معهد أميركي ينتقد مخاطر سياسة بايدن "المتقاعسة والمترددة" في سوريا
وصف المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل رايبورن، سياسات إدارة الرئيس جو بايدن تجاه القضية السورية بـ"الانكماشية والمترددة".
واستعرض معهد "هوفر" الأميركي تقريرا لجويل رايبورن قال فيه إنه بعد أكثر من عام ونصف من ولاية بايدن، يتجنب الأخير وضع سياسة جادة تجاه سوريا.
واستدرك: "لكن التظاهر بعدم رؤية المخاطر لا يجعلها تختفي، ولا يصح للقوة العظمى في العالم أن تتبنى هذا النهج".
ويرى المعهد أن المخاطر التي أجبرت إدارتي باراك أوباما، ودونالد ترامب، على تبني نهج عملي تجاه سوريا لا تزال قائمة، وهي: الإرهاب، والإبادة الجماعية، ومشكلة اللاجئين، والأسلحة الكيماوية، وانتهاكات النظام الإيراني.
هذا بالإضافة إلى وجود معتقلي تنظيم الدولة في سجون ضعيفة الحراسة شمال شرقي سوريا، ومنافسة القوى العظمى بما فيها روسيا، والصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل أنقرة.
وهذه كلها، وفقا لـ"رايبورن" الذي خدم في إدارة ترامب كمسؤول عن الملف السوري، مخاطر قد تتحول إحداها إلى أزمة إقليمية أو دولية في غضون أسبوع واحد فقط.
خطابات بلا أفعال
ويؤكد التقرير أن إدارة بايدن اختارت تقليص أهدافها في سوريا، لتكتفي فقط بالتصريحات، دون اتخاذ خطوات عملية، إلا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والمساعدة الإنسانية.
غير أن الخطوات القليلة التي تتخذها إدارة بايدن هناك "مفككة" و"غير متكاملة"، حسبما وصفها التقرير.
فمن ناحية، تنشط السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، في مسألة ضمان تدفق المساعدات الإنسانية.
ومن ناحية أخرى، يحاول قائد القيادة المركزية الأميركية إريك كوريلا، منع إيران من مهاجمة قواته داخل سوريا، لكن لا توجد سياسة أميركية شاملة تربط جهود المسؤولين.
ويؤكد "رايبورن" أن نهج عدم التدخل الذي تتبعه إدارة بايدن يتسبب في تكاليف باهظة ومخاطر على السياسات العامة للولايات المتحدة.
إذ يرى المسؤول الأميركي السابق أن سوريا منفصلة عن السياسة الأوسع للحكومة الأميركية تجاه إيران، وأن الضغط الذي يمكن أن يؤثر على النظام المتمرد في طهران لا تمارسه واشنطن على الديكتاتور الهمجي، بشار الأسد.
كما أن سوريا منفصلة بشكل غريب عن السياسة الأميركية الأوسع تجاه روسيا وأوكرانيا، رغم أن التعامل بحزم مع نظام الأسد قد يضغط بدوره على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ويشير التقرير إلى المحاولات الإيرانية لجعل سوريا قاعدة انطلاق للحرس الثوري الإيراني ضد إسرائيل، الأمر الذي دفع تل أبيب إلى قصف أهداف إيرانية في دمشق عدة مرات أسبوعيا.
ويعتقد "رايبورن" أن التقارب التركي-الإسرائيلي الأخير بعد عقد من انهيار العلاقات، يمثل فرصة للولايات المتحدة لمساعدة اثنين من حلفائها في تنسيق جهودهما ضد خصم مشترك، نظام الأسد وحليفه الإيراني، لكن إدارة بايدن لا تقدم شيئا في هذا السياق.
وعلى الحدود الجنوبية لسوريا يجد الأردن نفسه وحيدا في التصدي لنظام الأسد ومسلحي حزب الله الذين يهربون المخدرات إلى الأردن والخليج بكميات ضخمة، وفق المعهد.
