بتفتيش منزله.. هل يسعى بايدن لحرمان ترامب من الترشح لانتخابات 2024؟

12

طباعة

مشاركة

في حادثة لم يتعرض لها أحد ممن سبقوه، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 8 أغسطس/آب 2022 عبر منصة التواصل الاجتماعي "تروث" التي يملكها، أن ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" داهموا منزله بفلوريدا.

"كريستينا بوب" محامية ترامب قالت لموقع "بوليتيكو" الأميركي في ذات اليوم إن محققي "إف بي آي" أخذوا بأمر من قاضي فلوريدا بروس راينهارت، حوالي 10 صناديق بها وثائق سرية كان يحتفظ بها الرئيس السابق، في مخالفة لقانون السجلات الرئاسية.

ما زاد موقف ترامب سوءا أن مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالية منزله أعقبها ظهور كتاب لصحفية أميركية يؤكد بالصور، إلقاء الرئيس السابق الأوراق الرئاسية في المرحاض أيضا لإخفائها.

وقالت "ماجي هابرمان" مراسلة البيت الأبيض في صحيفة "نيويورك تايمز"، في كتاب أصدرته عن ترامب، بعنوان " CONFIDENCE MAN"، أو "رجل الثقة"، إن الموظفين كانوا يكتشفون بانتظام أكواما من الورق تسد المراحيض، وهو ما دفعهم للاعتقاد بأنه كان يحاول التخلص من وثائق معينة.

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي في 8 أغسطس 2022 عن الصحفية "ماجي هابرمان" أن "خط يد ترامب المكتوب بحبر شاربي الذي يفضله، كان واضحا على الوثائق التي عثر عليها ممزقه في مرحاض البيت الأبيض".

تحدثت في الكتاب عن مخاوف أن يكون ترامب دمر بشكل غير قانوني سجلات ذات أهمية كبيرة كان يفترض حفظها في مكان آمن. ويروى أيضا كيف أن الرئيس السابق اعتاد التعامل باستخفاف مع وثائق البيت الأبيض.

وعلى الرغم من نفي ترامب للواقعة، ووصفه "هابرمان" بأنها "حشرة"، تُظهر الصور قصاصات من الورق في مرحاضين بخط يده المميز عليها.

وكان حفظ ترامب العشوائي للسجلات موضوع معركة طويلة في فبراير/شباط 2022 بينه وبين الأرشيف الوطني، مما دفع وزارة العدل للتحقيق في الأمر، وفق ما نشر موقع قناة "سي إن إن" الأميركية في 9 أغسطس من نفس العام.

وهددت المحفوظات حينئذ بالذهاب إلى الكونغرس ووزارة العدل لحمل ترامب على تسليم هذه الوثائق السرية التي كان يحتفظ بها.

وسبق أن أعلنت إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية أنها استعادت 15 صندوقا من السجلات من منزل ترامب في ويست بالم بيتش في يناير/كانون الثاني 2022، وبعضها وثائق مصنفة "معلومات سرية للأمن القومي"، قبل واقعة اقتحام منزله في فيرجينيا.

انقلاب أم حق؟

ونفى البيت الأبيض علم الرئيس الأميركي جو بايدن بتفتيش منزل ترامب وقال إنه لم يتلق إخطارا مسبقا بالمداهمة، مشددا على أن وزارة العدل تجري تحقيقاتها بهذا الشأن بشكل مستقل.

لكن ترامب قال إن بايدن يعلم كل شيء وأثارت الواقعة غضب الأول وأنصاره اليمينيين المسيحيين المتطرفين.

وزعم بوك سيكستون المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" أن مداهمة منزل ترامب "انقلاب استباقي" لمنعه من الترشح للرئاسة عام 2024، وانتقد استخدام العدالة كـ "سلاح" ضد الرئيس السابق.

وزعم أنصار ترامب أن الاتهامات الموجهة له ستدعمه سياسيا ودعائيا خاصة أن شعار حملته مبني بالأساس على تعرضه للظلم، بحسب تقرير نشره موقع "إن بي سي نيوز" في 9 أغسطس 2022.

