بعد وقف إطلاق النار.. كيف بدأت حماس إحكام سيطرتها واستعادة النظام في غزة؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد ساعات قليلة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، استعادت حركة المقاومة الإسلامية حماس السيطرة الكاملة على المناطق التي انسحب منها الاحتلال في قطاع غزة.

وشهدت محافظات القطاع انتشارا واسعا لعناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وأفراد الأجهزة الأمنية في غزة، فور انسحاب جيش الاحتلال، وهو الأمر الذي كان سببا في ابتهاج الغزيين وإحساسهم بالأمن في الطرقات.

ويأتي المشهد في قطاع غزة معاكسا لما تعهّد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمدة عامين، من تدمير حماس وسيطرة إسرائيل على الأمن، وحكم عسكري صارم، على أن يكون الحكم المدني لعملاء ومليشيات موالية له.

إذ عادت السيطرة الأمنية والعسكرية والمدنية على أرض القطاع لحركة حماس التي شرعت منذ اليوم الأول التالي للحرب بالعمل على إنهاء حالة الفلتان الأمني، ومحاربة العصابات الموالية للاحتلال، ومحاسبة المجرمين، وتسيير الشؤون المدنية للغزيين.

حماس تسيطر

وفي هذا السياق، بدأت وزارة الداخلية في غزة جهودا مكثفة لإعادة ضبط الأوضاع الميدانية، شملت ملاحقة المطلوبين والعملاء والعصابات الموالية للاحتلال، والتي استخدمها الأخير خلال الحرب لضرب الجبهة الداخلية.

وشملت الحملات الأمنية عمليات دهم واعتقال في  مناطق القطاع كافة، كما نالت أماكن سيطرة الاحتلال داخل ما يعرف بـ"الخط الأصفر" الذي جرى تحديده بناء على اتفاقية وقف إطلاق النار.

واستأنفت الوزارة عمل قوى الأمن الداخلي والشرطة والمباحث العامة ومكافحة المخدرات التي انتشرت داخل القطاع بشكل علني بعد أشهر من العمل وفق نظام الطوارئ.

في موازاة التحركات الأمنية، أعادت الوزارات والهيئات الحكومية والبلديات أعمالها تدريجيا كما كانت قبل الحرب، في إطار خطة لإعادة الحياة الطبيعية وتنظيم الخدمات للسكان.

وحسب اتفاق وقف إطلاق النار الذي وُقّع في مدينة شرم الشيخ في مصر، فإن هذه المرحلة ستستمر إلى حين تسليم المهام إلى لجنة تكنوقراط يجري الإعداد لتشكيلها، بمشاركة فاعلة من حركة حماس.

وبدورها، بدأت وزارة الاقتصاد حملات ميدانية لضبط الأسعار وتنظيم الأسواق ومحاسبة التجار المخالفين.

فيما شرعت وزارة الأشغال العامة والإسكان بتوثيق الأضرار الناتجة عن العدوان، وتنظيم عمليات توزيع المساعدات والخيام على المتضررين، فيما بدأت البلديات بإزالة الركام وفتح الطرق المدمّرة وإعادة ضخ المياه إلى الأحياء التي تضررت بفعل القصف والتجريف.

كما أعادت وزارة العدل تفعيل المحاكم بشكل تدريجي بعد عامين من التعطل، في خطوة تهدف لإنهاء حالة الفوضى القانونية التي تفاقمت خلال الحرب.

أما وزارة الأوقاف فأطلقت حملة لإعادة تأهيل المساجد المدمّرة وإنشاء مصليات مؤقتة إلى جانب استئناف حلقات تحفيظ القرآن والدروس الدينية التي توقفت منذ أكثر من عامين.

وبات تنظيم الحركة للأوضاع الأمنية والمدنية ورسمها صورة "اليوم التالي"، شهادة فشل لأهداف الحرب على غزة.

وبدوره، قال الباحث السياسي زكريا سليسل: إن الجميع كان يدرك منذ بداية الحرب أن أهداف نتنياهو بالقضاء على حركة حماس وحكمها وقواتها العسكرية وإزالتها من الوجود كما كان يكرر في خطاباته، لن تتحقق.

وأكد لـ "الاستقلال" أن الأوضاع في نهاية الحرب جاءت مطابقة لما كانت عليه قبل بدايتها، فالصورة لم تتغير، وما يجري في غزة اليوم هو تأكيد لذلك؛ إذ تواصل حكومة حماس الفعلية بسط سيطرتها على القطاع، وتُدير مختلف مفاصل الحياة المدنية والأمنية فيه.

وأضاف سليسل أن خطة نتنياهو كانت تقضي بفرض حكمٍ عسكري مباشر على قطاع غزة مع إدماج مجموعات مسلّحة موالية له ضمن المنظومة الأمنية الجديدة، إلى جانب بعض العائلات المتعاونة مع الاحتلال.

وأشار إلى أن نتنياهو كان يتوهّم أنه بذلك سيخلق واقعًا أمنيًا ومدنيًا جديدًا في القطاع، إلا أن صمود المقاومة حتى اللحظة الأخيرة وتماسك قدراتها العسكرية أفشل هذه الخطة بالكامل.