وعلى الحدود الشمالية خمدت الدبلوماسية المكوكية الأميركية الساعية لإنهاء الصراع الخطير بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية أو التخفيف من حدته.
ويعد المعهد أن تواصل أنقرة مع دمشق مؤخرا نابع من إحباط الأولى من هذا النزاع الحدودي، وأن هذا مثال على ما يحدث عندما تترك الولايات المتحدة فراغا قياديا.
ويؤكد التقرير أن تركيا ليست وحدها، إذ يعبر حلفاء واشنطن الآخرون وبالأخص في أوروبا والعالم العربي عن إحباطات مماثلة من التقاعس الأميركي، ويستكشفون حلولهم الخاصة التي ربما تتوافق أو لا تتوافق مع المصالح الأميركية.
الصبر ينفد
ويشدد المسؤول الأميركي السابق على أن صبر الكونغرس نفد تجاه سلبية إدارة بايدن في سوريا، وخاصة فشلها في تطبيق قانون قيصر الأميركي للعقوبات.
فقد حذر أعضاء بارزون في الكونغرس بايدن مرارا وتكرارا من دعم "خط أنابيب الغاز العربي" الذي يمر عبر الأراضي السورية ويمنح النظام في دمشق الغاز ورسوم العبور.
وعلى هذا، يرى "رايبورن" أن الكونغرس سيفتح ملف سوريا بعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
إذ أشارت لجان الكونغرس الرئيسة بالفعل إلى استعدادها لتمرير قانون قيصر المعدل، الذي سيعالج الثغرات المتعلقة بالعقوبات، ويحبط صفقة خط الأنابيب، ويجعل بعض العقوبات ضد الأسد وحلفائه إلزامية.
ومن المحتمل أيضا أن تناقش مشاريع قوانين تستهدف تجارة الأسد الضخمة لمخدر الكبتاغون، وتمنع الولايات المتحدة من الاعتراف بحكومة الأسد أو التعامل معها.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يرى المعد أن من الأفضل أن تتخذ إدارة بايدن بعض الإجراءات، التي لن يكون أي منها مكلفا، لإعادة الولايات المتحدة إلى دورها القيادي وحماية مصالحها من المخاطر التي تشكلها سوريا.
وأوضح المعهد أن على واشنطن ممارسة ضغط اقتصادي على نظام الأسد يجبره على إنهاء حربه ضد الشعب، التي هي لب كل المشكلات في سوريا.
وفي هذا، يجب على الولايات المتحدة تنفيذ خطة شاملة لإغلاق التدفقات الرئيسة لإيرادات الأسد، وهي: تهريب الكبتاغون، والسرقة من مساعدات الأمم المتحدة، وإجبار المغتربين السوريين على دفع رسوم باهظة لتجديد جوازات السفر وتسجيل الوثائق الرسمية.
ويؤكد المسؤول الأميركي السابق أن هناك أدلة دامغة على أن عقود المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة تذهب بشكل أساسي إلى شركات مرتبطة بنظام الأسد.
لذلك، يجب على إدارة بايدن والكونغرس العمل معا لمنع إرسال الأموال الأميركية إلى برنامج الأغذية العالمي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى في دمشق، إلى أن تثبت شفافية هذه الشركات.
ويقول "رايبورن" إنه لا يوجد سبب وجيه لعدم إنفاذ إدارة بايدن قانون قيصر، ذلك أن التهاون في هذا الشأن منح الأسد وحاشيته، لسبب غير مفهوم، فترة راحة من الضغوط الاقتصادية الأميركية.
ويضيف: "يجب على الإدارة العمل ضد تحدي العقوبات خارج سوريا. وأبرز مثال على ذلك هو شركة "أجنحة الشام للطيران"، التي تسير رحلات إلى الإمارات والأردن والكويت وأرمينيا ودول أخرى، رغما عن العقوبات الأميركية.
