تسريبات جديدة.. هل تساهم في تسخين الحراك الشعبي لإسقاط النظام بالعراق؟
في تطور لافت بملف التسريبات الصوتية في العراق، بدأت تخرج تسريبات لمكالمات هاتفية بين قيادات سياسية مهمة، بالتزامن مع دعوات ناشطين لإعادة إحياء حراك تشرين 2019 في ذكراه السنوية.
ويحشد الناشطون العراقيون لإعادة إحياء الحراك في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ما يثير تساؤلات عن توقيت التسريبات ومدى مساهمتها في تسخين الشارع، للخروج بالمظاهرات المرتقبة التي يعد "إسقاط النظام" من أبرز شعاراتها.
وبدأ مسلسل التسريبات منذ يوليو/ تموز 2022، عندما نشر الإعلامي العراقي المقيم في واشنطن علي فاضل، تسجيلات صوتية منسوبة إلى رئيس الوزراء العراقي الأسبق (2006 - 2014) نوري المالكي، يهاجم فيها السنة والأكراد، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
تسريبات جديدة
وفي تطور جديد، بدأت تخرج تسريبات على مواقع التواصل بدءا من 4 سبتمبر/ أيلول 2022، تتعلق بالتيار الصدري تحت عنوان "تسريبات الحنانة" تظهر الانقسام والخلاف الداخلي بين قيادات التيار حول قرارات زعيمها مقتدى الصدر.
ثلاثة تسريبات يجرى تداولها، الأول شخصي يتعلق بعلاقات حميمية لنائبين من الكتلة الصدرين المستقيلة من البرلمان، أما الثاني والثالث فيخصان قياديين صدريين بارزين يتناولان الوضع السياسي للتيار الصدري، والتذمر من قرارات مقتدى الصدر.
التسريب الثاني من تسريبات الحنّانة كان سياسيا، وهو مكالمة صوتية بين القيادي في التيار، رجل الدين مصطفى اليعقوبي، والأمين العام لمجلس الوزراء الحالي القيادي في "التيار" حميد الغزي.
وظهر في التسريب الصوتي، امتعاض اليعقوبي من مقتدى الصدر وطريقة إدارته للتيار الصدري وعدم تصرفه بشكل سليم، بحسبه، ويطرح ذلك على الغزي، الذي بدا متفاجئا من الحديث ويبحث عن حل مع اليعقوبي.
وقال اليعقوبي في التسجيل، إن "الصدر غير مستقر حاليا، وحينما لا يكون مستقرا يتخذ قرارات غير مدروسة، منها ترشيحه ابن عمه جعفر الصدر، نجل المرجع الديني محمد باقر الصدر لرئاسة الحكومة، عندما كان يطمح لتشكيل حكومة أغلبية".
ووصف اليعقوبي ترشيح جعفر الصدر في مارس/آذار 2022 بأنه "غير مدروس"، لأنه إن "فشل في قيادته للحكومة سينعكس سلبا على سمعة عائلة الصدر الدينية لدى الجمهور والناس، وبالتالي ليس من الصحيح ترشيح أي شخصية من عائلة آل الصدر لرئاسة الحكومة".
وطلب اليعقوبي في التسجيل المسرب، من حميد الغزي الاتصال بجعفر الصدر -سفير العراق الحالي لدى بريطانيا- ليخبره بالمجيء إلى النجف (مقر إقامة زعيم التيار الصدري)، كي يجلس مع الصدر ويخبره بخطورة قراره على عائلة آل الصدر، وعدم اتخاذ قرارات مستعجلة.
أما التسريب الثالث للقياديين في الهيئة السياسية للتيار الصدري، أحمد المطيري ووليد الكريماوي، الذي أكد فيه الأخير للأول خلال المكالمة المسربة، أن "الصدر لن يبقى معه أحد بسبب قراراته (لم يذكرها)".
وتحدث الجانبان عن خلافات الصدر مع معاونه العسكري الخاص كاظم العيساوي المعروف بـ(أبو دعاء العيساوي)، مشيرا إلى امتعاضه من إصدار الصدر يطالبهم فيه بعدم معارضة قرارته، بل يجب تطبيقها لأنه قائدهم، وعلق على ذلك بالقول: "هل نحن عبيد؟".
التسريبات التي تخص التيار الصدري، رغم أنها لم تمس الشارع العراقي بشكل مباشر أو تنطوي على ملفات فساد كما حصل مع تسريبات سابقة نشريها علي فاضل، لكنها تؤشر إلى احتمالية تسريب مكالمات هاتفية لقادة سياسيين آخرين جرى التجسس عليها بذات الطريقة، تكون أكثر خطورة.
