"شريعة الغاب".. هكذا رفض جنود موريتانيون تنفيذ حكم قضائي بحبس زميلهم

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يميز جنود موريتانيون بين واجب الدفاع عن بعضهم في مواجهة أي خطر داهم، ومجازفة الوقوف أمام قاضي التحقيق؛ لمنعه من سجن زميل لهم متهم في "قضية أخلاقية"، وما يمثله ذلك من إهانة لأحكام القضاء والقانون.

ويعود أصل الحادث إلى 6 أغسطس/آب 2022، حين منع بعض الجنود سجن ضابط صف من الجيش، متهم في "حادث اغتصاب"، بعد إحالته إلى السجن من طرف قاضي التحقيق في مدينة آلاك، الواقعة على بعد 250 كلم شرق العاصمة نواكشوط.

و"شريعة الغاب" يقصد بها حالة الفوضى الناتجة عن تصرف كل شخص كما يريد، وأخذ حقه بنفسه وبقوته، وذلك لأسباب مختلفة، بينها ضعف الأمن أو سوء السلطة.

مواقف رسمية

ووصف الجيش الحادث بأنه "قرار فردي منعزل"، موضحا في بيان نشره عبر موقع "فيسبوك" في 6 أغسطس، أن "الجنود قاموا بهذه الأفعال نظرا لعدم فهمهم للمساطر (الإجراءات)  القانونية، وأنه تم تنفيذ القرار القضائي في الحال".

وذكر الجيش أن "رئيس الجمهورية، محمد ولد الغزواني، وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفور حصول العلم بالحادث أمر بالتحقيق فيما جرى، وأخذ الإجراءات الضبطية الضرورية لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث، المنافية لروح القانون ومبدأ فصل السلطات".

من جانبه، أعلن القاضي محمد ينج ولد محمد محمود، انسحابه من عضوية "نادي القضاة الموريتانيين"، معللا ذلك بما أسماه "الصمت المطبق" من طرف النادي تجاه "الحادثة التي وقعت في مدينة آلاك".

وعد ولد محمد محمود، في بيان استقالة نشره على صفحته بـ"فيسبوك"، أن تلك الحادثة "تعد اعتداء سافرا على السلطة القضائية".

وحظي الحادث باهتمام شعبي، خاصة من لدن الناشطين في المجالات الحقوقية والقانونية والسياسية، حيث قال المحامي محمد المامي مولاي أعلي، إن "حادث مدينة آلاك يتضمن ثلاث جرائم قانونية".

وفي تدوينة نشرها عبر حسابه على "فيسبوك" في 5 أغسطس/آب 2022، أوضح أن الحادث يشمل "جريمة التمرد، طبقا للمواد 191 وما بعدها في بابها من القانون الجنائي. وجريمة تدبير فرار المعتقل. طبقا للمادة 220 من القانون الجنائي. وجريمة عسكرية طبقا لقانون العدالة العسكرية".

وشدد على أن "الخضوع للقانون ليس نزهة، وإنما هو التزام ثقيل يقع على عاتق الجميع مقابل الأمن والمصالح المشتركة".

وأردف المامي: "عندما يخرج البعض من ربقة القانون ويفلت من قبضته، يشعر الذين امتثلوا للقانون أنهم خدعوا، ومن ثم ينفرط العقد.!".

هذا التخوف، هو ما عبر عنه أيضا البرلماني محمد الأمين سيدي مولود، قائلا إن ما "حصل في آلاگ جريمة مكعبة، عمل مليشياتي، اعتداء على حقوق ضحية، إهانة للقضاء، فتح باب فوضى خطيرة!".

وفي تدوينة أخرى نشرها عبر حسابه على "فيسبوك" في 5 أغسطس/آب 2022، أضاف سيدي مولود "إذا كان احتقار القانون يخول الجنود تحدي القضاء حماية لزملائهم، فإنه قد يؤدي إلى حماية ذوي الأعراض لأعراضهم خارج القانون والمؤسسات، فأي فوضى هذه؟!".

وتساءل البرلماني المعارض، والمعروف بوقوفه في وجه الفساد: "إذا كانت السلطة ومراكز النفوذ يحمون المفسدين، والأجهزة الأمنية والعسكرية تحمي عناصرها ضد القضاء، فمن سيحمي الشعب؟! من سيحمي الضحايا؟!".

غضب الشارع

ويرى الباحث في الشأن القانوني، أحمد جدو اعليه، أن "واقعة آلاك ترجع أساسا إلى جهل المعنيين بالحادث بالإجراءات القانونية".

وأكد لـ"الاستقلال" أن "البيان الذي أصدرته قيادة الأركان، من جهة أنهى معالجة الموضوع، حيث نفذ الحكم القضائي الصادر في حق المعني بالضبط والسجن، ومن جهة ثانية أحال المعنيين إلى التحقيق".

وعد جدو اعليه، أن "أحكام القضاء محترمة في موريتانيا، لكن هناك أزمة تنفيذ"، مشيرا إلى أن "هذا الإشكال تعاني منه باقي الدول المغاربة والعربية في العموم".

وأكد أن "إشكال التنفيذ يقع على عاتق الدولة والسلطة التنفيذية"، مشددا على أن "القضاء يصدر أحكامه فقط، أما التنفيذ فليس من مسؤوليته".

