بعد تزايد الضغوط الأميركية الإسرائيلية.. هل يتحول لبنان إلى ساحة مواجهة جديدة؟

"لبنان يبحث عن سبل حماية مصالحه وخياراته الإستراتيجية دون إملاءات"
يشهد لبنان وضعًا معقدًا يجمع بين الحفاظ على توازن القوى السياسية الداخلية، والضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تهدف إلى دفعه لتقديم تنازلات لتجنب العودة إلى شبح الحرب.
وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت هذه الضغوط، حيث جاءت اللهجة الإسرائيلية تصعيدية إلى جانب انتقادات علنية من المبعوث الأميركي توماس براك، الذي وصف لبنان بـ"الدولة الفاشلة".

اللعب بالنار
وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من أن جيش الاحتلال قد يكثّف هجماته ضد حزب الله اللبناني.
وقال كاتس في بيان نشر في 2 نوفمبر 2025: "حزب الله يلعب بالنار والرئيس اللبناني يماطل. يتعيّن تطبيق التزام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله وإخراجه من جنوب لبنان".
وأشار إلى أن "تنفيذ الإجراءات الصارمة سيتواصل وسيتكثف"، مضيفًا: "لن نسمح بأي تهديد لسكان شمال إسرائيل".
ومع اقتراب الموعد الذي حددته الولايات المتحدة لنزع سلاح حزب الله بحلول نهاية 2025، يواصل الحزب رفضه للضغوط الدولية، معلنًا رفع حالة التأهب استعدادًا لأي تطورات، بما في ذلك احتمالات العودة إلى المواجهة.
وقد بدا قرار الحكومة اللبنانية، الصادر في أغسطس/آب 2025، بشأن تجريد حزب الله من سلاحه قبل نهاية العام ووضع الجيش خطة من خمس مراحل لنزع السلاح، غير قابل للتطبيق عمليًا بحسب مراقبين.
وشهدت المناطق اللبنانية تصعيدًا في القصف الإسرائيلي، ما أدى إلى مقتل مدنيين وعناصر من حزب الله، إضافة إلى ثلاثة من قادة الحزب خلال أكتوبر 2025، وهم: علي حسين الموسوي، الذي وصفه الجيش الإسرائيلي بـ"مهرب أسلحة في حزب الله"، وعبد محمود السيد، الممثل المحلي للحزب في منطقة البياضة جنوب لبنان، وزين العابدين حسين فتوني، قائد في منظومة الصواريخ المضادة للدروع بوحدة قوة الرضوان التابعة للحزب.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 اغتيال أربعة أشخاص قال إنهم أعضاء في قوة النخبة التابعة لحزب الله.
وتصاعد الموقف اللبناني تجاه إسرائيل بعدما توغلت قوة عسكرية إسرائيلية فجر 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025 داخل بلدة بليدا الحدودية، ما أدى إلى مقتل موظف كان يبيت داخل مبنى البلدية.
فور الحادثة، طلب الرئيس اللبناني جوزيف عون من الجيش "التصدي" لأي توغل إسرائيلي "في الأراضي الجنوبية المحررة"، في إشارة إلى المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة مع حزب الله.
ويأتي ذلك بعد أقل من أسبوعين على دعوة عون إلى مفاوضات مع إسرائيل منتصف أكتوبر 2025، عقب دور وساطة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أسهم في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، إلا أن عون اتهم إسرائيل لاحقًا بالرد على الدعوات بمزيد من "الاعتداءات".

