سقوط "شبوة" بيد مليشيات تابعة للإمارات.. هذه مخاطره على مستقبل اليمن

12

طباعة

مشاركة

في توسع جديد للتشكيلات الانفصالية المسلحة جنوبي اليمن، حسمت مليشيات دفاع "شبوة" و"العمالقة" التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا معركة مدينة عتق بمحافظة شبوة في 10 أغسطس/آب 2022، بمساندة من طيران مسير إماراتي شن غارات على القوات الحكومية.

واندلعت شرارة المواجهة العسكرية بين الطرفين في 8 من الشهر نفسه، عقب قرار من محافظ شبوة عوض بن الوزير العولقي بإقالة قائد قوات الأمن الخاصة التابعة لوزارة الداخلية عبدربه لعكب، وهو القرار الذي يعد من صلاحيات وزير الداخلية.

وجاء قرار الإقالة على خلفية الاشتباكات في مدينة عتق عاصمة المحافظة في 19 يوليو/تموز 2022، بعد محاولة عناصر مسلحة مدعومة إماراتيا، اغتيال عبد ربه لعكب، في خطوة عدها مراقبون "تلبية لمطالب أبوظبي".

استهداف متعمد

قبل المعركة الأخيرة شهدت مدينة عتق، خلال الفترة الأخيرة، مناوشات بين قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية وقوات "دفاع شبوة" التي كانت تعرف سابقا باسم "النخبة الشبوانية".

وقوات "دفاع شبوة" أسست بدعم وتمويل إماراتي وتتبع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتبنى مشروع انفصال جنوب اليمن، وذلك بسبب اختلاف العقيدة العسكرية للقوتين.

وبعد الاشتباكات الأخيرة بساعات عقد اجتماع طارئ لـ"مجلس القيادة الرئاسي" برئاسة رشاد العليمي، من أجل بحث المستجدات الأمنية بمحافظة شبوة.

وقرر المجلس إقالة كل من قائد اللواء 30 مدرع، عزير ناصر العتيقي، ومدير عام شرطة محافظة شبوة، عوض مسعود الدحبول، وقائد فرع قوات الأمن الخاصة، عبدربه محمد لعكب، وقائد اللواء الثاني دفاع شبوة، وجدي باعوم الخليفي، حسب وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" في 8 أغسطس 2022.

كما صدرت قرارات رئاسية وأخرى من رئيس الحكومة قضت بتعيين العميد الركن عادل علي بن علي هادي قائدا لمحور عتق وقائدا للواء 30 مدرع، وبتعيين العميد الركن فؤاد محمد سالم النسي مديرا عاما لشرطة شبوة، والعقيد مهيم سعيد محمد ناصر قائدا لفرع قوات الأمن الخاصة بالمحافظة.

ليعلن بعدها محافظ شبوة، العولقي، إطلاق عملية عسكرية، في 10 أغسطس، لإنهاء ما وصفه بـ"التمرد"، مستعينا بقوات ألوية العمالقة وقوات دفاع شبوة التابعة للمجلس الانتقالي وبمساندة مسيرات إماراتية.

وتمكنت تلك القوات من السيطرة على المدينة في وقت تحدثت فيه مصادر محلية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، بينهم مدنيون.

وشرعت القوات الانفصالية بنزع أعلام اليمن الموحد من فوق المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية، واستبدالها بالأعلام الانفصالية، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور وتسجيلات مصورة، تظهر قوات تابعة لما يسمى "دفاع شبوة" و"العمالقة" وهي تمزق الأعلام اليمنية.

ومنذ العام 2019، سعت القوات المدعومة من الإمارات إلى بسط سيطرتها على المحافظة ذات الموقع الإستراتيجي والاقتصادي المهم على البحر العربي بمساحة تزيد عن 48 ألف كيلومتر مربع والتي يوجد فيها 15 قطاعا نفطيا.

انزلاق خطير

وتعليقا على التطورات الدراماتيكية في شبوة، قال الباحث اليمني، عادل دشيله، إن "الأحداث مؤشر على الانزلاق الخطير نحو الفوضى والاقتتال المناطقي والأهلي".