وفي حادث آلاك، يردف جدو اعليه، "نجد أن الذي قاوم التنفيذ هو جندي، أي أننا نتحدث عن عنصر من عناصر الجيش، الذي هو من أركان السلطة التنفيذية.

وتوقف الباحث في الشأن القانوني، عند تعهدات سابقة كان قد قطعها الرئيس ولد الغزواني خلال خطاب ترسيمه في يوليو/تموز 2021، بوضع قوانين تضمن استقلالية السلطة القضائية، مشيرا إلى أنه "تم مؤخرا إنتاج قوانين تعزز هذه الاستقلالية".

وأوضح  أن "ضمان استقلالية القضاء هو تحد تشريعي وقانوني أساسا، وليس بالتحدي السياسي، على اعتبار أن آلية تفعيل هذه الاستقلالية متضمنة في الاشتغال على النصوص التشريعية، سواء تلك المعنية بضمان حيدة واستقلالية القاضي أو استقلالية السلطة القضائية ككل".

وخلص "جدو اعليه" إلى أن "ضمان الاستقلالية التامة للجهاز القضائي الموريتاني وفق المعايير الدولية ما يزال بعيدا وطريقه طويلة جدا". 

قضاء تابع

الباحث الموريتاني في الشأن القانوني، عبد الرحمن وديه، له رأي آخر فيما يتعلق باستقلالية القضاء في بلاده، حيث قال إن "القضاء ما يزال يخضع للسلطة التنفيذية، ممثلة أساسا في رئيس الجمهورية ووزير العدل".

وذكر وديه في مقال بعنوان "استقلال القضاء في موريتانيا من النص القانوني إلى المبدأ الدستوري"، نشر على موقع محلي، أن "الفقرة الثانية من المادة السابعة نصت على أن رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلال القضاء"، مشددا على أنه لم يتم تفصيل معنى "الضامن" هنا.

واسترسل، كما نصت المادة 4 من القانون رقم 12 – 94 أيضا على ما يلي "يتم تعيين القضاة في مختلف الوظائف القضائية اعتبارا لرتبهم وأقدميتهم داخل هذه الرتب بمرسوم من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء بالنسبة لقضاة الحكم..".

وهذا يعني، وفق الباحث القانوني، أن السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية جمعت بين سلطتي الاقتراح بصفة الرئيس هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وسلطة التنفيذ لتعيين القضاء.

وشدد على أن هذا يطرح إشكالا قانونيا في الجمع بين الصفتين، مذكرا أيضا بأن هذا يتناقض مع نص المادة 89 من الدستور، التي أكدت على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وتوقف "وديه" عند الآليات الموضوعة لتقييم عمل ونشاط كل قاض سنويا، من خلال المادة 20 من القانون المذكور سابقا، والتي بحسبه تعطي للسلطة التنفيذية هذا الحق، مما يتعارض مع مبدأ الاستقلالية.

وأوضح أن "وظيفة القاضي تخضع لتقييم السلطة التنفيذية في إجراءين، الأول تسليم البطاقة الخاصة بالنشاط السنوي لكل قاض إلى وزير العدل، والثانية في أخذ رأي المدعي العام الذي يخضع للسلطة المباشرة لوزير العدل".

بالإضافة إلى أن رئيس المحكمة العليا الذي يقيم القضاة غالبا ما يتم تعيينه من خارج مؤسسة القضاء بمرسوم من رئاسة الجمهورية، وهذا ما يتناقض مع التنصيص الدستوري على استقلالية السلطة القضائية، ويعيد طرح الإشكال المرتبط بعلاقة هذا الأمر بالتنصيص الدستوري على أن "الرئيس هو الضامن لاستقلال القضاء"، وفق "وديه".

ويظهر أن مسار تحقيق استقلالية حقيقية للقضاء بموريتانيا ما يزال بعيدا، ليس فقط بسبب بسط السلطة التنفيذية لقوتها على باقي السلط، ولكن أيضا لوجود عدد من المنتسبين للجسم القضائي ممن يدافعون عن سلطة الرئيس على القضاء، وفق خبراء.

ومن ذلك ما عبر عنه القاضي الخليل بومن، مسؤول العلاقات الخارجية لنادي القضاة الموريتانيين، من خلال مقال له نشر في موقع "الأخبار" المحلي في 17 مايو/أيار 2022، بعنوان: "القضاء في موريتانيا بين الشرعية والمشروعية، في ضوء مبدأ الفصل بين السلطات".

وقال القاضي بومن إن "بسط الرئيس سلطته على القضاء وضمانه لاستقلاليته نابع من كون الرئيس يستمد هذه السلطة التي يتمتع بها من الشعب، الذي انتخبه عبر الاقتراع العام المباشر".

ويرى أن "ضمان استقلالية السلطة القضائية وتوازنها مع باقي السلط مرهون بأخذ رئيس الجمهورية بصرامة وحزم مسؤولياته الدستورية لحماية هذه السلطة من تغول السلطات الأخرى".

وأوضح أن هذا الأمر، يتطلب "مراجعة وتحديثا للنصوص ذات العلاقة من أجل رسم آلية قانونية محددة، وفق المعايير الدولية لاستقلال القضاء، وقواعد المحاكمة العادلة، لعصرنة المنظومة القضائية وجعلها منسجمة مع روح الدستور وكل المواثيق الدولية ذات الصلة، والتي صادقت عليها موريتانيا".