لكن صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلت في نفس اليوم عن خبراء في الأمن القومي أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن لينفذ هذه الخطوة عالية المخاطر دون الاعتقاد الراسخ بأن هناك انتهاكا جنائيا محتملًا كان محل خلاف".

وقال محللون أميركيون إن ترامب يخضع أيضا للتحقيق في محاولاته تغيير نتائج الانتخابات الرئاسية، وفي ممارساته التجارية بنيويورك في قضايا منفصلة جنائية، ما قد يقضي على مستقبله، وفق موقع "سي إن إن".

وفي 10 أغسطس، رفض ترامب الإجابة عن أسئلة المدعية العامة لنيويورك في القضية الأخيرة بشأن التحقيق في احتيال مفترض بممارسات عائلته التجارية.

وبرر ترامب ذلك بما أسماه "حملة اضطهاد باطلة وذات دوافع سياسية بدعم من محامين ومدعين عامين ووسائل إعلام مضللة".

وزعم: "أتعرض لأعظم مطاردة قانونية من جمهورية موز"، بحسب ما قال على منشور في منصته "تروث سوشيال".

وعقب اقتحام منزل ترامب تراشق المسؤولون من الحزبين، ورأى الجمهوريون أن ما جرى استغلال لوزارة العدل ضد الرئيس السابق ويحول أميركا إلى جمهورية موز ديكتاتورية، فيما أكد الديمقراطيون أن هذا تطبيق للقانون.

وعبّر مايك بنس النائب السابق لترامب، عن "قلق عميق" إزاء هذا التفتيش، وقال إنه ينم عن "انحياز حزبي" من جانب وزارة العدل.

واتهم النائب الجمهوري عن كاليفورنيا كيفن ماكارثي، وزارة العدل بممارسة "التسييس المسلح"، كما رأت رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رونا ماكدانيال عملية الدهم "مشينة"

واستغرب السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الحليف المقرب من ترامب، "إطلاق تحقيق بحق رئيس سابق في توقيت قريب جدا من الانتخابات (التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني 2022)"، وعده "أمرا يتجاوز الإشكالية".

ووصف حاكم ولاية فلوريدا رون دوسانتس دهم منتجع ترامب بأنه تصعيد في استخدام مؤسسات الدولة ضد الخصوم السياسيين للنظام الحاكم، في إطار تسليح الوكالات الفيدرالية ضد المعارضين وقال "إنها جمهورية موز".

وشبّه السيناتور الجمهوري ماركو روبيو تفتيش مقرّ إقامة ترامب باضطهاد المعارضين السياسيين في ديكتاتوريات العالم الثالث الماركسية، وفق وصفه. 

في المقابل، قالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي "لا أحد فوق القانون ولا حتى رئيس سابق للولايات المتحدة".

وقال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي إنه: "متى قررنا أن الأثرياء والأقوياء هم فوق القانون، فإن أميركا لا تبقى أميركا".

الارتباط بالانتخابات

وأثار استرداد الصناديق تساؤلات حول التزام ترامب بقوانين السجلات الرئاسية التي جرى وضعها بعد فضيحة "ووترغيت" في السبعينيات وتتطلب من الرؤساء الاحتفاظ بالسجلات المتعلقة بعملهم. 

و"ووترر غيت" هي أشهر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة أدت إلى استقالة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون بسبب حادثة تنصت في مكاتب الحزب الديمقراطي بواشنطن,

وكان من المفترض أن يسلم ترامب في نهاية ولايته الوثائق والتذكارات التي بحوزته، ولكنه بدلا من ذلك نقلها عبر شاحنات إلى مقره في منتجع "مار ايه لاغو"، ولم يلتزم بقوانين السجلات الرئاسية التي يعد إخفاؤها أو تدميرها جريمة جنائية.

ويحدد قانون السجلات الرئاسية لعام 1978 الطرق التي يجب أن يجرى الاحتفاظ بها خلال فترة الرئاسة وتسليمها في نهاية أي إدارة.