وعد دشيله في حديث لـ"الاستقلال"، أن "هذه الأحداث لن تمر مرور الكرام ولن يتم التغاضي عنها من قبل القوى اليمنية التي تعمل في إطار المجلس الرئاسي ومؤسسات الدولة".

وشدد على أنه "من خلال الأحداث المؤلمة والمأساوية في شبوة يتضح أن المجلس الرئاسي لا يمتلك القرار السياسي، ولا يستطيع العمل على توحيد مؤسسات الأمن والجيش، في ظل استمرار عمله من العاصمة المؤقتة عدن، تحت حماية المجاميع الانفصالية ممثلة بالمجلس الانتقالي".

وزاد بالقول: "من الناحية السياسية المجلس الرئاسي الذي شكل بناء على رغبة إقليمية واضح أنه لا يملك القرار، وبالتالي من لا يملك القرار لا يستطيع أن يحكم بتركيبته المتناقضة، والفشل هو مصير هذا المجلس، ولا يمكن أن يلبي طموحات اليمنيين".

ورأى أن "هذه الأحداث تقوي من شوكة المليشيات الانفصالية في الجنوب والمليشيات الطائفية في الشمال، وفي حال لم يتم اتخاذ إجراءات رادعة لهذه الأعمال ومعالجتها جذريا فلا يستبعد أن تتفكك القوى التي تناهض مشروع الحوثي، وهذا لا يصب في صالح الجميع".

وأكد دشيله أن "الأوضاع تسير من سيء إلى أسوأ، والحديث عن توحيد القوى الأمنية والعسكرية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية أصبح أكثر تعقيدا، وظهور الانتقالي بدعم من القوى الإقليمية بهذه الصورة المتهورة وبهذا الشكل يعقد الوضع على المستوى العسكري والأمني والسياسي والإنساني".

وأعرب الباحث اليمني عن أمله أن "تتجاوز القوى الوطنية هذه المرحلة وتقول (لا) لإجراءات التحالف السعودي الإماراتي وتدمير مؤسسات الدولة".

ويعيد مشهد الاشتباكات في شبوة إلى الأذهان ما دار في سبتمبر/أيلول 2019، عندما خاضت القوات الحكومية معركة حاسمة مع "النخبة الشبوانية"، استعادت بموجبها السيطرة على المحافظة.

واستفاد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا من التحولات في المحافظة، خصوصا بعد تعيين المحافظ، العولقي، والذي عمد إلى تمكين "النخبة الشبوانية" وقوات العمالقة، ما ساهم في التوتر مع القوات الخاصة، قبل أن تفجر اشتباكات مسلحة.

بيان رئاسي

وفي تعليق لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، على أحداث  شبوة، قال العليمي، إن مجلس القيادة "بادر إلى الاستجابة السريعة، وقطع دابر الفتنة ومحاسبة المسؤولين عنها".

وأعلن في بيان نشرته وكالة "سبأ" الرسمية في 10 أغسطس/آب 2022، تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، بعدما أوقعت الاشتباكات ضحايا في صفوف المدنيين.

كما أعلن جملة من الإجراءات، ضمنها "إقالة بعض القادة في المحافظة، إضافة إلى تعليمات أخرى لتطبيع الأوضاع، بما في ذلك تشكيل لجنة برئاسة وزير الدفاع وعضوية وزير الداخلية وخمسة من أعضاء اللجنة الأمنية العسكرية المشتركة وفقا لإعلان نقل السلطة".

وستقوم هذه اللجنة بمهمة تقصي الحقائق ومعرفة الأسباب التي أدت إلى إزهاق أرواح أبناء شبوة، وتحديد مسؤولية السلطة المحلية والقيادات العسكرية والأمنية ودورها في تلك الأحداث ورفع النتائج إلى مجلس القيادة الرئاسي لـ"اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة"، وفق البيان.