كما أجبر الاحتلال على الرضوخ لصيغة مغايرة تمامًا، تقضي بأن تبقى حركة حماس طرفًا أساسيًا في إدارة قطاع غزة، بل وتشارك في اختيار حكومة التكنوقراط المقبلة، حسب وصفه.

وتابع سليسل: "حماس هي العنوان الرئيس لغزة، ولا يمكن لأي جهة أخرى أن تحكم مكانها؛ لأنها أسست منظومة متكاملة تشمل الأمن والتعليم والصحة والقضاء والبلديات، وشبكة واسعة من العلاقات المجتمعية تمتد إلى العائلات والقبائل وسائر مكونات المجتمع".

وأوضح أن هذه الجذور العميقة جعلت من حماس المرجعية الأساسية والوحيدة للسكان، وهو ما يجعل استبدالها أمرا مستحيلا، الأمر الذي أجبر الولايات المتحدة على محاولة التفاهم مع الحركة بشأن مستقبل الحكم في قطاع غزة.

وشدّد سليسل على أن هناك قناعة راسخة باتت تترسخ لدى كلٍّ من الاحتلال والإدارة الأميركية، مفادها أن إزالة حركة حماس بات أمرًا مستحيلًا.

وأوضح أنه إذا كانت حرب مدمّرة استمرت لعامين كاملين قد عجزت عن القضاء على الحركة أو حتى تقويض قدرتها على الحكم، فإن أي وسيلة أخرى لن تنجح في ذلك، خاصة في ظل قدرة حماس العالية على تجديد مواردها البشرية وتنظيم صفوفها بسرعة.

وأشار إلى أن الحركة تمكنت من إعادة تجنيد صفوفها وتعويض من فقدتهم من عناصرها، ما يؤكد تماسكها واستمرار حضورها التنظيمي والسياسي، و"الأكثر أهمية أنها خرجت بتأييد شعبي كبير في غزة".

ترحيب شعبي

ومع عودة السيطرة وانتشار الأجهزة الأمنية في مختلف مناطق القطاع، ووضع حدٍّ لحالة الانفلات الأمني، واستئناف العمل الحكومي، سادت أجواء من الارتياح والطمأنينة بين المواطنين في غزة.

فقد رأى السكان في هذا الانتشار نقطة تحول بعد فترةٍ من الفوضى الأمنية تخللها جرائم سرقة واعتداءات وإطلاق نار ونزاعات عائلية مسلحة.

صحيفة "الاستقلال" استطلعت آراء المواطنين في مخيمي النصيرات والبريج وسط قطاع غزة حول عودة العمل الحكومي وانتشار قوى الشرطة واستعادة الأمن عقب وقف الحرب.

ومن جانبه، قال المواطن محمد سعد الله: إن مشاهدة عناصر الشرطة والأجهزة الأمنية وهم يتجولون في الأسواق، ويعملون على منع الاحتكار وضبط الأسعار، إضافة إلى ملاحقة العملاء واللصوص والمحتالين الذين أسهموا في حالة الفلتان الأمني والمعاناة المعيشية، أمر يثلج صدور الغزيين.

وأشار إلى أن عودة الانضباط والنظام إلى الشوارع بعد فترة طويلة من الفوضى بعثت الأمل من جديد لدى السكان بأن الحياة في غزة تسير نحو الاستقرار.

وأضاف سعد الله أن الغزيين عاشوا خلال العامين الماضيين واقعًا قاسيًا؛ حيث انتشر المجرمون والمحتكرون واللصوص ومروّجو المخدرات في الشوارع دون خوف، في ظل عجز الأجهزة الأمنية عن مواجهتهم بسبب استهداف الاحتلال لأي محاولة لضبط الأمن.

وأوضح أن هذا الواقع خلق حالة من الخوف واليأس بين المواطنين؛ إذ أصبحت الجريمة جزءًا من الحياة اليومية في غزة.

لكنّه أشار إلى أنه بعد انتهاء الحرب وبدء حملات المحاسبة الأمنية الواسعة، شعر المواطنون بارتياح كبير، مؤكدًا أن الواقع تغيّر تمامًا، وأن الناس باتوا يلمسون عودة الأمن والنظام إلى حياتهم.

أما المواطن عبدالله خيري فقال: إن انتهاء الحرب وعودة الحكومة لممارسة أعمالها، وانتشار الشرطة والأجهزة الأمنية من جديد، أدّيا إلى حالة من الفرح والاستبشار بين سكان قطاع غزة.

وأوضح أن هذه التطورات أحيت الثقة بقدرة الغزيين على إعادة إعمار ما دمّره الاحتلال، ووضعت حدًا لحالة الفلتان الأمني والجرائم، ولتسلّط بعض العائلات والمجموعات الخارجة عن القانون على غيرها. مؤكدًا أن الناس اليوم يعيشون بداية مرحلة جديدة يسودها الأمل والاستقرار.