وتؤكد المادة 2071 من الباب 18 في قانون الولايات المتحدة أن "أي شخص لديه عهدة مستندات أو ملفات حكومية يعمد إلى إخفائها أو التخلص منها أو تحريفها أو محوها أو تزويرها أو إتلافها بشكل متعمد وغير قانوني، يُدان ويغرّم مالياً أو يحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات".

ووفقا لهذا القانون: لو أدين أي شخص بانتهاك بنود "يُمنع من شغل منصب اتحادي (فيدرالي)، ويُحرم من هذا المنصب وسيواجه عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات".

وهو ما يعني أنه لو اتهم ترامب وأدين بالتخلص من أو إخفاء أو إتلاف ملفات حكومية بموجب هذا القانون، فسيكون غير مؤهل للترشح للرئاسة وفق القانون، بحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 9 أغسطس.

وإذا أدين ترامب، فمن المرجح أن يطعن في أي محاولة لاستبعاده من منصبه مرة أخرى، ربما أمام المحكمة العليا الأميركية التي تضم أغلبيتها المحافظة 3- 6 ثلاثة قضاة عينهم هو، وفق ما قالت وكالة رويترز البريطانية في 10 أغسطس 2022.

وكتب المحامي الديمقراطي مارك إلياس على تويتر أن أي إدانة بموجب المادة 2071 قد لا تمنع ترامب من الترشح للرئاسة مرة أخرى، لكنه قال إنه من الضروري خوض معركة قانونية.

والتحقيق في الوثائق واحد من عدة تحقيقات ركزت على ترامب منذ مغادرته منصبه، بعد أسابيع من اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021، في محاولة فاشلة لقلب خسارته الانتخابية.

ورفض المدعي العام ميريك غارلاند التعليق على تكهنات بإمكانية توجيه اتهامات جنائية لترامب. إلا أنه أكد بالقول: "لا يوجد شخص فوق القانون"، مبديا عزمه "محاسبة كل شخص مسؤول جنائيا عن محاولة قلب نتيجة انتخابات شرعية".

ويواصل ترامب الادعاء بأن الانتخابات الرئاسية الأخيرة سرقت من خلال تزوير واسع النطاق في التصويت.

ومع أن ترامب لا يزال الصوت الأكثر نفوذا في الحزب الجمهوري، تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن حاكم فلوريدا "رون ديسانتيس" ترتفع أسهمه كمرشح محتمل للحزب الجمهوري لعام 2024، حال استبعاد الرئيس السابق بفعل جرائم جنائية.

وكان قاضٍ أميركي أعلن إمكانية محاكمة ترامب على خلفية دوره في واقعة اقتحام الكونغرس "الكابيتول" خلال يناير 2021.

وأشار القاضي إلى أن الزعيم الجمهوري لا يتمتع بحصانة رئاسية في هذه القضية، طبقا لما أورده موقع" بيزنس إنسيدر" الأميركي في 18 فبراير 2022.

كما أمر قاضٍ آخر ترامب واثنين من أولاده في 17 فبراير 2022 بوجوب الإدلاء بشهادتهم تحت القسم في قضية مدنية في نيويورك تتعلق باحتيال مزعوم مرتبط بشركاته، وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.

وقد يُتهم ترامب أيضا بتنفيذ "مؤامرة مثيرة للفتنة"، وهو قانون نادر الاستخدام يحظر إطاحة الحكومة الأميركية بالقوة، وهي تهمة وُجهت بالفعل للعديد من المشاركين في الهجوم.

وربط أنصار ترامب بين ما جرى وتراجع نسبة التأييد للرئيس جو بايدن الى أقل من 40 بالمائة وتوقع فقدان الديموقراطيين لهيمنتهم في مجلس النواب بعد انتخابات نوفمبر 2022 النصفية، مصورين الأمر على أنه انتقام سياسي.

رأوا ذلك مؤشرات يتفاءل بها ترامب للعودة لركوب الموجة الجمهورية للوصول إلى البيت الأبيض مجددا عام 2024.

قالوا إن هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما اتهمت بإخفاء مئات الرسائل التي جرى كشفها لاحقا على بريدها الخاص بالمخالفة للقانون، ومع هذا لم تعامل بالمثل.