الضغط الأميركي
لم يدخل لبنان بعد في تفاوض مع إسرائيل، بينما تقول الأخيرة إن البديل هو الحرب، في ظل اتهام تل أبيب لحزب الله بإعادة بناء قدراته العسكرية بعد إضعافها في المواجهة الأخيرة.
وأمام ذلك، كررت واشنطن على لسان الموفد الأميركي توماس براك، في 2 نوفمبر 2025 على هامش "حوار المنامة"، دعوتها للبنان لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
وقال براك: "الحوار يجب أن يكون مع إسرائيل. يجب أن يكون فقط مع إسرائيل، وإسرائيل مستعدة".
وأضاف خلال ندوة في المنامة: "الطريق واضح للغاية، ويجب أن يكون إلى القدس أو تل أبيب لإجراء محادثات جنبا إلى جنب مع سوريا. سوريا ترشد الطريق".
وتسعى الولايات المتحدة إلى دفع لبنان للسير على خطى سوريا المجاورة، التي تبحث إبرام اتفاق أمني مع إسرائيل.
وكانت إسرائيل قد شنت عدوانًا على لبنان في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تطور إلى حرب شاملة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيّز التنفيذ، غير أن تل أبيب انتهكته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن مقتل 262 شخصًا وإصابة 563 آخرين، وفق بيانات رسمية.
وفي تحدٍ للاتفاق، نفذ الجيش الإسرائيلي انسحابًا جزئيًا من جنوب لبنان، لكنه لا يزال يحتل خمس تلال لبنانية سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة.
ويبدو واضحًا أن الضغط الدولي على لبنان يحمل عنوانًا واحدًا هو الضغط الأميركي، فالأطراف الأخرى، كالبريطانيين أو الفرنسيين أو حتى الأوروبيين، لا يملكون الوزن نفسه في هذا الملف.
فالضغط الأميركي عبر تصريحات توماس باراك يأتي، وفق المراقبين، كرد فعل على بروز نوع من التوافق بين اللبنانيين على مستوى الرئاسات والقيادات السياسية حول كيفية التعامل مع ملف التفاوض مع إسرائيل.
يؤكد الجميع أن أي حوار أو تفاوض يجب أن يتم عبر الأطر الرسمية، لا من خلال إملاءات أو ضغوط خارجية، خصوصًا أن واشنطن تحاول الدفع باتجاه مفاوضات مباشرة.
في المقابل، يؤكد المراقبون أن لبنان يبحث عن سبل حماية مصالحه الوطنية وخياراته الاستراتيجية دون إملاءات خارجية، في وقت لا يملك فيه ترف الوقت بسبب استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والتوتر الميداني.
يواجه لبنان ضغطًا دوليًا متصاعدًا بشأن ضبط السلاح وامتثال الحكومة للاتفاقات الدولية المتعلقة بذلك.
فالرسائل الموجهة إلى لبنان تركز على ضرورة تنفيذ خطوات جدية مرتبطة بحصرية السلاح ووقف أي نشاط مسلح خارج سلطة الدولة، ولهذا، وفق المراقبين، فإن عدم الالتزام قد يؤدي إلى "ضربة إسرائيلية مستقبلية".
وفي هذا السياق، أكد الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ"الاستقلال" أن "الرسائل وتصاعد النبرات العسكرية والسياسية تتكثف ضد لبنان، لكن طبيعة التهديدات الإسرائيلية لا تحتمل المزاح ولا التسويات المؤقتة".
وأضاف بشارة أن "المؤشرات تشير إلى أن الجنوب اللبناني يقف على حافة اختبار كبير، في حين تترقب الدوائر الدولية مسار ما يُسمى تنظيف الجنوب من أي وجود مسلح شمال الليطاني، وهو الاستحقاق الذي يُفترض أن يُستكمل قبل نهاية العام".
واستدرك: "كل التبريرات اللوجستية التي تُساق لتبرير التأخير لم تعد تقنع أحدًا، فالمطلوب من لبنان تنفيذ القرار، ولو بتكبير المهمات أو تصعيب التنفيذ، طالما أن سقف الضغط الدولي يرتفع يومًا بعد يوم".
وأضاف: "زيارات المبعوث الأميركي لبيروت لم تعد مرتبطة بلقاءات استكشافية، بل بقرارات حاسمة تُتخذ في واشنطن وتل أبيب، وتُترجم ميدانيًا إذا ما استمر لبنان في سياسة المماطلة والتأجيل".
وختم بشارة بالقول: "ما ينتظر لبنان في الأسابيع المقبلة يتجاوز الحسابات الصغيرة، ويحتاج إلى قرار وطني واقعي يوازن بين السيادة والمسؤولية، قبل أن تفرض الحقائق الإسرائيلية نفسها بالقوة".

الخيار الأفضل
ورأى المبعوث الأميركي توماس براك أن إسرائيل تقصف جنوب لبنان يوميًا لأن سلاح حزب الله لا يزال موجودًا، مشيرًا إلى أن آلاف الصواريخ في جنوب لبنان لا تزال تهدد إسرائيل.
وفي كلمة له خلال حوار المنامة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وصف لبنان بـ"الدولة الفاشلة"، لكنه أكد أن القيادة اللبنانية صامدة وعليها التقدم بشكل أسرع لحصر سلاح حزب الله.
وأضاف براك أن لبنان "لا يملك مصرفًا مركزيًا فعالًا، والنظام المصرفي منهار، ومليارات الدولارات مفقودة، مع ديون حكومية تصل إلى 130 مليار دولار، ومع ذلك ترفض السلطة إجراء تقييم للفجوة المالية أو التعامل مع البنك الدولي".
وأشار إلى غياب الكهرباء الحكومية واستبدالها بالمولدات الخاصة، وكذلك نقص المياه والتعليم، متسائلًا: "فما هي الدولة؟" وأجاب: "الدولة هي حزب الله؟".
وتحمل انتقادات المبعوث الأميركي رسالة واضحة، مفادها أن الجيش اللبناني، رغم المساعدات العسكرية الأميركية، غير قادر على الامتثال للمطلب الأساسي المتمثل في نزع سلاح حزب الله وضبط جميع الأسلحة تحت السلطة الحصرية للدولة.
تقوم الرؤية الأميركية على أن نزع سلاح "حزب الله" بشكل كامل وفعّال هو الضمان الوحيد للأمن على طول حدود لبنان، ويقلل من احتمالية نشوب صراعات مستقبلية.
وفي هذا السياق، يشير الكاتب اللبناني ورئيس تحرير موقع "جنوبية" علي الأمين إلى أن إسرائيل لا تعد سلاح حزب الله تهديدًا مباشراً لها، لكنها تسعى لمنع إعادة ترميم قدرات الحزب العسكرية، في حين يواصل الحزب التأكيد على إعادة بناء هذه القدرات بدعم إيراني.
وأضاف الأمين في لقاء خاص نُشر على موقع "جنوبية" المحلي في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، أن "الدولة اللبنانية مطالبة بإثبات سيادتها وقدرتها على إدارة الملفات الأمنية والتنموية والاجتماعية"، محذراً من أن أي تباين بين تصريحات الدولة وحزب الله يؤدي إلى فقدان المصداقية أمام المجتمع الدولي.
وفي تقييمه للوضع العسكري، قال الأمين إن "سلاح حزب الله فقد قيمته الفعلية كأداة ردع"، مشيراً إلى أن استمرار وجوده يمنح إسرائيل ذريعة لممارسة المزيد من العدوان.
ورأى الأمين أن "الخيار الأفضل للبنان اليوم هو الالتزام بالاتفاقات الدولية والسعي للاستفادة من الدعم الأميركي والدولي لتفادي أي تداعيات محتملة".