وقال: إنه منذ اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار، بدأ المواطنون يشاهدون الأجهزة الأمنية وهي تعتقل أعدادًا من المجرمين والعملاء، بعضهم تورّط في جرائم قتل لأشخاصٍ لم يكن ذنبهم سوى أنهم كانوا يحملون الطحين لعائلاتهم، فاستُهدفوا بقصد السرقة.

وأضاف أن المفارقة اللافتة اليوم هي أنه حتى أولئك الذين لا يحبون حركة حماس، أو يختلفون معها سياسيًا، باتوا من أكثر المطالبين بعودتها إلى الحكم؛ لأنهم أدركوا أنه لا يمكن لأي جهة أخرى أن تدير غزة أو تفرض الأمن والاستقرار فيها مثلما تفعل الحركة.

أما فاطمة عبد الرحمن فقالت: إنه بعد انتهاء الحرب وعودة الجهات الحكومية لتولي مهامها في تنظيم وتوزيع المساعدات الإنسانية، تمكنت لأول مرة منذ سبعة أشهر من الحصول على مساعدات غذائية لعائلتها بعد أن كانت محرومة منها طوال الفترة السابقة.

وأوضحت أن تلك المساعدات كانت تُنهب سابقًا على أيدي العصابات في ظل غياب الرقابة. مؤكدة أن عودة الحكومة للإشراف المباشر على التوزيع أعادت الثقة والعدالة بين الناس، ومنحت الأسر المحتاجة شعورًا بالإنصاف.

وأضافت أنها كانت خلال الأشهر الأخيرة من الحرب تخشى إرسال أحد أبنائها خارج المنزل بعد غروب الشمس؛ بسبب انتشار المجرمين وقطاع الطرق في الشوارع، الأمر الذي جعل الحياة اليومية مليئة بالخوف والقلق.

لكنها أوضحت أنه بعد انتهاء الحرب وانتشار الأجهزة الأمنية من جديد، أصبحت الطرقات مؤمّنة بشكل واضح، كما عملت البلديات على إنارة الشوارع وتحسين الخدمات العامة، ما جعل الحياة تبدأ بالتحسن تدريجيًا مع عودة الأمن.

صدمة في إسرائيل

في مقابل حالة الارتياح والاستبشار التي يعيشها الغزيون، كان الوضع مختلفا في الأوساط السياسية والإعلامية في تل أبيب؛ إذ أحدثت عودة حماس إلى إدارة غزة بهذه السرعة زلزالا في إسرائيل التي وجدت نفسها أمام مشهد يناقض تمامًا الرواية التي روّجت لها حكومة نتنياهو طيلة عامين.

فقد امتلأت الصحف والمواقع الإسرائيلية بالتساؤلات: “ما الذي فعله الجيش خلال عامين من العمليات في غزة؟ وكيف تمكنت حماس من استعادة السيطرة الكاملة فور توقف إطلاق النار؟”

ونقل موقع "وورلد إسرائيل نيوز" خلال تقرير في 23 أكتوبر 2025 عن تقديرات استخبارية إسرائيلية، أن حماس استعادت فعليا السيطرة على القطاع بعد وقف الحرب.

وقال: إن الحركة باتت تمارس مهام الحكم اليومي من جباية الضرائب وتشغيل البلديات إلى تفعيل الأجهزة الأمنية وضبط الأمن الداخلي، بل وملاحقة المخلّين بالنظام.

ووصف هذه التقديرات، بأنها اعتراف ضمني بفشل إسرائيل في تفكيك بنية حكم حماس التي نجحت رغم الدمار الهائل، في إعادة تنظيم نفسها بسرعة قياسية.

بدوره، قال مراسل الشؤون الفلسطينية في القناة 12 الإسرائيلية "أوهاد حيمو"، في 24 أكتوبر 2025، إن التقديرات السابقة لدى الجيش كانت تؤكد أن حماس ستواجه "صعوبات هائلة" في إعادة الإمساك بزمام الأمور، لكن الواقع "فاجأ الجميع".

وأضاف حيمو: "ما إن انتهت العمليات العسكرية حتى رأينا استعادة حماس السيطرة على القطاع بشكل كامل خلال أسبوعين فقط، كما أصبحت طرفا فاعلا في النقاشات والمحادثات السياسية، بل وعادت إلى الطاولة بدعمٍ غير مباشر من واشنطن".

وأكد أن الحركة لم تختفِ بعد عامين من هجوم السابع من أكتوبر، بل تحولت إلى العنوان الرئيس في المشهد السياسي والأمني في غزة، في دلالة واضحة على قدرتها على استعادة دورها المركزي كقوة حاكمة.

في السياق ذاته، أفادت القناة 13 العبرية بأن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك" رصدا عودة حماس إلى السيطرة الميدانية والإدارية في القطاع، وعدا ذلك من أبرز المخاوف التي أثارتها اتفاقية وقف إطلاق النار.

وذكرت القناة الإسرائيلية أنه، ومع الساعات الأولى للتهدئة، كانت الحكومة في غزة قد استعادت زمام الأمور تدريجيًا، في مشهد "انتصار إداري ومعنوي غير متوقّع لحماس، رغم كل ما أنفقته إسرائيل من دم ومال خلال الحرب الأخيرة".