وعد العليمي أن أحداث عتق "تعطي درسا إضافيا في أهمية الالتفاف حول سلطة الدولة وحقها في احتكار القوة واتخاذ كل الوسائل لإنفاذ إرادتها وحماية مواطنيها"، في إشارة للمليشيا الانفصالية التي تتحكم بالوضع العسكري على حساب سلطات الدولة.

وأكد أنه وأعضاء مجلس القيادة "في حالة اجتماعات متواصلة للوقوف على تلك الأحداث المؤسفة والعمل على معالجتها بروح التوافق وفقا لإعلان نقل السلطة".

من جانبه، قال وزير الداخلية السابق، أحمد الميسري، إن "مجلس القيادة الرئاسي شرعن لضرب وحدات الجيش والأمن الرسمية في شبوة، وذلك عقب مواجهات دامية انتهت بسيطرة القوات الانفصالية الموالية للإمارات على مدينة عتق".

وأضاف الميسري، في بيان مصور، أن "المخطط التآمري الإماراتي الذي سقط في شبوة عام 2019 عاد ليستهدف المحافظة من جديد وبنفس التوقيت".

وأشار إلى أن "الإمارات بطيرانها المسير جاءت لتنقذ عملاءها مرة أخرى كما حدث في مجزرة العلم 2019"، مشيرا إلى أن "مخطط التآمر لن يتوقف عن شبوة وسيطال بقية المحافظات غير الخاضعة للمليشيات".

مخطط محسوم

وبحسب متابعين، فإن معركة شبوة تأتي في إطار تقليص نفوذ أطراف الشرعية السابقة وتحديدا حزب "الإصلاح" والقوات الموالية له، وحزب "المؤتمر" جناح الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، لمصلحة أطراف الحكم الجديدة ممثلة في حزب "المؤتمر" جناح عائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والمجلس الانتقالي الجنوبي.

وتعاقب الإمارات عبر أدواتها المحلية كل من يقف أمام مشروعها في اليمن، وسبق لها الضغط على الرئيس السابق هادي، لإقالة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو قبل 9 أشهر، وهو ما دفعه لمغادرة شبوة منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى الأردن بعد تداول أخبار عن قرب إقالته.

بعدها بأيام، أصدر هادي قرارا بتعيين الرجل الموالي لأبو ظبي والقيادي المؤتمري المقيم في الإمارات، العولقي، خلفا له، وتعيين ابن عديو مستشارا للرئاسة، وهو القرار الذي اعتذر الأخير عن عدم قبوله.

وفي 20 فبراير/شباط 2022، اغتيل شقيقه سعيد بن عديو بالرصاص، ووجهت أصابع الاتهام إلى أدوات أبو ظبي في اليمن.

وتعد شبوة واحدة من أهم المحافظات اليمنية، كونها نفطية وتحوي منشأة "بلحاف" الغازية التي تعد من أهم المنشآت الاقتصادية في البلاد.

وترتبط بحدود مشتركة مع محافظات مأرب (شرق) والبيضاء (وسط) وأبين (جنوب) وحضرموت (جنوب شرق)، وعبرها يمر الطريق الدولي إلى السعودية.

ولا تزال الاتهامات مستمرة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، رغم توقيعهما اتفاقا بالرياض، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ودخولهما في شراكة بعد تشكيل مجلس قيادة رئاسي جديد في أبريل/نيسان 2022.

وتركز الاتفاق في شقه السياسي على إشراك المجلس الانتقالي في حكومة جديدة، ونص في شقه العسكري والأمني على انسحاب قوات المجلس من محافظة عدن وبقية المحافظات التي سيطر عليها المجلس، ودمج قواته ضمن قوام الجيش والأمن.

وأيضا، إنهاء الأسباب التي أدت إلى انقلابه على الحكومة الشرعية في أغسطس/آب 2019، عندما أحكم المجلس سيطرته على مدينة عدن وطرد القوات الحكومية، لكن الشق العسكري لم ينفذ بعد بسبب تعنت المجلس الانتقالي.