الجامعات الأهلية.. السيسي يتقاسم كعكة المصروفات مع حيتان التعليم الخاص

12

طباعة

مشاركة

كان المعلم الأميركي الشهير ديريك بوك، يقول: "إذا كنت تظن أن تكلفة التعليم باهظة، فانتظر حتى ترى تكلفة الجهل"، ويقصد أن تنفق الأمم على التعليم بسخاء حتى تحصد ما زرعته. 

في مصر تكلفة التعليم باهظة، لكن ليست على الدولة، وإنما على المواطنين، الذين يتنقل بهم الحال إلى تعليم طبقي بامتياز يعتمد على الأموال وجني الأرباح. 

وخلال السنوات الأخيرة توسع نظام عبد الفتاح السيسي في إنشاء ما يعرف بالجامعات الأهلية، وسط مخاوف من مزيد من خصخصة التعليم، وتوجه الدولة نحو رفع مصروفاته، في ظل انسحاب منظم من جميع أوجه دعم للطلاب. 

إضافة إلى استغلال "كابوس" الثانوية العامة، وعدم حصول كثير من الطلاب على درجات مرتفعة تسمح لهم بالالتحاق بالجامعات التي يريدونها، تحديدا كليات القمة مثل "الطب والهندسة" فيلجأون إلى التعليم الخاص باهظ التكلفة. 

وهنا قررت الدولة أن تزاحم مستثمري التعليم الخاص، وتحصل على نصيبها من الأموال الذاهبة إلى القطاع الخاص، في شكل جامعات أهلية مملوكة للحكومة. 

توسع صادم

وفي 11 أغسطس/ آب 2022، وافق مجلس الوزراء المصري على قرارات رئيس الجمهورية بإنشاء 9 جامعات أهلية جديدة بحيث تضم  مختلف التخصصات العلمية المطلوبة، وذلك في إطار خطة الدولة للتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية.

وكانت الجامعات الجديدة، هي جامعة الزقازيق الأهلية بمحافظة الشرقية، وجامعة جنوب الوادي الأهلية بمحافظة قنا، وجامعة الإسماعيلية الجديدة بمحافظة الإسماعيلية.

وكذلك جامعة بني سويف الأهلية بمحافظة بني سويف، وجامعة المنوفية الأهلية بمحافظة المنوفية، وجامعة أسيوط بمحافظة أسيوط، وجامعة الإسكندرية الأهلية بمحافظة الإسكندرية، وجامعة المنيا الأهلية بمحافظة المنيا، وجامعة شرق بورسعيد الأهلية بمحافظة بورسعيد. 

وذكرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بيان أنه زاد عدد الجامعات الخاصة والأهلية من 26 جامعة عام 2014 إلى 40 جامعة خاصة وأهلية عام 2022.

وذلك مقابل 27 جامعة حكومية على مستوى البلاد لم تشهد زيادة منذ سنوات في ظل توجه النظام نحو ترسيخ الجامعات الأهلية. 

وخلال عامين أنشأت الحكومة عددا كبيرا من الجامعات الأهلية وصلت إلى 12 جامعة، وذلك بعد أن بدأت في 2020 في بإصدار قرارات رئاسية بإنشاء 4 جامعات أهلية.

وكانت كالآتي: جامعة الملك سلمان الدولية ولها 3 فروع بمدن الطور وشرم الشيخ ورأس سدر في سيناء، وجامعة العلمين الدولية بمدينة العلمين الجديدة، وجامعة الجلالة بالسويس، وجامعة المنصورة الجديدة.

وجميعها تتمتع بمزايا لا يحظى بها القطاع الخاص مثل الإعفاء من الضرائب، والترويج الإعلامي الكبير، ودعم الدولة من خلال وعود التوظيف. 

الجامعات الأهلية 

تعد الجامعات الأهلية في مصر جامعات شبه حكومية، بحيث تكون تابعة للحكومة وليست خاصة.

وهي تتبع المجلس الأعلى للجامعات، مثل الجامعات الحكومية تماما. 

وتعد مصاريف الدراسة بها أقل نسبيا من مصاريف الدراسة بالجامعات الخاصة، لكنها أعلى كثيرا من نظيرتها بالجامعات الحكومية. 

لكن على مستوى التقدير العلمي فالعكس تماما، فتقبل درجات أقل من الجامعات الحكومية، وأعلى من الجامعات الخاصة. 

فعلى سبيل المثال، تنسيق كلية الصيدلة في الجامعات الحكومية لعام 2022، بلغ 89.5 بالمئة، وقيمة المصاريف السنوية 1361 جنيها (نحو 70 دولارا).

بينما في الجامعات الأهلية يقل التنسيق إلى نحو 86 بالمئة، والمصاريف تزيد إلى 85 ألف جنيه (نحو 4500 دولار)، أما في الخاصة فالتنسيق والمصاريف يقل ويزيد من جامعة لأخرى بلا سقف.

وتقوم بعض الجامعات الأهلية بعمل اختبار قدرات للطلاب المتقدمين إليها، بحيث يكون لديهم توجه لنوعية الدراسة التي تناسب قدراته وميوله.

ولمعرفة استعداده العقلي الذي من المفترض أن يكون مؤهلا للالتحاق بتلك الكلية.

بحيث لا يدخل أي كلية هباء، ويقوم بدراسة تخصص لم يكن يرغب فيه أو مستعد له. 

