السيسي يفتتح المتحف وسط فقر وبطالة وديون.. حدث تاريخي أم استعراض للترف؟

شدوى الصلاح | منذ ١٤ ساعة

12

طباعة

مشاركة

وسط تحديات اقتصادية كبيرة تشمل التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة الفقر والبطالة وتفاقم الديون الخارجية، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المتحف المصري الكبير قرب أهرامات الجيزة، بتكلفة إجمالية تجاوزت المليار دولار.

شهدت القاهرة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2025 مراسم الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، بحضور وفود رسمية من 79 دولة، بالإضافة إلى بعض رموز نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، من بينهم مَن حوكموا بقضايا فساد مثل أحمد عز، وجرائم قتل مثل هشام طلعت مصطفى.  

ووفق تقرير نشرته بوابة الأهرام الاقتصادية، يمتدّ المتحف على مساحة نحو نصف مليون متر مربع عند سفح أهرامات الجيزة، بتكلفة تتجاوز مليار دولار، ويضمّ أكثر من 100 ألف قطعة أثرية توثق التاريخ المصري منذ فجر الحضارة وحتى العصرين اليوناني والروماني.

قال السيسي في كلمته الافتتاحية للمتحف مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2025: "اليوم ونحن نحتفل معا بافتتاح المتحف المصري الكبير، نكتب فصلا جديدا من تاريخ الحاضر والمستقبل في قضية هذا الوطن العريق. فهذا أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، حضارة مصر التي لا ينقضي بهاؤها".

وأضاف: "هذا الصرح العظيم ليس مجرد مكان لحفظ الآثار النفيسة، بل هو شهادة حية على عبقرية الإنسان المصري الذي شيّد الأهرامات ونقش على جدرانها سيرة الخلود، شهادة تروي للأجيال قصة وطن ضربت جذوره في عمق التاريخ الإنساني".

قال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي خلال المؤتمر الصحفي قبيل الافتتاح الرسمي للمتحف: إن الافتتاح يمثل لحظة تاريخية استثنائية و"هدية مصر للعالم أجمع".

في المقابل، استخدم كثير من المصريين منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم واستيائهم من البذخ والترف والتكلفة المبالغة للمتحف، وكذلك من الإسراف والمغالاة في حفل الافتتاح. معبرين عن عدم رضاهم عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتهجها النظام المصري.

أبدى المصريون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم مثل #يسقط_فرعون، #المتحف_المصري_الكبير، و#السيسي، تفهمهم لأهمية افتتاح المتحف كحدث ثقافي كبير، لكنهم عبّروا عن عدم ثقتهم في مشاريع النظام.

وتذكروا مشاريع سابقة روج لها النظام بصفتها ذات فوائد اقتصادية أو سياحية، لكنها فشلت، ويرى أن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة.

وشدّدوا غضبهم على رئيس النظام، مذكرين إياه بإصراره في خطاباته الرسمية على تصوير المصريين كفقراء وبأن البلاد مثقلة بالديون، مؤكدين أن المتحف يعد هدرا صريحا لأموال دولة تعاني من نقص الموارد ولا تستدعي مثل هذا الإنفاق.

بذخ وترف

وتفاعلا مع الحدث، استنكر السياسي عمرو عبدالهادي، أن الفلوس التي صرفت على حفل المتحف أكثر من المليارات التي صرّفت على بناء المتحف نفسه!

وقال: "إذا كان أغنى متحف في العالم، جي بول جيتي في أميركا، إيراداته السنوية حوالي ٣٠٠ مليون دولار، وأشهر متحف في العالم وهو اللوفر في فرنسا إيراداته ما بتعدّيش ٢٠٠ مليون دولار.. يبقى على كده المتحف المصري الكبير هيحتاج قرن كامل عشان يجيب المليارات التي صُرّفت عليه وعلى حفل افتتاحه".

وتهكم عبد الهادي، قائلا: "مش مهم المهم السيسى يصرف ويفرح ويلعب".

ونشر الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، صورة لمشهد من أحد الأفلام المصرية القديمة، معلقا عليها بالقول: "روحي قولي لهم سلطان مش عاوز متاحف ولا قصور ولا كباري سلطان عايز عيش وحرية وعدالة اجتماعية".

وقال الناشط الحقوقي أسامة رشدي: إن بقدر ما يحق لنا الفخر بالماضي، فإن هذا الاحتفاء المبالغ فيه بافتتاح متحفٍ وُضع حجر أساسه قبل ثلاثة وعشرين عاما لا يمكن أن يُخفي واقع مصر اليوم بما فيه من فقرٍ وتراجعٍ وانهيارٍ اقتصادي وخدماتي.

