تجاهل رسمي وتكتم مليشياوي.. ما حصيلة قتلى اشتباكات "الخضراء" ببغداد؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم انتهاء الصدامات المسلحة بين التيار الصدري، والحشد الشعبي داخل المنطقة الخضراء في بغداد، والتي استمرت لمدة 24 ساعة، فإن أعداد الخسائر البشرية من الطرفين لا تزال مجهولة، إذ لم تعلن الجهات الرسمية العراقية أي إحصائية بالقتلى والمصابين.

واندلعت اشتباكات مسلحة بين الحشد الشعبي، وأنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، داخل المنطقة الخضراء في 29 أغسطس/آب 2022، قبل أن يخرج الأخير في اليوم التالي بمؤتمر صحفي يأمر فيه أتباعه بالانسحاب الفوري خلال 60 دقيقة وإنهاء الاقتتال.

أرقام متضاربة

وفي ظل غياب الإحصائية الرسمية لأعداد القتلى من الطرفين، تناقلت وكالات ووسائل إعلام محلية ودولية بعض الأرقام التي بدا أنها متضاربة.

وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية بأن حصيلة القتلى كانت 30 شخصا و570 مصابا من أنصار التيار الصدري، نقلا عن مصدر طبي عراقي.

لكن وكالة "رويترز" البريطانية نقلت عن مصادر طبية أن "20 شخصا قتلوا وأصيب المئات في الاشتباكات بالمنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد".

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصادر طبية عراقية في 30 أغسطس قولها إن "الاشتباكات خلّفت ما لا يقل عن 23 قتيلا و380 جريحا".

وفي السياق ذاته، قالت وكالة "شفق نيوز" العراقية، إنه قتل خلال الاشتباكات ما لا يقل عن 30 من أنصار الصدر بالرصاص وأصيب نحو 600 بجروح، فيما شيع الحشد الشعبي أربعة من أنصاره قتلوا بالأحداث".

وقال الحشد الشعبي خلال بيان له في 31 أغسطس إن "الضحايا سقطوا في سبيل الواجب المقدس وحماية الدولة جراء القصف بصواريخ الكاتيوشا" على مقراته في المنطقة الخضراء.

وأظهرت صور ومقاطع فيديو جانبا من تشييع قتلى الحشد الشعبي، حضره زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.

وأكد الخزعلي في خطاب تلفزيوني قبل ذلك أن "الحشد الشعبي تصدى للهجوم على المنطقة الخضراء لحماية الدولة، بعد تقاعس قادة القوات الأمنية عن تأدية واجبهم".

وفي السياق ذاته، ظهر نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون القيادي في "الإطار التنسيقي" ، في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2022 خلال مقابلة تلفزيونية أثناء حضوره مجلس عزاء لقتلى الحشد الشعبي ببغداد.

وقال المالكي إن "الاشتباكات تسببت بمقتل أكثر من 40 شهيدا"، الأمر الذي فسره ناشطون على مواقع التواصل بأنه اعتراف بأعداد قتلى الحشد الشعبي.

وعلى الجانب الآخر، نشر عضو التيار الصدري، عصام حسين، على "تويتر" في 4 سبتمبر 2022 مقاطع فيديو لقبور قتلى التيار الصدري، وقال إن "عدد شهداء مجزرة القصر الرئاسي بالضبط 48"، في إشارة منه إلى أنصار التيار الصدري الذين قتلوا داخل المنطقة الخضراء.

إخفاء متعمّد

وعن أسباب غياب إحصاء الرواية الرسمية وتضارب الأرقام في الخسائر، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي حامد العبيدي إن "الخسائر من الجهتين كبيرة، وإن إعدامات ميدانية جرت بحق المتظاهرين من الصدريين الذين كانوا عزّلا لا يحملون السلاح".

ولم يستبعد العبيدي خلال حديثه لـ"الاستقلال" أن "يفتعل الحشد الشعبي صدامات وهمية مع تنظيم الدولة ويدعي أنه سقط قتلى له خلال هذه المواجهات، حتى يجعل مخرجا لجثث قتلاه التي قد تصل إلى 50، لذلك هو لم يفصح عن عددهم وشيّع فقط أربعة، ليظهر أنه لم يقدم خسائر طيلة 24 ساعة من الصدام العنيف".

وأكد الباحث أن "الحشد الشعبي يعلن منذ أيام عن وجود تعرض لتنظيم الدولة في محافظتي صلاح الدين وديالى وسقوط قتلى من الحشد الشعبي، وهذه السيناريوهات اعتدنا عليها في ظل الأزمات التي يعيشها العراق".

وأعرب العبيدي عن اعتقاده "بوقوع خسائر كبيرة في صفوف الفصائل الموالية لإيران في المنطقة الخضراء، لأن التيار الصدري زجّ بمئات المقاتلين وكانوا يحاصرون المنطقة الخضراء وقصفوها حتى بالهاونات، فضلا عن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة".

