاحتلال المهاجرين اليهود من أوكرانيا وروسيا في سياستها ضد الفلسطينيين، وركزت توطينهم في الضفة الغربية والنقب وشمال فلسطين وحيفا، وهي المناطق التي تسكنها غالبية فلسطينية، حسب وزارة الهجرة والاستيعاب بحكومة الاحتلال.

وقال مدير مجلس المستوطنات، يغآل ديلموني، إن "المهاجرين الذين يريدون الهجرة نعرض عليهم خيار العيش في المستوطنات، ويمكننا أن نوفر لهم اتصالا بالسلطات الإقليمية والعائلات الناطقة بالروسية التي يمكن أن ترافقهم في عملية الاندماج".

وبحسب ديلموني، انتقلت حوالي 60 عائلة أوكرانية في الأشهر الأربعة الأولى للحرب، للعيش في مستوطنات الضفة الغربية.

وأعرب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس في أبريل/نيسان، 2022، عن قلقه من فرار يهود أوكرانيا من الحرب للانضمام إلى المستوطنات، وتخوفه من أن يتحولوا لنسخة أخرى من المهاجرين السوفييت الذين هاجروا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وأسسوا مستوطنات في الضفة الغربية.

وقالت المحامية الفلسطينية والمستشارة السابقة لمنظمة التحرير ديانا بوطو، إن "إرسال الأوكرانيين إلى المستوطنات استغلال خبيث لمحنتهم".

وأشارت إلى أن "الأوكرانيين يفرون من الحرب ومن الاحتلال، ثم يتحولون بعد ذلك الى أدوات لمجرمي الحرب"، وفق ما نقلت عنها وكالة الأنباء الفرنسية في 30 أغسطس 2022.

ولا تكتفي إسرائيل باستخدام المهاجرين لاستيطان الضفة الغربية، بل باتت تستخدمهم كسلاح بوجه فلسطينيي الداخل المحتل.

وقدمت وزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية طلبا لاستقدام 3 آلاف طبيب يهودي من جميع أنحاء العالم، وذلك "للجم الارتفاع المتواصل" في نسبة الأطباء من فلسطينيي الداخل بالجهاز الصحي بالأراضي المحتلة.

ويأتي الطلب رغم وجود المئات من الأطباء الفلسطينيين في الداخل ممن اجتازوا الامتحانات كافة وحصلوا على رخصة مزاولة المهنة، لكن لا يجرى تشغيلهم ودمجهم بالجهاز الصحي في بلادهم، بحسب موقع عرب 48 المحلي.

وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية حاتم أبو زايدة إن دولة الاحتلال تعمل على توظيف اليهود المهاجرين في إسكان الوافدين بمستوطنات الضفة الغربية من أجل التهام الأراضي وتهجير المزيد من الأهالي.

 وكذلك محاربة الوجود الفلسطيني في الداخل المحتل، وإغراق مناطق سكنهم باللاجئين اليهود، والتجنيد في جيش الاحتلال خصوصا أنه يعاني من نقص في القوة البشرية المستعدة للمشاركة في العمل العسكري.

وأردف قائلا "في المناطق ذات الاستقرار الاقتصادي والأمني لا يميل اليهود للهجرة إلى دولة الاحتلال؛ لذلك تخصص إسرائيل مغريات عديدة تحاول من خلالها جذبهم وحملهم على مغادرة بلدانهم".

لفت أبو زايدة الانتباه إلى أن موجات الهجرة لا تساعد كثيرا في تخفيض الفرق بين أعداد الفلسطينيين والمستوطنين؛ بسبب معدلات التكاثر الأعلى بالنسبة للمجتمع الفلسطيني، وأيضا ارتفاع معدلات الهجرة العكسية من إسرائيل.

هل تستحق الهجرة؟

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها دولة الاحتلال في محاولة إقناع يهود العالم بالهجرة إليها، فإن الهجرة لا تنشط إلا في الأزمات.

فيما لا تشهد الفترات الهادئة نشاطا لطلبات الجنسية الإسرائيلية، وفق ما أظهرت السنوات الماضية.

وتشير استطلاعات الرأي في المجتمع الإسرائيلي إلى زيادة الراغبين بالهجرة العكسية من إسرائيل، لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية.

وأظهر استطلاع أجراه مركز يورشليم للإستراتيجية والأمن في يونيو/حزيران 2022 أن 82 بالمئة من الإسرائيليين يشعرون بتدهور أمنهم الشخصي.

ويأتي هذا خصوصا بعد تنامي المقاومة المسلحة في الضفة الغربية والتي ضربت عمق تل أبيب في الأشهر الأخيرة.

وكشفت صحيفة "إسرائيل هيوم"، في مايو/أيار 2022، عن "قلق الإسرائيليين من عدة مشكلات تواجه مجتمع الاحتلال، وأبرزها التهديدات الأمنية والأوضاع الاقتصادية والغلاء والشرخ الاجتماعي، وذلك من خلال استطلاع عرضته الصحيفة.

وأظهر الاستطلاع أن 40 بالمئة من المستطلعين غير متفائلين تجاه مستقبل دولة الاحتلال، وبين غالبية غير المتفائلين من الشباب.

وفي معطى آخر مثير لقلق الساسة في دولة الاحتلال، أوضح الاستطلاع أن "حوالي 33 بالمئة من الصهاينة فكروا بالهجرة العكسية من الكيان في العام الأخير، 66 بالمئة منهم أصغر من عمر الـ24 سنة، وحوالى 53 بالمئة لغاية عمر الـ34 سنة".

وبدوره، قال مدير مركز الهدهد المختص في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات إن دولة الاحتلال تحاول جاهدة جلب أكبر قدر من المهاجرين اليهود من أي مكان في العالم، ولكن خطتها لا تسير كما تريد.

وأضاف في حديث لـ "الاستقلال" أن هناك نوعين من الهجرة لإسرائيل، الأولى الهجرة الدائمة وهي ضعيفة جدا.

والثانية الهجرة المؤقتة والتي يحصل من خلالها اليهودي على الجنسية ويخدم في جيش الاحتلال لعامين ثم يعود لموطنه الأصلي، وقد أوجد له مكانا بديلا وموطئ قدم في حال حدوث طارئ.

وشدد بشارات على أن إسرائيل لم تعد مكانا مشجعا للمهاجرين اليهود ليتركوا بلدانهم ويقدموا لدولة الاحتلال، بل باتت تستغل الأزمات والحروب كمواسم للهجرة خصوصا فيما تمر فيه من ظروف أمنية واقتصادية وسياسية.

وتابع "على خلاف رهانات الاحتلال، تشهد إسرائيل نشاطا بالهجرة العكسية للعقول ورؤوس المال والشركات وسببها يعود لضعف الاستثمار والصعوبات الاقتصادية وغياب الاستقرار السياسي".

وأوضح المختص أن غياب الأمن واحتمالية حدوث الحروب دائما من الأسباب التي تحد من الهجرة، وأيضا تشجع للهجرة العكسية، وهي معضلة تاريخية يواجها كيان الاحتلال منذ قيامه.