وأشار إلى أن ‏ذلك الواقع الذي وصفه السيسي نفسه حين قال: ‏"إحنا فقراء قوي.. أنا والله العظيم ما لقيتش بلد، أنا لقيت أي حاجة وقالوا لي خد دي.. مش عارف أعلّم ومش عارف أداوي".

وأكد رشدي، أن سياسة المهرجانات والإسراف السفيه في الإنفاق على شركات العروض وفرق الغناء والرقص والإضاءة، واصطناع اللقطة لا تبني وطنًا، ولا تُطعم شعبًا يرزح تحت الغلاء والبطالة وانسداد الأفق.

واستنكر رشدي سياسة المهرجانات فيما يعيش ثلثا السكان –على الأقل– تحت خط الفقر، وتُنفق أموالهم على الاحتفالات بينما يُمارَس التقتير على الخدمات الأساسية. متسائلا: “ما قيمة الحجر، وما معنى الفخر بقدماء من آلاف السنين، إذا كان الإنسان المصري نفسه يُسحق كل يوم؟!”

وأضاف: "‏ثم هناك ما هو أخطر: محاولات إعادة تشكيل هوية مصر عبر المبالغة في ربطها بـ "كيميت" – اسم مصر القديم – وكأنها تنتمي فقط إلى زمن الفراعنة، متجاهلين أن مصر الحديثة تشكّلت عبر قرونٍ من التفاعل بين العروبة والإسلام والأعراق المتنوعة التي سكنت هذه الأرض".

وتابع رشدي: "‏إن الهوية المصرية ليست مومياء في متحف، بل روح حيّة متجددة تنتمي إلى شعبها، وتستمد قوتها من تاريخها وكرامتها الحاضرة".

وأوضح مصطفى سيد، أن الخلاف على المتحف أنه يكلف مليارا و 200 مليون دولار البلد مستلفاهم من اليابان زيادة على ديونها التي جعلت معظم الشعب فقير ومش لاقي ياكل.

وقال: "كأنك جايب واحد فقير وشحات وحافي ومريض ودايس على وشه وهو عامل معرض يقولك فيه خد بالك أنا كنت عنتيل من 7000سنة".

وكتب فؤاد سامحي: "عندي فخر في جيناتي.. عظمة يا بلادي جمهورية مصر العربية الإسلامية.. بس طبعا ده مينسناش إنه كله بالقروض وتعليم وصحة ومعيشة تحت خط الفقر طبعا".

إنجازات فنكوش

وتذكيرا بمشاريع سابقة تعامل معها النظام المصري بزخم وحفاوة شديدة وفشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، استحضر المغرد زيزو، تفريعة قناة السويس والمؤتمر الاقتصادي الذي وعد النظام بأنه سيجني 100 مليار، وموكب المومياوات وطريق الكباش، والعاصمة الإدارية والمونوريل وأكبر برج أيقوني..وغيرهم.

ورأى أن في بلد غارق بالديون وشعبه يعاني من مستوى فقر مدقع ومن أكبر أزمة اقتصادية في العصر الحديث فالامتناع عن الاحتفال بهذه المشاريع واجب وطني يستلزم عدم تشجيعه.

وقال زيزو: "مش مجرد إننا بناخد موقف من تهميشنا كشعب في مقابل صرف مبذر على مشاريع الفشخرة الكدابة، الأهم من ده هو إننا نوقف مهزلة الاحتفاء بالمشاريع دي لأن كل ما النظام هيلاقي رد فعل شعبي إيجابي على ده هتعتبر النوع ده من المشاريع هيا خلاصة من كل وأي خطايا في المستقبل".

وأشار إلى أن افتتاح المتحف يبين الفصل الطبقي الذي وصلت له البلد وأنها أصبحت بلدين فعلا، مجتمع إيجيبت وشلة رجال الأعمال الحرامية والمجرمين والمنتفعين وممثلين الكومباوندات وإعلاميين القنوات الخليجية الذين يتم تلميعهم في حفل مبهرج وصرف باذخ من جيب شعب مصر الحقيقي الذي يعاني تحت وطأة الفقر والجوع والحاجة.

وحثَّ زيزو، على الاعتراض على أولويات إنفاق أموال البلد، مستنكرا حجم الإنفاق في وقت غرق فيه 14 طفلا في ترعة في قرية في أسيوط لأنهم لا يمتلكون كوبري يعدوا عليه وماتت منهم طفلة في نفس الوقت الذي يحتفل فيه الملايين بصرف مليارات على متحف جديد.

وقال بوجا الشاعر: "لا المتحف المصري الجديد هيجيب فلوس ولا قناة السويس جابت فلوس ولا محطات الكهرباء جابت كهرباء ولا حقول الغاز طلعت غاز ولا المزارع السمكية رخَّصت السمك ولا منجم السكري رخّص الذهب ولا زراعة الأراضي رخصت أسعار الخضار".