ويفسر "رايبورن" ذلك بأن الإمارات والأردن والكويت يعلمون أنهم ينتهكون قانون قيصر، لكن تقديرهم أن واشنطن ليست جادة في فرض العقوبات عليهم.
وأشار إلى أن الأمر قد يتطلب رسالة تحذير واحدة من وزارة الخزانة لوضع حد له.
وفيما يتعلق برسوم جوازات السفر الباهظة التي يفرضها الأسد، يقترح "رايبورن" أن تدعو الحكومة الأميركية إلى إنشاء وكالة جديدة تابعة للأمم المتحدة لتوفير وثائق السفر وأوراق الأحوال المدنية للتحايل على نظام الأسد، ريثما تتغير حكومة دمشق.
كما أشار "رايبورن" إلى أنه واجه صعوبات في محاولة استضافة قادة المعارضة السورية ومجموعات المجتمع المدني للتشاور في واشنطن خلال فترة عمله كمبعوث خاص للولايات المتحدة إلى سوريا، بسبب قصر مدة التأشيرة الخاصة بالسوريين (90 يوما).
ويقترح المسؤول الأميركي السابق على حكومة بلاده ألا تتعامل بالمثل مع نظام الأسد، وأن تمدد فترة التأشيرة للسوريين، لأن مصلحة الولايات المتحدة الواضحة هي في التنسيق بشكل وثيق مع المعارضة والمجتمع المدني.
منافسة إيران وروسيا
علاوة على ذلك، يبرز "رايبورن" أهمية أن ترتبط السياسات الأميركية في سوريا بسياساتها الأوسع تجاه روسيا وإيران.
لذا، يجب على واشنطن أن تضع عمليات الردع التي ينفذها الجنرال "كوريلا" ضد الحرس الثوري الإيراني ضمن سياسة أوسع للضغط على طهران لسحب قواتها ومليشياتها من الأراضي السورية.
ويحذر "رايبورن" من أن الاتفاق النووي المتوقع مع إيران سيخفف عنها الكثير من العقوبات، في وقت ينشط فيه الحرس الثوري لقتل القوات الأميركية في سوريا والعراق، وفق قوله.
كذلك، يرى أنه "يجب على الإدارة أن تفرض عقوبات على كل شركة أو وحدة عسكرية روسية تنشط الآن أو كانت نشطة في سوريا".
ويقول رايبورن: "لا بد لواشنطن أن تجعل من المستحيل على موسكو الحصول على تنازلات من خلال التهديد المستمر باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود إلى سوريا".
وأضاف: "فمنذ مدة طويلة كان لا بد على الولايات المتحدة وحلفائها تطوير بديل قابل للتطبيق لمساعدة الأمم المتحدة لإطعام أكثر من أربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا".
أما الإجراء الأخير الذي نصح به المسؤول الأميركي السابق إدارة بايدن فيتمثل بسرعة انضمام الولايات المتحدة إلى جهود المحاكم الأوروبية لمحاسبة نظام الأسد على جرائم الحرب.
وقال: "على الولايات المتحدة دعم تشكيل محكمة دولية بشأن سوريا في لاهاي، كما فعلت الإدارات السابقة مع المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا والمحكمة الخاصة بلبنان التي حققت في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري".
وأضاف: "لا بد أن تصدر الحكومة تعليمات لوزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي لإعطاء الأولوية لقضايا المواطنين الأميركيين الذين اختفوا في سجون الأسد".
وفي الختام، يؤكد "رايبورن" أن الشعب السوري مهيأ للانفجار مرة أخرى، لأن الحياة في جميع أنحاء سوريا تقريبا باتت لا تطاق. كما يمكن أن يتخذ هذا الانفجار أي شكل من الأشكال.
وعلى هذا، يتساءل المعهد: "هل الولايات المتحدة وأوروبا مستعدتان للمخاطر أو الفرص التي قد تظهر بعد ذلك؟".
وأضاف: "من الأفضل الاستيقاظ من سبات السياسة الآن بدلا من الانتظار والارتباك لاحقا".