فلتشرب مصر من البحر.. رد نظام السيسي على نجاح إثيوبيا بملء سد النهضة
بوتيرة سريعة، بدأت تظهر استعدادات النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي للسيناريو الأسوأ من آثار وتداعيات سد النهضة الإثيوبي، في محاولة منه للتغطية على الكارثة التي تسبب في وقوعها.
فبعدما تسبب السيسي بفشله وتواطئه في تمرير مخططات إثيوبيا للسيطرة على مياه النيل، وبدا أن السد بات أمرا واقعا، شرع الجنرال في سياسة جديدة.
إذ أطلق السيسي إستراتيجية لتحلية مياه البحر، واستعان بالجيش في ذلك، والذي بدأ سريعا في الحصول على أجزاء كبيرة من الأراضي الساحلية بغرض إقامة محطات تحلية.
وذلك مع تواصل جدلية مدى نجاعة هذه المحاولات، أمام تأثر مصر ومواردها المائية ببناء السد على نهر النيل، حيث يمدها النهر بما يفوق 90 بالمئة من احتياجاتها.
ولا سيما أن السيسي أكد على مدار سنوات أن لا أحد يستطيع المساس بحصة بلاده من النيل، لكن هذه التطورات تشي بانصياعه لهذا الواقع المرير.
"مياه #مصر أمانة في رقبتي".. مغردون يستنكرون تصريحات #السيسي حول #سد_النهضة ومياه مصر" pic.twitter.com/vlVFw1i7vL
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) August 8, 2022
بالأمر المباشر
في 18 أغسطس/ آب 2022، أصدر السيسي، قرارا جمهوريا بتخصيص قطع عديدة من الأراضي تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 294 فدانا، في 5 محافظات لصالح القوات المسلحة لاستخدامها في إنشاء محطات تحلية مياه البحر.
وتضمن القرار المنشور في الجريدة الرسمية تخصيص 5 قطع في محافظة مطروح (شمال غرب) نقلا من الأراضي المخصصة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان.
وكذلك تخصيص مساحة أخرى تبلغ قيمتها 15 فدانا ناحية رشيد في محافظة البحيرة (شمال).
كما تضمن القرار أن يعاد تخصيص مساحات من الأراضي المخصصة للهيئة العامة للتنمية السياحية، بواقع قطعتين في البحر اﻷحمر وثالثة في جنوب سيناء، ناحية شلاتين وبرنيس، وأخرى ناحية طابا.
وجاء في القرار أيضا إعادة تخصيص 11 قطعة، اﻷولى ناحيـة محافظة الإسماعيلية (شمال شرق)، والثانية ناحية الضبعة بمحافظة مطروح.
بالإضافة إلى 3 قطع بمحافظة البحر اﻷحمر، ناحية رأس غارب والقصير ومرسى علم، وأخرى في جنوب سيناء، ناحية أبو زنيمة ونويبع وأبو رديس، وكذلك ناحية دهب والطور ورأس سدر.
وجاء حصول الجيش على هذه الأراضي بغرض تحلية مياه البحر، ليثير مزيدا من القلق حول دخول مصر مرحلة العجز المائي، خاصة أن هناك شواهد أخرى تعضد تلك المسألة.
وزير "التحلية"
برز ذلك في 13 أغسطس 2022، عندما عين السيسي الدكتور هاني عاطف سويلم "وزيرا للري"، ضمن التعديلات الأخيرة في حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
وهو واحد من الأسماء المهمة في التعديل الأخير، إذ شغل منصب أستاذ إدارة "الموارد المائية والتنمية المستدامة"، ومدير تنفيذي لوحدة "اليونسكو للتغيرات المناخية وإدارة المياه" في جامعة آخن الألمانية.
كما شغل منصب المدير الأكاديمي لقسم "هندسة المياه" بالجامعة الأميركية في القاهرة.
وأنشأ أول مركز في الشرق الأوسط للتنمية المستدامة وأبحاث تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية.
وأعد إستراتيجية لمصر لإدارة المياه والطاقة لإنتاج الغذاء اعتمادا على الموارد المائية المحدودة.
وكان الدكتور هاني سويلم عضوا في فريق مفاوضات سد النهضة، وتنبأ في 2021 أن إثيوبيا لن تستطيع الملء الثالث لسد النهضة قبل عام 2025.
لكن إثيوبيا استطاعت بالفعل الملء الثالث في 9 أغسطس 2022، أي قبل أن يتولى سويلم الوزارة بأيام قليلة.
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعلن اكتمال المرحلة الثالثة من ملء خزان #سد_النهضة على النيل الأزرق في ظل احتجاجات بلدي المصب #السودان ومصر. pic.twitter.com/QgdaNugUcZ
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) August 12, 2022
وأفادت تقارير صحفية أن السبب الرئيس في تعيينه "وزيرا للري" هو تخصصه في "تحلية مياه البحر"، ووضع خطط للموارد المائية المحدودة.
وذلك في ظل تخوف النظام من عجز مائي في أعقاب ملء سد النهضة، والوصول مع إثيوبيا إلى طريق مسدود لا رجعة فيه.