وأضاف: "ولا الكباري قللت الزحمة ولا زرعنا ولا صنعنا ولا صدرنا ولا بقينا قد الدنيا وكل يوم تصحى على زيادة الأسعار وفي الآخر يقلك في إنجازات.. الإنجازات فنكوش.. كفايه إنجازات كفايه أونطه كفايه بقي".

وتهكم أحمد أيوب قائلا: "الحمد لله، مصر بقت لوحة فنية من المشاريع العملاقة.. قناة السويس الجديدة: كام مليار؟ مش مهم، المهم إنها هدية للعالم.. العاصمة الإدارية: 145 مليار دولار عشان الكوكب يستثمر عندنا.. موكب الممياوات والكباش: كام مليار؟ عشان السياحة تطير في الفضاء".

وأضاف: "مدينة العلمين وشبكة الطرق: كام مليار؟ عشان نتصور جنب الأسفلت..الصوب الزراعية، المليون ونصف ماشية، وبركة غليون: مليارات راحت لا لحمة ولا سمك ولا طماطم بس المواطن؟ لسه بيتخانق على رغيف العيش وبيموت في طابور مستشفى وبيعلم ولاده في فصل فيه 80 طفلا".

وأكد المغرد محمد، أن لا أحد يُعارض أن تنفق الدولة على التنمية، لكن الميزان بين "المشروعات الرمزية" و"الحاجات الإنسانية الأساسية" مختل، موضحا أن المطلوب ليس وقف الإنفاق، بل إعادة توجيهه ليكون له أثر مباشر على المواطن المصري العادي.

فرعون مصر

وهجوما على رئيس النظام المصري واستنكار لإدارته للموارد الاقتصادية وإغراق البلاد في ديون لا حصر لها، قال عزالدين علي: "المتعاص -في إشارة إلى السيسي- واخد قرض بمليار دولار من اليابان علشان المتحف والمتخلفين فرحانين وكأنه هينتشلهم من الفقر".

وأضاف: "طيب استنوا لما ينهب منكم علشان يسد القرض الأول وبعدين ابقوا طبلوا يا شوية معاتيه.. وبعدين من إمتى بلحه بيعمل مشروع وبيؤتي ثماره ولا نسيتوا (قناة السويس الجديدة، ومزارع السمك، اللي سعر السمك بعدها تضاعف ولا مصانع الجيش بتاع الجمبري)".

وأقسم علي، بأن مصر لن ترى خيرا أبدا طالما السيسي ومن معه في سدة الحكم. مبشرا بأن الثعالب ستسقطه قريبا هو والحشرات التي معه.

وعرض أحد المغردين صورة ساخرة، تظهر ممثلة مصرية في أحد المشاهد تخاطب السيسي قائلة: "عاوزين بقى اللي عملته في المتحف المصري الكبير تعمله في المستشفيات والمدارس والمصانع.. ماشي".

ونشر خبير إدارة الأزمات مراد علي صورة ساخرة للسيسي يرتدي فيها الزي الفرعوني، قائلا: “انتهى المولد والحمد لله.. ممكن نرجع نركز في النيل وسد النهضة؟ ممكن نشوف حلول حقيقية للوضع الاقتصادي؟”

وتساءل: “ممكن ندي وقت لمواجهة تقسيم السودان وللي بيحصل في غزة ونتعامل بقى بجدية مع خطط نتنياهو لإعادة تشكيل المنطقة؟ ممكن نفكر شويه في التعليم والصحة والتصنيع ونستثمر فيهم؟ ممكن ولا صعب؟”

وقال علي: "هعتبر حفل افتتاح المتحف المصري الكبير أعظم حاجة حصلت في الدنيا، وكل الرؤساء والملوك حضروا والعالم انبهر، كفاية كده، وارجعوا بقى للواقع".

وأكد الكاتب رفيق عبدالسلام، أن السيسي هارب من التاريخ العربي الإسلامي العظيم لمصر نحو التاريخ الفرعوني، لأنه يتمثل شخصية فرعون في تسلطه على الخلق شكلا ومضمونا.

وأشار إلى أن ما يفعله السيسي اليوم هو أشبه ما يكون بما فعله شاه إيران بتمجيد التاريخ الزردشتي المجوسي على حساب تاريخها الإسلامي، لافتا إلى أن ذلك كان سببا من أسباب اندلاع ثورة إسلامية في وجهه.

عودة الفلول

واستنكر ناشطون إعادة النظام الحالي لفلول ورموز النظام المصري المخلوع للمشهد مرة أخرى وتصدرهم الصورة وغسل سمعتهم من الجرائم التي ارتكبوها في حق المصريين، بينهم متورط في قضايا فساد وآخر متهم بجريمة قتل.