وأشار إلى أن "الكاظمي كان ساعة الصدامات في مقر العمليات المشتركة، ووجه الضباط بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين، إلا أن من شن الهجوم هو أمن الحشد الشعبي، بقيادة أبو زينت اللامي، وعناصر مليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي".

وتابع: "بعد ذلك جاءت مليشيا سرايا السلام التابعة للصدر لحماية المتظاهرين الذين جرى إعدام البعض منهم ميدانيا على يد الحشد الشعبي لإخراجهم من القصر الجمهوري".

وهو ما أوقع خسائر كبيرة في صفوف الحشد، لكن الأخير أخفى عدد خسائره البشرية. وأردف أنه "بتقديري الخسائر من الطرفين ربما تتجاوز المئة قتيل".

ولفت الباحث إلى أن "الصدامات استمرت لليوم الثاني في 31 أغسطس، بين التيار الصدري، وعصائب أهل الحق، في البصرة (جنوب).

وأدى ذلك إلى مقتل 4 أشخاص، اثنين من كل طرف، وهذا دليل على أن المواجهات في المنطقة الخضراء بين الطرفين ولم تكن القوات الأمنية طرفا في ذلك، كما قال.

تجاهل الصدر

رغم الصدامات التي حصلت وخطاب الصدر الذي دعا فيه أتباعه بالانسحاب وإنهاء القتال، فإن تحالف "قوى الإطار التنسيقي" في العراق، تجاهل تهدئة زعيم التيار الصدري، ودعا إلى الإسراع بتشكيل "حكومة خدمة وطنية" وعودة المؤسسات الدستورية إلى ممارسة مهامها.

وأعرب "الإطار التنسيقي" المقرب من إيران، خلال بيان في 30 أغسطس، عن أسفه وحزنه "لما وقع من فتنة عمياء تسببت بسقوط ضحايا من أبناء شعبنا بسبب مواقف غير مدروسة".

ودعا إلى "الإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية تتولى المهام الإصلاحية ومحاربة الفساد ونبذ المحاصصة وإعادة هيبة الدولة لينعم الجميع بالأمن والاستقرار (...) بمشاركة واسعة من جميع القوى السياسية الراغبة بالمشاركة"، مطالبا "البرلمان وباقي المؤسسات الدستورية للعودة إلى ممارسة مهامها وأداء واجبها تجاه المواطنين".

على ضوء ذلك، علق ما يعرف بـ"وزير القائد الصدر" محمد صالح العراقي خلال بيان في 31 أغسطس، على دعوة "الإطار التنسيقي" الشيعي للمضي بعقد جلسات البرلمان.

ووصف "الإطار" بأنّهم ثُلّة تعشق "الفاسد والمال والرذيلة"، اشترط عليهم "إعلان الحداد" على الضحايا الذين سقطوا جراء أحداث المنطقة "الخضراء" الدامية، وإلا سيكون "عدوّهم الأول".

وقال العراقي: "لم أستغرب ولا طرفة عين من مواقف (الإطار التنسيقي الوقحة) ولا من (مليشياته الوقحة) حينما يعلنون وبكل وقاحة متحدّين الشعب برمته وبمرجعيته وطوائفه بأنهم ماضون بعقد البرلمان لتشكيل (حكومتهم الوقحة) وما زال دم (المعدومين) غدرا من المتظاهرين السلميين وبطلقات مليشياتهم القذرة لم يجف".

وأضاف: "نعم تلك وقاحة ما بعدها وقاحة، فلا دين لهم ولا أخلاق ولا يتحلّون بقليل من (شرف الخصومة) فيا له من (ثالوث وقح) لا يعرف معنى الإصلاح ولا الثورة ولا السلمية ولا معاناة الناس على الإطلاق".

وأشار العراقي إلى أن "تلك ثلةٌ عشقت الفساد والمال والرذيلة وتغذت عليها كالدّابة التي تغذت على العذرة، فما عادت صالحة حتى للأكل. عَشِقت الفساد الذي تتغذى وتنمو قوتها منه ولم تحاول ولو لمرة واحدة كشف ملف فساد واحد وكأنهم معصومون".

وتابع: "إنهم لا يعشقون الفساد فحسب، بل يبغضون الإصلاح والمصلحين ويرقصون على (شهدائهم) مرة وعلى (انسحابهم) من البرلمان مرة، ومن المظاهرات مرة أخرى".

وواصل "وزير الصدر" قائلا: "من هنا، إذا لم يعلنوا الحداد، فليعتبروني والتيار من اليوم عدوهم الأول بكل السبل المتاحة وبعيدا عن العنف والاغتيالات التي قرر الفاسدون أن يصفّوا خصومهم بها".

وختم بيانه بالقول: "هذا ندائي للجارة إيران، أن تكبح جماح بعيرها في العراق وإلا فلات حين مندم"، دون أن يفصح عمن يقصد.