الآثار المترتبة
وبحسب صحيفة "المونيتور" الأميركية في تقريرها الصادر، يوم 7 يوليو/ تموز 2022، فإن مصر ستعاني أضرارا كارثية نتيجة الملء الثالث لسد النهضة.
ومن أبرز هذه الأضرار أنه سوف يمنح إثيوبيا امتياز التحكم الكامل في مياه النيل، وسوف يصل تخزين إثيوبيا إلى 9 مليارات متر مكعب من المياه خلف السد.
وهو ما يؤدي إلى تأثر القطاع الزراعي والأمن الغذائي المصري بشكل مباشر. وكذلك سوف تتأثر الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالي سلبا.
فضلا عن التأثيرات الاقتصادية السلبية بشكل عام، والتي سيشعر بها المواطن المصري في سنوات معدودة.
لذلك يبدو أن مصر عمدت إلى منهجية تحلية مياه البحر، كحل على المدى الطويل.
وبحسب إحصاءات وزارة الإسكان والمرافق العمرانية، الصادرة في ديسمبر/ كانون الأول 2021، نفذت مصر منذ عام 2014، نحو 180 محطة لمعالجة المياه بهدف إعادة استخدامها.
وذلك بنسبة زيادة تصل إلى 60 بالمئة عن الأرقام السابقة، إذ بلغت المحطات قبل 2014 نحو 300 محطة معالجة.
فيما تبلغ الطاقة الاستيعابية لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي حاليا 16.2 مليون متر مكعب يوميا.
كما يجرى تنفيذ 211 محطة معالجة، بطاقة استيعابية تبلغ 6 ملايين متر مكعب يوميا، وبدأت القوات المسلحة في الحصول على كثير من تلك المحطات.
وكان مستشار وزير الري المصري السابق، ضياء القوصي، قد صرح، بأن مشاريع المعالجة لا تضيف كثيرا إلى إجمالي الموارد المائية، وإنما تعد تحسينا لإدارة حصة مصر من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا.
وأضاف لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية في 19 يونيو/ حزيران 2022، أن "مصر ستحتفظ بحقها في عدم الانتقاص من هذه الحصة.. شاء من شاء وأبى من أبى"، على حد تعبيره.
وفي 7 يونيو 2022، اعترف مدير سد النهضة "كيفلي هورو" لأول مرة باحتمال تأثر مصر والسودان بعمليات الملء، قائلا "قد تكون هناك آثار جانبية، لا نستطيع إنكار ذلك".
لماذا الجيش؟
وكان السيسي قد صرح في 5 يونيو 2022، بأن كميات المياه الواردة من نهر النيل ثابتة منذ كان عدد سكان مصر 3 ملايين نسمة، بينما زاد التعداد السكاني الآن بأكثر من 100 مليون شخص.
في محاولة منه لربط المعضلة بالزيادة السكانية، لا بالفشل الكامل من الدولة في معالجة ملف سد النهضة على مدار السنوات الماضية.
من جانبه، رأى الصحفي والباحث المصري محمد مجدي، أن "مسألة فشل معالجة أزمة سد النهضة أصبحت واضحة للعيان ولا جدال فيها، نحن أمام هزيمة حقيقية في أهم قضايا مصر المتعلقة بأمنها المائي".
وأضاف مجدي لـ"الاستقلال" أن "خطط الدولة الآن تجاوزت فكرة السد إلى محاولة تخفيف الآثار الكارثية المترتبة على الملء الثالث، ودخول مصر إلى مرحلة العجز المائي المؤكدة".
واستطرد: "لذلك عهد السيسي إلى الجيش لتولي الملف لمجموعة من الحسابات، أولا الارتباط بفكرة السيطرة على الأراضي خاصة التي لها أهمية إستراتيجية".
"مثل محطات تحلية مياه البحر، ومشروع محطة الضبعة النووية، والأراضي الخاصة بإقامة مشروعات قومية مثل الكهرباء والطاقة والزراعات المستدامة"، يوضح الباحث المصري.
وعقب: "ثانيا لأنها الجهة الوحيدة التي يثق فيها، ويوليها مثل هذه الأمور لأسباب أمنية واقتصادية، فالزمن القادم ستكون محطات تحلية مياه البحر بمثابة شريان الحياة للمصريين، مع تراجع حصة مصر من المياه".
وشدد الباحث المصري على أن "معالجة الأمور تتم بطريقة أحادية وأن الزعيم قادر على حل كل المعضلات، ومواجهة جميع التحديات، ورغم أن تلك الأطروحة أثبتت فشلها لكنها مستمرة في دولتنا".
واستدرك قائلا: "فبدلا من وجود فرق متخصصة وخبراء، وتحرك من الدولة بأكملها، يتحرك الزعيم فتشيد به الحاشية إلى أن تحدث الكارثة، وبعد الكارثة يظل هو الوحيد المتصدر لحلها، وبالطبع النتائج معروفة، وهي واضحة في أزمة سد النهضة وتبعاتها على مصر".