"تسخين الشارع"
وبخصوص توقيت نشر التسجيلات الجديدة ومدى تأثيرها على الشارع، قال الباحث في الشأن العراقي، عدي العزاوي، إن "توقيت النشر والطريقة الجديدة التي تشير إلى أنها عملية اختراق للاتصالات، تؤكد أن أجهزة مخابرات تقف وراء ذلك".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "دولا في المنطقة لديها تقنية اختراق المكالمات ومنها برنامج بيجاسوس الإسرائيلي، وربما كل ما سمعناه وقد نسمعه خلال الأيام المقبلة جرى عن طريق اختراق الواتساب أو الاتصال الهاتفي الاعتيادي، لذلك من غير المستبعد نشر المزيد منها".
ولفت إلى أن "التغير الدراماتيكي في التسريبات وشموله أطرافا سياسية أخرى، ودخول تقنية الاختراق على الخط، كل ذلك مؤشر على الدفع باتجاه تسخين الشارع العراقي الذي سبق أن خرج بمظاهرات عارمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، للمطالبة بإزالة الطبقة السياسية الحاكمة".
وتوقع العزاوي أن "تنال التسريبات جميع المتصدرين للعملية السياسية منذ عام 2003، وأن تخرج إلى العلن كوارث كبيرة تكشف عن كواليس الطبقة السياسية الحالية، سواء بتقاسم المغانم عبر صفقات الفساد، أو بيع وشراء المناصب الحكومية، وربما حتى ما يتعلق بأوامر قتل المتظاهرين عام 2019".
ورجح أن "يشهد الوضع في العراق تطورات ربما تنسجم مع ما طرح النائب السابق في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي قبل أكثر من شهر، بأن عام 2024 سيسجل شهادة وفاة النظام السياسي الحالي في العراق، الذي جاء مع الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003".
ولفت إلى أن "التيار الصدري فشل في الإطاحة بالنظام السياسي الذي يقوده الإطار التنسيقي الموالي لإيران، وكذلك فشل في دمج الشارع العراقي مع مظاهراته وتلبيسها ثوب الثورة الشعبية، التي لا تقتصر على الصدريين فقط، لذلك اليوم تتجه الأنظار لدفع قوى تشرين للخروج بمظاهرات جديدة".
وكان التيار الصدري قد سيطر على مبنى البرلمان في 30 يوليو/ تموز 2022، احتجاجات على ترشيح قوى الإطار التنسيقي الشيعي، للنائب محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.
وجاء ذلك بعد شهر واحد من إعلان الكتلة الصدرية (73 نائبا) استقالتها من البرلمان جراء إخفاقها مع حلفائها من السنة والأكراد في تشكيل حكومة أغلبية سياسية، وإقصاء حلفاء إيران منها بشكل كامل.
"تسريبات سياسية"
وفي المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي علي البيدر خلال حديث لموقع "الحل نت" في 6 سبتمبر 2022، أن "تسريبات الحنانة تأتي ضمن موسم التسريبات التي لم تستثنِ أي أحد من شمال العراق لجنوبه، وهي تسريبات سياسية بامتياز، ولا دخل لجهات مخابراتية وغيرها بذلك".
وأضاف البيدر، أن "الإطار التنسيقي الموالي لإيران هو من يقف وراء تسريبات الحنانة"، مستدلا على ذلك بالقول إن "ظهور هذه التسريبات كان أولا في المنصات التابعة للإطار، إضافة إلى محدودية تداولها من قبل الإعلام المحلي باستثناء الإعلام الإطاري".
وأردف أن الهدف من تلك التسريبات هو محاولة النيل من مقتدى الصدر وتحجيم قوته وجماهيريته، وإظهار صورة للرأي العام بأن قياداته لا تتفق بشأن قراراته وتختلف على أهليته لقيادة التيار الصدري".
ورأى البيدر أن "الصدر سيتعامل مع تسريبات الحنّانة بحزم وجدية، عبر غربلة التيار الصدري من الشخصيات الخلافية والتي قد تتسبب في انقسام داخل التيار، ووضع شخصيات مطيعة له ولا تتصرف من تلقاء نفسها".
وأشار إلى أن "الصدر سينجح في غربلته قريبا، وتلك الغربلة ضرورية لإعادة إنتاج التيار الصدري بصورة أقوى تمكنه من مواجهة خصومه في العملية السياسية بنفس طويل، لتحقيق مسعاه بإبعاد أحزاب طهران عن الحكومات العراقية المقبلة".
واندلعت اشتباكات مسلحة بين الحشد الشعبي، وأنصار الصدر، داخل المنطقة الخضراء في 29 أغسطس 2022 قتل فيها العشرات وأصيب المئات من الطرفين، قبل أن يخرج الأخير في اليوم التالي بمؤتمر صحفي يأمر فيه أتباعه بالانسحاب الفوري خلال 60 دقيقة وإنهاء الاقتتال.