مصاريف جنونية 

ورغم إصدار "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، في 13 يونيو/ حزيران 2022، من قبل مجلس الوزراء المصري، بقيادة مصطفى مدبولي. 

وإعلان اعتزام الحكومة التخارج من 79 نشاطا بالسنوات الـ3 المقبلة، لكنها تستمر في مجال التعليم، وزيادة الاستثمار فيه.

وفي هذا الإطار، أسست هذا الكم من الجامعات الأهلية بهدف جذب أصحاب الشهادات المعادلة العربية والأجنبية، والطبقة المصرية فوق المتوسطة التي تستطيع الإنفاق. 

ومصاريف تلك الجامعات تظل مرتفعة بالنسبة للطبقة المتوسطة، وتكاد تكون مستحيلة للطبقة الفقيرة، وبدت في أغلب الجامعات الأهلية للعام الدراسي 2022/ 2023 كالآتي: 

تنسيق خاص

وللجامعات الأهلية تنسيق خاص بها، خارج نطاق تنسيق الجامعات الحكومية أو الجامعات الخاصة، ويقصد بالتنسيق الدرجة التي يجب الحصول عليها من امتحان الثانوية العامة للدخول إلى كلية معينة.

ولا يوجد توزيع جغرافي أو إقليمي معين في القبول بالجامعات الأهلية.

فمن حق الطالب أن يختار الالتحاق بأي كلية بأي جامعة أهلية، شريطة استيفاء شرط المجموع ودفع المصاريف لهذه الكلية.

ويتقدم حاملو الشهادات المعادلة العربية والأجنبية الراغبون في الالتحاق بالجامعات الأهلية مباشرة بأوراقهم إلى الجامعات الأهلية، حيث يتم قبولهم بذات الحد الأدنى المحدد للقبول بالجامعات الخاصة.

وكذلك وفقا لقانون تلك الجامعات لا يسمح للطالب المقبول بإحدى الجامعات الأهلية التحويل إلى جامعة أهلية أخرى.

ولا يسمح للطالب المقيد بالجامعات الخاصة التحويل إلى إحدى الجامعات الأهلية.

وفي 17 أغسطس/ آب 2022، ترأس وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور أيمن عاشور، الاجتماع المشترك لمجلسي الجامعات الخاصة والأهلية. 

وبعد انتهاء الاجتماع مباشرة، أعلن المتحدث الرسمي للوزارة أنه تمت الموافقة على، تحديد الحد الأدنى للقبول الذي يسمح للطالب بالتقدم للالتحاق بالتخصصات كافة في كليات الجامعات الأهلية على النحو التالي:


 

منظومة مهترئة 

وتعليقا على هذا المسار، قال الخبير التعليمي المصري الدكتور عبدالعزيز رشاد، إن "الجامعات الأهلية استمرار لظاهرة الجامعات الخاصة، ولكن بطريقة أكثر فاعلية".

وأضاف رشاد لـ"الاستقلال": هذه الجامعات تخرج من تحت عباءة الحكومة، وتضمن لشريحة معينة من الطلاب الدخول إلى كليات كانوا راغبين في الالتحاق بها ولم تسعفهم درجاتهم العلمية". 

وتابع: "الحكومة مع الأسف لم تقم بإصلاح التعليم ووضع منهجية لخلق جيل يستطيع مواكبة العصر بأحدث الوسائل والمناهج".

واستدرك رشاد قائلا: "بل وضعت آلية كيف تتربح من التعليم؟ وباتت هي المستثمر الأول في ذلك المجال".

وأورد: "الحاجة ماسة لإصلاح المنظومة التعليمية من الأسفل إلى الأعلى، من رياض الأطفال إلى التعليم ما بعد الجامعي، نحن بحاجة لخلق نواة يؤسس عليها جيل يستطيع النهوض بمصر في مجالات البحث العلمي، لا أن يكدس الطلاب داخل طبقات تعليمية مظلمة بعضها فوق بعض". 

وأشار رشاد إلى أنه "عندما اجتمع رئيس وزراء الهند الأسبق جواهر لال نهرو بالرئيس السابق جمال عبد الناصر في منتصف القرن العشرين، نصحه بالاستثمار في التعليم لا من حيث المال، لكن من حيث الأفراد".

وتابع: وذلك من خلال تأسيس مراكز تعليمية بحثية تعمل على تطوير عقلية الطلاب، وأخذ المتميزين منهم إلى مجالات متقدمة في البحث العلمي".

وأوضح أن "نهرو كان قد أرجع ذلك أن مصر شبيهة إلى حد ما بالهند من حيث الفقر والكثافة السكانية، وبالفعل رأينا الهند الآن منتجة للقنبلة الذرية، ومن الدول المتقدمة في  الإلكترونيات والبحوث العلمية، بينما نحن نتراجع لأننا لم نمض على الطريق الصحيح". 

وشدد الخبير التعليمي المصري على أن "زيادة أعداد الراسبين ليست مشكلة، وقلة عدد المنتمين لما يسمى كليات القمة ليست مشكلة أيضا".

ومضى يقول: "لكن المشكلة أن يكون العدد كغثاء السيل، وأن يخلق تعليم طبقي على هذا النحو، من معه مال يتعلم ويحصل على شهادة، ومن لا يملك لن يستطيع الاستمرار حتى ولو كان متميزا، هنا تعدم فرصة التكافؤ والعدالة الاجتماعية".